ما الذي يقدمه الدين في هذا العصر الذي تطور فيه العلم و الإنسان، فبالمقارنة مع الإنسان الموجود وقت نزول الدين يجد الفرق كبير جداً؟
هذا وكذلك أسئلة أخرى تطرح في هذا الزمان كثيراً في السؤال عن ما يقدمه الدين بعد تطور الإنسان في مجال العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والفلسفة، حيث إن الإنسان اليوم استطاع أن يخترق المجرات، كما استطاع أن يخترق الذرة و أن يتعرّف على البنى التحت ذرية المكونة لهذا الأجسام العظيمة، كما أنه استطاع أن يرجع بعقله إلى أكثر من ثلاثة عشر مليار سنة لكي يتلمس بداية الكون، وهو يقدم الآن حزمة من النظريات في علم النفس وفي علم الاجتماع وفي علم القانون، فبعد كل هذا ما هي حاجتنا إلى الدين؟ ما الذي يُعطينا الدين؟ ما الذي يُقدم لنا الدين؟ خصوصاً إذا كان الدين يرجع إلى أكثر من 1400 سنة؟
في مقام الإجابة على هذا السؤال باختصار أذكر جملة من الأمور التي يُقدمها الدين، ولا يُقدمها علم شيء آخر غير الدين:
تنبيه العقول القاصرة وتحصينها من الشبهات
الأمر الأول: هو أن الدين يُنبه العقل القاصر إلى مبدئه ومعاده، فإن العقل في بداية تكوينه ليس كالعقل في نهاية تكونية، فقد ذكر الفلاسفة أن الإنسان يولد بلا ذهن، ثم إذا تحصل على الصور الذهنية يوجد عنده ما يسمى بالوجود الذهني، ثم يدخل في عمليات التفكير ومن خلال الممارسة المستمرة في علمية جمع المقدمات والانتقال من المقدمات إلى النتائج يكتسب الدربة والخبرة في عملية الاستدلال، والدقة والعمق لا تأتيان له في أول نشآت تفكيره، وإنما تأتيان بعد مراحل، وهذا يعني أن العقل البشري في بداية تكوينه من السهل جداً أن يقع في الشبه، و يمكن أن تأخذه التيارات المنحرفة إلى الانحراف ؛ لأنه لا يملك الحصانة الفكرية، و الدين يأتي للعقل الإنساني ويُنبهه إلى مرتكزاته الفطرية ويُقدم له أدلة وبراهين تُؤيدها الفطرة على وجود الله تبارك وتعالى، يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (ال عمران 190)، فقبل أن يتلقفه العقل المادي ويقول: له العالم مادة، والمادة يمكن أن توجد من لا شيء يُقدم الدين له دليلاً فطرياً، فإذا جاء المادي يصطدم مع ما قدمه الدين من تنبيه على وجود الله تبارك وتعالى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعاد، يقول تعالى: ( َلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) (البلد 8-9)، فإن في هذه الآية دليلاً فطرياً على ثبوت المعاد، فالقرآن يريد أن يقول للإنسان: إذا التفت إلى جعل العينين والشفتين في عالم الأرحام تقطع أن الحكيم الذي أوجدك لم يخلقك للرحم، وإلا لما وضع لك العين التي لا تبصر بها في عالم الرحم ولا اللسان الذي لا تتحدث به في عالم الرحم، أنت خلقت لنشأة أخرى وهي عالم الدنيا، وهذا يجري في ما تجده في نفسك من فطرة على حب الخلود والبقاء، والسعي لأن تكون محفوظاً دائماً من الآفات والمهلكات، فإن من خلقك وأودع فيك هذه الفطرة لم يخلقك لهذه النشأة الفانية، وإنما لنشأة أخرى دائمة ( يا أيها الناس خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء وإنما من دار إلى دار تنقلون ) (الأمالي، الشيخ الطوسي، ص216) فالدين يُقدم الأدلة العقلية على المبدأ والمعاد لعامة الناس بصورة فطرية في مراحل تكامل عقولهم الأولى، وبهذا يُشكل لهم حصانة فيما إذا اصطدموا بعد ذلك بشبهات التيارات المختلفة.
بيان الغاية من خلق الإنسان
الأمر الثاني: إن الدين يُبين الغاية من خلق الإنسان، نحن لماذا خلقنا؟ ما هو الهدف من وجودنا؟ هذا السؤال لا يمكن أن نتحصل على جواب له في علم الرياضيات ولا في علم الفيزياء ولا في علوم الأحياء ؛ لأن الغاية من خلق الخلق لا يعرفها إلا من خلق الخلق، فالله تبارك وتعالى هو الذي خلق الخلق، وخلق لغاية وهو يعرف غايته، و إذا أردنا أن نتعرف على غايته لابد أن يُخبرنا، والباري تبارك وتعالى يُخبر من خلال الدين يخبرنا بأن الغاية أن بلغ مقام الكمال ليس فقط في نشأة الدينا، وإنما في نشأة الدنيا وفي نشأة الآخرة.
وهذا يجعلنا بحاجة ماسة إلى معرفة عدة أمور لا نعرفها إلا بواسطة الدين:
1ـ كيف نحصل السعادة في النشأة الأخرى؟
2ـ ما الموانع التي تمنعنا من الظفر بالسعادة هناك؟
3ـ هل الظواهر المبغوضة لنا في هذه النشأة تنافي هدفية الكون واشتماله على الحكمة؟
قيمة الأحكام الأخلاقية
الأمر الثالث: هو أن الدين يقدم الجزم بوجود قيم أخلاقية ملزِمة، فالسؤال الذي نواجهه هنا: هل يمكن أن نجزم بلزوم فعل العدل ولزوم ترك الظلم مع عدم الاعتقاد بوجود الله تبارك وتعالى؟
التفتوا جيداً: هناك فرق بين أن أدرك أن العدل حسن وأن الظلم قبيح، وبين أن أجزم وأحكم بضرورة أن لا أظلم وأن لا أترك العدل، هذان أمران مختلفان، و فلاسفة ما بعد الحداثة كـ(فردريك نيشته) يقولون: إن الكون وجود مادي ونحن كالحشرات وجدنا من خلال تطور كما يقول (تشارلز روبرت داروين) فما في الكون ليس إلا هذه المادة التي تتموج، وعليه ينبغي أن يُحكم المجتمع الإنساني بالنظام الحاكم على عالم الأحياء، وهو قانون البقاء للأقوى، لهذا (فريدريك نيشته) يطرح (نظرية السوبرمان) وهي الإنسان فائق القوة، ويرى فيها أنه لا ينبغي أن نلتفت إلى القيم والأخلاق، هذه كلها عناوين يستثمرها الضعفاء لكي يُكبلوا الأقوياء ويمنعون الأقوياء من ممارسة حقوقهم الطبيعية وهو أن تكون الغلبة لهم، ففي كتاب (جنياجولوجيا الأخلاق) يذكر أن الدين المسؤول تاريخياً عن تعميم وترسيخ الأخلاق، وهي قيم العبيد البليدة والخانعة، فعلى هذا هو يرى أن من حق الأقوى أن يُدخل الضعيف في أفران النار أو في غرف الغاز وأن يقضي على أصحاب العاهات والأمراض حتى لا يبقى إلا الأقوى، وهذه العقلية هي العقلية التي اعتمدت عليها النازية، وهي عقلية رجل الكوبوي المسيطرة على العالم اليوم، وهي عقلية اللا أخلاق وإنما للأقوى أن يفعل ما يشاء، وهذه طبيعة لابد وأن نُسلم بها إذا كنا نعتقد بأن الوجود ليس إلا مادة وعالم المادة محكوم بقانون البقاء للأقوى لهذا (ريتشارد دوكينز) في كتابه (وهم الإله) يذكر أنه إذا لم نؤمن بالدين فمن الصعب الدفاع عن ما يسمى بالقيم المطلقة، فلابد أن تكون متدين في البداية ثم تكون رجلاً خلوقاً بمعنى يوجد ما يجعلك تلتزم بترك الظلم والعدل، فإنك إذا اعتقدت بوجود لله وأن الله رقيب، وأنه سوف يُعاقبك فيما إذا فعلت السيء حينئذٍ ـ لدفع الضرر عنك ـ سترى أن من اللازم أن لا تركب القبيح وأن لا تفعل إلا الحسن فيما إذا أمنت العقوبة من غير الله تعالى، أي سترى من اللازم عليك العمل بالقيم الأخلاقية المطلقة، لأنه لا تنجو من تبعية عملك، يقول (دوكنز): " ليست جميع الأحكام المطلقة مستمدة من الدين، ولكن من الصعب جداً الدفاع عن القيم الأخلاقية المطلقة على أرضية أخرى غير الدين" ( وهم الإله ص 232).
إننا نشاهد ما يعرف في الأفلام الوثائقية التي توثق عمليات افتراس الحيوانات لبعضها البعض، ولا نرى ذلك قبيحاً، وإنما ننظر إليه على أنه حق طبيعي بمقتضى قانون البقاء للأقوى، و طبيعة طلب انتفاع الحي بمثله، فلماذا لا يكون الأمر كذلك في ممارسات الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية، أو ممارسة اليابانيين في الصين أو اليهود في فلسطين؟!
إن الملحد الذي ينطلق من المادة في تفسير كل شيء لا يملك جواباً، ولهذا ضحكت كثيراً عندما قرأت لـ(ريتشارد دوكنز): "القيم الأخلاقية التي يبشر بها المتدينون عبارة عن ماذا؟ رجم الناس لممارسة الجنس قتل من يترك دينه إذن، لا أظن أنني أريد قيم أخلاقية مطلقة أريد قيم أخلاقية ناتجة عن تفكير ومناقشة و برهنة و يمكن القول قيم مبنية على تصميم ذكي".
فإن كلامه يواجه عدة ملاحظات منها
الملاحظة الأولى: هو أن (دوكنز) لم يبين الأساس العقلي الذي على أساسه رفض الرجم والقتل، فإن كنا حسب التصميم الذكي كالحشرات نتيجة تطور مادي محض، فلماذا يحق للذئب أن يبطش بصغار الماعز وهو ينظر إليهم ـ كما يحق للإنسان ذلك ـ، ولا يسن (دوكنز) قوانين لعقابه، و بماذا لا يحق للبشري أن يقتل مثله كما كان للأسد أن يقتل مثله لأجل السيطرة على مساحة من الغابة؟
الملاحظة الثانية: هو أنه حصر قيم المتدين في الرجم والقتل، وهذا أمر مجانب للصواب، ويمكن للمتدين أن ينفر من الملحد بممارسة نفس هذا العمل التشويهي فيحصر قيمه في المثلية والشذوذ و الإباحية المطلقة، ولكن الخلوق ينبغي أنه أن يلتزم بقيمه.
الملاحظة الثالثة: إن المتدين ينطلق من حق الله تعالى، فكما أن لله تعالى أن يمكن بعض الحيوانات من البعض الآخر لمصالح نظامية، له أن يمكن بعض البشر من البعض الآخر لحكمة ومصالح نظامية، وهذا تصرف من مالك في ملكه، فلا ينافي القيم المطلقة.
إذاً، الأمر الثالث الذي يقدمه الدين هو اعتبار القيم الأخلاقية الملزمة، وكما تعلمون لا يمكن أن يقوم مجتمع من دون قيم أخلاقية ملزمة، فلا يمكن أن يسود القانون ويكون القانون مبنياً على العدل والمساوة ويلتزم المشرع المطبق للقانون بقيم القانون إلا إذا كان هناك إلزام أخلاقي، ولا إلزام أخلاقي إلا في ظل الدين.
الغذاء الروحي و استقرار النفس
الأمر الرابع: إن الدين يقدم للإنسان الاطمئنان النفسي والاستقرار النفسي وعدم الشعور بالقلق والخوف من المجهول، المؤمن الذي يعتقد بوجود الله تبارك وتعالى يطمئن قلبه (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد 28) لماذا؟ لأنه يعتقد أن هناك إلهاً رحيماً وهو بصير بحاله يحيطه بالنعم وخلقه لكي يُكرمه، وإكرامه لا يظهر جلياً في هذه النشأة وإنما في النشأة الأخرى، فهذا لاعتقاد يُعطي الإنسان الاطمئنان من جهة المستقبل وما بعد الموت، فكل واحد منها لأنه متدين يجد نفسه ثابتة باقية بعد أن تخرج من هذا الجسد، بينما الملحد إما أنه يجزم بعدم وجود المعاد، فهو لا يرى لحياته معنى ؛ لأنه يقول مهما أنجزت ستكون نتيجتي هي العدم، و قد ذكر ( ألكسيس كاريل ) صاحب كتاب ( الإنسان ذلك المجهول ) أن الذي لا يؤمن بالنشأة الأخرى تسيطر عليه أفكار من قبيل ( ماذا استفيد إذا أنجزت وتحولت إلى تراب ليكن إسمي باقياً، ويقال: صاحب النظرية الفلانية أو صاحب الاختراع الفلاني، لكن ما قيمة ذكر الناس لي وأنا لا أدرك هذا الذكر وأنا تحولت إلى عدم، يبقى الإنسان يشعر بأن وجوده وجود ناقص ليس كما يحب مهما أنجز، فإذا كان الملحد أو غير المتدين لا يؤمن بالنشأة الأخرى فهو يعيش الحزن ويشعر بالحرمان ؛ لأن النتيجة أنه سوف يتحول إلى عدم.
وأما إذا كان يشك لا يجزم بعدم وجود المعاد، فهو يشك فيه فيعيش القلق ؛ لأنه يقوله من المحتمل أن هناك إلهاً وأن هذا الإله سوف يُعاقب في تلك النشأة وأنا لم أعتنِ ولم أقدم شئياً لنفسي فمن المحتمل أن أكون معذباً في تلك النشأة، وهذا ما بينته روايات أهل البيت(عليهم السلام)، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام) – أنه قال: لعبد الكريم بن أبي العوجاء وهو منكر للمبدأ والمعاد -: إن يكن الأمر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكت. فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة فردوني، فردوه ومات (التوحيد: 298 / 6). و عن الإمام الصادق (عليه السلام) - أيضاً -: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون (يعني أهل الطواف) - فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر كما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم (البحار: 3 / 43 / 18 وص 36 / 12 وص 154 و 78 / 87 / 92). و دخل رجل من الزنادقة على الرضا (عليه السلام) وعنده جماعة، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أرأيت إن كان القول قولكم - وليس هو كما تقولون - ألسنا وإياكم شرعا سواء، ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟ فسكت، فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن يكن القول قولنا - وهو كما نقول - ألستم قد هلكتم ونجونا؟ (البحار: 3 / 43 / 18 وص 36 / 12 وص 154 و 78 / 87 / 92). و عن الإمام الصادق (عليه السلام) - في مناظرته مع الطبيب الهندي -: قلت: أرأيت إن كان القول قولك فهل يخاف علي شئ مما أخوفك به من عقاب الله؟ قال: لا، قلت: أفرأيت إن كان كما أقول والحق في يدي ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الخالق بالثقة وأنك قد وقعت بجحودك وإنكارك في الهلكة؟ قال: بلى، قلت: فأينا أولى بالحزم وأقرب من النجاة؟ قال: أنت (البحار: 3 / 43 / 18 وص 36 / 12 وص 154 و 78 / 87 / 92).
و يقول الشاعر:
زعم المنجم والطبيب كلاهما * أن لا معاد فقلت ذاك إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر * أو صح قولي فالوبال عليكما
و الإلهي بالعكس، فإنه من هذه الجهة يعيش حالة اطمئنان، ويسعى لكي يُقدم لنفسه في تلك النشأة، كما أن الإلهي يمتلك ببركة اعتقاده بالدين جرعة كبيرة من الصبر فيما إذا ابتلي ووقع في المصائب والمحن ؛ لأنه يعتقد أن الإله الذي خلقه سوف يُعوضه (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة 156) فهو يتحمل كل بلاء ويصبر على كل محنة ؛ لأنه يرى ذلك بعين الله تبارك وتعالى، وأن الله تبارك وتعالى سوف يُجازيه وسوف يُعوضه على ذلك، وأما من لا يؤمن بوجود الله تبارك وتعالى، فإنه يجزع ولا يجد من يُعوضه ويرفع عنه البأس، و يرى أنه صدفة من دون كل الخلائق حاطت به هذه المحن بلا تعويض، لهذا في سنة 2002م طرحت المجلة الأمريكية للطب النفسي بحث قيّم، بحثت فيه ظاهرة الانتحار وانتهت إلى أن عدد المنتحرين في غير المتدينين أكثر بكثير جداً من عدد المنتحرين بين المتدينين، ثم في نهاية هذا المقال والبحث ذكروا أن التدين وصفة طبية لمكافحة ظاهرة الانتحار في العالم، فإذا أردت أن تكافح ظاهرة الانتحار عليك أن تروج الدين، ومن الأمور المضحة جداً يوجد فيلسوف ملحد أسمه (اليان دي بوتون) ألقى محاضرة في (تد)، وطالب في هذه المحاضرة أن تكون هناك طقوس وشعائر للملحدين كما هو موجود عند المتدينين، حيث ذكر أن المتدينين بسبب نشاطاتهم الاجتماعية الدينية وبسبب الشعائر الدينية والطقوس الدينية يتخلصون من مرض الاكتئاب ومن القلق والخوف ومن الاضطراب، والملحدون بحاجة إلى طقوس دينية إلحادية، و عنوان المحاضرة التي ألقاها (النسخة الثانية للإلحاد )، فهو يريد إلحاداً ولكنه إلحاد ديني فيه شعائر دينية وما ذاك إلا لأن الدين يُقدم من الناحية النفسية خدمات للإنسان، حتى أن بعض الملاحدة يعبر عن الدين بأنه كذبة ولكنها كذبة بيضاء حسنة.
هذا بعض ما نتوقعه من الدين، فنحن نتوقع منه أن يُعرفنا على المبدأ والمنتهى، و أن يُعرفنا الطريق الذي نسلكه لكي نتحصل على كمالاتنا الأخروية، و نحن بحاجة إلى الدين لكي نتحصل على حالة الاستقرار والاطمئنان، و لكي يقوم المجتمع بالقسط والعدل (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد25)، فإنه لا ملزم بالقسط مع عدم التدين ولا نتوقع من الدين أن يخترع لنا جهاز آيفون أو صاروخاً نصعد به إلى سطح القمر، مثل هذه النتائج المحبوبة والمقدّرة والمحترمة نتوقع من العلوم التي تساهم في رفع رفاهية الإنسان في عالم الدنيا، والدين يدعو إلى تعلم هذه العلوم، ولكن ما نتوقعه من الدين وراء أن يحث على دراسة هذه العلوم أموراً أخرى ذكرنا بعضها.