ورد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كثيراً في القرآن الكريم، لدرجة أننا نجد كتباً كثيرة ألفت وطبعت تضمن هذه الآيات المباركة، إلا إننا لم نجد ذكره عليه السلام بالاسم، فلماذا لم يرد ذكره عليه السلام بالنص في كتاب الله؟
و يتّضح الجواب عن هذا السؤال من خلال أُمور:
أوّلاً : نزل القرآن الكريم على خطاب «إيّاك أعني واسمعي يا جارة»، أي على الاستعمال المجازي والكنائي، فإنّ الكناية أبلغ من التصريح ، فذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام وكذلك الأئمّة عليهم السلام من بعده كناية ومجازاً.
ثانياً: من ثقافة القرآن الكريم أنّه يبيّن القوانين العامّة كما هو متعارف في كتب الدستور لكلّ دولة ، إلاّ أنّه يلحق به التنويهات ، والمواد الأُخرى تفسّر الكلّيات في الدستور ، فالقرآن يبيّن الأصل الكلّي للإمامة ، وأنّ الأئمّة على قسمين : أئمّة ضلال ، وأئمّة هدى يهدون بأمر الله.
ثمّ يبيّن صفاتهم بالكناية والمجاز ، كما في آية إكمال الدين ، والتطهير ، والإطاعة ، والولاية ، وأن الولي من أعطى الزكاة في صلاته ـ أي تصدّق بالخاتم ـ ولم يكن ذلك إلاّ الإمام علي عليه السلام ، كما نقل ذلك المفسّرون من السنّة والشيعة.
فالقرآن الكريم يتكلّم بنحو عام ، والسنّة الشريفة هي التي تبيّن المصاديق والجزئيات ، فالقرآن يقول : (أَقِمِ الصَّلاَةَ)[1]، والسنّة تقول : صلاة الصبح ركعتان ، وهكذا باقي الموارد.
والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في روايات كثيرة جدّاً ـ نقلها الموافق والمخالف ـ نصّ على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر عند الفريقين، إلاّ أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول الله عن الولاية ، ولم ينصروا علياً عليه السلام ، واعرضوا عن الأحاديث النبوية التي قالها في شأنه وخلافته.
فلو كان اسمه مذكوراً في القرآن الكريم لأدّى ذلك إلى إنكار القرآن أيضاً ، ويقولوا : إنّ النبيّ ليهجر ـ والعياذ بالله ـ كما قالها البعض في مرض النبيّ صلى الله عليه وآله عندما طلب منهم الدواة ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده ، وهذا يعني إنكار الدستور الإسلامي ، وإنكار الإسلام كلّه ، وهذا يتنافى مع الحكمة الإلهيّة.
فاقتضت الحكمة أن لا يذكر اسم الإمام علي عليه السلام في القرآن صريحاً، وإنّما يذكر في ترجمانه، وفي عدل القرآن أي : السنّة الشريفة ، ليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر ، فما ذلك لله بضارّ ، وما أكثر الأحاديث الدالّة على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام من مصادر أهل السنّة.
جاء في الكافي بسندٍ صحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)؟[2].
فقال : «نزلت في علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين».
فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عزّ وجلّ؟
قال: فقال : «قولوا لهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ، ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ، ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم ، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعاً ، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت : (َطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ـ ونزلت في علي والحسن والحسين ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في علي: من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.
وقال صلى الله عليه وآله : أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فإنّي سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرّق بينهما ، حتّى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك وقال : لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ، وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة ، فلو سكت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يبيّن مَن أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه ، تصديقاً لنبيّه صلى الله عليه وآله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[3] ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثمّ قال : اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي ... »[4].
المصدر: إجابات مركز الأبحاث العقائدية بتصرّف
الهوامش:[1] طه : 14.
[2] النساء : 59.
[3] الأحزاب : 33.
[4] الكافي 1 / 286.