ورد في حالات الأنبياء والرسل والأئمة والحجج صلوات الله عليهم حالات قد يستغرب منها الأمم والأقوام نابعة من الجنبة البشرية فيهم بينما يتوقع الناس منهم ان يشاهدوا منهم الجنبة الملائكية الصمدانية حصرا، كما يشير القرآن الى هذه الغفلة [وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ] [وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا] [ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ].
كما ورد كثيرا في مرحلة صباوة الحجج ع حالات كثيرة:
-كما في قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي بِالْإِسْنَادِ إِلَى الصَّدُوقِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلَ أَبِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع هَلْ كَانَ عِيسَى يُصِيبُهُ مَا يُصِيبُ وُلْدَ آدَمَ قَالَ نَعَمْ وَ لَقَدْ كَانَ يُصِيبُهُ وَجَعُ الْكِبَارِ فِي صِغَرِهِ وَ يُصِيبُهُ وَجَعُ الصِّغَارِ فِي كِبَرِهِ وَ يُصِيبُهُ الْمَرَضُ وَ كَانَ
إِذَا مَسَّهُ وَجَعُ الْخَاصِرَةِ فِي صِغَرِهِ وَ هُوَ مِنْ عِلَلِ الْكِبَارِ قَالَ لِأُمِّهِ ابْغِي لِي عَسَلًا وَ شُونِيزاً وَ زَيْتاً فتعجني [فَاعْجِنِي] بِهِ ثُمَّ ائتني [ائْتِينِي] بِهِ فَأَتَتْهُ بِهِ فَكَرِهَهُ فَتَقُولُ لِمَ تَكْرَهُهُ وَ قَدْ طَلَبْتَهُ فَيَقُولُ هَاتِيهِ نَعَتُّهُ لَكِ بِعِلْمِ النُّبُوَّةِ وَ أكرهته [أَكْرَهُهُ] لِجَزَعِ الصَّبَا وَ يَشَمُّ الدَّوَاءَ ثُمَّ يَشْرَبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وفي قصص الأنبياء عليهم السلام ايضا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ع كَانَ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيداً فَلَمَّا أَعْيَتْ مَرْيَمَ كَثْرَةُ بُكَائِهِ قَالَ لَهَا خُذِي مِنْ لِحَا هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَاجْعَلِي وَجُوراً ثُمَّ اسْقِينِيهِ فَإِذَا سُقِيَ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً فَتَقُولُ مَرْيَمُ مَا ذَا أَمَرْتَنِي فَيَقُولُ يَا أُمَّاهْ عِلْمُ النُّبُوَّةِ وَضَعْفُ الصَّبَا.
وفي احتجاج النبي ص على مشركي قريش: ثم أنزل الله تعالى عليه: يا محمد (قل إنما أنا بشر مثلكم) يعني آكل الطعام (يوحى إلي أنما الهكم إله واحد) يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغناء والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة دونكم.
فالكمالات العليا القدسية للروح لا تتنافى مع شؤون البدن الدانية وتداعياته وتوابعه وعلائق النفس به، فاختلاط المعصوم ع في صغره مع الصبيان مثلا وأحوالهم لا يعني افتقاره الى الكمالات مثلهم ولا ينفي وجود النبوة في كمالاته الروحية كما لا ينافي وجود الإمامة فيه، فهذا الحسن والحسين عليهما السلام في صغرهما يشير إليهما المصطفى ص أمام الملأ من المسلمين انهما إمامان قاما او قعدا، واحتج الله تعالى بهما آنذاك في آية المباهلة على أهل الكتاب.
وفي حين يوصف النبي عيسى ع (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فجمع فيه بين صباوة البشرية وبين نبوة اولي العزم والعلم بالكتاب ، ولا يستلزم ذلك نقص في نبوته ولا خدش في عصمته، وكذلك في شأن يحيى (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، فجمعت في المعصوم البشرية وشؤونها وتداعياتها ولوازم أحوال مراحلها المختلفة وجمعت فيه القدسية العليا من الكمالات.
ومنه يظهر ان ذهاب المعصوم ع كما ورد في النبي عيسى ع ايضا انه ذهب مع الصبيان الى المكاتب -التعليم- او ما ورد من ملاعبة النبي ص للحسنين ع في الصبى لا يعني افتقاره في العلم الى البشر كسائر الناس، بل هي من التعايش مع مقتضى الطبيعة البشرية كالأكل والشرب والنكاح والنوم وغيرها من لوازم واحوال عموم الطبيعة البشرية او لوازم مرحلة من مراحلها كالصبا او الشيخوخة ولا تضادد بين الطبع البشري والهوية القدسية العرشية كما قد يتخيله الكثير، فاختلاط المعصوم في صباه مع الصبيان الاقران في السن البشري كاختلاط المعصوم ع في بيت الزوجية مع نساء البشر من مقتضيات الطبع البشري لا يتنافى مع الروح القدسية فيه وذهابه للمكاتيب ليس لاجل افتقاره في العلم والادب للمعلم بل للاختلاط ضمن الرسوم البشرية.
ومن ثم ورد ان النبي عيسى ع كان في الصبا يعلم معلمه فيغضب فيلاطفه ليسكن غضبه وكذلك ورد ذلك في شأن الامام الهادي عليه الصلاة والسلام.