للذكر مثل حظ الأنثيين!.. هل يستصغر الإسلام المرأة؟!

الشيخ مقداد الربيعي
زيارات:2950
مشاركة
A+ A A-

اتهموا الإسلام بالعنصرية، وأنه دين ذكوري وفيه غمط لحقوق المرأة، وأدل دليل على ذلك تقديمه في الإرث وجعل حصته ضعف حصة المرأة، قال تعالى: »يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...« النساء: 11، وقوله ايضاً: »يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ... وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ« النساء: 176.

وقبل الإجابة، لابد من الإشارة الى اختلاف الإسلام عن باقي الملل والتوجهات الفكرية في الأصول التي بنى عليه مسألة الإرث، وهما أصلان:

الأول:  بنى الإسلام هذه المسألة على الرحم؛ لذا كلما كان الوارث أقرب الى الميت منع غيره من الإرث؛ وقد دلت آية الإرث على الأصل المتقدم في قوله تعالى:  »آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً« النساء: 11، فدلت على أن للقرب والبعد من الميت تأثيراً في باب الإرث، و إذا ضُمت الجملة إلى بقية الآية أفادت أن ذلك مؤثر في زيادة السهم وقلته وعظمه وصغره، و إذا ضُمت إلى قوله تعالى: »وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ « الأنفال: 75، أفادت أن الأقرب نسباً في باب الإرث يمنع الأبعد.

فأقرب الأقارب إلى الميت الأب والأم والابن والبنت إذ لا واسطة بينهم وبين الميت، والابن والبنت يمنعان أولادهما لأنهم يتصلون به بواسطتهم فإذا فقد الأبوان فأولادهم يقومون مقامهما.

وتتلوها المرتبة الثانية وهم إخوة الميت وأخواته وجده وجدته فإنهم يتصلون بالميت بواسطة واحدة وهي الأب أو الأم، وأولاد الأخ والأخت يقومون مقام أبيهم وأمهم، وكل بطن يمنع من بعده من البطون كما مر.

وتتلو هذه المرتبة مرتبة أعمام الميت وأخواله وعماته وخالاته فإن بينهم وبين الميت واسطتين وهما الجد أو الجدة والأب أو الأم، والأمر على قياس ما مر.

حصة المرأة ضعف حصة الرجل!

الثاني: ملاحظة التشريعات الأخرى، فصحيح أن الشرع المقدس جعل حصة الرجل في بعض الموارد ضعف حصة المرأة، إلا أنه جبر هذا النقص بأن أوجب على الرجال الأنفاق على النساء، فصارت في الحقيقة حصة المرأة ضعف حصة الرجل، فإذا ورث الرجل ثلثي التركة وورثت المرأة ثلثها فقد أوجب الله تعالى على الرجل الإنفاق عليها فتشاركه حينئذ في الثلثين، فيكون لها نصف الثلثين، أي ثلث التركة بالإضافة الى ثلثها الأصلي، فيجتمع معها ثلثا التركة، وللرجل الثلث.

والى هذه النكتة أشار العلامة الطباطبائي في الميزان حيث قال: وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب أن الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف فللرجل ملك ثلثي ثروة الدنيا وله مصرف ثلثها، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها، وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقل على روح الإحساس والعواطف في الرجل، والتدبير المالي بالحفظ و التبديل والإنتاج والاسترباح أنسب وأمس بروح التعقل، وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقل في المرأة، وذلك بالمصرف أمس وألصق فهذا هو السر في الفرق الذي اعتبره الإسلام في باب الإرث والنفقات بين الرجال والنساء. الميزان: ج4، ص47.

فيقرر (ره) أن تشريع الإرث مبني على طبيعة كل من الرجل والمرأة، فبما أن طبيعة الرجل تميل الى العقلانية جعل إدارة الثروة بيده والتدبير المالي والانتاج، وبما أن طبيعة المرأة تميل الى العاطفة وهذه الطبيعة الصق وأقرب الى الأنفاق.

ولعل هذا الفرق بين مزايا الرجل ومزايا المرأة هو المقصود من تفضيله عليها في قوله تعالى: »الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ« النساء: 34، وقد صرح به جملة من أهم المفسرين، ولا تعني الآية الكريمة أنه تعالى فضل الرجل على المرأة في الخلقة أو التشريع ونحو ذلك، وإنما فضل الله تعالى الرجال على النساء بأن جعل القيومية في الدار لهم، لأنهم المسؤولون على الانفاق، وفضل النساء على الرجال في مزايا أخرى، كالإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للمجتمع عنها في حياته، و لها آثار هامة في أبواب التربية وتنظيم المجتمع.

وبالجملة هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة يتعادل بهما كفتا الحياة في المجتمع المختلط المركب منهما، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه »أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ« النور: 50، وقوله تعالى:  »وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً« الكهف: 49.

فقد تحصل من جميع ما قدمنا أن الرجال فضلوا على النساء بروح التعقل الذي أوجب تفاوتا في أمر الإرث و ما يشبهه لكنها فضيلة بمعنى الزيادة وأما الفضيلة بمعنى الكرامة التي يعتني بشأنها الإسلام فليس هي إلا التقوى أينما كانت، قال تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ« الحجرات: 13.

مع الالتفات الى ان سهم المرأة قد يتساوى او يزيد في موارد أخرى على سهم الرجل، كما لو كان الأب والأمّ معاً حيّين وكان للميت بنت واحدة ولم يكن له أخوة كان خمس المال للأب وخمس آخر للأمّ وثلاثة أخماس للبنت.

ولعل تغليب جانب الأم على جانب الأب أو تسويتهما لكونها في الإسلام أمس رحماً بولدها و مقاساتها كل شديدة في حمله و وضعه و حضانته و تربيته، قال تعالى: »وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً« الأحقاف: 15، وخروج سهمها عن نصف ما للرجل إلى حد المساواة أو الزيادة تغليب لجانبها قطعاً.

لمحة من تاريخ تشريعات الإرث عند الأمم

تعد تشريعات الإرث من أقدم السنن بين الأمم، إلا أن هذه التشريعات مازالت في تحول وتغير مستمر ولكنها أجمعت على حرمان النساء والضعفاء الإرث، وإنما كان يختص بالأقوياء؛ والسبب أنهم كانوا يتعاملون مع النساء والضعفاء من العبيد والصغار معاملة الحيوان المسخر والسلع والأمتعة التي ليس لها إلا أن ينتفع بها الإنسان دون أن تنتفع هي بالإنسان وما في يده أو تستفيد من الحقوق الاجتماعية.

ومع ذلك كان يختلف مصداق القوي في هذا الباب برهة بعد برهة فتارة مصداقه رئيس الطائفة أو العشيرة، وتارة رئيس البيت، و تارة أخرى أشجع القوم وأشدهم بأسا، فالمنقول عن التشريعات الرومانية القديمة أنه كانت ترى لمجتمع العائلة والأسرة استقلالية، فلا تتدخل في شؤونه، فالكل يخضع لرئيس البيت،  بل قد يكون معبودا لأهله من زوجة وأولاد وعبيد، وهو المالك من بينهم ولا يملك دونه أحد ما دام أحد أفراد البيت، فهو الولي عليهم القيم بأمرهم باختياره المطلق النافذ فيهم.

وبالتالي فإذا مات أحد الأولاد أو الأخوة وكان له مال أكتسبه ورثه رب البيت.

وإذا مات رب البيت فيرثه أحد أبنائه أو إخوانه ممن في وسعه ذلك، وكذا كان يرثه الأدعياء لأن الادعاء والتبني كان دائرا عندهم كما بين العرب في الجاهلية، وقام مقامه دون أن يرثه الآخرون.

وأما النساء كالزوجة والبنت والأم فلم يكن يرثن لئلا ينتقل مال البيت بانتقالهن إلى بيوت أخرى بالزواج فإنهم ما كانوا يرون جواز انتقال الثروة من بيت إلى آخر.

وأما اليونان فكان وضعهم القديم في تشكل البيوت قريبا من وضع الروم القديم، وكان الميراث فيهم يرثه أرشد الأولاد الذكور، ويحرم النساء جميعا من زوجة وبنت وأخت، ويحرم صغار الأولاد وغيرهم.

 و أما الهند ومصر والصين فكان أمر الميراث في حرمان النساء منه مطلقا وحرمان ضعفاء الأولاد أو بقاؤهم تحت الولاية والقيمومة قريبا مما تقدم من سنة الروم و اليونان.

وأما العرب فقد كانوا يحرمون النساء مطلقا والصغار من البنين ويمتعون أرشد الأولاد ممن يركب الفرس ويدفع عن الحرمة، فإن لم يكن فالعصبة.

هذا حال الدنيا يوم نزلت آيات الإرث، ذكرها وتعرض لها كثير من المؤرخين في مسفوراتهم.

مواضيع مختارة