من الأمور الجليّة الواضحة التي أصبحت بمثابة الظاهرة في مجتمعنا قضيّة كره أبنائنا للمدارس، وقد تجاوزت الكراهية نفس الدراسة لتشمل كلّ ما تعلّق بها مثل ما نراه في هذه الأيّام من تمزيق للكتب الدراسيّة وإلقائها في الشوارع العامّة احتفالا بنهاية العام الدراسي، أو كره يوم الأحد لكونه أوّل أيّام الأسبوع بعد أن كان يوم السبت هو أبغض الأيّام لطلّاب المدارس!
والسؤال الذي علينا طرحه: ما هو سبب هذه الحالة الموجودة عند أبنائنا؟
دور الأسرة..
السبب الأوّل: يتمثّل في الأسرة التي لا تعدّ أبناءها إعدادا كاملا للمدارس، فالطفل يكون يعيش حياة حرّة بلا قيود ولا حسيب ولا رقيب، وفجأة يجد نفسه قد دخل نظاما صارما يغيّر نمط حياته ويوجب عليه الالتزام يوميّا دون سابق إنذار، فمن الطبيعيّ جدّا أن يصاب بصدمة من الوضع الجديد تجعله دائم الحنين لحياته القديمة.
إنّ أوّل دور تقوم به الأسرة للطفل هو غرس هدف في حياته من صغره وتفهيمه أنّ هذا الهدف لا يتحقّق دون هذه السنوات الطويلة من الدراسة، وبالتالي سيقبل على المدرسة وهو يحمل في نفسه هدفا واضحا جليّا، بخلاف الذي يدخل المدرسة خال من كلّ هدف وطموح إذ أنّه سيكون متخبّطا في نفسه ومع غيره وسينقل حالة التخبط للمدرسة لا لسوء فيه بل لفراغ داخليّ يعيشه بسبب تقصير الأسرة في عنصر مهمّ من عناصر التربية وهو "الطموح".
اغرس في ابنك طموحا قل له أنت ستكون "طبيبا، مهندسا، عالما، كاتبا" وعامله على هذا الأساس وسترى أنّ لهذا الأمر تأثيرا كبيرا عليها حتى في نمط تفكيره وتعامله مع محيطه لاسيما المدرسة.
المجتمع يحب أيام الإجازة
السبب الثاني: هو المجتمع الذي يتعامل مع المدرسة على أنّها عبء ثقيل جدّا، فالجميع يحبّ أيّام الإجازة ويكره أيّام المدارس والجميع يشتكي ويتذمّر من كلّ شيء يتعلّق بالمدرسة والتعليم بدءا من الكتب ووصولا إلى ازدحام الشوارع، وهذه الحالة ستنعكس على أطفالنا وتنتقل لهم عدوى التذمّر من المدرسة وكراهيّة كلّ ما يتعلّق بها.
لابدّ للمجتمع من تحبيب المدرسة للطالب والقيام بكلّ ما يجب لتغيير هذا الواقع، وذلك بتغيّر نظرة المجتمع للمدرسة وعدم التذمّر منها أمام الصغار، وثانيا بالاهتمام بنتائج الصغار وتكريمهم على تفوّقهم ونجاحهم، لأنّ الصغير أو الشاب إذا رأى أنّ تميّزه في المدرسة سيجعل منه متميّزا في المجتمع فإنّه سيسعى لذلك وسيبلغ جهده فيه بغرض تحصيل هذا التميّز.
المدرسة بيئة طاردة!
السبب الثالث: هي نفس المدارس التي لا تعتبر بيئة جاذبة للطلاب بل طاردة لهم، فلو نظرت للأعمّ الأغلب للمدارس لوجدتها مبان ضخمة لكنّها كئيبة من الداخل لا يوجد فيها أي نحو من أنحاء الحياة التي يحبّها الطفل، ولذلك ينفر منها ولا يحبّ البقاء فيها، في حين أنّ كلّ الدراسات تؤكّد على أنّ الطريقة المثلى لتعليم الصغار هي التعليم بالترفيه، فإذا كان الطفل ينظر للمدرسة على أنّها سجن كبير خال من كلّ شكل من أشكال الترويح والترفيه فكيف يمكن أن يتعلّم؟!
والأمر الآخر المهمّ هو نفس المجتمع المدرسي الذي يعاني من مشاكل كثيرة أصبحت تمثّل همّا لأولياء الأمور عندما يذهب أبناؤهم للمدارس كظاهرة التنمّر بين الطلاب، واختلاط الطفل بغيره من الذين عرفوا بسوء سلوكهم وتأثره بهم وغيرها من الأمور التي يفترض انعدامها في المدرسة لكون دورها الأساسي هو التربية قبل التعليم.
ومن هنا فإنّ تطوير التعليم لابدّ أن ينطلق من عمليّة تحبيب أبنائنا للمدرسة والدراسة، وغياب هذا العنصر المهمّ يعني انعدام وجود المبدعين في أبنائنا، إذ أنّ الإبداع يكون إذا أحبّ الإنسان ما يعمله ولا يمكن أن يبدع الإنسان فيما يكرهه، ونحن نريد أن نخرّج جيلا مبدعا متميّزا ينهض بمجتمعنا.
*المصدر: موقع سماحة الشيخ أحمد السلمان