يتعرض الإنسان طوال حياته لكثير من المصائب والمحن تدفعه إلى طرح هذا السؤال: "هل هذه المصائب نتائج لأفعالنا، أم هي عقوبات منه تعالى جزاءً لذنوبنا؟".
إن من رحمة الله تعالى وعدله أن وضع قوانين عبر عنها بسنن غير قابلة للتبدل والتغير، جزاء لأعمال الخلق فقال: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ» فصلت: 46، فأثبت تلازماً بين افعال العبد والحوادث الكونية من خير وشر، ويجمع جملة الأمر آيتان من كتاب الله تعالى وهما قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» الأعراف: 96، وقوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» الروم: 41.
فالحوادث الكونية تتبع الأعمال، فإذا جرت الناس على طاعة الله سبحانه وسلكوا الطريق الذي يرتضيه استتبع ذلك نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات، وأما إذا انحرفوا عن صراط العبودية، وتمادوا في الغي والضلالة ظهر الفساد في البر والبحر، قال تعالى: »وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ« الشورى: 30، وقال: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» النساء: 79.
ومن ذلك ما روى الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طفّف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع و الثمار والمعادن كلّها، و إذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي، سلّط الله عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم » ([1]). قال المجلسي الثاني في المرآة: صحيح ([2]).
نعم قد يُعرض الله تبارك وتعالى عبده لجملة من البلاءات ليمتحن قلبه فيها، وإظهار مكنون نفسه، فقد يظهر العبد إيماناً ويبطن كفراً، لكن في المواقف الصعبة والشديدة ليس له إلاّ الظهور على حقيقته؛ أهي طيّبة أم خبيثة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «في تقلب الاحوال، علم جواهر الرجال، والأيام توضح لك السرائر الكامنة»([3]).
وقد أشار إلى هذا النوع من البلاء، قوله تعالى: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ »([4]).
وأوضح منه قوله تعالى: «وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(([5])، وقوله تعالى: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » ([6]).
فإذا نزلت النوازل و كرت المصائب والبلايا على قوم أو على فرد فإن كان المصاب صالحا كان ذلك فتنة ومحنة يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب، وكان مَثَلَهُ مع البلاء مَثَل الذهب مع النار والمحك، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: 2 ـ 3.
وإن كان المصاب طالحا كان ذلك أخذا بالنقمة وعقابا بالأعمال نتيجة لفعله، كما تقدم.
([1]) الكافي (ت: علي غفاري) 2: 373. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([2]) مرآة العقول 11: 72. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([3]) بحار الأنوار: ج71 ص163.
([4]) آل عمران: 140-142.
([5]) آل عمران: 154.
([6]) التوبة: 16.