روي عن زرارة، أن حمران سأل الإمام الباقر عليه السلام عن زمان ظهور المهدي صلوات الله عليه، فقال: «جعلني الله فداك لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به، قال: يا حمران إن لك أصدقاء وإخواناً ومعارف، إن رجلاً كان فيما مضى من العلماء وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شئ، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه، فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال:
يا بني إنك قد كنت تزهد فيما عندي وتقل رغبتك فيه، ولم تكن تسألني عن شئ ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني، فإن احتجت إلى شئ فأته، وعرفه جاره، فهلك الرجل وبقي ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له: قد هلك، فقال الملك: هل ترك ولداً؟
فقيل له: نعم ترك ابناً، فقال: ائتوني به، فبعث إليه ليأتي الملك، فقال الغلام: والله ما أدري لما يدعوني الملك، وما عندي علم، ولئن سألني عن شئ لأفتضحن، فذكر ما كان أوصاه أبوه به، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له: إن الملك قد بعث إلي يسألني، ولست أدري فيم بعث إلي، وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شئ، فقال الرجل: ولكني أدري فيما بعث إليك، فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شئ فهو بيني وبينك، فقال: نعم، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي فأوثق له الغلام، فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له: هذا زمان الذئب، فأتاه الغلام فقال له الملك: أتدري لما أرسلت إليك؟ فقال: أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا؟ فقال له الملك: صدقت، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال له:
زمان الذئب، فأمر له بجائزة فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله، وأبى أن يفي لصاحبه، وقال: لعلي لا أنفد هذا المال ولا آكله حتى أهلك، ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل هذا الذي سألت عنه، فمكث ما شاء الله.
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع، وقال: والله ما عندي علم آتيه به، وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له، ثم قال: لآتينه على كل حال، ولأعتذرن إليه ولأحلفن له، فلعله يخبرني، فأتاه فقال: إني قد صنعت الذي صنعت، ولم أف لك بما كان بيني وبينك، وتفرق ما كان في يدي وقد احتجت إليك فأنشدك الله أن لا تخذلني، أنا أوثق لك أن لا يخرج لي شئ إلا كان بيني وبينك وقد بعث إلي الملك ولست أدري عما يسألني، فقال: إنه يريد أن يسألك عن رويا رآها أي زمان هذا؟ فقل له: إن هذا زمان الكبش، فأتى الملك فدخل عليه فقال: لما بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت رؤيا، وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا، فقال له: صدقت فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال: هذا زمان الكبش، فأمر له بصلة فقبضها، وانصرف إلى منزله، وتدبر رأيه في أن يفي لصاحبه أو لا يفي فهم مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل ثم قال: لعلي لا أحتاج إليه بعد هذه المرة أبدا، وأجمع رأيه على الغدر وترك الوفاء فمكث ما شاء الله.
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه، وقال بعد غدر مرتين: كيف أصنع وليس عندي علم، ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يعلمه وأخبره أن هذه المرة يفي له، وأوثق له وقال:
لا تدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر وسأفي لك، فاستوثق منه، فقال: إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان، قال:
فأتى الملك فدخل عليه فقال له: لم بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني أي زمان هذا، فقال: صدقت، فأخبرني أي زمان هذا؟ قال: هذا زمان الميزان، فأمر له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال: قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه.
فقال له العالم: إن الزمان الأول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب، وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل، وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي، وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء، فاقبض مالك لا حاجة لي فيه، ورده عليه». روضة الكافي: 362 و 363.
ويمكن أن يريد الإمام عليه السلام من هذه القصة أن زمان ظهوره صلوات الله عليه لا يكون في زمان الذئاب ولا في زمان الكباش، بل زمانه متى ما علم الناس أنه لا غنى لهم عن الإمام ويسلمون له طاعتهم، ودون ذلك لا يتوقعون ظهوره. وهي عملية تحشيد وحث لأتباعهم عليهم السلام لالتزام التقوى وتوطين أنفسهم على التضحية في سبيل أهدافٍ إلهية، فالعبد لابد له أن يكون ضمن هذا المشروع.
وبتعبير العلامة المجلسي: «يمكنك استعلام ذلك، فانظر في حال معارفك وإخوانك فمهما رأيت منهم العزم على الانقياد والطاعة والتسليم التام لإمامهم فاعلم أنه زمان ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه، فإن قيامه مشروط بذلك، وأهل كل زمان يكون عامتهم على حالة واحدة كما يظهر من القصة». بحار الأنوار، ج14، ص500.