إخوتي أخواتي أعرض عليكم الأمر التالي وأكون بخدمتكم فيه.
من الأمراض التي قد تمرّ في حياة كلٍّ منّا، وقد تسبّب بعض المشاكل تارةً شخصيّة وتارةً أخرى اجتماعيّة، والتي قد تتوسّع هذه الدائرة شيئاً فشيئاً بسبب طبيعة هذه الحالة هي حالة الفراغ، أنا عبّرتُ عنها وقلتُ هي من الأمراض، والفراغ معناه أنّ الإنسان غير مشغول ظاهراً بعملٍ سواءً كان فراغاً روحيّاً أو بدنيّاً فيشعر بحالةٍ من الحالات هي أشبه بالضياع.
الفراغ هذا له مناشئه وله أيضاً علاج، أنا الآن لا أريد أن أتحدّث عن الفراغ الروحيّ، بمعنى أنّ الدين ليس حديثي في هذه النقطة، نعم.. هذا مبحثٌ في غاية الأهمّية لكن الآن حديثي ليس متعلّقاً به، وإنّما حديثي يتعلّق في مسألة ضياع الهدف والشعور بالفراغ لسببٍ أو لآخر، خصوصاً عندما تكثر المشاكل ونبحث عن بعض جذور المشاكل نجد أنّ هناك حالةً من عدم الشعور بأيّ مسؤوليّةٍ ناشئة من فراغٍ ما أوجَدَ هذه المشكلة، الفراغ واقعاً له مردوداتٌ سلبيّة على الإنسان، الإنسان يشعر بنفسه فارغاً، هل هناك عملٌ بدنيّ يؤدّيه؟ لا عمل عنده، بالنتيجة يرى أنّ وقته بدأ يتبدّد بلا ثمرةٍ حقيقيّة ترجع اليه أوّلاً والى الآخرين ثانياً.
هذه الحالة عادةً الجهات المسؤولة تحذّر منها، يعني تحذّر من بقاء الفراغ الى آمادٍ طويلة، لماذا؟ -من جهةٍ شرعيّة أتحدّث- أنّ الفراغ غير محبّب عندنا، أن الإنسان يبقى بلا أيّ عملٍ غير محبّب، ومن جهةٍ اجتماعيّة الفراغ فيه مشاكل، من جهة مجتمعات ودول، الدول أيضاً تحاول أن توجد مساحات من العمل حتّى لا يبقى الفراغ عند أبنائها، وذلك شعوراً منها بالمشاكل التي يولّدها الفراغ.
كلّ مشكلةٍ إذا لم تُحلّ تبقى وقد تنتفخ وتكبر وتولّد مشاكل أخرى جانبيّة، مقتضى حرص الإنسان على نفسه وعلى أبناء جلدته أن يبيّن مفاسد هذه الحالة أي حالة الفراغ، طبعاً كذلك الفراغ فيه حالةٌ من ضياع الهدف خصوصاً إذا كان عند بعض الفئات الشبابيّة التي تشعر بأنّها تريد أن تعمل، وتشعر بأنّها عندها طاقة تريد أن تفرغ هذه الطاقة بعملٍ ما، ثمّ لا تجد الى ذلك سبيلاً، هذا الفراغ غير المشغول سيولّد عملاً لا تُحمد عقباه، بمعنى أنّ بعض الأعمال السيّئة ناشئة من الفراغ.
الإنسان الذي لا يستطيع أن يُشغل وقته بشيءٍ نافع، يبدأ يفكّر بطريقةٍ أخرى حتّى يشغل نفسه بها، وهذه الطريقة الأخرى قد تكون مضرّةً بالآخرين، لاحظوا إخواني.. شابّ في مقام الفتوّة والنضوج يشعر بالفراغ، إضافةً الى شعوره هذا هناك حاجيّات يريدها لكنّها لا تتحقّق، فماذا يفعل؟ إمّا أن يقضي وقته بالنوم وإذا قضى وقته بالنوم سيتحوّل الى حالةٍ من التوتّر دائماً.
كلّ إنسانٍ إذا كان يشعر بأنّه غير مُنتِج سيتعب، -أعيد هذه العبارة- أيّ إنسان يشعر بأنّه غير مُنتِج سيتعب، فلابُدّ من أن يشعر أنّه مُنتِج وأنّه نافع وفعلاً هو نافع، البعض قد يَكسَل أو يُكسِل نفسه، وذكرنا في خطبةٍ سابقة التحذير من هذه القضيّة، فالكسل حالةٌ من التعطيل، يقضي وقته بالنوم ويتحوّل الى عاطلٍ فإذا أراد أن ينام ولم يتمكّن من أن ينام سيستعمل بعض الوسائل التي تُنوّمُه قهراً، وشيئاً فشيئاً سيتحوّل الى حالة ضياعٍ والى حالة إدمان -والعياذ بالله-.
الإنسان إذا كان عنده فراغ وليس له عملٌ سيحاول أن يكسب من طريقٍ غير شرعيّ، ويحاول أن يفرغ هذه الطاقة بأمورٍ أخرى تضرّ نفسه وتضرّ المجتمع، الآن أمامنا بعض الإحصاءات لا أذكر أرقاماً لكن بعض الإحصاءات حقيقيّة، فبعض الشباب عندما تأتي اليه وتجلس معه تراه ناضجاً وهو ليس من أرباب السوابق -كما يقولون-، لكنّه ذهب الى مذاهب شتّى فبدأ شبابه يضيع، وعندما تسأل تجد الحالة الأساسيّة عنده الفراغ، وعمليّة الفراغ عمليّة مدمّرة، ولعلّ من باب الطريفة الآن حضراتكم كلٌّ في عمله، إذا يرى نفسه يجلس في البيت يومين أو ثلاثة بلا عمل حقيقةً يُحدث مشاكل حتّى في البيت، لأنّه متعوّد على أن يُنتج فعندما يجلس بلا عملٍ لا تناسبه هذه القضيّة، فيُحاول أن يتشاجر ويُحاول أن يُحدث بلبلةً في البيت، فكيف إذا كانت نسبة الفراغ عندنا كبيرة وكثيرة؟!.
طبعاً إخواني هذا جزءٌ من المشكلة التي قطعاً لابُدّ أن تُحلّ، على الجهات المعنيّة -أيّ جهةٍ معنيّة تعرف تكليفها- أن تستوعب الناس الذين يعيشون حالة الفراغ التي تؤدّي الى أمورٍ لا يُحمد عقباها، فعليها أن تؤشّر الى وجود حالةٍ حقيقيّة ومؤلمة، في عين الوقت عليها أن تتصدّى لاستيعاب من يعيش حالة الفراغ.
الحالة الثانية حالة نفس الشخص الذي يشعر بالفراغ، أقول له: حاولْ أن لا تجعل نفسك فارغاً دائماً، ماذا تفعل؟ قطعاً هناك مسائل كثيرة يُمكن أن تفعلها غير الذي تفعل، لا تجعلْ نفسك أسيراً للفراغ، الفراغ فيه مشاكل وفيه أفكار وهميّة وفيه اعتقادات، أشياء ناشئة من خيالات قد تعتقدها أموراً صحيحة وهي ليست كذلك.
ليس من الصحيح أن يكيّف الشخص نفسه ويعيش مع حالة الفراغ، يعني أن لا تكون حالة دائميّة، نعم.. الإنسان يحتاج عندما يعمل أن يرتاح، الراحة إخواني غير الفراغ، أنا أتكلّم عن حالةٍ كثيرة وشائعة لا أتكلّم عن حالة الراحة، الإنسان يحتاج أن يرتاح يوماً يومين عشرة لا بأس، أنا أتحدّث عن حالةٍ كما قلت ضياع، يعني لا يوجد هدفٌ حقيقيّ من وراء الإنسان ماذا يريد، قطعاً بعض المشاكل العامّة تؤثّر لكن أقول لا تكنْ أسيراً للفراغ، إذا كنت كذلك ستضيع أكثر، لابُدّ للذي يعيش هذه الحالة أن ينتبه ولا يكون غافلاً عن كثيرٍ من الأمراض التي يوجدها الفراغ.
الإنسان يجب أن لا يعيش حالةَ الوحدة والفراغ، ويحاول أن يرتّب وضعه بطريقةٍ إيجابيّة لا تسيءُ لنفسه -لا قدّر الله- وتسيءُ الى المجتمع، طبعاً هذا حديثٌ طويل وقطعاً يحتاج الى معالجاتٍ جذريّة، وبعض الشباب عندما يعيش حالة الفراغ يسكت وبعضهم يقول: أنقذوني من هذه الحالة، أنا درستُ وتعلّمتُ -مثلاً- والآن لا أعرف ماذا أفعل، بعض الأبواب موصدة أمامي، نعم أنا معه وأقول: لابُدّ أن تُفتح الأبواب أمامه من أجل استيعاب هؤلاء الذين يعيشون في الفراغ، هذا كلامي للآخرين أمّا الكلام الذي لك مع ذلك لا تستسلمْ لحالة الفراغ وتكون أسيراً الى أمورٍ أخرى قد تؤدّي بك الى ما لا يُحمد عقباه.
هذا ما يسمح به الوقت عسى الله سبحانه وتعالى أن يرينا في أعزّتنا وأهلينا أن يكونوا دائماً مشغولين بالعمل النافع والعمل الصالح الذي فيه نفعٌ للبلاد والعباد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
*الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (21 ذي الحجّة ١٤٤٠هـ) الموافق لـ(23 آب 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)