يُعد مبدأ المساواة من أهم الحقوق المتفق عليها بين البشر حتى عُد من الحقوق الأساسية للإنسان، ولكننا نجد اليوم أن الأديان عموماً متهمة بالعنصرية وتقديم جانب الرجل على المرأة ولذلك عدة تطبيقات، منها ما أقره الشرع الإسلامي من عدم الاكتفاء بشهادة المرأة الواحدة ، والاكتفاء بشهادة الرجل، كما في قوله تعالى: "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" البقرة: 282، فأشار الى الغاية من تعددها بأن وجود الشاهدة الثانية ضمان لعدم ضلال الأولى، وعلل ذلك في الأحاديث الواردة عن طريق الفريقين بأنهن ناقصات عقل، فمن طرقنا ما جاء في التفسير المنسوب الى الإمام العسكري عليه السلام وهو ينقل عن جده أمير المؤمنين عليه السلام: معاشر النساء، خلقتن ناقصات العقول، فاحترزن من الغلط في الشهادات .. الحديث. وسائل الشيعة: ج27، ص335.
ومن طرق المخالفين ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما صحيح البخاري (1/68)، صحيح مسلم (1/86) واللفظ للبخاري بسنده عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».
وقبل الجواب عن الآية الكريمة لابد من التوقف عند معنى ناقصات العقول، فهل المراد منه أنهن أقل ذكاءً من الرجال؟ قطعا لا.
لما ثبت علمياً من تفوق المرأة في العديد من الوظائف الذهنية على الرجل، ففي دراسة نشرتها مجلة الدلي تلغراف البريطانية اشتركت فيها جامعة لوس انجلس الأمريكية وجامعة مدريد الإسبانية جاء فيها "على هذا المستوى الهيكلي، الإناث قد تظهرن كفاءة أكبر تتطلب مادة عصبية أقل لإنجاز نتائج سلوكية على قدم المساواة مع الذكور".
ولا يؤثر كون حجم دماغ المرأة أصغر مما هو في الرجل، يقول تريفور روبينز استاذ العلوم العصبية بجامعة كامبريدج البريطانية: "البحث يشير الى أنه كلما كان الحصين في المرأة أصغر حجماً كان أداءه افضل، وحجم البنية لا يشير بالضرورة الى أي علاقة بمدى كفاءة الأداء". الدراسة السابقة.
والخلاصة ليس المراد من الحديث ان الرجل أكثر كفاءة ذهنية وذكاء من المرأة. إذن ما هو المراد؟
كما هو المنهج في سائر الدراسات لا يمكن أخذ حديث واحد وفصله عن غيره من الأدلة، بل لابد من ملاحظتها كمنظومة واحدة يبين ويشرح بعضها البعض الآخر، من هنا لابد من الرجوع لباقي الأحاديث التي تناولت هذا المعنى لنتلمس فيها المراد، فقد جاء في بعضها ما يصلح أن يكون بياناً لها، ففي حديث مالك بن أعين ـ قال : حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فقال: ... ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ناقصات القوى والانفس والعقول، وقد كنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة فيعير بها وعقبه من بعده... الحديث. وسائل الشيعة: ج15، ص95.
والحديث واضح الدلالة في النهي عن التخاصم مع النساء حتى لو شتمن عرض الرجل وسببن رموزه، وذلك لأنهن لا يقدرن على تمالك أنفسهن عن الرد، فيكشف الحديث عن حقيقة تكوينية في خلقة المرأة، وانها ضعيفة السيطرة على مشاعرها وكثيراً ما يتأثر قراراها بالعاطفة، وهذا ما أثبتته الدراسة الأخيرة، وبعبارة اوضح: يتحدث العلماء على أن أهم أجزاء المخ (Cerebrum) هو القشرة الدماغية او ما يسمى بالقشرة الحديثة (Neocortex) ، وهي ما تظهر في الصور بالتلافيف المخية ، وتعتبر أهم ما يميز الإنسان عن غيره، لأنها تشكل 40% من حجم المخ في الإنسان، بينما نجد في أكثر الرئيسيات تطوراً وهي الشمبانزي لا تشكل أكثر من 17%، وفي الكلب 7%. وفي القطط 3.5 %، وتتكون من خمسة فصوص، ولكل واحد منها وظائفه الخاصة:
الأول: الفص الجبهي (Frontal lobe)، وله عدة وظائف: الإدراك وحل المشكلات والتفكير، تطوير المهارات الحركية، أجزاء من الكلام، السيطرة على الانفعالات، تنظيم العواطف، التخطيط.
الثاني: الفص الجداري (Parietal lobe)، ومن أهم وظائفه: استشعار الألم والضغط واللمس، الإدراك البصري والحركي.
الثالث: الفص الصدغي (Temporal lobe)، وله مدخلية مهمة في تفسير المدركات الحسية وخصوصاً الواردة عن طريق السمع، فمن خلاله يتم التعرف على اللغة وربط الألفاظ بمعانيها.
الرابع: الفص القذالي (Occipital lobe ) ويقع في مؤخرة المخ وهو المركز البصري في الدماغ، ويحتوي على معظم المنطقة التشريحية للقشرة البصرية.
الخامس: الفص الحوفي (Limbic System): وهو نفسه المخ المشاعري الوجداني (EmotionalBrain)، او المخ الكيميائي (Chemical Brain)، وهذا الجزء من الدماغ يتعلق جزء كبير منه بالعواطف والانفعالات.
من هنا يتضح أن القرارات التي يتخذها الإنسان ـ رجلاً كان او امرأة ـ من خلال الفص الجبهي لابد أن تتأثر بمخرجات الفص الحوفي، وبعبارة أخرى هناك مساحة من تأثير العاطفة على قرارات الإنسان، لكن اكتشف العلماء إن هذه الفصوص ترتبط فيما بينها بألياف يقدر عددها ب200مليون ليف عصبي وتسمى الجسم الثفني او الجسم الجاسر (Corpus Callosum)، وقد أثبتت الدراسات ان هذه الألياف عند النساء اثخن بكثير مما هي في الرجال مما يجعل قراراتها أكثر تأثراً بالعواطف من الرجل، وتضعف سيطرتها على مشاعرها غالباً.
وهذا ما يفسر لنا علمياً معنى (ناقصات العقل)، بمعنى أن القوى الماسكة والتي تسيطر على السلوك تنقص مما هي عند الرجل، فالعقل لغة هو المسك، والعقال هو الماسك للكوفية، وعَقَلَ الناقة أي مسكها وثبتها.
ومن هنا يتضح السر في عدم الاكتفاء بالمرأة الواحدة في الشهادة، فللعاطفة تأثير كبير على شهادة المرأة، فقد تكون شهادتها ضد من تحب او لصالح من تكره.
وهذا لا يمثل نقصاً فيها وانما هو تشريع وفق الخلقة، فلزيادة القوة العاقلة أي الماسكة والمسيطرة على العواطف عند الرجل أوكل له جملة من الوظائف كالقيادة والقضاء ونحو ذلك، ولزيادة تأثير العاطفة عند النساء أوكل لها وظائف أخرى تتناسب والموهوب لها، فكمال المجتمع بهذين القبيلين ـ الرجل والمرأة ـ ولا غنى له عن واحد منهما.
ولا يصلح شأن الإنسان بالعقل المجرد دون العاطفة، ولا بالخشونة والغلظة لو لا اللينة والرقة، ولا بالغضب لو لا الشهوة، ولا أمر الدنيا بالدفع لو لا الجذب.
وبالجملة هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة يتعادل بهما كفتا الحياة في المجتمع المختلط المركب منهما، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه وهو القائل: "أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" النور: 50، وقال ايضاً: "وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً". الكهف: 49.
فإن قلت: كيف وقد صرح تعالى بتفضيل الرجال على النساء في قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ". النساء: 34؟
قلت: ليس المراد من التفضيل في الآية الكريمة أن الرجال أقرب وأكرم، بل الكرامة عند الله تعالى هي بحسب القربى والزلفى منه تعالى "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ". الحجرات: 13، فالإسلام لا يعبأ بشيء من الأمور المادية التي لا يستفاد منها إلا للحياة المادية وإنما هي وسائل يتوسل بها لما عند الله.
وإنما المراد من التفضيل زيادة روح التعقل بحسب الطبع في الرجل ومزيته على المرأة في هذا الشأن، وهذا لا يمنع من تفضيل المرأة بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للمجتمع عنها في حياته، ولها آثار هامة في مختلف جوانب المجتمع.