لابد لمن يريد التعرف على المصادر الشيعية من أمرين: الأول: أن كثيراً مما تتضمنه المصادر الشيعية ليس أمراً متفقاً عليه بين الشيعة. وإنما اتفقوا على أصول العقيدة، من التوحيد وما يتعلق به، من تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الظلم والجبر والتجسيم والتشبيه والمكان والزمان. ثم النبوة. ثم إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وما يتعلق بهما من عصمة الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم)، ثم المعاد الجسماني.
كما اتفقوا على بعض الأمور الأخرى التي ثبتت بأدلة قطعية من النصوص المتواترة أو الإجماع أو حكم العقل القطعيين. وتلك الأمور تتعلق بالفقه والسيرة وما بعد الموت وغير ذلك. وقد اختلفوا في كثير من الأمور، لأن باب الاجتهاد مفتوح عندهم. والاختلاف المذكور يجري حتى في النصوص والأحاديث الشريفة، فليس كل حديث يذعنون بمضمونه أو يتفقون عليه. وكم من حديث متروك لا يعمل عليه، على معايير وضوابط لا يسعنا تفصيلها في هذه العجالة، أو هو مورد للخلاف بينهم، لاختلافهم في تلك الضوابط والمعايير. والمهم أنه لا ينبغي التسرع في نسبة ما يوجد في تلك المصادر ـ من مضامين الأحاديث أو أقوال العلماء ـ إلى الشيعة بأجمعهم وتحميلهم مسؤوليته إلا بعد التأكد من إذعانهم به واتفاقهم عليه. نعم لا ريب في أن تلك المصادر تكشف عن الملامح العامة لآراء الشيعة وأقوالهم، وتوضح الخطوط العريضة لثقافتهم ومنهجيتهم. لابد للباحث من الموضوعية والتجرد الثاني: أن من الطبيعي أن من لم يألف الثقافة الشيعية، وعاش الثقافة السنية وألفها، سيصدم عند الرجوع للمصادر الشيعية، خصوصاً في الأمور المذهبية الحساسة، التي يحمل لها في نفسه قدسية واحتراماً. فإن ما تتضمنه المصادر الشيعية من ذلك وإن وجد متفرقاً في المصادر السنية، أو وجدت له شواهد فيها، إلا أنه ليس بحيث يلتفت إليه في خضمّ الكثرة الكاثرة من الأحاديث والمسلمات الموروثة عند السنة. ومن هنا فاللازم التثبت عند الرجوع للمصادر الشيعية وعدم التسرع في الإنكار والاستبشاع عند الاطلاع على بعض ما تتضمنه، لأن ذلك كله يبتني على أصول مؤصلة، قد أتعب الشيعة أنفسهم في الاستدلال عليها، وذكر الشواهد لها من مصادر سنية وغيرها، في مسيرة طويلة شاقة، من أحاط بها وخرج منها يهون عليه سماع ما تتضمنه مصادرهم مما يخالف مسلماته وموروثاته، ولا يفاجأ بها، ولا يصدم. ولا نريد بذلك أن ندعي صحة جميع ما يذكره الشيعة، إذ لا موجب لتعجل الأمور قبل أوانها. بل كل ما نريده عدم تعجل الإنكار والاستبشاع، والانتظار بهما حتى يطلع على أصول الشيعة وأدلتهم وتستوعب، ثم ليختار المنصف لنفسه بعد ذلك ما يحلو له، ويقتضيه وجدانه وبرهانه الذي يراه مقنعاً أمام الله سبحانه وتعالى ومعذراً بين يديه. فإن المهم إرضاؤه جل شأنه والخروج عن المسؤولية معه، وهو نعم الرقيب والحسيب. ولا أهمية لإرضاء الناس أو إسكاتهم. كما لا يغني إرضاء العواطف وإشباع الرغبات. فإن أمد ذلك كله قصير، وهو صائر إلى زوال، وبعد ذلك الحساب العسير، ثم الخلود في الجنة أو في النار.
المصدر: في رحاب العقيدة ج1 - المرجع السيد محمد سعيد الحكيم (قدس)