مثّل أئمة اهل البيت ع مصدر الخطر الأكبر على الخلافات المنحرفة، حتى أننا لنجد أن القائمين على تلك الخلافات من امويين وعباسيين وغيرهم لايهتمون بأعدائهم المباشرين الذين يألبون ويحملون السلاح ضدهم قدر اهتمامهم بالائمة المعصومين ع رغم أنهم ع لم يكونوا يبادروا الى أي نشاط معاد ضد السلطات الحاكمة. وذلك لاسباب منها
1. أنهم أصحاب الحق الشرعي في الخلافة
2. تأثيرهم الكبير في الناس، باخلاقهم وعلومهم وغير ذلك من صفات واخلاق تحلوا بها وكانت على مستوى يفوق البشر
وقد دأب الخلفاء المنحرفون على مواجهة خطر المعصومين ع بالعنف والتصفية والقمع، للحفاظ على مابأيديهم من سلطة وملك. حتى وصلت الخلافة الى المأمون العباسي الذي كان يتمتع بمواهب في الذكاء والحنكة السياسية. وانتهى به التفكير في خطر الائمة ع بأن أساليب العنف والقمع غير مجدية ولم تنجح في إزالة الخطر. فعمد الى خطة بديلة اقتضت نقل الامام، الذي عاصر فترة حكمه وهو الامام علي بن موسى الرضا ع من مقر سكناه في المدينة الى مرو حيث كان يقيم المأمون، وعرض ولاية العهد عليه.
لقد أدرك المأمون العباسي أن خطر الائمة المعصومين ع متأت من مكانتهم الاجتماعية لدى الجماهير لما لهم ع صفات ومزايا فاضلة في مقدمتها النزاهة والاستقامة والعدل. ففكر في نقل الامام المعصوم من دائرة العدو الذي يزيده اضطهاد السلطة له مكانة في الناس. الى دائرة الحليف الذي يشارك بالسلطة. ليظهر الامام المعصوم ع امام الناس كنعصر من عناصر حكومة المأمون. ولما اعتقد المأمون أن المنصب العالي في حكومته بما فيه من جاه وسلطة سيكفلان له اغواء الامام وجره الى واقع الانحراف الذي كانت عليه عناصر حكومته. فإنه سيتخلص من خطر الامامة. بمعنى أن خطر الامام متأت من مكانته الاجتماعية المتأتية من سلوكه المثالي. فإذا قضى على سلوكه المثالي أدى ذلك الى القضاء على مكانته الاجتماعية وحينها لن يشكل الامام المعصوم ع أي خطر على الخلافة.
لقد عرض المامون الخلافة نفسها على الامام الرضا ع بغية الوصول الى أكبر حد من الاغراء لجر الامام ع الى شرك الخديعة التي نصبه له. ولكن الامام الرضا ع سأل المأمون سؤالا، حول عرض الخلافة عليه، هدد به الأسس التي قامت عليها شرعية الخلافة العباسية، حيث قال الامام ع له " إذا كانت الخلافة من حقكم انتم العباسيون كونكم الأقرب نسبا للنبي محمد ص ( كما يدعي العباسيون في إضفاء الشرعية على خلافتهم) فكيف تتنازل لي عنها؟؟ وإذا لم تكن من حقكم (أي انكم أيها العباسيون كاذبون) فايضا كيف تتنازل لي عنها.
فاضطر المأمون الى عرض ولاية العهد على الامام الرضا ع ولم يترك للامام ع في هذه حرية القبول أو الرفض. فما كان من الامام ع إلا أن وضع لقبوله ولاية العهد شرطا قضى بها على خطة المأمون وفضح حكمه الفاسد امام العامة. حيث كان الشرط أنه يقبل ولاية العهد شرط ان تكون ولاية صورية يمتنع فيها الامام ع عن ممارسة أي سلطة ويرفض أية صلاحية.. فكان ذلك الشرط، عند معرفة الناس به، بمثابة آية واضحة على موقف الامام الرضا ع الملتزم بجادة الحق ورفضه الانغماس في مرتع الفساد والانحراف.
وهنا وجد المامون العباسي أن بصيرة الامام الرضا ع والتزامه المطلق للحق قد أفشلا خطته فشلا ذريعا. ولكنه قبل بشرط الامام ع ريثما يجد الوسيلة التي تعالج ذلك الفشل. وذلك عن طريق محاولات شتى أراد بها تشويه الصورة المثالية والمتكاملة التي يتحلى بها الامام الرضا ع مثل اعداده المناضرة المعروفة ووضعه الامام ع امام خيرة علماء عصره، لعل الامام ع يظهر منه جهل في نقطة ما أو يعجز عن حل مسألة معينة، فخرج الامام ع من المناضرة على حالة لاتوصف من غزارة العلم وقوة الحجة وسداد المنطق وتأكد مناضروه من أنه رجل يتعالى على الواقع البشري. ومثل طلبه من الامام ع إنزال المطر بصلاة الاستسقاء فما إن رفع الامام الرضا ع يديه بالدعاء حتى اغرق المطر الأرض.
لقد عاش الامام الرضا ع في مرو صورة ناصعة، عجز المأمون العباسي عن الحاق أي شائبة بها، وكانت تلك الصورة مدعاة لانبهار الناس وايمانهم بأنه واحد من الصفوة التي اختارها الله برحتمه أئمة اطهار.