ايها الاخوة والاخوات..
موضوعنا في الخطبة الثانية (حملة الشهادات العليا في العراق من ابنائنا الطلبة من حملة الشهادات العليا الماجستير والدكتوراه ما بين الطموح والآمال والواقع الأليم)..
تتناقل وسائل الاعلام احتجاج واعتصام جمع من حملة الشهادات العليا من الدكتوراه والماجستير امام بعض الوزارات معبرين عن مطالبهم المحقّة بصفتهم مواطنين في هذا البلد وذلك بمطالبتهم بتوظيفهم ضمن اختصاصاتهم العلمية..
ايها الاخوة والاخوات..
ما حجم هذه المشكلة وما حجم هذه المعاناة وما هو المطلوب إزاء هذه المشكلة والمعاناة واجراءات لابد من اتخاذها من السلطات المعنية..
نحن اذا ما اخذنا بنظر الاهتمام والاعتبار ان هؤلاء الخريجين يمثلون النخبة من الطلبة الخريجين ممن بذلوا جهوداً استثنائية اضافية في مجالات علمية ومهنية تخصصية مهمة..
ولعلّه هؤلاء يمثلون الطبقة الاكثر إقبالاً وتفوقاً في شريحة الطلبة وهم قد بذلوا جهوداً استثنائية وصعبة خلال مدة مديدة حتى بلغوا هذه المرتبة، وهم بعد هذه الجهود وما صاحبها من آمال وطموحات لديهم ولدينا كمواطنين في هذا البلد ان يصلوا الى تلك المواقع التي يستطيعون من خلالها ان يقدموا خدمة متميزة وكبيرة في مختلف دوائر الدولة ومختلف قطاعات الخدمات..
واذا بهم يجدون انفسهم قد عُطلّت قدراتهم وضُيّعت جهودهم وخُيبّت آمالهم وطموحاتُهم وهم يطمحون ان ينالوا شيئاً مما يسدوا بهِ رمقهم ويحقق لهم ولعوائلهم الحياة الكريمة..، واذا الآلاف من هؤلاء يجدوا انفسهم غير واجدين للاماكن التي تليق بشهاداتهم وبحيث ينتفع منهم البلد والشعب انتفاعاً كبيراً..
هنا في نفس الوقت نجد ان البعض قد يتذرّع بأن القدرات الوظيفية لا تَفي بحاجة هؤلاء لأسباب منها ان التعيينات الوظيفية لاتفي وان القطاع الوظيفي الحكومي قد اثقل كاهله بالتعيينات الكثيرة وان الوضع المالي ايضاً لا يساعد على استيعاب هؤلاء وكذلك الخريجين من الكليات والجامعات وكثرة العاطلين..
نحن هنا امام الوضع الذي نعيشهُ وشكوى الكثير من هؤلاء بحيث ان البعض حينما يأتي يقول ربما انا اعمل بعمل احصّل فيه ثمانين الف او مئة الف دينار في الشهر وهو من حملة الشهادات العليا وينتظر طويلا ً حتى يستطيع ان يحقق هذا الامل بعد ان بذل جهوداً مضنية..
نقول هنا ونوجّه كلامنا الى الجهات الحكومية والنيابية المعنية ان تهتم بصورة جادة وفق الاستحقاق القانوني لهؤلاء وغيرهم من ان تضع حلولا ً تتناسب مع الواقع العراقي والوضع المالي..
وهنا ايها الاخوة والاخوات نلتفت الى هذه التوصيات المهمة وانا اقرأها نصّاً حتى لا يفوتنا شيء مما هو مذكور في هذه التوصيات التي نحتاجها ليس فقط اخواني لهؤلاء الخريجين فهذا جزء مهم من المعاناة وجزء مهم لو اعتنينا بهِ بصورة جادة نتمكن ان نطوّر بلدنا ونحل الكثير من المشاكل وننهض بواقعنا المرير الذي نعيشهُ الآن، لو تمكنا والجهات المعنية سَعَت بصورة جادة وبهمّة عالية وارادة خالصة ان تعمل بهذه التوصيات لأمكننا ان ننهض بالكثير من المهام والوظائف ونطوّر بلدنا الى وضع افضل بكثير من الواقع الذي نعيشهُ الآن..
هذه التوصيات هي متعلقة بالوضع الاقتصادي للعراق بصورة عامة وجزء من المشكلة ما يتعلق بهؤلاء الخريجين:
التوصية الأولى:
ان الخبراء واهل الاختصاص في الاقتصاد يطرحون بصورة مستمرة ضرورة فتح مدخل مهم وكبير لتوفير فرص عمل مناسبة ضمن القطاع الخاص المعطّل في العراق لأسباب لا يصعب معالجتها لو توفرت الارادة الجادة والتشريعات الكافية والتسهيلات الادارية المناسبة لتفعيل وتنشيط هذا القطاع الذي يُلاحظ للعيان ان دولاً كثيرة مجاورة واخرى نامية بعضها ومتقدمة بعضها قد نهضت باقتصادها وعالجت مشكلة البطالة من خلالها وتقدمت بخطوات واسعة في مجال التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات العلمية والصناعية والزراعية من خلال تبنيها لسياسة رشيدة في دعم هذا القطاع وحمايته وتوفير الاجواء الملائمة ليأخذ دوره الاقتصادي والانساني في استيعاب الايادي العاملة والعقول العلمية لأبناء بلدانهم – مع ضرورة تقيّد هذا القطاع بالأنظمة والتعليمات والجديّة في تفعيل الاجازات الحاصلة لبعض موارده واختصاصاته.
ومن اهم مستلزمات تفعيل القطاع الخاص هو توفير الاجواء الآمنة للمستثمرين وقصرُ يد الفاسدين والمرتشين وتعديل القوانين التي تعرقل العمل ولا تساعد على تحقيق التقدم فيه بالقياس الى ما يشاهد في دول اخرى.
فعندما يكون هناك سلاحٌ خارجَ الدولة بإمكان اصحابه ان يهددوا من لا يروقُ لهم من اصحاب الشركات او لا يستجيبون لابتزازهم وعندما يكون حجم الفساد والرشى في مؤسسات الدولة وفق ما تتحدث عنها الارقام والاحصاءات الحالية وعندما تكون القوانين والتعليمات المرتبطة بالعمل الاستثماري قديمة وبالية لا تناسب مستلزمات الاستثمار في العصر الراهن وتَحولُ دون نهوض القطاع الصناعي والزراعي فلا يتوقع احد أيَّ تقدم في هذا المجال.
التوصية الثانية:
ان ضرورة تفعيل القطاع الخاص لاستيعاب الخريجين لا يعني اعفاء القطاع العام ودوائر الدولة المختصة من مسؤولياتها تجاه هذه الطبقة المهمة..
فلو ان الجهات المعنية اعطت الاولوية لمن يستحقونها بعيداً عن العلاقات والمصالح الحزبية والفئوية وقدّمت قسماً من هؤلاء على غيرهم ممن ينالون مواقع ووظائف مهمة في الدوائر الحكومية وهم ادنى منهم بكثير في مستوياتهم العلمية والمهنية لأمكن حل جزء مهم من المشكلة..
التوصية الثالثة:
ان من الضروري وضع برنامج مناسب لتحديد الحقول التعليمية والاختصاصات العلمية الاكثر حاجة في البلد وتوجيه الطلبة الى اختيارها بمحفزات تشجعهم على ذلك وما يلاحظ من كثرة الخريجين في اختصاصات تقل الحاجة اليها وبالتالي يتم توظيف قسم من خريجيها في مواقع لا علاقة لها باختصاصاتهم خطأ لابد من عدم الاستمرار فيه، بل لابد من الاهتمام الجاد بتزايد حملة الشهادات العليا في الحقول التعليمية ذات العلاقة بحقلي الزراعة والصناعة ونحوهما، كما ان من الضروري عدم تجاوز الضوابط والانظمة الرصينة التي كانت تحكم المؤسسة التعليمية العراقية فيما مضى وعدم فسح المجال لأصحاب المصالح والاغراض الخاصة بالإضرار بمكانتها التي كانت مميزة بين دول المنطقة وليست كذلك اليوم مع الأسف..
ومن المهم ان لا يُسمح بالتدخل في مفاصل وزارة التعليم العالي وفقاً لأهواء ورغبات البعض خصوصاً في مجال اختيار المناهج وارسال البعثات والزمالات وتحديد النظم الامتحانية ونحوها..
الأمر الثاني:
ما تزال الاحصاءات الواردة من وزارة الصحة ودوائر المرور في تسجيل عدد الوفيات والاصابات الحاصلة فيما يسمى بـ (طرق الموت) هناك طرق في بعض المحافظات تسمى بطرق الموت.. لماذا؟! لكثرة من يتعرض فيها الى حوادث السير المميتة، هذه الاحصاءات في الواقع تمثل قلقاً كبيراً وأسفاً بالغاً على ازهاق آرواح الالاف من المواطنين وعوق الالاف منهم.. لماذا هذا القلق والأسف؟!
في الواقع هذه الاحصاءات حينما نقارنها بسبب حوادث السير بعدد الوفيات من بعض الامراض الخطيرة نجد ان العدد يقارب عدد هذه الوفيات، عدد الوفيات في حوادث هذه الطرق يقارب عدد الوفيات بسبب بعض الامراض الخطيرة وهذا أمر مقلق ومؤسف..
طبعاً هؤلاء الذين يذهبون كثير منهم آباء وامهات وفلذات اكبادنا.. قائمة تُضاف اخرى الى قائمة الأيتام والارامل..، البعض منهم من حملة الشهادات وبعضهم من أهل العقول ومن أهل العلم وتارة عوائل بأكملها تذهب بسبب هذه الحوادث..، لابد ان تكون هناك معالجة واهتمام كافي..
هنا لدينا هذه التوصيات بعضها للجهات المعنية وبعضها لكم ايها المواطنون، في الواقع هناك شكاوى كثيرة في هذه الطرق (طرق الموت) بين محافظات رئيسية بعضها يحتاج الى الاهتمام الكافي ومع الاسف مضت مدة طويلة هناك اهمال لم يوجد اهتمام كافي ادى الى هذه النتائج وسنة بعد سنة تزداد لذلك على الجهات المعنية والوزارات المعنية ومجالس المحافظات عليهم ان يعطوا الاهتمام الكافي فليس شيء سهل علينا وعليكم ان يذهب هؤلاء الالاف في كل سنة اضافة الى المعوقين الآن وقائمة جديدة تُضاف من الايتام والارامل..، على هذه الجهات المعنية ان تُعطي اهتمام كافي فهذه مدّة طويلة مضت ولم نجد هناك ولم يحصل تحسّن في هذا المجال مما ادّى الى ان يزداد سنة بعد سنة عدد هذه الحالات وايضاً في نفس الوقت لابد ان تُرصد اموال كافية حتى نحافظ على سلامة مواطنينا وفي نفس الوقت لابد من وجود جُهد هندسي يمكن ان يوجّه لمراقبة حسن التنفيذ لهذه المشاريع حتى نضمن الاداء السليم لها..
ايضاً الى المواطنين اخواني التفتوا هناك وظيفة شرعية انسانية حضارية الآن..
هناك الكثير من اجراءات السلامة نحن لا نهتم بها ولا نبالي بها ونعتبرها امر بسيط ولكن عدم الاعتناء بها يؤدي الى ازهاق ارواح الالاف..
اخواني التفتوا انا حينما اسوق سيارة في هذه الطرق انا مسؤول عن سلامة نفسي مسؤول مسؤولية شرعية وطنية اخلاقية حضارية ومسؤول عن سلامة الاخرين..
الانسان حينما لا يعتني ولا يهتم ولا يبالي هذه الاجراءات بسيطة وغير مهمة في الواقع هو الآن يجازف بحياته وحياة الاخرين.. وهو مسؤول عن سلامة نفسه ومسؤول عن سلامة الاخرين ومسؤول عن سلامة اولاده ومسؤول عن سلامة بقية المواطنين..
اخواني لاحظنا ولاحظتم في بعض الدول الاخرى كيف ان المواطن يعتني ويحرص حرصا شديدا على اتباع هذه الاجراءات لسلامته وسلامة الاخرين، وبالنتيجة تقلّ هذه الحوادث ونحافظ على ارواحنا وممتلكاتنا.. لا تتصورون ان الذي يُهمل مثل هذه الاجراءات سيضر نفسهُ فقط..، سيضر نفسهُ وعائلتهُ واولادهُ وبقية المواطنين..
لذلك علينا اخواني هذه وصية هذه مسؤولية شرعية وطنية حضارية اخلاقية.. كما نوجّه ونُلفت عناية واهتمام الجهات المعنية نُلفت عنايتكم واهتمامكم بضرورة الحفاظ على سلامتكم وسلامة بقية المواطنين..
ايضاً دوائر المرور معنية عليها ان تهتم وتتشدد ولا تتسامح في تطبيق هذه الاجراءات وتحرص كذلك في اعطاءها لإجازات المرور وغير ذلك من الاجراءات المهمة التي تساهم في سلامة المواطنين..
لذلك نوجّه العناية لجميع الجهات المعنية ولكم ايها الاخوة المواطنين ونسأل الله تعالى ان يحفظ وطننا وشعبنا من كل سوء.. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
حررها: حيدر عدنان
*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 29/ ذو القعدة/1440هـ الموافق 2 /8 /2019م