إخوتي أخواتي أودّ أن أستكمل ما ذكرناه سابقاً حول حديثنا المتعلّق بفلذّات أكبادنا -الشباب-، وقبل ذلك أبيّن أنّ الطبقة الشبابيّة دائماً تؤشّر الى حيويّة أيّ مجتمع، فكلّما كان المجتمع فيه طبقات شبابيّة كثيرة وأعمار يُمكن الاعتماد عليها يكون هذا المجتمع مجتمعاً حيويّاً ومجتمعاً نَشِطاً، بخلاف المجتمعات التي انحسرت فيها الطبقات الشبابيّة، فإنّها تميل الى أنّ المجتمع يكون من المجتمعات الكسولة أو ما يعبّر عنه بمجتمع العجائز، والمقصود بالعجائز هو الأعمار الكبيرة، وهذه الطبقات الشبابيّة يُفترض أن تكون هي محطّ نظر الجميع باعتبار أنّ هذه الطاقة الاجتماعيّة العامّة تمرّ من خلال هذه الطبقة، طبعاً هذا لا يعني أنّه يكون الاهتمام الأوّل والأخير وترك بقيّة الأمور في الطبقات الاجتماعيّة، الحديث لا يتناول هذا الجانب، بالعكس في بعض الحالات كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لَرَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلاَمِ)، قطعاً هناك طبقات تُعتبر ذخيرة للمجتمع على أنحاء اختصاصها، لكن أنا أريد أن أتحدّث عن هذه الطبقة استكمالاً لما ذكرناه سابقاً.
مسؤولية الشباب تقع على عاتق من؟
أنا أتحدّث عن جنبتين، الجنبة الأولى ما لها والجنبة الثانية ما عليها، أمّا ما يتعلّق بالجنبة الأولى وهو ما لها، فواقعاً هذه الطبقة الشبابيّة تحتاج الى رعايةٍ خاصّة وتحتاج الى مزيدٍ من الاهتمام، طبعاً من المسؤول عن الرعاية والاهتمام فهذا أمرُهُ يختلف، لكن يُمكن أن تكون المسؤوليّة مشتركة، مثلاً هناك مسؤوليّةٌ تقع على عاتق الدولة، وعلى مؤسّسات الدولة هي أن تهتمّ بهذه الشريحة وأن توفّر لها جميع الأجواء المناسبة، لأنّ هذه الطبقة هي الطبقة الفاعلة التي يعوّل عليها في بناء البلاد في قادم الأيّام بل في الوقت الحاضر أيضاً، وبعض الفرص لابُدّ أن تُعطى بمساحاتٍ معيّنة الى الطاقات الشابّة، حتّى تستكمل فرصتها وتبدأ بالعمل الجيّد بالنسبة الى المجتمع، تارةً منظّمات عامّة هي التي تهتمّ وتارةً الأسرة -بما هي أسرة- تهتمّ بشبابها اهتماماً خاصّاً، فتوفّر له الأجواء المناسبة والإرشاد الى سلامة التخطيط مستقبلاً، وتارةً المجتمع -نحن كمجتمع- عندما نلتقي في وضعنا الاجتماعيّ سواءً كان في الأسواق أو في الشارع أو في الساحات والمنتديات أو مكانات الاجتماع، لابُدّ أن نرعى هذه الطبقة بشكلٍ وأن نهتمّ بها.
وسأبيّن في النقطة الثانية ما عليها، ولعلّه جزءٌ أهمّ من الرعاية هو عدم ترك الشباب أن يسبحوا في تيّارات متناقضة، لاحظوا إخواني.. الإنسان كما قلنا فيما سبق من الضروريّ أن يعتمد على نفسه لكن ليس من الصحيح أن يعتمد على نفسه في كلّ شيء، هناك مسألتان مهمّتان: الإنسان في مقام أن يتربّى على الشجاعة وعلى القوّة وعلى البسالة وعلى استثمار عقله، نعم.. لابُدّ أن يعتمد على نفسه، لكن أن يعتمد على نفسه في كلّ شيء بلا مشورة هذا أمرٌ غير صحيح.
لاحظوا الآن عندنا من باب التشبيه، لو كانت عندنا الآن شجرتان شجرةٌ مثمرة وشجرةٌ غير مثمرة، الشجرة غير المثمرة منذ أن تبدأ وهي صغيرة الى أن تكبر حتّى لو عمّرت مائة سنة تبقى شجرةً غير مثمرة، نعم.. قد نستفيد منها في الاستظلال لكن كثمرة -أي أنّنا نرجو منها ثمراً- هذا لا يُمكن، وتارةً شجرة مثمرة، والشجرة المثمرة تحتاج من البداية الى الاهتمام وتحتاج الى الرعاية حتّى تصل الى مرحلةٍ يُمكن أن نأخذ منها الثمار، نعم.. هي تختلف عن الأولى، هذه الشجرة فيها ريعٌ مستقبليّ وفيها أثرٌ مستقبليّ، لكن لابُدّ أن تُرعى رعايةً خاصّةً، ولا يُمكن أن تُترك وحدها بلا رعاية على أنّها شجرةٌ مثمرة لأنّها ستموت، فقد تذوي وقد تكون بشكلٍ ما عرجاء أو عوجاء ولا تكون الشجرة المؤمّلة، فلذلك إخواني شبابنا اليوم في الوقت الذي لابُدّ أن نهتمّ بهم لابُدّ أن نوجّههم ولابُدّ أن نجعلهم بعد عشرين سنة لا يندمون على بعض التصرّفات التي يتصرّفونها الآن بمقتضى شبابيّتهم، وهذه مسؤوليّةٌ مهمّة بل مقتضى المسؤوليّة أن يوجّه الشباب الوجهة الصحيحة، هذا ما يتعلّق بمسؤوليّة الآخرين تجاه الشباب.
أمّا الجنبة الثانية: فهي ما يتعلّق بنفس الشباب، بالنسبة الى شبابنا وأبنائنا أحبّ أن أبدأ معهم بهذه المقدّمة، أوّلاً نحن عندما نتكلّم بلحاظ الوضع الخاصّ والوضع النفسيّ والوضع التربويّ لا نُريد إلّا الخير لأبنائنا، فعليهم أن يلتفتوا الى أنّ الذي يتحدّث معهم أيضاً كان شابّاً، أنتم لم تكونوا كباراً، الأب عندما يتحدّث معكم أو الأمّ أو الأستاذ حينما يتحدّثون معكم هم يعرفون مراحل الشباب، لأنّهم كانوا شباباً، فاللّغة التي يبيّنها والنصيحة التي يبيّنها خذوها بعنوان التأمّل ولا تهملوها ابتداءً وإنّما توقّفوا عندها، خذوا منها ما قد ينسجم معكم والبقيّة لا تطرحوه دائماً، وإنّما تأمّلوا فقد يكون فيه الصواب لكم، ولذلك عندما تسمعون نصيحةً -وأنا قلت في السابق- عندما تسمعون نصيحةً لا تهملوا هذه النصائح، باعتبار أنّ الفتوّة والشباب يبرّران لكم أن تتركوا النصيحة، وهذا أمرٌ أعتقد أنّه خلاف الحكمة.
ولذا هناك فرقٌ بين الهمّة والعمل وبين التمرّد والتجاوز، أنتم شبابٌ وفيكم هذه الروح الوثّابة للعمل، ولكن هناك فرقٌ بين روح الهمّة والمثابرة وبين روح التمرّد والرفض والتجاوز، الأولى غير الثانية، فالأولى فيها مستقبل والثانية فيها ضياع، على الإنسان أن لا يعوّد نفسه على أن يرفض كلّ شيء، أنا كشابّ هذا يختلف معي ومع مزاجي فعليّ أن أرفضه وبقوّة، هذا أمرٌ غيرُ صحيح، نعم.. عندك همّة ابدأْ باستثمار الهمّة واستثمار الطاقة في سبيل أن تتطوّر، أنا أعلم أنّ الكثير من الشباب يعانون من المشاكل، مشاكل الضغط الحياتيّ ومشاكل الضغط في فرص العمل ومشاكل ضغوطات الحياة، المشاكل في بعض الحالات تكمن في ضياع الهدف، ووجهة النظر الآن غير محدّدة عند بعض الشباب، طبعاً أنا دائماً عندما أذكر وأتحدّث عن عيّنة لا أعمّم الخطاب، لكن هذه العيّنة التي تُعاني لا شكّ أنّها تهمّنا، البعض لم يحدّد الهدف، هناك حالة من ضياع الوقت، الوقت الآن يمضي (الوقت كالسيف إنْ لم تقطعْه قَطَعَك)، واقعاً بعضُ الحِكَم الشباب عندما يستثمرها سينجح، لكن لابُدّ أن يفهم أنّ النجاح لم يكن حليف الكسالى، النجاح لم يكن حليف من يفرّط في وقته، إيّاك أن تكسل وإيّاك أن تعترض بلا مبرّر وإيّاك أن تتمرّد، هناك أشياء في مجتمعنا وأنا أعلم أنّ هناك بعض الشباب يعمل بحسن نيّة، لا يحقّ لك أن تتمرّد على أبيك أو على أمّك هذه التي حملتك وأنجبتك لمجرّد أنّك تعلّمت، أو تجعل من ضغوطات الحياة مبرّراً لأن تتمرّد على أسرتك وعلى إخوتك، هذا ليس صحيحاً، اليوم الشباب ممتلئون من الطاقة وممتلئون من الحماس، نعم النقطة الأولى مسؤوليّةُ مَنْ؟؟! لابُدّ أن يُهتَمَّ بهم حتّى يُفرغوا هذه الطاقة بما ينفع، لكن أنا أتحدّث لشبابنا وأبنائنا عليكم أن تشعروا بالأمل، وكما قلنا الأمل الممدوح، (دوام الحال من المحال) الأمور تتغيّر، لا تشعرْ بحالة الإحباط عندك لأنّك فشلت أو لم تنجح في قضيّةٍ معيّنة، وكما قُلنا سابقاً لابُدّ أن تشعر دائماً بالقوّة، لاحظوا قصّة أهل الكهف وغير معلومٍ كم كانت أعمارهم، القرآن يقول: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ...)، عبّر عنهم بفتيةٍ لأنّ هذه الفتوّة فيها نوعٌ من القوّة ليست العضليّة إنّما الذهنيّة، عليكم أن تميّزوا بين الأشياء وعليكم أن تتثبّتوا من الأشياء، وثِقُوا أنّ الأمور قطعاً ستكون الى خير، لكن الإنسان عليه أن يرتّب وضعه بشكلٍ لا يجعل هناك سوداويّة دائماً بل لابُدّ من وجود أمل، نحن في بلدٍ له ما له وعليه ما عليه، وأنتم تعلمون أنا لا أحبّ أن أدخل في قصّةٍ أو مشاكل قد تبدأ ولا تنتهي، لكن بالنتيجة هذا قدرُنا والبلد الآن يحتاج الى كلّ فكرةٍ والى كلّ شابٍّ والى كلّ طاقةٍ من طاقاتكم، وجّهوا أنفسكم بما يخدم بلدكم وبما يخدم أُسركم وبما يخدم أنفسكم، إنّما أعمالُكم تردّ إليكم.
إلى المسؤولين!
على كلّ حالٍ واقعاً أنا أشعر بالواجب والمسؤوليّة كأبٍ وكأخ وكموقع أنّ هؤلاء شبابنا يحتاجون الى رعاية، أيّها المسؤولون الرجاء الرجاء لابُدّ أن تهتمّوا بهذه الشريحة المهمّة وشبابيّة المجتمع بكلّ أنواع الاهتمام، وشبابنا نرجو أن تكون هذه قلوبكم الطريّة حافظوا عليها من أن يُلعَبَ بها ومن أن يحاول البعض أن يستغلّها استغلالاً لمصالحه من خلالكم، أنتم أجلّ قدراً من أن تُستغلّوا، وحاولوا أن تكونوا كما كانوا إخوتكم في الأمس، عندما رابطوا ودافعوا عن البلد بكلّ ما تعني الكلمة من معنى، وحفظوا البلاد والعباد، وهذا تاريخٌ ناصع للبلد على الجميع أن لا ينساه، وهو أنّ هؤلاء الذين وقفوا دفاعاً عن البلد من أجل أن يحيى البلد، والبلد الذي فيه أمثال هذا الشباب الواعي هو بلدٌ يبقى حيّاً ما جدّ الجديدان.
نسأل الله سبحانه وتعالى الستر والعفاف، وأن يحمي الجميع ويرينا في بلدنا كلّ خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
دعت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا مسؤولي الدولة للاهتمام بفئة الشباب وإيلاء أهمّيةٍ لهم، من خلال توفير فرص العمل وخلق الأجواء المناسبة لهم، لكي يُسهموا في بناء هذا البلد، وبيّنت أنّه على مؤسّسات الدولة أن تهتمّ بهذه الشريحة وأن توفّر لها جميع الأجواء المناسبة، لأنّ هذه الطبقة هي الطبقة الفاعلة التي يعوّل عليها في بناء البلاد في قادم الأيّام بل في الوقت الحاضر أيضاً، وبعض الفرص لابُدّ أن تُعطى بمساحاتٍ معيّنة الى الطاقات الشابّة، حتّى تستكمل فرصتها وتبدأ بالعمل الجيّد بالنسبة الى المجتمع.
الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (26 ذي القعدة1440هـ) الموافق لـ(26 تمّوز 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)