الإمام المهدي المنتظر عند السنة هو غير الإمام المهدي عند الشيعة. هل يمكن القول بصحة الرأيين معاً أم لا. وما وجه الصواب أهو عند السنة أم عند الشيعة؟
ج: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور..
١ ـ الإمام المهدي المنتظر عند المسلمين جميعاً واحد، وهو الذي أخبر عنه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من بعده. وإنما الخلاف بين المسلمين..
أولاً: في نسَبه.
فقد أجمع الشيعة على أنه من ذرية الإمام أبي عبدالله الحسين السبط الشهيد (صلوات الله عليه)، وأنه تاسع الأئمة من ذريته، وآخر الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
ووافقهم على ذلك جماعة من علماء السنة. ويشهد له أخبار كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من آله (صلوات الله عليهم) دلت على ذلك نصاً، أو استفيد منها بضميمة أدلة أخر.
وذهب جمع آخرون من علماء السنة إلى أنه من ذرية الإمام أبي محمد الحسن السبط الزكي (صلوات الله عليه)، لأخبار رووها عن النبي (صلى الله عليه وآله).
وثانياً: في أنه هل ولد، وهو موجود فعلاً، أو لا، بل سوف يولد عند أوان قيامه؟
وقد أجمع الإمامية على الأول، واعتقدوا أنه الإمام الغائب الذي ينتظر إذن الله تعالى له بالظهور. ووافقهم على ذلك أيضاً جماعة من علماء السنة.
وذهب جماعة كثيرة من علماء السنة إلى الثاني.
والإمامية ومن وافقهم يحتجون بأخبار وأدلة قامت على ولادته. أما الفريق الثاني فالظاهر أنه ليس له أدلة تنفي ولادته، بل هو لم ينظر في أدلة الإمامية على ولادته، أو لم يقتنع بتلك الأدلة. ولما لم تثبت عنده ولادته، واستبعد بقاءه هذه المدة الطويلة، حكم بعدم ولادته، واضطر للبناء على أنه سوف يولد عند أوان قيامه.
٢ ـ أما القول بصحة القولين معاً فلا مجال له بعد كون المهدي شخصاً واحداً بشّر به النبي٨. إذ الشخص الواحد لا يجمع الحالتين المختلفتين المتضادتين. بل لابد من صحة أحد الرأيين دون الآخر، بعد انحصار الأمر بهما وعدم خروجه عنهما. وعلى ذلك فإذا تمت الحجة على صحة أحد القولين كانت بنفسها حجة على بطلان القول الآخر.
٣ ـ أما الصواب من الرأيين فمن الطبيعي أن نذهب إلى أنه رأي الشيعة الإمامية، لوفاء الأدلة عندنا بذلك. ومن الظاهر أنه لا يهمك معرفة رأينا بقدر اهتمامك بمعرفة أدلتنا.
وحيث كان الإمام الغائب (عجل الله فرجه) هو خاتم الأئمة الإثني عشر، فالحديث عن وجوده وإمامته يبتني على تمامية دعوى الشيعة الإمامية في الإمامة والخلافة، وتمامية الأدلة التي استدلوا بها على دعواهم، في مقابل دعوى السنة في الإمامة والخلافة وأدلتهم عليها.
والحديث في ذلك متشعب وطويل جداً، لا يسعنا استيفاؤه واستقصاؤه في هذه العجالة. وعلى طالب الحقيقة أن يتولى ذلك بنفسه.
لابد من تحديد نظام الحكم عند الشيعة والسنة
نعم هنا أمر يحسن التنبيه له، وهو أن المقارنة بين مذهب الشيعة في الإمامة ومذهب السنة فيها لا ينبغي أن تعرض على أساس المقارنة في استحقاق الإمامة بين شخصين أو أشخاص محدودين، كالإمام علي (عليه السلام) وأبي بكر، أو أهل البيت (صلوات الله عليهم) في جانب، والصحابة أو المهاجرين أو قريش عموماً في جانب.
لأن الإسلام هو الدين الخاتم للأديان والباقي في الأرض ما بقيت الدنيا. والمفروض أن يكون هو الحاكم في الأرض ما بقي وبقيت. فلابد في تشريع الإسلام لنظام الحكم من أن يكون النظام الذي شرعه صالـحاً لحكم الأرض باستمرار، ولا يختص بأفراد أو جماعة مخصوصين، وينتهي بانتهائهم.
وعلى ذلك لابد من عرض المقارنة بين مذهب الشيعة في الإمامة ومذهب السنة فيها على أساس المقارنة بين نظامين صالحين لتنفيذ التشريع الإسلامي في الأرض باستمرار، ما دام فيها إنسان يريد الله تعالى منه أن يكون مسلماً.
وبعد تعيين نظام الحكم في الإسلام، وإقامة الأدلة الشرعية عليه، يكتسب الحاكم على أساسه شرعية الحكم والإمامة، ويفقد الخارج عنه الشرعية مهما كان شأنه. وإلى ذلك يرجع قول أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه): «اعرف الحق تعرف أهله».
أما مع عدم تعيين نظام الحكم المشرّع في الإسلام فلا معنى للحديث عن شرعية حكم الحاكم وإمامته، وعدم شرعية غيره، مهما كان شأنهما.
وبعد ذلك نقول: نظام الحكم في الإسلام عند الشيعة يبتني على أن تعيين الإمام إنما يكون بجعل من الله تعالى، من دون حاجة إلى مشاورة أحد أو بيعته أو إقراره، وأن الله جل شأنه لابد أن يعرّف الناس بشخص الإمام الذي جعله بحجة كافية واضحة، من طريق نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الناطق عنه والمبلغ لشريعته، أو من طريق الإمام المنصوب من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن ذلك الإمام ينطق عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنبي ينطق عن الله تعالى.
وعلى ذلك يذهب الشيعة إلى أن الأئمة الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتمّ تبليغه بهم، هم اثنا عشر، وأنهم من أهل بيته، وأن أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، ثم الحسن السبط الزكي (عليه السلام)، ثم الحسين السبط الشهيد (عليه السلام)، ثم تسعة من ولد الحسين متعاقبين ولداً عن والد، تاسعهم قائمهم، وهو الإمام محمد بن الحسن المهدي الغائب المنتظر (عجل الله تعالى فرجه). وهم وحدهم يملكون شرعية الإمامة والخلافة، دون غيرهم مهما بلغ شأنهم. وللشيعة على ذلك أدلتهم التي عولوا عليها، والتي يحتجون بها، ويحاولون إقناع غيرهم بمؤداها.
أما مذهب السنة في الإمامة فلا يخلو عن غموض، ولا يتيسر لنا تحديده، ليكون طرفاً في المقارنة مع مذهب الشيعة فيها، كما يشهد بذلك النظر إلى واقع خلافتهم، وما فرضوه على أنفسهم من شرعية كل ما حصل.
غير أنه ربما يحاول بعضهم دعوى ابتناء نظام الخلافة عندهم على اختيار الأمة. ولو تم ذلك فهو لا يصلح لأن يكون نظاماً متكاملاً إلا بعد أن يحدد فيه بصورة دقيقة:
أولاً: من له حق الترشيح للإمامة والخلافة من حيثية النسب، والسن، والمقام الديني والاجتماعي، وغير ذلك.
وثانياً: متى تسقط أهلية الشخص المنتخب للخلافة؟، والأسباب التي تقضي بانعزاله منها، كالجور في الحكم، أو مطلق الفسق، والخَرَفِ أو المرض، والعجز المطلق أو الضعف، وغير ذلك. مع تحديد ذلك بدقة رافعة للاختلاف، تجنباً عن مثل ما حصل في أمر عثمان، حيث طلب الذين ثاروا عليه أن يتخلى عن الخلافة، لعدم أهليته، وامتنع هو من ذلك، لدعوى أنه لا ينزع عنه لباساً ألبسه الله تعالى إياه. وكما وقع بعد ذلك في العهد الأموي والعباسي والعثماني.
وثالثاً: من له حق الاختيار والانتخاب، من حيثية النسب، والسنّ، والمقام الديني والاجتماعي، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك؟
ورابعاً: كيف نحرز الأمور المذكورة؟، وهي تحقق شروط الترشيح في الشخص، وتحقق شروط الانتخاب فيمن يتصدى له، وبقاء أهلية الخليفة أو سقوطه عنها. وعلى أي طريق نعتمد في إثبات هذه الأمور؟.
وخامساً: صلاحيات الإمام والخليفة. إذ بعد ان خالف السنة الشيعة، فذهبوا إلى عدم عصمة الخليفة، وأنه يعمل باجتهاده، لا بعهد من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلابد من تحديد صلاحياته، فإن الواقع العملي للخلفاء عند السنة في غاية الاختلاف والاضطراب.
ففي الوقت الذي يصر فيه السنة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعهد بالخلافة لشخص خاص، وأنه ترك المسلمين يختارون لأنفسهم، نرى أبا بكر قد عهد بالخلافة لعمر، ثم عهد عمر بضوابط اختيار الخليفة بعد أن قصر المرشحين لها على نفر خاص، ثم بويع أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد عثمان باختيار وجوه المهاجرين والأنصار واندفاع عامة المسلمين من دون عهد من عثمان. ثم بويع الإمام الحسن (عليه السلام) بنص أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه، أو باختيار الناس ـ على الخلاف ـ واستغل معاوية خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم، ليعلن أنه الخليفة الشرعي.
لا ينزع عنه لباساً ألبسه الله تعالى إياه. وكما وقع بعد ذلك في العهد الأموي والعباسي والعثماني.
وثالثاً: من له حق الاختيار والانتخاب، من حيثية النسب، والسنّ، والمقام الديني والاجتماعي، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك؟
ورابعاً: كيف نحرز الأمور المذكورة؟، وهي تحقق شروط الترشيح في الشخص، وتحقق شروط الانتخاب فيمن يتصدى له، وبقاء أهلية الخليفة أو سقوطه عنها. وعلى أي طريق نعتمد في إثبات هذه الأمور؟.
وخامساً: صلاحيات الإمام والخليفة. إذ بعد ان خالف السنة الشيعة، فذهبوا إلى عدم عصمة الخليفة، وأنه يعمل باجتهاده، لا بعهد من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلابد من تحديد صلاحياته، فإن الواقع العملي للخلفاء عند السنة في غاية الاختلاف والاضطراب.
ففي الوقت الذي يصر فيه السنة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعهد بالخلافة لشخص خاص، وأنه ترك المسلمين يختارون لأنفسهم، نرى أبا بكر قد عهد بالخلافة لعمر، ثم عهد عمر بضوابط اختيار الخليفة بعد أن قصر المرشحين لها على نفر خاص، ثم بويع أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد عثمان باختيار وجوه المهاجرين والأنصار واندفاع عامة المسلمين من دون عهد من عثمان. ثم بويع الإمام الحسن (عليه السلام) بنص أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه، أو باختيار الناس ـ على الخلاف ـ واستغل معاوية خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم، ليعلن أنه الخليفة الشرعي.
في عهد عمر...».
وفرض عمر آراءه في الدين على المسلمين،كتحريم المتعتين ـ متعةالحج ومتعة النساء ـ وإمضاء الطلاق الثلاث، وغير ذلك مما هو مسطور مشهور.
وكان لاتجاهات الحكام الأثر المهم في توجيه وجهة الجمهور في الحديث والعقائد والفقه، وقد عرض المنصور العباسي على مالك بن أنس أن يكتب في الفقه كتاباً يحمل الناس عليه.
كما ان المأمون نادى بتحليل المتعة ثم تراجع عن ذلك، وقد حمل الناس على القول بخلق القرآن ونفى رؤية الله عزوجل في الآخرة، وروج آراء المعتزلة، وبقي الأمر على ذلك، حتى غيره المتوكل، وأمر بنشر أحاديث الرؤية، وظهر القول بعدم خلق القرآن، ونشط الاتجاه المضاد للمعتزلة.
وفي سنة أربعمائة وثمان للهجرة استتاب القادر الحنفية والمعتزلة والشيعة وغيرهم من ذوي المقالات المخالفة لمذهبه من مذاهبهم، ونهى عن المناظرة في شيء منها.
ثم انتهى الأمر إلى أن حصر المستنصر التدريس في المدرسة المستنصرية بالمذاهب الأربعة التي عليها مدار فقه السنَّة حتى اليوم.
ثم جعل العثمانيون المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي في الدولة... إلى غير ذلك مما لا ضابط له، وكانت المواقف المتناقضة دينياً ـ نتيجة ذلك ـ تتعاقب على الجمهور. ومن المعلوم عدم شرعية ذلك وأن الدين لا يتبدل بتبدل السلطة.
وإنما حصل ذلك بسبب عدم تحديد صلاحيات الخليفة. ولا يكمل نظام الخلافة إلا بتحديدها، وتحديد ما سبق، كما هو ظاهر.
وحيث لا يتيسر لنا فعلاً معرفة مذهب السنة في ذلك، فلابد من إيكاله إليهم.
فإذا تم لهم تحديد ذلك كله، وأقاموا عليه الأدلة الشرعية حسب قناعاتهم، بحيث يكون هو المعيار عندهم في شرعية ما وقع ويقع من دعوى الإمامة والخلافة، أمكن المقارنة بين نظام الحكم عند الشيعة ونظام الحكم عند السنة، والموازنة بينهما بلحاظ أدلتهما، والنظر في الترجيح بين أدلة الشيعة على النظام الذي يذهبون إليه، وأدلة السنة على النظام الذي يذهبون إليه، ثم الأخذ بالأقوى من الدليلين، والذي يصلح أن يكون حجة بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).
أما مع عدم التحديد الشرعي من تلك الجهات فالنظام ناقص لا يصلح أن يكون طرفاً في المقارنة مع مذهب الشيعة والموازنة بينهما، ويمتنع تشريعه إسلامياً:
أولاً: لاستلزامه نقص الدين، وعدم تحديد موضوع الحكم الشرعي من قبل الشارع الأقدس، فإن للإمامة أحكاماً شرعية ـ كوجوب وجود الإمام، ووجوب طاعته، ووجوب قتال الخارجين عليه ـ فإذا لم يتم بدقة تحديد نظام الإمامة يلزم جعل الشارع لأحكام الإمامة من دون تحديد موضوعها. وهو نقص في الدين والتشريع، ينزه عنه الإسلام العظيم.
بل هو مناف لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)(٢)، وغيره مما دل على كمال الدين.
وثانياً: لأن الفراغ التشريعي في نظام السلطة سبب لإثارة المشاكل والفتنة، واختلال النظام، حيث يتم به المجال للادعاءات المتناقضة، والأهواء المتباينة، وما يترتب على ذلك من انتهاك الحرمات، وانتشار الفساد، وتلف النفوس والأموال. وإن كان ذلك كله قد حصل ـ مع الأسف ـ بأفظع صوره وأشنعها في الواقع الإسلامي.
وهل يمكن أن يشرّع الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظام الحكم، ويجعل فيه منصب الخلافة، ثم لا يجعل الضوابط لتعيين الخليفة؟! وها نحن نرى المسؤولين عن تشريع القوانين الوضعية يبذلون عناية خاصة لتشريع قوانين نظام السلطة من أجل تجنب سلبيات الفراغ التشريعي فيها، فكيف يهملها الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أنهما أحرى بالاهتمام بتجنب السلبيات المذكورة؟!
ولاسيما وأن للسلطة والخلافة في التشريع الإسلامي مقاماً رفيعاً وقدسية بالغة، حتى أجمع المسلمون على وجوب معرفة الإمام وبيعته، وأن من مات بدون ذلك مات ميتة جاهلية ـ كما يأتي ـ وعلى وجوب طاعة الإمام، وحرمة الخروج عليه، وأن الخارج عليه باغ لا حرمة له، ويجب على المسلمين قتاله.
بعض الأدلة على صحة مذهب الشيعة في المهدي (عليه السلام)
ونعود فنقول: إن إمامة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) ـ التي عليها يبتني لزوم وجوده ـ وإن كانت هي آخر لبنة في نظام الإمامة عند الشيعة ومسك ختامها، وقد سبق أن الاستدلال على نظام الإمامة عندهم متشعب وطويل، إلا أن هناك أمران مهمان نستطيع أن ننطلق منهما لإثبات وجوده (صلوات الله عليه) وإمامته:
وجوب معرفة الإمام والتسليم له
الأول: أنه قد تظافرت الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية».
أو: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية».
أو: «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية».
أو: «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية».
أو: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
ونحو ذلك مما يرجع إلى عدم خلوّ كل عصر من إمام تجب على الناس طاعته، لشرعية إمامته.
وهو المناسب لقوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)، حيث يدل على أن لكل إنسان إماماً يدعى به.
وقد يحاول بعض الناس حمل الإمام في الآية الشريفة على النبي، وأن المراد أن أمة كل نبي تدعى معه.
لكنه مخالف لظاهر إطلاق الإمام في الآية الكريمة، فإن الإمام في عرف المسلمين من يأتم الإنسان به في أمر دينه ودنياه ويطيعه في أموره، والنبي إمام لأهل زمانه من أمته، أما بعد وفاته فلابد من شخص آخر يكون لهم إماماً مطاعاً فيهم. وهو الأنسب بالجمع بين الآية الشريفة والأحاديث المتقدمة، حيث تكون هذه الأحاديث شارحة للآية ومفسرة لها.
وعلى كل حال فالأحاديث المذكورة وحدها كافية في إثبات عدم خلوّ كل عصر من إمام تجب على الناس بيعته وطاعته، لشرعية إمامته. وذلك أنسب بمذهب الإمامية في الإمامة، وأنها بنص من الله تعالى، ولا تحتاج إلى اختيار الناس للإمام وبيعتهم له، بل يجب عليهم بيعته وطاعته، بعد أن جعله الله تعالى إماماً.
ويتجلى ذلك بوضوح في عصورنا هذه، حيث ترك السنة اختيار إمام لهم يبايعونه بعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا عام (١٣٤٢هـ)، وحيث كان مقتضى هذه الأحاديث وجود إمام للمسلمين في هذا العصر ـ كغيره من العصور ـ فالمتعين هو وجود المهدي المنتظر وإمامته، إذ لا يحتمل منا ومنهم إمامة غيره في هذه العصور.
الأئمة اثنا عشر من قريش
الثاني: أنه ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث كثيرة تعداد الأئمة في هذه الأمة، وأنهم اثنا عشر من قريش. وقد روي ذلك بطرق كثيرة، صحح أهل الحديث كثيراً منها. بل قال البغوي: «هذا حديث متفق على صحته».
وهذه الأحاديث تنطبق على مذهب الإمامية في الإمامة، فالأئمة الاثنا عشر أولهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وآخرهم الإمام المهدي الغائب المنتظر (صلى الله عليه، وعجل فرجه).
ولا موجب لصرف هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت الاثني عشر إلا قناعات السنة المسبقة بمشروعية ما حصل في أمر الخلافة، حيث اضطروا بسبب ذلك إلى إخضاع الأدلة لواقع خلافتهم الذي حصل. وحيث لا يتطابق هذا الواقع مع هذه الأحاديث فقد اضطربت كلماتهم في توجيهها. وحاول بعضهم توجيهها بوجوه متكلفة ظاهرة الوهن(١)، مع أن المنطق يقضي بإخضاع الواقع للأدلة، وتحكيمها في شرعيته أو عدمها، كما سبق في قول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «اعرف الحق تعرف أهله». ولا معنى لإخضاع الأدلة للواقع، وتحكيمه عليها وتكلف توجيهها بما يناسبه.
ولنكتف بهذا المقدار في الاستدلال على صحة مذهب الشيعة في المهدي المنتظر (عليه أفضل الصلاة والسلام)، مع إيكال بقية الكلام في ذلك لمباحث الإمامة وأدلة الإمامية فيها. ولاسيما ما ذكروه في خصوص المهدي المنتظر، حيث فصّلوا الكلام في أمره وأطالوا فيه، حتى ألّف كثير منهم كتباً خاصة به. فليطلب ذلك، ولينظر فيه من تهمه الحقيقة، ويريد الخروج عن مسؤوليتها مع الله تعالى.
ومنه سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد.
المصدر: في رحاب العقيدة ج1