يتفق الجميع على أن الجموع الهائلة التي تشترك في احياء مراسيم زيارة أربعينية الامام الحسين عليه السلام، يُصعب أن تجتمع بهذا العدد أو حتى نصفه، في مناسبات اخرى وأما كن غير مدينة كربلاء المقدسة، فالسبب الذي يدفع هذه الجموع الهادرة للحضور الى مرقد ابي الاحرار عليه السلام واضح ومعروف، لذلك لا يمكن الحصول على مثل هذا الزخم البشري الكبير مهما كانت الدواعي لذلك، وهذا يجعلنا امام مسؤولية جديدة، تتكرر في كل عام مثل هذا اليوم، ونعني به يوم أربعينية سيد الشهداء الحسين عليه السلام.
هذه المسؤولية تتمثل بالكيفية التي نستثمر فيها هذا التجمع البشري لعدد ضخم من مسلمي العراق والدول الاسلامية كافة فضلا عن المسلمين في عموم ارجاء العالم، انها كما يتضح لنا جميعا فرصة ذهبية لنشر ثقافة اهل البيت بين هذه الجموع، ولابد من ان تكون الثقافة المبثوثة مهيّأ لها من جميع المجالات، ولابد أن تكون مستمدة من الفكر الحسيني القائم على اسس انسانية، مكللة بالمحبة والسلام والالتزام بحقوق الآخر، والاندفاع العفوي نحو مساعد الآخر واحترامه فضلا عن مساعدة الذات واحترامها.
إذ أن ثقافة الفكر الحسيني تدعو الجميع الى التآزر، والتمسك بالقيم الانسانية الخلاقة التي يمكنها ان تسهم بصورة فعالة في بناء الدولة القوة القادرة على حفظ حقوق الجميع، وتجعل الجمهور قادرا على مجابهة الحكام والحكومات التي لا تأبه بحقوق الشعب وثرواته وحرياته، وهذا ما تطلقه حناجر المشاركين في المواكب الحسينية عندما تعلن بجرأة كبيرة مقاضاة المفسدين ومن يتلاعب بثروات واموال الشعب، وتدعو الى ثقافة المقاضاة المعروفة بين العراقيين والمسلمين تحت بند (من أين لك هذا؟)، كذلك ينبغي أن تُستثمَر هذه المناسبة الدينية الضخمة بما يجعل الناس اكثر وعيا واصرارا على السلوك القويم.
فزيارة الاربعين على الرغم من ضخامتها في المجالات كافة، أي من ناحية الاعداد البشرية والغذاء والاطعام والمنام والكهرباء والماء وما شابه من خدام، وانتشار اعداد كبيرة جدا من المواكب والسرادقات والخيم، لتهيئة ما ينبغي من خدمات للزائرين كافة، مع هذا كله، لكن ينبغي ان تُدار هذه الزيارة وفق تنظيم دقيق، بمعنى يجب ان يتم نشر ثقافة الالتزام وعدم الاضرار بالشوارع والساحات والحدائق العاملة، وعدم رمي القمامة بطرق عشوئية، وسوى ذلك من اخطاء غير متعمَّدة ولكنها تثقل كاهل المدينة التي تغص بملايين الزائرين، لذلك فإن الالتزام بنظافة المدينة وبعدم رمي القمامة بصورة عشوائية، وسوى ذلك من أفعال خدمية ينبغي أن تتم بصورة خاضعة لنظام دقيق، يراعي بنية المدينة، ويسهل من خدمة الزائرين بطريقة لائقة.
أي أننا يمكن أن ننشر ثقافة النظافة، وثقافة الحرص على ممتلكات الدولة، والاماكن ذات الاستخدام العام، كذلك يمكن من خلال هذه الزيارة، ان ننشر روح التعاون والتكاتف والمؤازرة المتبادَلة بين الزوار بعضهم مع بعض من جهة، وبين الزوار وأهل المدينة المقدسة من جهة اخرى، وبهذا نكون قد استثمرنا هذه المناسبة الدينية بصورة سليمة، علما ان هناك فرصا كثيرة لنشر الوعي بين الزائران من خلال تقديم الفعاليات الثقافية والفنية المختلفة التي يمكن ان ترافق مراسيم الزيارة، على أن يتم الاعداد لها مسبقا.
فمثلا يمكن عقد الندوات الثقافية من خلال استثمار الزخم البشري في المدينة ونشر المبادئ التي نادى بها الامام الحسين عليه السلام، وجلها يتعلق بالارتقاء بالإنسان، كذلك يمكن تقديم الاعمال الفنية التي ترتقي بذائقة وخيال وافكار المسلمين، عبر فعاليات مباشرة مهيّأ ومخطط لها مسبقا، وهو أمر يتعلق بكيفية استثمار هذه المناسبة الكبرى ثقافيا بالطرق الصحيحة، من اجل تحقيق حالات التجديد الثقافية، وترسيخ القيم التي ترتقي بالإنسان الى مرتبة التقدم التي يسعى إليها الأمم المتطلعة للسمو بشقّيه المادي والمعنوي، ارتقاءً بالإنسان فكرا وايمنا وسلوكا، وهو امر يمكن تحقيقه في حالة التخطيط السليم لاستثمار وجود الزخم البشري الهائل في هذا المدينة بهذه المناسبة الدينية الكبرى، وما نحتاجه في هذا المجال، هو التخطيط الثقافي السليم، ومن ثم توفير مستلزمات التنفيذ المادية والفكرية، وصولا الى استثمار افضل واكبر يحقق للعراقيين والمسلمين عموما طفرة ثقافية نوعية، إذا ما توجّه المعنيون الى جعل الزيارة فرصة جادة وفريدة من نوعها لترويج الوعي والثقافة الانسانية الراقية بين المسلمين جميعا.
- نقلاً عن النبأ