أيّها الإخوة والأخوات سلامٌ عليكم جميعاً من ربٍّ رحيمٍ غفور ورحمةٌ منه وبركات، أعظم الله تعالى أجورنا وأجوركم بمصاب سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، وها نحن نعيش ذكرى أربعينيّة الإمام الحسين(عليه السلام) والمسيرة المليونيّة لمحبّيه في درب التضحية والفداء، حيث تتوجّه الملايين من مختلف أقطار العالم الى زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، ولا بأس هنا أيّها الإخوة والأخوات قبل أن أبدأ الحديث بمضامين هذه الخطبة، أن أذكر حديثاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) في فضل المشي لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، هذا الحديث رواه الشيخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (مَنْ خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي -عليه السلام-، إنْ كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ حسنة ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المُفلِحين المُنجِحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملكٌ فقال له: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يُقرئُك السلام، ويقول لك استأنف العمل فقد غُفِر لك ما مضى).
أيّها الإخوة والأخوات علينا أن نلتفت وننتبه لهذا الفضل العظيم وهذه المنزلة الرفيعة، والمقام الجليل لزائر الإمام الحسين(عليه السلام) الذي يأتيه مشياً على الأقدام، حتّى يبلغ الزائر هذه المنازل الرفيعة والفضل العظيم لابُدّ من شروطٍ ومقدّمات ومقوّمات نلتفت إليها، وقبل أن نبيّن هذه الشروط والمقدّمات لدينا تساؤل ألا وهو: كيف نكون من أصحاب وأنصار زيارة الأربعين في موسمها وخارج موسمها؟ هذا الفضل لمَنْ يأتي زائراً مشياً على الأقدام، كيف نكون من أصحاب وأنصار زيارة الأربعين في موسمها وخارج موسمها؟ وكيف ننال هذه المنزلة والمرتبة؟ نلاحظ البعض حينما يؤدّي الزيارة والخدمة والعزاء يكون بهذه الصفات، ولكنّه بعد موسم الأربعين ينزع رداء الأربعين وينسى الحسين(عليه السلام)، لابُدّ هنا من أن نُديمَ هذا الموسم في عطائه العقائديّ والتربويّ والأخلاقيّ، وأنا هنا على عجالة من الأمر سأذكر بعض هذه الشروط والمقوّمات، حتّى تبلغوا هذه المنازل الرفيعة التي ذكرها الإمام الصادق(عليه السلام).
أوّلاً: لماذا حثّ اللهُ تعالى ورغّب وكذلك النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لماذا حثّ ورغّب جدّاً في زيارة الأئمّة -زيارة مشاهدهم وقبورهم- وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، نلاحظ أنّ هناك سبباً مهمّاً لذلك وهو أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا المَثَل الأعلى، التفتوا إخواني لهذه الصفة، كانوا المَثَل الأعلى في طاعة الله تعالى والجهاد في سبيله والتضحية من أجل دينه القويم، هذا أوّلاً.
وثانياً أنّهم جسّدوا السيرةَ المُثلى في أحكام الله تعالى وتطبيق مناهجه والتخلّق بأخلاقه، وإنّ هذا الموسم يمثّل فرصةً لتقوية الارتباط باللّه تعالى وتطهير النفوس والاتّصاف بالأخلاق الفاضلة، لذلك علينا أن نحوّل هذه الزيارة والخدمة والعزاء لما يحقّق هذه الأهداف المذكورة، فنبدأ إخواني على رأس قائمة هذه الشروط هي التوبة الصادقة والإخلاص لله تعالى، لذلك أيّها الزائر الكريم أيّتها الزائرة الكريمة ابتدئوا رحلتكم للإمام الحسين من أوّل ما تسيرون ابتدئوا رحلتكم بالتوبة الصادقة والخالصة لله تعالى، بترك الذنوب والمعاصي وتطهير القلب من مذامّ الصفات، وأن تعاهدوا الله تعالى على طاعته والاستمرار في ذلك، وأن تطهّروا القلب من التكبّر والحسد والغلّ والحقد والإيذاء للآخرين وأن تتّصفوا بالأخلاق الفاضلة.
ثانياً: الإخلاص لله تعالى، أيّها الإخوة الزائرون، أيّتها الأخوات الزائرات، أيّها القائمون على هذه الخدمة الذين يُقيمون مواكب العزاء، من أهمّ الصفات أن تكون الزيارة والخدمة خالصةً لوجه الله تعالى، أيّها الإخوة والأخوات وللإخلاص أيضاً لوازم واختبارات، منها أن لا يكون هناك حبٌّ لهذا الإنسان الزائر والقائم بهذه الخدمة في أن يُظهر خدمته، من أجل أن يحصل على مكسبٍ دنيويّ أو أن يتفاخر ويتباهى أمام الآخرين بما يقدّمه من خدماتٍ وأمورٍ أخرى، وأن لا يدخل في نزاعاتٍ ومشاكل مع الإخوة الزائرين الآخرين، وهكذا في بقيّة الصفات، كلّ ما يؤدّيه من هذه الأعمال عليه أن يواصل هذه الصفة أيضاً في خارج موسم الأربعين، لذلك لابُدّ أن يكون هدفنا ونيّتنا وباعثنا على هذه الزيارة والخدمة هو وجه الله تعالى، لا نبتغي من ذلك إلّا الثواب ورضا الله تعالى.
القضيّةُ الثانية أيّها الإخوة والأخوات، من الصفات والأغراض المهمّة في زيارتنا للإمام الحسين(عليه السلام) أن نجعل هذه الزيارة موسماً لقوّة الارتباط بالله تعالى، التفتوا إخواني من أجلى مظاهر قوّة الارتباط باللّه تعالى هو أداء الصلاة، الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم عاشوراء وفي شدّة القتال لم يترك أداء الصلاة في أوّل وقتها، لم يتذرّع الإمام بأن يقول لأحد أصحابه حينما أشار له الى أنّ وقت الزوال ووقت الصلاة قد حان ولم يقلْ له: أنّه نحن في شغلٍ عن الصلاة بالقتال والقتالُ محتدم، بل دعا له فقال: (ذكرتَ الصلاة.. جعلك اللهُ من المصلّين الذاكرين)، وبادر الإمام(عليه السلام) الى أداء الصلاة في أوّل وقتها جماعةً، لذلك أيّها الإخوة الزائرون أيّتها الأخوات الزائرات، ورد في بعض الروايات (أحبّ العباد الى الله تعالى أسرعُهم استجابةً لنداء الصلاة)، إذا كان أحبّ العباد الى الله تعالى بهذه الصفة أليس يكون أحبّ الزائرين الى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُهم استجابةً لنداء الصلاة؟!! حينما يُنادي المؤذّن (حيّ على الصلاة) فأحبُّكم الى الله تعالى وأحبّكم الى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُكم استجابةً لنداء الصلاة، لذلك ينبغي أيّها الزائرون أيّتها الزائرات أن تُسارعوا حينما يكون هناك نداءٌ الى الصلاة وتُبادروا الى أداء الصلاة في أوّل وقتها، ولا يشغلكم شاغلٌ من طاعاتٍ أخرى أو أمورٍ مستحبّة أخرى عن أداء الصلاة في أوّل وقتها.
كما أنّنا ننبّه أنّه على طول الطريق وفي داخل المدينة هناك صلواتُ جماعةٍ تُقام على مسافة عشرات الكيلومترات، لذلك احفظوا هذا الأمر، أحبُّكم الى الله تعالى والى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُكم استجابةً لنداء الصلاة، لذلك بادروا في أوّل وقت الصلاة الى أداء هذه الصلاة جماعةً، والاستفادة أيضاً في هذا الموسم من تعلّم الأحكام الفقهيّة خصوصاً وأنّ هناك العشرات من المحطّات التي يتواجد فيها المبلّغون المبيّنون لهذه الأحكام الفقهيّة، هذا الأمر الثاني.
الأمر الثالث: إنّ موسم الزيارة موسمُ تطهير القلوب من مذامّ الصفات والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، لذلك أيّها الإخوة والأخوات كما ورد في الأثر (أفضلُكم موقفاً ومجلساً يوم القيامة أحسنُكم أخلاقاً)، لذلك انتبهوا واحرصوا في موسم الزيارة وفي بقيّة أيّام السنة على أن تتخلّقوا بأخلاق النبيّ(صلّى الله عليه وآله الأطهار)، هناك زائرون من مختلف دول العالم ومن مختلف القوميّات والجنسيّات والألوان يأتون لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، فيما بينكم وبين بقيّة أفراد المجتمع عليكم أن تتخلّقوا بالأخلاق العالية، الاحترام المتبادل فيما بينكم والتخلّق بأخلاق الصفح والعفو وعدم إيذاء الآخرين وعدم هتك حرمات الآخرين، طهّروا ألسنتكم -وهذا هو الذي يريده الإمام الحسين(عليه السلام)- من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والطعن والسبّ والشتم، املأوا قلوبَكم بالمحبّة لإخوانكم وطهّروا قلوبَكم من الغلّ لبقيّة إخوانكم، حينئذٍ تكونون من أنصار وأصحاب زيارة الأربعين، واحرصوا بالتعامل مع الجميع على حدٍّ سواء.
الآمر الآخر الذي أوجّهه أيضاً علينا أن نراعي حرمات المؤمنين، انتبهوا إخواني لهذه القضيّة المهمّة، راعوا حرمات المؤمنين والمؤمنات في أثناء الزيارة وخارج أيّام الزيارة وفي جميع أيّام عمركم، لا تنتهكوا هذه الحرمات بالكذب والبهتان وغير ذلك من هذه الأمور لإخوانكم، وأيضاً نأمل من الإخوة الزائرين مراعاة حرمات الطريق الذي هو للخدمة العامّة للزائرين، وكذلك مراعاة الأنظمة والتعليمات العامّة التي إنّما هي أدعى لسلامتكم، الالتزام بهذه الأنظمة والتعليمات في كلّ مكان، في الطرق الخارجيّة وفي الطرق الداخليّة وفي داخل العتبات المقدّسة، الالتزام بهذه الأنظمة والتعليمات أدعى لسلامتكم وحفظكم، وأيضاً يُمكن من خلالها تسهيل تقديم الخدمات، وكذلك نوصي بالتعاون مع الأجهزة الطبّية والخدميّة والأمنيّة من أجل تحقيق هذه الأهداف للزائرين، لذلك نأمل من الجميع الالتزام بهذه الأنظمة وحفظ الحرمات.
التوصية الأخيرة للنساء، الأخوات المؤمنات الزائرات عليهنّ أن يجعلن زينب(عليها السلام) مثالاً وأسوةً لهنّ في الالتزام بالعفّة والحشمة وحفظ الكرامة والشرف للمرأة الزائرة والمؤمنة، كيف كانت زينب(عليها السلام) ونساء النبوّة في أقسى الأيّام في معركة الطفّ حافظن على طاعتهنّ لله تعالى وعلى عفّتهنّ وحجابهنّ، لذلك ينبغي للمؤمنة الزائرة أن تحافظ على حجابها وعفّتها، وتتجنّب الاختلاطات المذمومة والكلام المذموم والاختلاطات المنهيّ عنها مع الرجال الأجانب، وأن تحافظ على عفّتها وشرفها وكرامتها، هذه من الأمور المهمّة التي ينبغي للزائرة والزائر أن يُراعيها، لذلك نأمل أيّها الإخوة والأخوات وأنا أكرّر لكم هذا الحديث الذي ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)، والتفتوا الى فضل مَنْ يأتي مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، التفتوا الى الثواب والفضل والمنزلة الرفيعة والمقام الجليل لهذا الزائر، قال (عليه السلام): (مَنْ خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي -عليه السلام-، إنْ كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ حسنة ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المُفلِحين المُنجِحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملكٌ فقال له:...) انظروا الى عِظَم منزلة هذا الزائر (...أتاه ملكٌ فقال له: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يقرئك السلام، ويقول لك استأنف العمل فقد غُفِر لك ما مضى)، ولكن كما بيّنّا أنّ هذا المقام وهذه المنزلة بشرطها وشروطها، لذلك لابُدّ أن نراعي هذه الشروط من أجل أن نصل إن شاء الله الى هذه المرتبة العظيمة.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (12/ صفر/ 1441 هـ) الموافق (11/10/2019).