المكتبة
خطوات لتشجيع الأطفال على الصيام
اقترح باحثون بالشأن الاجتماعي خطوات لتشجيع الأطفال على الصيام في شهر رمضان وتهيئة الأجواء لهم.

[اشترك]

وقالت الباحثة الاجتماعية حنان رعد، إن “تربية الأطفال على صيام شهر رمضان المبارك تتم من خلال تقديم معاملة خاصة عبر تهيئة الأجواء والراحة النفسية والجسدية لهم ليتمكنوا من الصوم، وتكون لهم الأولوية في تلبية طلباتهم من الطعام والشراب عند الإفطار”.

وأضافت أنه “لابدَّ من اصطحاب الأطفال الى الأقارب والأصدقاء والإشادة أمامهم بقدرة الطفل على الصيام، فضلاً عن زيادة مصروفه خلال شهر رمضان ليعلم إنه مميز، الى جانب ملء ذاكرته بطقوس الشهر الجميلة”.

فيما أكد الباحث الاجتماعي محمد كريم، أن “اهمية خلق أجواء للأبناء في شهر رمضان – مثلا – عند اصطحابهم في إجراء توزيع وجبات أو سلّات غذائية بين الأُسر الفقيرة، سيخلق شعوراُ لديهم بحب فعل الخير ومساعدة الآخرين، وكذلك زيارة الاقارب ومشاركتهم في لعبة المحيبس، فضلاً عن زيارة المراقد المقدسة، جميعها أمور تجعل شهر رمضان مميزاً”.

بدوره، صرح الباحث الاسلامي والاكاديمي حسين المجاب، أن “الآباء والأمهات بحاجة الى عملية تمهيد وترسيخ العقيدة للأبناء منذ السنوات الأُوَل للطفل وبحسب مستوى وعيه، لتهيئته عند بلوغ سن المكلفين، بتأدية العبادة بشكل صحيح وبما يتناسب مع رضى الله تعالى”.

وتابع، ان “مسألة التمهيد تعد من القضايا المهمة لمعرفة الأحكام والسنن وبطرق متعدد تعتمد على التواصل والتقارب بين الأهالي والأبناء، فبالإمكان إقناع الطفل بالصيام على مراحل قدر امكانيته وقابليته وتشجيعه بحيث يكون مهيَّأً بالكامل للصيام عند بلوغه مرحلة الشباب”.

في غضون ذلك، أوضح أستاذ علم النفس بجامعة بغداد احمد عباس الذهبي، “أهمية تهذيب نفوس الأبناء عند شعورهم بالجوع والعطش خلال الصيام ولفْتِ انتباههم الى الإحساس بالفقراء وتعوديهم على مساعدة المحتاجين، علاوة على تعريفهم أهمية التصدُّق والإنفاق”.

*وكالات

2022/04/03

كيف تدير نفقاتك خلال شهر رمضان؟

يدور شهر رمضان المبارك في جوهره حول تنظيم سلوكنا وكبح رغباتنا في مواجهة الإغراءات. 

[اشترك]

ويتمثل أحد جوانب ضبط النفس برأيي في تنظيم سلوكنا المالي، فبدلاً من الاستمرار في تجربة الإنفاق العشوائي وإجراء عملية شراء اندفاعية الواحدة تلو الأخرى، يجب أن يكون لدينا الانضباط الذاتي للالتزام بميزانيتنا، والعيش في حدود إمكاناتنا.

وعلى الرغم من أن شهر رمضان قد بدأ بالفعل، ولكن لم يفت الأوان بعد لبناء عادات مالية صحية، والبناء عليها كفرصة لاكتساب مهارات التخطيط المالي من أجل الاستثمار على المدى الطويل.

وهذه بعض الطرق التي يمكنك من خلالها التخطيط لأموالك في رمضان، لتفادي إحداث فجوة في ميزانيتك لهذا الشهر:

ضع خطة إنفاق والتزم بها

تتضمن الخطة (1) إعداد الميزانية، (2) تسجيل النفقات اليومية، (3) التحقق فيما إذا كان إنفاقك يتماشى مع ميزانيتك المحددة مسبقًا. لذا لا تضغط على نفسك إذا تجاوزت الميزانية، ولكن بدلاً من ذلك حافظ على التزامك بخطتك في اليوم التالي.

اكتب عدد وجبات الإفطار التي ستستضيفها في منزلك خلال رمضان، حتى تتمكن من إعداد ميزانية لكل منها.

الحد من وجبات الإفطار خارج المنزل

عند اتخاذ قرار الإفطار خارج المنزل، يفضل ألا يكون المطعم في مركز تجاري، لأن مجرد الذهاب في جولة داخل المركز يمكن أن يورطك بنفقات إضافية غير مدرجة في الميزانية.

قم بإعداد قائمة تسوّق أسبوعية

 

أرى في هذا الإطار أهمية كتابة قائمة أسبوعية للأكلات التي سيتم تحضيرها خلال الأسبوع، ومن ثم كتابة الاحتياجات التي تود إحضارها من السوق، بحيث يمكنك شراء ما تحتاجه بشكل منظم، فالذهاب إلى التسوق دون وجود قائمة يمكن أن يؤدي إلى مشتريات قد لا تلزمك أو فائضة عن حاجتك، فتتلف وتضطر لرميها بعد فسادها أو انتهاء صلاحيتها .

لا تتسوق وأنت جائع/ صائم

وفقا لنتائج عدد من الدراسات، فإن التسوق وأنت جائع سيجعلك تميل إلى شراء كمية هائلة من الأشياء التي لا تحتاجها في نهاية المطاف.

ادفع نقداً

يوفر الدفع الرقمي تجربة ممتعة وإحساساً بالأمان، ومع ذلك يجب أن تضع في اعتبارك أيضاً جانبه السلبي في سلوك الإنفاق. 

وجدت العديد من دراسات علم نفس المستهلك، والتي درست الروابط بين طريقة الدفع وسلوك المتسوق، أن أولئك الذين يدفعون عن طريق بطاقات الائتمان يميلون إلى الإنفاق الزائد، ويشترون الأشياء باندفاع، وتمتلئ سلال التسوق الخاصة بهم بالأطعمة غير الصحية، وكثيرا ما يندمون بعد التسوق.

ويرجع هذا إلى الحقيقة النفسية التي مفادها أن الشراء نقداً ينتج عنه ألم فوري مقارنة بطرق دفع أقل شفافية، مثل بطاقات الائتمان وبطاقات الهدايا (مقابل النقود)، التي يسهل إنفاقها أو التعامل معها على أنها لعبة.

قم بشراء الأشياء التي تحتاجها فقط 

اسأل نفسك قبل شراء منتج ما: هل أنا بحاجة إليه حقًا، أم أنه نتيجة لإغراء إعلان ما أو رغبة آنية أو حالة نفسية؟

سيحدد هذا السؤال ما إذا كنت بحاجة فعلاً للذهاب إلى بوفيه الإفطار، أو التسوق عبر الإنترنت، أو شراء الهدايا الفخمة.

 

اشترِ السلع الأساسية التي يمكنك تخزينها بكميات كبيرة ويتم استهلاكها بكميات كبيرة، مثل الأرز والسكر والطحين، لأن سعر الكميات الكبيرة أوفر من سعر الكميات الصغيرة التي تباع بالكيلو غرام. 

تابع العروض التي تقوم بها الأسواق، كالتي تراها على مواد التنظيف ومسحوق الغسيل وفوط الأطفال وغيرها والتي من المستبعد أن تتعرض للتلف في حال تخزينها.

لا تشتري في أوقات الذروة، كالليلة الأخيرة من رمضان وأيام الجمعة، لأن الأسعار حينها غالبا ما تكون مرتفعة جدا وجنونية.

تفادى التسوق في اللحظة الأخيرة، لأنه من المرجح أن تدفع المزيد من المال مقابل الحصول على شيء ما بسرعة، مما قد يؤدي إلى زيادة نفقاتك بشكل كبير.

بالنسبة للملابس والإكسسوارات لا تستعجل في الشراء، وقم بمقارنة الأسعار، فعندما تعجبك قطعة ملابس، قم بتصويرها بواسطة كاميرا الموبايل، وابحث عنها لاحقا عبر الأنترنت فقد تجدها بسعر أقل من المعروض.

يمكن أن يشهد شهر رمضان خروج نفقاتك عن السيطرة، ولكن بالقليل من الانضباط وبعض التخطيط المسبق الذكي يمكنك المحافظة على خطة إنفاقك على المسار الصحيح، والتفرغ للعبادة خلال الشهر الفضيل.

*فاتن حداد

2022/04/03

ظاهرة الإفطار العلني في شهر رمضان.. حافظوا على الخصوصية

إذا كان معظم المسلمين يتعاملون مع ظاهرة الافطار العلني من باب التحريم الديني، وهو امر صحيح ومتفق عليه، فإن تجنب الافطار العلني أمام الصائمين، سواء في الاماكن العامة او الخاصة، يمكن أن يعد خصيصة، تميّز المجتمع الاسلامي عن غيره من المجتمعات.
[اشترك]
واذا عرفنا بأن الشعوب، والامم، والمجتمعات المتطورة، تحاول بقدر المستطاع أن تحافظ على خصوصيتها وهويتها، من اجل أن تبقى ذات شخصية متميزة، وفاعلة في الحراك المجتمعي العالمي، فإن تجنب الافطار العلني، واحترام هذه الخصيصة، والمحافظة عليها من الاهمال، او التجاوز، يصب في تدعيم الشخصية المستقلة للمجتمع، بمعنى أوضح، أن من يمتنع عن الافطار في الشارع، او الساحات العامة، أو اية اماكن اخرى، إنما يحافظ بفعله والتزامه هذا، على تدعيم الاستقلالية المطلوبة للمجتمع، من اجل تجنب حالة التذويب الثقافي، التي تهدف إليها ثقافات اخرى، تحاول أن تغير من طبيعة المجتمع وملامحه.
إذن لا يتعلق الامر بالتعاليم الدينية فقط، مع أن الدين لا يقبل هذه الظاهرة بوضوح، بمعنى أن الشخص الذي يسير في الشارع، أو يركب سيارة الأجرة، او الحافلة، أو يجلس في ساحة عامة أو غيرها، لا ينبغي له أن يدخن مثلا، ولا يصح له أن يفتح عبوة الماء ويشربه أمام الملأ ولا يصح له أن يتناول (سندويشا) او لفافة أكل أمام الناس، إن هذا السلوك يعد طريقة لاستفزاز الصائمين أولا، ثم يشكل نوعا من تفتيت الخصوصية التي يجب أن يحرص المجتمع على التمسك بها.
بهذا تشكل ظاهرة الافطار العلني تجاوزين كبيرين:
أولهما: التجاوز على التعاليم الدينية، وهو امر لا يصح بأي حال، ولا ينبغي للإنسان أن ينتهج مثل هذه النهج، خاصة انه يمتلك البدائل التي تقية من مثل هذه الاستفزازات والتجاوزات.
أما الثاني: فهذه الظاهرة تشكل نوعا من تهديم الخصوصية المجتمعية، التي تحرص عليها المجتمعات المتطورة وتحافظ عليها، ليس من باب الانعزال او الانغلاق او الانكفاء على النفس، كما قد يفسره البعض، بل من باب الحفاظ على خصوصية المجتمع، وهو امر تراعيه معظم المجتمعات والشعوب الواعية المتطورة، ولنا في تقليد حفلة شرب الشاي لدى العائلة اليابانية، مثال مناسب في هذا الصدد، فلو لاحظنا الخطوات (التي نعتبرها فائضة وغريبة) في طريقة شرب الشاي للعائلة اليابانية، سنستغرب منها حقا، لأننا لسنا أصحابها، ولا تتعلق بخصوصيتنا، ولا بجذورنا التاريخية، او تكويننا الثقافي التراثي الفلكلوري المجتمعي، أما بالنسبة للمجتمع الياباني، فإنها أمر مبتوت به ولا يقبل النقاش قط.
هذا المثال، يدفعنا الى تجنب ظاهرة الافطار العلني في شهر رمضان المبارك، ليس فقط من باب الالتزام الديني، إنما من باب التباهي امام الشعوب والمجتمعات الاخرى بخصوصيتنا، مثلما يتباهى اليابانيون ببعض خصوصياتهم، التي لا يمكن أن يتجاوزوا عليها، ولا يسمحوا لأحد بتجاوزها.
ما نلاحظه في الشارع يثير الاستغراب حقا، وما نلاحظه في الاماكن العامة، على الرغم من الاجراءات القانونية، يدعونا الى العجب حقا، وأقل ما يمكن ان يُقال في هذا المجال، أن تجنب الافطار العام بالإضافة الى المبررات الهامة التي ذكرت آنفا، فإنه يمثل احتراما لمشاعر الآخرين من الصائمين، بل يمثل نوعا من زيادة الألفة وتمتين اللحمة الاجتماعية بين افراد ومكونات المجتمع، ومثلما يريد الآخر أن تُحترَم تقاليده ومعتقداته، لابد أن ينهج النهج نفسه في التعامل مع معتقدات الآخرين.
إنها دعوة لتجنب الافطار العلني، والاسباب كثيرة وقد سبق ذكر بعضها، وفيما لو آمن الانسان بأنه يحافظ فعلا على مكانة مجتمعه بين المجتمعات، عندما يتمسك بخصوصياته، فإن هذه الظاهرة وغيرها مما يسيء لشخصية المجتمع، سوف تضمحل وتنتهي تماما، لنشكل بذلك امة او مجتمعا، يتحدث الآخرون عن ايجابية ماضيه وحاضره ومستقبله.
*تبيان

2022/04/03

عادة رمضانية جميلة مهددة بـ ’الانقراض’!

ونحنُ على أعتاب شهر رمضان المبارك تمرُّ عليَّ ذكرى أولِ شهر رمضانٍ صمته، وكان ذلك في شهر حزيران من سنة 1984، وعمري كان  اثني عشر عاماً؛ لأني امتحنت البكالوريا للسادس الابتدائي في ظهيرة تلك الأيام في متوسطة المصطفى، وكان الجوُّ حاراً.

[اشترك]

كنتُ أخرج من الامتحان وكانت المنظمة الحزبية بُنيت للتو قرب المدرسة وفيها صنبور ماءٍ مفتوح، فأشرب منه بعد انتهاء الامتحان فلم أكن اتحمَّل العطش.

وحين أدخل البيت كانت هناك حنفية ماءٍ في البيت تحت سوباط العنب، والانبوب الذي يتصل بها مدفونٌ تحت الأرض من أوله إلى آخره، فأشرب منها أيضاً ماءً بارداً وآكل من ورق العنب.

وحين أدخل الحمام للاغتسال كنت أشرب ماءً أيضاً.

وأمضيتُ نصف الأيام صائماً، ونصفها الآخر أشرب الماء وآكل ورق العنب، كلُّ ذلك خلسة.

وكُنَّا نفطُرُ في الحديقة، وكانت خيراتُ المائدة كثيرة، نوعان من العصير، وطبق الباقلاء، وشوربة العدس لا يكادان يُفارقان المائدة.

هذا غير مالذَّ وطاب.

وكانت قراءة القرآن سحابة النَّهار، وتلاوة دعاء الافتتاح والأدعية القصار المُلحقة به بعد الإفطار حتماً مقضياً وأمراً لازما.

وكنتُ أقرؤها في كتاب (ضياء الصالحين) فلقد كانت كتابة (مفاتيح الجنان) بالخط الفارسيِّ، وطباعته قديمة فلم استسغ القراءة فيه،أضف إلى أن بعض الأدعية القصار موجودةٌ في الضياء ولا تُوجد في المفاتيح.

ثم نشاهد البرامج الرمضانية والمسلسلات،وربَّما أكلنا بعض الحلوى أو الآيس كريم.

وعُرض مسلسل (الزنكلوني) أول مرة.

وكنَّا نصعد بالتلفاز اليوغسلافي الكبير إلى السطح، فنشاهد برامجه هناك، كان يعمل على اللمبة الكهربائية يحتاج نحو عشرين ثانيةً ليشتغل.

ثم ننام في الثانية عشرة أو الواحدة مساءً.، لنستيقظ بعد ساعةٍ للسحور، فمنَّا من يصعد ومنَّا من ينزل وينام هناك.

والصوم في الصيف خيرٌ من الصوم في الشتاء وأجمل.

فلم  أشعر بلذَّة الصوم إلَّا في الصيف، حيث تصارع ألمَ الجوع،شدَّة العطش.

كنتُ استمع إلى إذاعة الكويت بعضاً من نهار، وبعض برامج صوت الجماهير.

وجاء الصيام في الشتاء فلم أشعر بتلك الروحانية التي كانت في صيام الصيف.

ولقد دأبنا على الذهاب إلى كربلاء ليالي الجمعة أنا وبعض الرفقة الطيبة فنفطر هناك.

هذا عليه الخبز والطرشي والفاكهة،

وذاك عليه المقليات من كباب بيتٍ أو المشويات من الدجاج،

والثالث عليه شيءٌ آخر.

وسمعتُ دعاء الافتتاح يُتلى من العتبة الحسينية في التسعينيات أيام الحصار، فلم اسمع تلاوةً أخشع ولا أمتع من تلك التلاوة إلى يومك هذا.

وسألت رفيقيَ عن القارئ فلم يعرفاه.

وكانت هناك عادةٌ جميلةٌ في شهر رمضان اختفت اليوم أو هي في طريقها إلى الاختفاء.

وهي أن تُخرج كلَّ ليلة جمعةٍ شيئاً من طعام الفطور إلى الجيران في الحيِّ، حتى يصل العدد إلى العشرة منهم، وكان بعنوان الثواب عن ميتٍ معيَّن.

وكان الجيران يصنعون مثل ذلك.

وفي ليالي القدر تكون ذروة هذا التقليد الجميل، الذي يشدُّ عرى الالفة، ويقوي أواصر المحبة، وينفع الميت في قبره، والحيَّ في رزقه.

وكُنَّا ليلة القدر نختم القرآن، فمنَّا من يختمه مرةً أو مرتين في الشهر، وفينا من يختمه ثلاثا.

نُشعل الشموع في إناءٍ فيه طينٌ وياس، والبخور يتصاعد من الأعواد التي نُصبت هناك، وكنَّا نهدي الختمات إلى روح أبي - رحمه الله تعالى -

ولم نكن نعرف بثبوت الرؤية كما اليوم  عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، بل كان بعضُ الجيران ممن يثق فيه أهل الحيِّ يذهب في الصباح إلى براني السيد الخوئي - قُدِّس سره - ثم يأتي ضُحىً  يُخبر أهله بأنَّ اليوم أول شهر الصيام، وتقوم زوجته بإرسال أولادها ليُخبروا الجيران، فمنهم من كان يعرف من أمس، ومنهم من عرف اليوم، ومنهم من لا يدري فعرف منهم، وكنَّا دائماً من الصنف الثالث، فنعدلُ بالنيَّة من الصيام المستحب ليوم الشك إلى الواجب لشهر رمضان.

كانت أياماً جميلةً ما أحلاها.

2022/04/01

شهر رمضان ’موعد التغيير’.. مقال جديد للسيد محمد باقر السيستاني

تذكرة شهر رمضان المبارك

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

[اشترك]

نحن في هذه الأيّام في أواخر شهر شعبان على قربٍ من شهر رمضان المبارك، ولذلك نذكر بعض التذكرة بهذه المناسبة.

إنَّ شهر رمضان هو شهر تزكية النفس وشهر العبادة وشهر التقرب من الله سبحانه وتعالى، وقد فتح الله سبحانه وتعالى فيه أبواب رحمته، وخصّ هذا الشهر بعطايا ونفحات، وجعل هذا الشهر الوقت الأمثل لسعي الإنسان إلى الصلاح والفلاح، وتغييره لنفسه.

وقد قدر سبحانه مدة الصيام شهراً رعاية للسنن النفسية فيما يحتاج إليه الإنسان لأجل إحداث تغيير في نفسه، حيث ذُكِرَ في الدراسات النفسيّة أنَّ الإنسان إذا أراد أن يُغيِّر عادةً ما فأقلّ ما يحتاج إليه هو أن يواظب على سلوكه ويراعيه لفترة شهر، فإذا أراد من هو معتاد على التدخين مثلاً أن يترك التدخين، فأقلّ ما يحتاج إليه هو أن يشدّ على نفسه لمدّة أربعة أسابيع أو شهر حتى يستطيع أن يقضي على هذه العادة الضارة.

ومن المعروف أنَّ تغيير العادات ليس سهلاً، كما أن كسب العادات الجيّدة الجديدة ليس بالأمر السهل، فالتنميّة النوعيّة للإنسان تحتاج إلى المواظبة والمراقبة والعناية لفترة، ولا تحصل بين عشيّةٍ وضحاها، فلا بدَّ أن يشدّ الإنسان على نفسه ولفترةٍ حتى يستطيع أن يُغيِّر في نفسه شيئاً.

وشهر رمضان هو موعد التغيير وموعد التزكيّة والإصلاح، وقد فرض الله فيه الصيام على الإنسان حتى يُسيطر الإنسان على رغباته المادّية أكثر، وتخفّ فيه هذه الرغبات، ويجد فراغاً من ضوضاء هذه الرغبات في النفس الإنسانيّة وهيمنتها عليها لكي يرجع إلى نفسه، ويرجع إلى مزيدٍ من استذكار الله سبحانه وتعالى والدّار الآخرة، وقد قال الله سبحانه وتعالى صريحاً في القرآن الكريم في آية الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([1]).

فغاية الصيام هي التقوى والورع، والتخلّص من العادات والملكات السيئة ومن الأمور الذميمة، واستحصال الخصال الراقية، مثل التفكير بالنّاس الآخرين والشعور بمعاناتهم، فالحكمة في تخصيص هذا الشهر بالفضل وإيجاب الصيام فيه هي التنمية الراشدة للنفس الإنسانية.

والإنسان العاقل إذا أُمِرَ بشيء يلتفت إلى الحكمة فيه ويسعى إلى أن يحقّق هذه الحكمة، ولذلك يُنبّه في الروايات الشريفة على الحِكَم في الأحكام، فلقد فرض الله سبحانه وتعالى ـــ مثلاً ـــ الصلاة تحصيلاً للذكر والشكر وانتهاء عن الفحشاء عن المنكر، ونهى عن شرب الخمر تحصيناً للعقل والزكاة عوناً للفقراء، وهكذا الحال في سائر الأحكام.

إذاً شهر رمضان شهر مجعول لهذه الغاية، وهي تحصيل التقوى وتنميتها وهي كلمة جامعة لجميع معاني الرشد والتبصر والحكمة والفضيلة.

وقد خصّ الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بليلة فريدة في أيّام السنّة، وهي ليلة القدر، لكي يتأمّل الإنسان تأمّلاً سنويّاً أمور سنته السابقة من جهةٍ، ويحصي على نفسه مواضع القصور والتقصير والتفريط، ويخطط لأمور سنته القادمة من جهة أخرى كي يتقي تلك المواضع ويسعى إلى الرقي والاستزادة، فهذه مناسبة لطيفة، وذلك تشريع لطيف وحكيم للغاية.

 ليس من الصحيح أن يسترسل الإنسان طيلة السنة وينشغل دائماً دون توقف في ضوضاء الحياة والشهوات والرغبات والاجتماعات، وإذا به يقترب من الموت من غير أن يحاسب نفسه، بل يكون هناك موعد سنوي للمحاسبة ومقتضياتها، وهي ليلة القدر.

وللعقلاء نوعاً موعد سنوي لمحاسبة أمورهم فالتجّار والفلاحين والعمال عادةً يكون لهم يوم بالسنة يقدّرون فيها الربح والخسارة، فالتاجر النابه الذي يريد أن لا تختلط عليه الأمور يجعل لنفسه حساباً سنويّا، ولذلك وجب الخمس في السنة، لأنَّ السنة باختلاف فصولها من الشتاء والصيف والربيع والخريف، وتقلّبات الجو وتقلبات الأشجار والحيوانات وأمزجة النّاس، كلّ ذلك يوجب تفاوتاً في الحوائج وتنمية المال، فاقتضى أن يُرتَّب موعداً سنويّاً، حتّى يلاحظ ما حصل له في السنة ويخطّط لسنته المقبلة، فهذا شيء معقول ومفهوم وحكيم.

وكذلك يكون الحال في الجانب الأهم في حياة الإنسان وهو الجانب المعنوي والروحي، فلزم على الإنسان أن يكون له اهتمام سنوي محدد لتطهير نفسه وتأمّلها وتصفيتها بمقدار شهر من الأشهر الاثني عشر للسنة حتى لا يغفل بفعل تتابع الحوادث.

وقد جعل الله سبحانه في وسط ذلك ليلة القدر لتكون محفوفة بأجواء جادة ومناسبة للحساب والتقدير. وذلك أمر جيّد وحكيم.

لقد أراد الله سبحانه وتعالى من خلال شهر رمضان وفرض صيامه أن يُهيّئنا للقائه، ويوجّهنا إلى استحضاره، ويوفّر لنا أدوات الاستعداد للدّار الآخرة.

فعلينا أن ننتبه ونلتفت ونأخذ بالعظة وبالحكمة، ولا تغلبنا ضوضاء الحياة ودفؤها، فهذه الأجواء التي نشهدها في هذه الحياة والتي نشعر فيها بالدفء من النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا، سواء كانت نعمة السكن والأثاث وغيرها من مباهج الحياة ونعمة الأزواج والأولاد والأصدقاء والمجتمع العام، فهذه الأمور كلّها أمور مفارِقة، ولقاء بعضنا ببعض ـــ أيّاً كانت علاقاتنا ــــ هو لقاء مسافرين في مسافة من الطريق، ثُمّ يفترق كلُّ واحدٍ في طريقه، فالذي يكون قرين الإنسان بشكل دائم إنّما هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي لا يفارق الإنسانَ في خلوته وفي اجتماعه وفي جميع خطواته وأحواله ومراحل حياته، وهو قرين الإنسان عند الموت وبعده، وحتّى القيامة، كما أنّ ما يكون قرين الإنسان هو ما اشتمل عليه من خصاله الكريمة أو خصاله اللئيمة ـــ نعوذ بالله ــــ، والمحاسن أو المساوئ التي هي فيه، وأعماله التي اكتسبها، فهذه الأمور هي قرين الإنسان دائماً، وإنّما ينظر الله سبحانه وتعالى إلى شخصيّة الإنسان من خلالها، فعلينا أن نسعى في أن نطوّر أنفسنا في هذا الشهر الفضيل، ونسعى إلى تأمّل أحوالنا، ونستعدّ للقاء الله سبحانه وتعالى.

أتلو عليكم كلاماً لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، أورده السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة في قسم الحكم والأقوال، وقال عنه: (لو لم يكن في هذا الكتاب إلّا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة وحكمة بالغة وبصيرة لمُبصر وعبرة لناظر مفكّر)، وهو كذلك.

فلنستمع إلى كلام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).

قال (عليه السلام): (لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، ويُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، ويَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ ويَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه، ويُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ له([2])، إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُه نَفْسُه عَلَى مَا يَظُنُّ ولَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِه بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه، ويَرْجُو لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِه، إِنِ اسْتَغْنَى بَطِرَ وفُتِنَ وإِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ ووَهَنَ، يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ ويُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَه شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وسَوَّفَ التَّوْبَةَ، وإِنْ عَرَتْه مِحْنَةٌ انْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ، يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ، ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً، يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ، يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه، ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه، يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه، فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي، ويَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّه ولَا يَخْشَى رَبَّه فِي خَلْقِه)([3]).

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

ونسألكم الدعاء.

 


[1])) سورة البقرة:183.

([2]) وفي نسخة أخرى: (مِنْ أَجْلِه).

[3])) نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 497.

2022/03/31

4 فئات من ’الصائمين’ في شهر رمضان.. أين تضع نفسك؟!

عندما ننظر إلى الصائمين في شهر رمضان المبارك نجد أنهم يختلفون على أربع فئات:

[اشترك]

الفئة الأولى: عامة الناس

وهم أغلب الناس، فإنهم يمتنعون عن الأكل والشرب وسائر المفطرات نهاراً، ولكن هذا الطعام الذي امتنعوا عن أكله نهاراً يأكلونه ليلاً.

وهؤلاء امتنعوا عن المفطرات فقط، وهمهم الأساس هو تصحيح صومهم، وإبراء ذممهم، ولعلهم لم يستفيدوا شيئاً من الصيام، لأنهم أخّروا أكلهم في النهار إلى الليل، بل ربما جعلوا امتناعهم عن الأكل نهاراً حافزاً لهم لكي يزدادوا أكلاً في الليل، وهذا هو الملاحظ في كثير من الناس، فإنهم يأكلون في شهر رمضان من أنواع الأطعمة ما لا يأكلونه في غيره من الشهور الأخرى كمًّا وكيفاً.

والحديث المروي عن رسول الله  أنه قال: «كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش». [بحار الأنوار 93/294] ربما ينطبق على هذه الفئة من الصائمين؛ لأنهم لم يستفيدوا أهم فائدة المهمة للصوم، وهي الفائدة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [سورة البقرة: 183]، فإن أهم فوائد الصوم هي حصول الصائم على درجة التقوى؛ لأن الصائم الحقيقي يحصل له من التعود على فعل الواجبات وترك المحرمات ما يجعل هذه الأمور تصدر عنه بسهولة ويسر، فيكون من المتقين الفائزين؛ لأن الصيام في حقيقته مدرسة أخلاقية عالية يتعلم منها كل مسلم كيف يجعل امتثال أوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه له عادة لا يقلع عنها، بلحاظ أن المطلوب الأساس في الصوم ليس مجرد الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، وإنما المطلوب هو ترك القبائح والمعاصي والذنوب ومساوئ الأخلاق، وكل من صام صوماً حقيقياً لا بد أن تصوم معه جوارحه عن المحرمات والقبائح، فتصوم عينه عن النظر إلى ما حرمه الله تعالى، ويصوم لسانه عن الغيبة والنميمة والفحش والكذب وقول الزور، ويصوم سمعه عن سماع الغيبة والنميمة والغناء والفحش، وهكذا باقي الجوارح الأخرى.

ومع استمرار الصائم على هذا النحو طيلة شهر رمضان فإن عادة فعل الطاعات وترك المعاصي والالتزام بمكارم الأخلاق وحميد الصفات تترسخ في نفسه، وتصبح له منهجاً ينتهجه في جميع أيام حياته، في شهر رمضان وفي غيره من الشهور.

ولعل بعض الصائمين يكف عن المعاصي نهاراً؛ لأنه يخشى أن يفسد صيامه بالمعصية، ولكنه لا يتردّد في فعل تلك المعاصي ليلاً، فلا يكتسب الفائدة المهمة للصوم؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الصوم مثل الدواء الذي يعالج به الإنسان المريض من أجل الوصول إلى الشفاء التام.

وحال بعض هؤلاء الصائمين حال المريض الذي يعطيه الطبيب دواء نافعاً، إلا أن ذلك المريض يتناول هذا الدواء نهاراً، ولكنه في الليل يتناول الأطعمة التي تبطل فائدة ذلك الدواء، مثل المريض المصاب بالسكر الذي يتناول دواء السكر نهاراً، ولكنه في الليل يأكل كثيراً من الأطعمة التي تضر بمريض السكر، وتجعل ذلك الدواء عديم الفائدة.

الفئة الثانية: الذين ظاهرهم التدين والالتزام الديني

وهؤلاء كالنوع الأول في أنهم يمتنعون عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، ولكن بسبب أنهم يعيشون في أجواء عبادية أو روحانية، فإنهم يلتزمون بالنوافل وتلاوة كتاب الله العزيز، وقراءة الدعاء وغير ذلك.

وهؤلاء الصائمون مع أنهم عاشوا تلك الأجواء العبادية إلا أنهم لم يتركوا بعض المعاصي التي اعتادوها كالغيبة والسباب وقول الزور، ونحوها من المحرمات التي كانوا يعملونها، وبعد أن زالت تلك الأجواء العبادية التي عاشوها خلال شهر رمضان تركوا ما التزموا به من العبادات، فرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل شهر رمضان، فلم يختلف حالهم بعد شهر رمضان عن حالهم قبله.

الفئة الثالثة: هم الخاصة

وهؤلاء هم الذين صامت أبدانهم وجوارحهم، فمضافاً إلى أنهم امتنعوا عن المفطرات، فإنهم أيضاً امتنعوا عن ارتكاب المحرمات ورذائل الأخلاق، فحققوا تلك الفائدة التي ذكر الله سبحانه وتعالى أنه شرع الصوم لأجلها، وهي الوصول إلى درجة التقوى.

وهؤلاء هم القلة القليلة الذين استفادوا بحق من الصوم، ونالوا الغاية المطلوبة منه.

الفئة الرابعة: هم خاصة الخاصة

وهؤلاء كالنوع الثالث صامت أبدانهم عن المفطرات، وكفّوا جوارحهم عن الذنوب والمعاصي، إلا أنهم يختلفون عن الفئة الثالثة بأنهم صامت بواطنهم أيضاً عن المساوئ، فطهروا أنفسهم من الحقد والغل وسوء الظن بالمؤمنين وحب الدنيا والمعاصي وما شاكل ذلك، فإن النفس الإنسانية الطاهرة إذا تلوث باطنها بتلك الأمور، يمكن تشبيهها بالدار الجميلة التي تلوثت حيطانها بدخان أسود، يُذهب برونقها وجمالها.

وفي الختام لا بد من التنبيه على أمر مهم، وهو أن من صام في شهر رمضان، فنال بعض مكتسبات الصوم، وربما نال درجة التقوى، أو أكثر من ذلك أو أقل، فإنه لا ينبغي له أن يهدر جميع مكتسباته بعد شهر رمضان، فيعود كما كان قبل الشهر المبارك، مع أنه يتحتم عليه أن يحافظ على كل مكتسباته التي نالها بالجهد والتعب خلال شهر كامل.   

2022/03/29

لم يهنأوا بطعام ومنام.. مظاهر العزاء لآل البيت في العصر الأموي

 

و كما كانت الآفاق العربية يومها تردد صدى هذه الفاجعة المؤلمة وقسوة ما اقترفه الأمويون بآل الرسول في كربلاء كانت العائلة النبوية تجدد ذكراها صباحاً و مساء في حزن عميق و شجن عظيم، وتبكي عليه رجالاً و نساءً، و كلما رأوا الماء تذكروا عطش قتلاهم، فلم يهنأوا بطعام و لا بمنام.

[اشترك]

وكان وجوه المسلمين والموالين لآل البيت يفدون على بيوت آل النبي (صلى الله عليه و آله) بالمدينة معزين ومواسين وكان الواحد منهم يعبّر عن مشاعره وأحزانه بأبلغ ما أُوتي من روعة القول وقوة البيان وحسن المواساة لهذه المصيبة، حتى تركوا ثروة أدبية رائعة في أدب التسلية والمؤاساة.

وبقيت بيوت آل البيت مجللة بالحزن والسواد ولا توقد فيها النيران، حتى نهضت في العراق ثلة من فتيانه الأشاوس ومن زعماء العرب الأقحاح أمثال المختار الثقفي وإبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وسليمان الخزاعي والمسيّب الفزاري وغيرهم حيث أخذوا ثأر الحسين وقتلوا جميع قتلة الحسين أمثال ابن زياد وابن سعد وسنان وشمر وحرمله وغيرهم، فخفّت من ذلك لوعة الأشجان في بني هاشم، وهدأ منهم نشيج الزفرات ونزيف العبرات، فصارت المآتم منهم وفيهم تقام في السنة مرة بعدما كانت مستمرة.

ففي ذلك العهد ـ عهد السلف الصالح ـ يحدثنا التاريخ الإسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي، أنهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هلّ هلال محرم، و تفد عليهم وفود من شعراء العرب، لتجديد ذكرى الحسين (عليه السلام) لدى أبنائه الأماجد.

وقد ألقوا روائع في فن الرثاء والتسلية والتذكير بأُسلوب ساحر أخاذ، فظل شعرهم خالداً رغم كرّ العصور.

فقد كان الشاعر العربي «الكُميت بن زيد الأسدي» من شعراء العصر الأموي و المتوفى سنة 126 للهجرة قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم وذكر مصائب آل الرسول (عليهم السلام)، حتى سميت قصائده «بالهاشميات» و كان ينشد معظمها في مجالس الإمام الصادق و أبيه الباقر محمّد و جدّه علي بن الحسين (عليهم السلام).

ومن تلك القصائد التي ألقاها بين يدي الإمام علي بن الحسين السجّاد (عليه السلام) قصيدته المشهورة التي مطلعها:

من لقلب متيم مستهام *** غير ما صبوة ولا أحلام

وقتيل الطف غودر عنه *** بين غوغاء أمة وطغام

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه *** حاكماً لا كسائر الحكام

قتل الأدعياء إذ قتلوه *** أكرم الشاربين صوب الغمام

ولهت نفسي الطروب إليهم ***ولهاً حال دون طعم الطعام.

فلما بلغ آخرها حتى قال السجاد (عليه السلام) له «ثوابك نعجز عنه، ولكن الله لا يعجز عن مكافأتك» فقال الكميت: سيدي إن أردت أن تحسن إليّ فادفع لي بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرّك بها، فنزع الإمام ثيابه ودفعها إليه ودعا له.

ومن تلك القصائد قصيدته التي ألقاها في مجلس الإمام الصادق ( عليه السلام ) و التي مطلعها:

طربت و ما شوقاً الى البيض أطرب *** و لا لعباً منّي و ذو الشيب يلعب

ولكن الى أهل الفضائل والنهى *** و خير بني حواء والخير يطلب

الى أن يقول :

ومن أكبر الأحداث كانت مصيبة *** علينا قتيل الأدعياء الملحّب

قتيل بجنب الطف من آل هاشم *** فيالك لحماً ليس عنه مذبّب

ومنعفر الخدين من آل هاشم ***ألا حبذا ذاك الجبين المترّب

و قد نال هذا الشاعر الجوائز الكثيرة من أئمة آل البيت (عليهم السلام) حتى أن الإمام الصادق (عليه السلام) أكرمه مرّة على قصيدة ألف دينار وكسوة فقال الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، و لو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه، و لكني أحببتكم للآخرة، أمّا الكسوة فأقبلها لبركتها و أمّا المال فلا أقبله.

ومثله الشاعر السيد إسماعيل الحميري أحد الشعراء المشهورين في العصر الأموي فقد جعل معظم قصائده في آل البيت و في هذا المصاب، وقد دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) مرّة يستأذنه أن ينشد له من شعره فأذن الإمام فأنشد:

أُمرر على جدث الحسين *** وقل لأعظمه الزكية

يا أعظماً ما زلت من *** وطفاء، ساكبة روية

وإذا مررت بقبره *** فأطل به وقف المطية

وابكِ المطهر للمطهر *** والمطهرة النقية

كبكاء معولة أتت *** يوماً لواحدها المنية

فما بلغ هذا الحد حتى أخذت الدموع من الإمام تنحدر على خديه وارتفع الصراخ من داره، فأمره الإمام بالإمساك فأمسك، ثم أوصله بهدية ثمينة.

و هكذا كان الشعراء يقصدون مجالس آل البيت النبوي وسائر مجالس الهاشميين في هذا الموسم لإلقاء خيرة ما نظموه حول هذا الموضوع على سبيل العزاء، من مديح و ثناء، وينالون عليه خير العطاء.

2021/09/23

فرصة سنوية.. كيف نستثمر شهر رمضان؟

إنّ حياة الإنسان هي مجال اختبار وفرصة استثمار ومضمار سباق، وكيف لا يكون كذلك إذا كان كل ما يأتي به الإنسان زرع يغرسه ليحصد ثماره غداً سواء كان خيراً أو شراً، وكل ما يهمله من خير فسوف يفتقده في وقت لا يستطيع له تدارك ما فات ولا الاستزادة مما ترك.

[اشترك]

ولكنّ لشهر رمضان خصوصية بين الاوقات في حياة الإنسان فهو فرصة سنوية مميزة قدرها الله سبحانه بما يسره فيه من البركات والنفحات والاستجابة والاقبال وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، حتى يكون موعداً لمزيد من الجد والاجتهاد والتزوّد والاستعداد.

وليساعد ذلك على مراجعة الانسان لجوامع اموره وترتيب اوراقه وتهذيب نفسه واصلاح خصاله وترتيب أوراقه واتخاذ خطوة عميقة في اتجاه الاستعداد للقاء الله سبحانه والقدوم على الدار الآخرة.

وقد فرض الله سبحانه في هذا الشهر على المؤمن الصيام عن الرغبات المادية لتتلطف روحه ويزداد إحساسه بما يهب في هذا الشهر من النسيم الإلهي على قلوب الطالبين ويكون عونا له على تقوى الله سبحانه.

ولا غنى للإنسان في هذه الحياة بجنب اهتمامه الدائم والعام بالتصبر والتيقظ والاستعداد والاستغفار من تخصيص مدة في كل فترة ليشد فيها على نفسه، ويسعى أن يغير فيها أموراً في حياته تحتاج إلى مثابرة ومتابعة وتوالٍ للعمل واتصال للجهد، فجلّ أعمال الإنسان وإن بدت اختياراً له في وقتها لكنها تتأثر بخصال الإنسان وقواعد نفسية تتيح وتسهل له أموراً وتعسر عليه أموراً أخرى، فلا بدّ للإنسان مضافاً إلى اهتماماته الدائمة واليومية والشهرية بالجوانب المخلّدة المعنوية والروحية والأخلاقية من أن يكون له تفرغ سنوي لنفسه ليكون بمثابة دورة تربوية له يتقدم فيها في هذا الشأن.

وذلك ما خصّ الله سبحانه لأجله هذا الشهر الفضيل.

فعلى الإنسان المؤمن أن يستحضر أهمية هذه النعمة الإلهية وينتبه إلى ما يتجلّى فيها من حكمة وتدبير، وأن ينتفع بهذا الشهر انتفاعاً ملائماً مع الفرصة التي أتاحها الله سبحانه للإنسان وأكرمه بها. وليسعَ أن يزداد إيمانا ويقيناً بالله سبحانه حتى يستحضره في أحواله كلها استحضار من يراه ويشهده ويزداد يقيناً بالوفود عليه والدار الآخرة حتى كأنه محمول إلى شفير قبره ومحل غربته. وليصلح من أخلاقه كل ذميمة ونقصان ويتحلى بدلاً عنها بكل خلق فاضل وكريم. وليهتم بالناس مثل ما يحبه من الاهتمام به فيما لو كان على مثل حالهم من يُتم وفقرٍ ومسكنة وسغب ومرض وعوز ومن فقدان عمل وتعذر زواج والحاجة إلى مأوى ومثل ما يحب من عناية الله تعالى به في هذه الحياة وما بعدها في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة. وليستعن على ذلك بدوام الطهارة وكثرة الشكر، وليتلو القرآن بتدبر وإمعان مشعراً في نفسه أنه كلام الله سبحانه معه. وليقرأ الأدعية المأثورة قراءة سؤال وإلحاح وتضرع والتماس. وليوقن حقاً أنه قد نودي عليه بالرحيل وأمر بالتزود وأن غده لأقرب مما يظن وليذكر من انقضى من آبائه وإخوانه وزملائه فانقطعت علائقهم من الدنيا وخلفوا ما فيها وراء أظهرهم وأقبلوا على ما أرسلوه من قبل من الأعمال الباقية والخصال الخالدة. ألا وإنّ أفضل الأمور في هذا الشهر هو الورع عن محارم الله في السر والعلن وتقوية مقومات الورع في النفس حتى تكون ملكة راسخة يبقى أثرها ويلقى الله تعالى بها.

ومن لم يستطع أن يتقدم إلى الأمام في هذا الشهر الفضيل في مزيد من التبصر والتربية والتزوّد مع ما أتيح له فيها من مزايا ميسرة وإعانات مسهلة لن يستطيع في أية فرصة أخرى من أن يتقدم فيها.

فهنيئاً للذين عرفوا سنن الحياة وقواعدها واعتبروا بالتعاليم الإلهية وانتفعوا بالنفحات الربانية في هذا الشهر الفضيل، ليزدادوا إيماناً وتبصراً وصلاحاً وخلقاً كريماً ويتزودوا بمزيد من الذكر والشكر والعبادة والإحسان.

وإنّ الإنسان المؤمن يجد في هذا الشهر حقاً فرصة للتقوى والصلاح كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]

اللهم وفقنا في هذا الشهر لما وفقت له أوليائك، وصُنّا عما صنتهم، وهيئ لنا فيه سيرة ترضى بها عنا وتوجب لنا الكرامة لديك والزلفى عندك وهيئنا فيه للقائك حتى نفد عليك كريما عليك مرضيا عندك انك ودود رحيم.

2021/04/13

ما الحكمة من تفضيل بعض الشهور على غيرها.. السيد ’السيستاني’ يجيب

حكمة الله سبحانه في تفضيل الشهور الثلاثة

لماذا على الإنسان المؤمن أن يستثمر هذه الشهور الثلاثة، ويشدّ على نفسه بعض الشيء فيها؟

ولماذا اعتنى الله سبحانه وتعالى بتخصيص شهر مميَّز بين الشهور، وهو شهر رمضان؟

ولماذا خصّ الله سبحانه وتعالى ليلة القدر كليلة حساب لما سبق وليلة تأمّل فيما يأتي ورتّب المقادير الإلهيّة في هذه الليلة ترتيباً اقتضائيّاً؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

والجواب عن ذلك يتضح من خلال بيان النقاط التالية:

1. الحكمة العامة في التفضيل بين الأوقات

لقد فاضلَ الله سبحانه وتعالى بحسب حكمته في التشريع بين الشهور كما فاضلَ بين الأيّام، وكما فاضل بين السّاعات لأجل أن تكون هذه الفضيلة منبّهات للإنسان على مزيدٍ من الجد والتبصّر والاستعداد للحياة الأخرى.

فلو كان الإنسان مدعوّاً إلى عمل الخير في جميع الأوقات على وجهٍ واحدٍ لم يكن له حافز على استثمار وقت معيَّن بخصوصه، ولأصابه الملل والسأم ولم تتأكّد الدّواعي في نفسه، ولكن عندما تختلف الأوقات في الفضيلة فيكون في اليوم والليلة أوقات فاضلة كأوّل الغروب وأوّل الزوال وأوّل الفجر وأيضاً وقت السحر، هذا يسمح للإنسان بأن يسترسل في عموم الأوقات ويهتم بالإقبال على الله تعالى والتذكّر والعمل الصالح في الوقت المميَّز.

وكذلك لو كانت الأيّام في الأسبوع والشهر على مثال واحد لربّما اُبتلي الإنسان بالاسترسال في جميعها، ولكنّه عندما ميَّز يوم الجمعة يوماً واحداً من الأسبوع بين الأيّام بليلتها جعل ذلك مزيداً من التحفيز للإنسان على أن يعتني بمزيدٍ من التبصّر والمعرفة والعمل الصالح والتزوّد في هذا اليوم والليلة.

وكذلك جُعِلَ في كلّ شهر أيّام ثلاثة وُصِّيَ الإنسان بالصيام فيها، فجُعِل في كلّ شهر على وجهٍ لأوّل الشهر ونصفه وآخره تميّزاً بالنسبة إلى سائر أيّام الشهر، وجُعِل في بعض الشهور بشكل خاص أيّاماً مناسبة لتكون محفّزةً للإنسان على الفضيلة، مثل العشر الأُوَل من ذي الحجّة.

وعليه فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل موعداً يوميّاً وموعداً أسبوعيّاً ومواعيد شهريّة ومواعيد سنويّة للتذكّر والتبصّر والتزوّد والتأمّل ليكون ذلك معيناً للإنسان وفق السُنن التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليها.

تتمة الجواب في الملف المرفق اضغط هنا للتحميل

2021/02/23

مذاكرة العلم في ليلة القدر: هل يوجد نص فيه؟

لا شك أنّ من أفضل الأعمال بصورة مطلقة ، هو طلب العلم ، فما أكثر النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين تنص على فضيلة العلم والعلماء، ووجوب طلب العلم، وانه من أفضل الأعمال، فان فيه حياة القلوب وحياة الإسلام والدين .

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّکَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)

(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاِْنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّکَ الاَْكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِْنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) .

وعن رسول الله (ص) لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه : يا أباذر ساعة في مذاكرة العلم أحب إلى الله من قراءة القرآن إثني عشر ألف مرةّ…

إنّ الإسلام دين العلم والإيمان ، ولا شك ان العالم والمتعلم في ليلة القدر يختلف حاله عن حال الجاهل ، وانه ليرتفع درجاته باحياء ليالي قدره ، ويزداد علما نافعا وعملا صالحا وقربا من ربّه وما يعقل ذلك إلّا العالمون ، بل هو آيات واضحات وبينات ساطعات في صدور الذين أوتوا العلم ، فمن سلك في ليلة القدر طريقا في العلم سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وان أكثر الناس في ليالي القدر قيمة ومقاما أكثرهم علما ومعرفةً ، فان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء: فمن أخذ من علمهم أخذ بخط وافر وعظيم .

فلا كنز أنفع من العلم ولا سيّما في ليالي القدر، فقيمة كل أمر ما يحسنه ويعلمه ، فاسألوا الله في طول دهركم ولا سيّما في ليالي قدركم بسطةً في العلم وعافيةً في الجسم ، واسألوا الله العافية ، فانه خير ما يسأل في ليالي القدر العافية ، عافية الدين والدنيا والآخرة.

الله الله في طلب العلم ، فان تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم ، وتقتبس اثارهم ، ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لان العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، قوة الأبدان من الضعف ، وينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة ، بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يلهمه الله السعداء، ويحرّمه الاشقياء .

نعم قال رسول الله (ص): «فضل العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة ، وأفضل دينكم الورع » أي أفضل أعمال دينكم الورع عن محارم الله عزّوجل .

فإذا كانت ليلة القدر ليلة العبادة والقرب من الله سبحانه ، وإذا كان فضل العلم عند الله أحب إليه من فضل العبادة ، فكيف لا يكون أفضل الأعمال في ليلة القدر طلب العلم ؟!

وإلى هذا أشار خاتم المحدّثين شيخنا القمي (قدس) في (مفاتيح الجنان) فقال : في ليلة الواحدة والعشرين : وقال شيخنا الصدّوق فيما أملى على المشايخ في مجلس واحد من مذهب الإمامة: ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل .

أقول : وقد سألت في ليلة من ليالي القدر سيّدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد النجفي المرعشي (قدس): وأي علم يتذاكر في هذه الليلة ؟ قال : علم العقيدة . أي ما يكون فيه تصحيح وتقوية العقيدة والإيمان سواء أكان ذلك في التوحيد أو النبوة أو الإمامة أو المعاد، أي تقوية أصول الدين .

قال رسول الله (ص): «أربع يلزمن كل ذي حجى وعقل من أمّتي »، قيل : يا رسول الله ما هنّ؟ قال: «استماع العلم، وحفظه، ونشر على أهله، والعمل به ».

وأخيرا: أحبّتي أيها الأعزاء الكرام اجعلوا في ليالي القدر وساعاتها نصيبا لكم في طلب العلم .

أمالي المفيد بسنده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله (ع) قال : «كان فيما وعظ لقمان أبنه : أنّه قال له : يا بنيّ اجعل في أيّامك ولياليك وساعاتك نصيبا لك في طلب العلم ، فانك لن تجد له تضييعا مثل تركه».

 

2020/05/16

اللهم إني صائم: كيف تحسّن أخلاقك في شهر رمضان؟

الأخلاق الحسنة مطلوبة في كل وقت وحين، ولكن في شهر رمضان مطلوبة أكثر، وهو فرصة لتحسين الأخلاق فيه؛ لما يفيضه هذا الشهر على الصائم من فيوضات روحية ومعنوية وأخلاقية عالية، ولأن الصائم فيه أكثر قابلية لتهذيب نفسه، وتغيير مسلك أخلاقه، وتعديل سلوكه.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله تأكيده وحثه على تحسين الأخلاق في شهر رمضان، والتحلي بحسن الخلق، فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «أيُّهَا النّاسُ، مَن حَسَّنَ مِنكُم في هذَا الشَّهرِ خُلُقَهُ كانَ لَهُ جَوازا عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ»[1] . وعنه صلى الله عليه وآله قال: «إنَّ شَهرَ رَمَضانَ شَهرٌ عَظيمٌ ، يُضاعِفُ اللهُ فيهِ الحَسَناتِ ويَمحو فيهِ السَّيِّئاتِ ويَرفَعُ فيهِ الدَّرَجاتِ ، مَن تَصَدَّقَ في هذَا الشَّهرِ بِصَدَقَة غَفَرَ اللهُ لَهُ ، ومَن أحسَنَ فيهِ إلى ما مَلَكَت يَمينُهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ، ومَن حَسُنَ فيهِ خُلُقُهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ»[2] .
وهذا يدل دلالة واضحة على ضرورة استثمار شهر رمضان المبارك في تحسين الأخلاق من خلال تهذيب النفس وترويضها على الأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق المذمومة، وتعديل السلوكيات الخاطئة، وتحمل أخطاء الآخرين وإساءاتهم، فشهر رمضان مدرسة في التربية على التحمل والصبر والإرادة.
وأحسن الحسن في شهر رمضان وغيره التزين بحسن الخلق، كما قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «إنّ أحسَنَ الحَسَنِ الخُلقُ الحَسَنُ »[3] .
وعن حَدّ حُسنِ الخُلقِ قال الإمام الصادق (عليه السلام): «تُلينُ جانِبَكَ، وتُطيِّبُ كلامَكَ، وتَلْقى‏ أخاكَ ببِشْرٍ حَسَنٍ»[4] . فالتواضع، ولباقة الكلام، واستقبال الآخرين بوجه بشوش من أوليات حسن الخلق.
وعلى الصائم أن يدرب نفسه على ضبط انفعالاته، والتحكم في نفسه أمام مهيجات الغضب، وعليه أن يقول أمام من يخطئ بحقه: اللهم إني صائم!
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «ما مِن عَبدٍ يُصبِحُ صائِما فَيُشتَمُ فَيَقولُ: إنّي صائِمٌ سَلامٌ عَلَيكَ، إلّا قالَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى لِمَلائِكَتِهِ: استَجارَ عَبدي بِالصَّومِ مِن عَبدي، أجيروهُ مِن ناري، وأدخِلوهُ جَنَّتي»[5] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «ما مِن عَبدٍ صالِحٍ يُشتَمُ فَيَقولُ: إنّي صائِمٌ سَلامٌ عَلَيكَ لا أشتِمُكَ كَما شَتَمتَني، إلّا قالَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى: استَجارَ عَبدي بِالصَّومِ مِن شَرِّ عَبدي، فَقَد أجَرتُهُ مِنَ النّارِ»[6] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «لا تُسابَّ وأنتَ صائِمٌ، فَإِن سَبَّكَ أحَدٌ فَقُل: إنّي صائِمٌ، وإن كُنتَ قائِما فَاجلِس»[7] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «الصِّيامُ جُنَّةٌ، إذا كانَ أحَدُكُم صائِما فَلا يَرفَث ولا يَجهَل، فَإِنِ امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ، فَليَقُل: إنّي صائِمٌ، إنّي صائِمٌ»[8] .
إن شهر رمضان أفضل وقت لتدريب النفس على ضبط الانفعالات، وحبس النفس تجاه مهيجات الغضب، وتربية الذات على التحمل والصبر؛ فإذا استفزك أحد أو أساء إليك أو أخطأ بحقك فقل له: اللهم إني صائم!
ما أقَلَّ الصُّوّامَ وأكثَرَ الجُوّاعَ!
الصوم الكامل أن تصوم جوارح الإنسان وأعضائه عن ارتكاب المحرمات واقتراف الفواحش، فيغض بصره عن النظر إلى الحرام، ويسد أذنه عن استماع الأغاني والطرب واللهو المحرم، ويحجب لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب وقول الزور والبهتان.... وإلا فما الفائدة من امتناع شخص عن الأكل والشرب وهو لم يصم عن ارتكاب الموبقات والمحرمات الأخرى؟!
قالت السيدة فاطمةُ الزَّهراءُ عليها السلام: «ما يَصنَعُ الصائمُ بِصِيامِهِ إذا لَم يَصُنْ لِسانَهُ وسَمعَهُ وبَصَرَهُ وجوارِحَهُ؟!»[9] .
وروى الإمام الصادق عليه السلام قال: «إنَّ أبي عليه السلام قالَ: سَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وآله امرَأَةً تُسابُّ جارِيَهً‏ لَها وهِيَ صائِمَةٌ، فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وآله بِطَعامٍ فَقالَ لَها: كُلي! فَقالَت: أنَا صائِمَةٌ يا رَسولَ اللّهِ! فَقالَ: كَيفَ تَكونينَ صائِمَةً وقَد سَبَبتِ جارِيَتَكِ؟! إنَّ الصَّومَ لَيسَ مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، وإنَّما جَعَلَ اللّهُ ذلِكَ حِجاباً عَن سِواهُما مِنَ الفَواحِشِ مِنَ الفِعلِ وَالقَولِ يُفطِرُ الصّائِمَ. ما أقَلَّ الصُّوّامَ وأكثَرَ الجُوّاعَ!»[10] .
فرسول الله صلى اللّه عليه وآله علّمها درساً عملياً في معنى الصوم، عندما دعا لها بطعام لتأكل، فالصوم ليس فقط الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما أيضاً عن الفواحش الأخرى.
يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «إنَّ الصِّيامَ لَيسَ مِنَ الأَكلِ وَالشُّربِ فَقَط؛ إنَّمَا الصِّيامُ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، فَإِن سابَّكَ أحَدٌ أو جَهِلَ عَلَيكَ فَقُل: إنّي صائِمٌ»[11] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «مَن صامَ شَهرَ رَمَضانَ إيماناً وَاحتِساباً، وكَفَّ سَمعَهُ وبَصَرَهُ ولِسانَهُ عَنِ النّاسِ، قَبِلَ اللّهُ صَومَهُ وغَفَرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ، وأعطاهُ ثَوابَ الصّابِرينَ»[12] .
فالصيام ينبغي أن يكون عن كل المفطرات المادية والمعنوية، حتى يهذب الإنسان نفسه، ويحسّن أخلاقه كي يرتقي في أخلاقه وتعامله مع الناس.
حسّن أخلاقك
شهر رمضان فرصة عظيمة لتحسين الأخلاق قولاً وفعلاً، فحسّن خلقك فيه؛ وكن ودوداً ودمثاً وليناً مع زوجك وأهلك وعائلتك وأرحامك، وخلوقاً مع أصدقائك ومعارفك وزملائك، ولطيفاً مع أولادك وأحفادك، وصبوراً مع من يخطئ بحقك، ومتواضعاً مع من هم أقل شأناً منك، ومحسناً إلى الناس، ومتسامحاً مع من أساء إليك؛ حتى تنال أجر وثواب من حسّن خلقه في شهر رمضان.
وكلما ارتقى الإنسان في أخلاقه أصبح أكثر إنسانية ورقياً في حسن تعامله مع الناس، فيلين جانبه، ويطيّب كلامه، ويقابل الناس بوجه حسن، ويرتفع عن سفاسف الأمور، ولا يسيء لأحد من خلق الله سواء بالفعل أم القول أو الهمز واللمز، بل يتعامل مع الناس باحترام وأخلاق عالية.
تقدير ربة المنزل
من أهم الأمور التي يجب الانتباه إليها تقدير الزوجة العاملة في المنزل، والتي يطلق عليها (ربّة المنزل)، إذ ينبغي التعامل معها على أنها امرأة تعمل بإخلاص لزوجها وأولادها وعائلتها، فهي تقوم بكل شيء من التنظيف والتغسيل والطبخ وتهيئة كل متطلبات الدار، وعلى الزوج أن يظهر لها التقدير ويقدم لها الشكر والامتنان على ما تقوم به من أعمال منزلية مضنية، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك.
وما يحدث في بعض الأحيان ونتيجة التعب والإرهاق والعمل المنزلي مع الصوم، قد تخطئ المرأة في إعداد الطعام بالشكل المناسب، أو تكون الطبخة على غير المراد منها، فلا يصح مقابلة هذه الحالة بالتعصب والغضب والهيجان، وإهانة الزوجة على خطأ غير مقصود، بل عليه أن يشكرها ويقدرها على ما تقوم به من أعمال منزلية مضنية، خصوصاً وأنها غير واجبة عليها، ولكن من باب حسن المعاشرة تقوم بها بإخلاص وتفانٍ، وحتى تنال الأجر والثواب الجزيل.
إن الاهتمام والعناية بهذا الأمر في غاية الأهمية من قبل الزوج تجاه زوجته، وكذلك يجب على الزوجة أن تقدّر زوجها الذي يخرج وهو صائم لطلب المعاش، ويبذل الجهد من أجل توفير العيش الكريم، عليها أن تشكره على ما يقوم به من عمل وكدح في سبيل تأمين لقمة العيش بالحلال من أجل إسعاد العائلة، وبذلك تعيش العائلة في جو أخلاقي رائع، وفي شعور بالسعادة والطمأنينة، فبالشكر المتبادل تقوى أواصر الحياة الزوجية وتشتد متانة ورسوخاً.
الهوامش:


[1] فضائل الأشهر الثلاثة: ص 77 ح 61 عن الحسن بن عليّ بن فضّال، بحار الأنوار: ج 93 ص 357 ح 25.
[2] عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق، ج 1، ص 263، ح 46.
[3] الخصال: ص 29، ح 102.
[4] معاني الأخبار: ص 253، رقم 1.
[5] ثواب الأعمال: ص 76 ح 1 عن السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام، بحار الأنوار: ج 93 ص 288 ح 1.
[6] الكافي: ج 4 ص 88 ح 5 عن مسعدة بن‏صدقة عن‏الإمام الصادق عن‏آبائه عليهم السلام.
[7] السنن الكبرى للنسائي: ج 2 ص 241 ح 3259.
[8] سنن أبي داوود: ج 2 ص 307 ح 2363.
[9] دعائم الإسلام: 1/ 268.
[10] النوادر للأشعري: ص 22 ح 10 عن جرّاح المدائني، بحار الأنوار: ج 93 ص 293 ح 16.
[11] صحيح ابن حبّان: ج 8 ص 256 ح 3479.
[12] المقنعة: ص 305 عن الإمام عليّ عليه السلام.

2020/05/06

ضيافة وكرامة: كيف نستثمر شهر رمضان لتأهيل أنفسنا؟

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].

ورد في الرواية عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ... وسائل الشيعة «تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة»: 10 / 313، للشيخ محمد بن الحسن بن علي، المعروف بالحُر العاملي.

الضيافة

هذه الجملة النبوية الشريفة نقفُ عندها لنتأمَّل في قوله: هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، فهنا جهاتٌ ثلاث تستحق الوقوف عندها:

الجهةُ الأولى:

إن الضيافة تختلف باختلاف مقام المُضيف فتارة يحلُّ الإنسان ضيفاً عند أخيه النسبي أو صديقه الحميم فلا تسلتزم الضيافة حينئذ مراعاة آداب أو حدود معينة لأنه يتصرَّف كأنه في بيته.

ولكن لو حلَّ الإنسان ضيفاً عند شخص عظيم كالسلطان أو المرجع الديني فإن للضيافة حينئذ آدابا ورسوما وحدوداً لابد للضيف من مراعاتها لكي لا يخرج عن عنوان كونه ضيفا عند هذا العظيم.

فكيف بما إذا كان المضيف هو الله جلّ جلاله الذي هو عين ومَظهر العظمة.

إذا كان المُضيف هو الله والمؤمن ضيف عنده فلهذه الضيافة آداب ورسوم وحدود لابد للمؤمن أن يلتفت إليها لئلا تختل الضيافة ويتبخر أثرها ولا يبقى لها تأثير على روحه وسلوكه.

الجهةُ الثانية:

أن الضيافة تختلف باختلاف درجة كرم النفس للمُضيف، فهناك شخص كريم وهناك أكرم وهناك أشد كرماً.

وكلما كانت درجة كرم النفس أشد، كان العطاء من المضيف أكثر وأوسع.

فكيف إذا كان الإنسان ضيفاً عند الكريم المطلق الذي لاحد لكرمه بل الذي الكرم فعله، فإن مثل هذا العظيم الذي لا حد لكرمه عطاؤه لا حد له وضيافته لا حد لها.

فالإنسان ما دام ضيفا لدى الكريم المطلق، فهو محل للكرم المطلق الذي لا حد له.

الجهةُ الثالثة:

ما هو الكرم الذي نتوقعه؟ ماهي الضيافة التي نترقبها في شهر رمضان مِن قِبل هذا الكريم والمُضيف المطلق؟

هناك المؤمن غير العارف وهناك المؤمن العارف.. المؤمن غير العارف يتوقع الثواب العظيم الجزيل والحسنات التي لا إحصاء لها ولا عد لها.

وهذا هو الكرم بنظره لذلك هو في شهر رمضان يستمطر هذا الكرم كثرة الثواب.

اما المؤمن العارف فالذي يتوقعه غير الثواب والحسنات.. [ما جاء في نهاية الآية الكريمة] (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72].

تركيزه على القرب الروحي من الله عز وجل ونيل رضوانه.

وهناك ثلاث لذات يعيشها المؤمن العارف مع الله:

1 - لذةُ الحب: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ..) [البقرة: 165]

2 - لذةُ المناجاة والوقوف بين يدي الله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1 - 2].

3 - لذةُ الشعور بعناية الله، يشعر أن الله عز وجل يعتني به ويفتح له الأسباب: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

أن يصل به القرب الروحي من الله أن يعيش لذة لا تضاهى في القرب من الله والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى.

كرامة الله

وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، لاحظوا [أيها الإخوة] الفرق بين التعبيرين فالدخول تحت ضيافة الله يتوقف على اختيار من المؤمن أن يُدعى فيجيب. (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف: 31].

أما كون المؤمن في شهر رمضان من أهل كرامة الله فهذا لا يتوقف على اختياره ولا يتوقف على إجابته، بل الله يجعله - ما دام مؤمنا - من أهل كرامته وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ.

بما أنك مؤمن فأنت في كرامة الله وأيُّ شرف أعظم من هذا الشرف أن يكون الانسان من أهل الكرامة عند الله عز وجل.

فإن الإنسان يفتخر إذا كان من أهل الكرامة عند أبيه أو من اهل الكرامة عند المرجع والمؤمنين، فكيف إذا كان من أهل الكرامة عند مصدر الكرامة ألا وهو الله تبارك وتعالى. ”وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ“.

وأوضح مظهر لكرامة الله، أن يُبعد عنك كلّ وسائل المعصية والرذيلة فأنت تعيش حصانة في شهر رمضان. يُبعد عنك وساوس الشيطان ووسائله ويجعلك أنت ونفسك أنت وإيمانك، فهو يعطيك حصانة منيعة من وساوس الشيطان ووسائله وأعوانه.

لذلك السعيد من استفاد من هذه الكرامة واستثمرها، واستغرق وقته في شهر رمضان المبارك في الذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم.

والشقي من أبى إلا أن يعصي مع أن الله جعله من أهل كرامته وأبعد عنه الشيطان، إلا أنّ نفسه طغت حتى في هذا الظرف وزاولت المعصية.. (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ) [العلق: 6 - 7].

وقال تبارك وتعالى: (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ) [النازعات: 37 - 39].

لذلك ورد في الرواية الشريفة المعتبرة عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام أنهُ قَالَ: ”مَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ إِلَى قَابِلٍ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَرَفَةَ“. الكافي: 4 / 66.

إذا لم يحظ في شهر رمضان بالتوبة والرضا والإنابة لا ينفعه شيء بعد ذلك، لَمْ يُغْفَرْ لَهُ إِلَى قَابِلٍ لأن نفسه الطاغية تحدّت الباري حتى في موضع الضيافة ومحلِّ الكرامة.

لذلك ينبغي على المؤمن أن يؤهل نفسه في هذه الأيام العظيمة لأن يكون من أهل الكرامة.

وكيف يُؤهل نفسه؟

إذا مشى على هدي هذه الروايات الشريفة..

في الرواية المعتبرة عَنْ جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام أنَّهُ قَالَ: ”إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَحْدَهُ“ ثُمَّ قَالَ: ”قَالَتْ مَرْيَمُ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أَيْ صَوْماً صَمْتاً، فَإِذَا صُمْتُمْ فَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَ لَا تَنَازَعُوا، وَ لَا تَحَاسَدُوا“. الكافي: 4 / 64.

إذا ابتعد المؤمنون عن ظلم بعضهم بعضا والاعتداء على بعضهم بعضاً، كانوا أهلا للضيافة وأهلا لكرامة الله.

وقال الصادق عليه السلام سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ  امْرَأَةً تَسُبُّ جَارِيَةً لَهَا وَ هِيَ صَائِمَةٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِطَعَامٍ، فَقَالَ لَهَا: ”كُلِي“! فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ!! فَقَالَ: ”كَيْفَ تَكُونِينَ صَائِمَةً وَ قَدْ سَبَبْتِ جَارِيَتَكِ؟! إِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ“ الكافي: 4 / 64.

[وقد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ  أَنَّهُ قَالَ: ”مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ“ إشارة الى من يغتاب الناس وهو صائم، مستدرك وسائل الشيعة: 7 / 370، للشيخ المحدث النوري.]

وفي الرواية المعتبرة عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبدالله : ”إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَ بَصَرُكَ، وَ شَعْرُكَ، وَ جِلْدُكَ، وَ عَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَا وَ قَالَ: لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ“. الكافي: 4 / 64.

أي تتميز بكونك صائما محلا للكرامة وأهلا الضيافة.. نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم في أيام هذا الشهر المبارك، أن يُوفقنا لطاعته وأن يُبعدنا عن معصيته وأن يَجعلنا من التوابين من الذاكرين والقانتين.

 

2020/04/25

كيف نقوي علاقتنا مع القرآن الكريم في شهر رمضان؟

يرتبط القرآن الكريم بشهر رمضان المبارك ارتباطًا وثيقًا، فعلى المستوى التاريخي يمثل هذا الشهر الفضيل الظرف الزمني الذي نزل به الذكر الحكيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[1] ، وتبرز ليلة القدر الجليلة قدرًا وشرفًا بوصفها المحضن الأساس لزمن النزول المبارك: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ  فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[2] ، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[3] .

وإذا انتقلنا في قراءة تلك العلاقة من المستوى التاريخي إلى المستوى الاجتماعي، فإنّ المجتمعات الإسلامية - بشكل عام - تحتفي بالقرآن الكريم في هذا الشهر، وتحرص على قراءته وختمه فيه، وإعمار ليلة القدر بقراءة سور مباركة منه، وبعضها يشيد مجالس الذكر وحلقات التلاوة على طول ليالي الشهر، وبعضها يزدهي بمجالس الخطابة والوعظ التي ينصبّ الجزء الأكبر منها على التأمل في الآيات المباركة.

وحتى نقوّي علاقتنا بالقرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، يمكن أن نرسي بناء الدعائم التالية:

1- قراءة القرآن وحفظه

فالشهر الكريم فرصة تنفتح فيها الروح واللبّ على تلقّي الزلال الطاهر النضر للآيات، وتصغي إليها تتنزّل على القلب من لدن حكيم خبير، وقد حثّت النصوص الشريفة على القراءة والترتيل فقالت: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)[4] ، (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)[5] ، وقال الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ عن شهر رمضان: «ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور« [6] .

كما حثّت النصوص الشريفة على حفظ القرآن عن ظهر قلب، فقال الإمام الصادق :«الحافظ للقرآن والعامل به مع السفرة الكرام البررة» [7] ، وقال  : «إنّ الذي يعالج القرآن ويحفظه بمشقّة منه وقلّة حفظ؛ له أجران» [8] .

2- التدبّر في آياته

ويمثل التدبر في الذكر الحكيم والتأمل العميق في آياته مستوى آخر في العلاقة مع القرآن الكريم، مستوى يفتح القلب والضمير على عظمة هذا القرآن: عظمته تركيبًا، وعظمته بصيرة، وعظمته فكرًا ومعرفة وتنظيرًا، وعظمته رؤى ترشد المسار العملي للإنسان: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ)[9] ، (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)[10] ، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[11] .

يقول أمير المؤمنين : «تدبّروا آيات القرآن، واعتبروا به؛ فإنّه أبلغ العِبَر»[12] ، «ألا لا خيرَ في قراءة ليس فيها تدبّر»[13] .

ويقول الإمام السجاد عليه السلام: «آيات القرآن خزائن، فكلّما فتحتَ خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها»[14] .

ويقول الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فليجِل جالٍ بصرَه، ويفتح للضياء نظرَه؛ فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» [15] .

3- استلهام الهدى والتزكية

ولا تقف العلاقة مع القرآن الكريم عند حدّ التلاوة والحفظ والتدبر، بل يمتدّ مسارها إلى الاستظلال بهدي القرآن ورؤاه وبصائره وبيّناته، لاسيما وأنّ الغرض الأساس لنزول القرآن الكريم هو أن يكون كتاب تربية وتزكية وهداية قبل أن يكون كتاب معرفة وتنظير.

يقول الله تعالى عنه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[16] ، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[17] .

ويقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله:«القرآن مأدبة الله، فتعلّموا من مأدبة الله ما استطعتم، إنّه النور المبين، والشفاء النافع، تعلّموه؛ فإنّ الله يشرّفكم بتعلّمه» [18] .

ويقول ـ صلى الله عليه وآله:

«إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ؛ فَإِنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، ومَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، ومَنْ جَعَلَه أَمَامَه قَادَه إِلَى الْجَنَّةِ، ومَنْ جَعَلَه خَلْفَه سَاقَه إِلَى النَّارِ، وهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ، وهُوَ كِتَابٌ فِيه تَفْصِيلٌ، وبَيَانٌ وتَحْصِيلٌ، وهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، ولَه ظَهْرٌ وبَطْنٌ، فَظَاهِرُه حُكْمٌ، وبَاطِنُه عِلْمٌ، ظَاهِرُه أَنِيقٌ، وبَاطِنُه عَمِيقٌ، لَه نُجُومٌ وعَلَى نُجُومِه نُجُومٌ، لَا تُحْصَى عَجَائِبُه، ولَا تُبْلَى غَرَائِبُه، فِيه مَصَابِيحُ الْهُدَى ومَنَارُ الْحِكْمَةِ ودَلِيلٌ عَلَى الْمَعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الصِّفَةَ،  فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَه، ولْيُبْلِغِ الصِّفَةَ نَظَرَه؛ يَنْجُ مِنْ عَطَبٍ، ويَتَخَلَّصْ مِنْ نَشَبٍ؛ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ، كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ، فَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وقِلَّةِ التَّرَبُّصِ«[19] .

ويقول أمير المؤمنين:

«واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى، واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى، فَاسْتَشْفُوه مِنْ أَدْوَائِكُمْ، واسْتَعِينُوا بِه عَلَى لأْوَائِكُمْ؛ فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلَالُ....، وإِنَّ اللَّه ـ سُبْحَانَه ـ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّه حَبْلُ اللَّه الْمَتِينُ وسَبَبُه الأَمِينُ، وفِيه رَبِيعُ الْقَلْبِ ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ، ومَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُه مَعَ أَنَّه قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ، وبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْه، وإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْه، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه  كَانَ يَقُولُ: (يَا ابْنَ آدَمَ، اعْمَلِ الْخَيْرَ، ودَعِ الشَّرَّ، فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ)«[20] .

الهوامش:


[1]) سورة البقرة، الآية 185.

[2]  سورة الدخان، الآية 3ـ 4.

[3]  سورة القدر، الآية 1- 3.

[4]  سورة المزمل، الآية 20.

[5]  سورة المزمل، الآية 4.

[6]  العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 93/ 357، الباب 45، ح 25.

[7]  الشيخ محمد بن الحسن العاملي (الحرّ العاملي)، وسائل الشيعة 4/ 832، الباب 5، ح 1.

[8]  وسائل الشيعة 4/ 832، الباب 5، ح 2.

[9]  سورة ص، الآية 29.

[10]  سورة النساء، الآية 82.

[11]  سورة محمد، الآية 24.

[12]  عبد الواحد الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل الثاني والعشرون (حرف التاء)، الحكمة 33.

[13]  الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1/ 36، (باب صفة العلماء)، ح 3، وبحار الأنوار 89/ 106، الباب 9 (باب فضل التدبر في القرآن)، ح 1.

[14]  الكافي 2/ 609، باب (في فضل قراءة القرآن)، ح 2.

[15]  الكافي 2/ 600، باب (في تمثّل القرآن وشفاعته لأهله)، ح 5.

[16]  سورة البقرة، الآية 185.

[17]  سورة الجمعة، الآية 2.

[18]  بحار الأنوار 89/ 267- 268.

[19]  الكافي 2/ 599، باب (في تمثّل القرآن وشفاعته لأهله)، ح 2.

[20]  الإمام علي بن أبي طالب، نهج البلاغة/ 251ـ 252، 254، جمع: الشريف الرضي، تحقيق: صبحي صالح.

       

2020/04/23

أي الليالي ليلة القدر ولماذا أخفيت؟!

تُؤكد روايات أهل البيت (ع) أن ليلة القدر غير خارجة عن الليالي الثلاث: أي ليلة تسعة عشر، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين.

وهنا قد يتبادر تساؤل: لماذا هذا الابهام في تحديد ليلة القدر؟  مع أن المعصوم يعلم بحقيقة الأمر؟

وقد أجاب العلماء بجوابين:

الأول: إن هناك مصلحة في الابهام

وهي أن اخفاء هذه الليلة لكي تعم الفائدة، بمعنى: أن يحيوا العباد هذه الليالي طمعاً في إدراك ليلة القدر ويهتموا بالكل غاية الاهتمام، ويدركوا الفضيلة في الكل، من قبيل اخفاء الاسم الأعظم بين الاسماء، واخفاء ساعة الاستجابة في ساعات الجمعة..

وهذا مضمون ما ذكره العلامة الطبرسي في تفسيره مجمع البيان، والمولى أحمد الأردبيلي.

الثاني: لكل ليلة من هذه الليالي وظيفة

بمعنى: أن لكل ليلة من هذه الليالي الثلاث مدخليةً في تقدير أرزاق العباد لسنة كاملة.

فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين».

وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) أكد على ليلة الحادي والعشرين والثّالث والعشرين.

وعندما أصر السائل على الامام في تعيين إحدى الليلتين أجابه الامام (ع) بقوله: (ما أيسر ليلتين فيما تطلب!!). بمعنى: أن الأمر الذي تطلبه عظيم وتفريغ نفسك لأعمال ليلتين أمر يسير.

وهنا تنبيه:

رغم التقدير والابرام والامضاء الذي مر بيانه فقد يكتب العبد في سجل الاشقياء فيتوب توبة نصوحة فيمحوه الله ويكتبه في سجل السعداء، وهذا ما يعرف بعقيدة البداء.

2019/05/26

للمراهقين.. 8 أمور ينبغي مراعاتها في صيامكم

لاريسا صليعي

يجب الاهتمام بالتغذية في مرحلة المراهقة، من حيث النوعية والكمية، لتجنب حصول خلل في عملية النمو، فكيف يتم ذلك في شهر رمضان؟

تتطلب المراهقة اعتماد نظام غذائي متكامل، يؤمّن ما تحتاجه المرحلة العمرية، بهدف إمداد الجسم بالكميات اللازمة للنمو خاصة، كما أن هذه المرحلة العمرية يصاحبها نشاط جسماني زائد وتتطلب كمية مضاعفة من الطاقة.

صيام المراهق لنمو صحي سليم

التقت "الجزيرة نت" اختصاصية التغذية نيفين علام في بيروت لتقدم بعض النصائح الصحية اللازمة في هذا الإطار.

وترى نيفين أن قرار صيام المراهق يعود إلى سنه وحالته الصحية والنفسية، إذ يجب تدريب الطفل على الصيام بشكل تدريجي، والتخفيف من كمية الأكل المتناولة خلال النهار.

ولأن الطريقة المثلى لتناول الصائم لطعام الإفطار تكون عبر التدرّج بتقديم الأطباق له، إذ يتم البدء بالتمور، والحساء أولا. والأمر ينطبق على المراهق الصائم، حيث يجب عدم تركه يتناول الوجبة دفعة واحدة حتى لا يصاب باضطرابات معوية.

أغذية يجب توفيرها للمراهق الصائم

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

وعن الأطعمة الغذائية التي يجب توفرها للمراهق الصائم خلال شهر رمضان، تشير نيفين إلى أنه من الضروري أن تحتوي على المعادن وفيتامينات "أ" و"ب6"، ومغنيسيوم وكالسيوم وبوتاسيوم وحمض الفوليك، إذ يحتاج كونه في طور النمو لكميات كبيرة من الوحدات الحرارية والفيتامينات والمعادن.

ويجب التأكد أنه يحصل على الكميات الضرورية من السوائل ليلا، تفاديا للجفاف والإمساك والإصابة بالالتهابات البولية خصوصا عند الفتيات.

شرب الماء بكثرة وتجنب العصائر الصناعية

كما يجب الاهتمام كثيرا بشرب الماء بكثرة، لأن الماء سر الحياة، فمن الضروري خلال الفترة الواقعة بين الإفطار والسحور أن يشرب الطفل كثيرا من الماء.

ويجب عدم تناول العصائر الصناعية التقليدية الخاصة بشهر رمضان مثل عصائر الجلاب وقمر الدين والسوس والليمون، لأنها تحتوي على كمية كبيرة من السكر، في الوقت الذي لا يحتاج فيه المراهق للسكر بل للماء.

عصير الفواكه الطازجة

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

ويمكن الاستعاضة عن العصائر الصناعية بعصير الفواكه الطازجة مثل: البرتقال وعصير البندورة والجزر، كونها تحتوي على كثير من الفيتامينات والمعادن ونسبة قليلة من السكر، شريطة أن تحضّرها الأم قبل خمس دقائق من موعد الإفطار.

فإذا قامت الأم بتحضير العصير صباحا، فإنه يفقد كل مكوّناته الغذائية ويتحول خلال النهار إلى ماء وسكر مثله مثل العصائر الأخرى. 

شرب اللبن وتجنب الشاي

كما يمكن أن نقدّم للمراهق كوبا من اللبن من دون إضافة ماء لأنه بحاجة للكالسيوم والبروتين الموجود فيه، فعندما نضيف ماء أو نقدم له لبن عيران (لبنا مخففا بالماء)، فإننا نقلل من كمية الكالسيوم التي يحتاجها.

كما يجب تجنب شرب الشاي لأنه يتضمن الكافيين ويسبب الأرق مما ينعكس سلبا على المراهق، فيشعر بالتعب خلال النهار.

هل يقلل الماء شهية المراهق؟

تقول الاختصاصية نيفين: هنالك من يأكل أكثر من غيره وإن شرب كثيرا من الماء. فالماء لا يفقد الشهية خصوصا إذا كان المراهق صائما، ولا يمكن القول للمراهق لا تشرب الماء لأنه أهم ما يمنع الجفاف.

وتضيف لنفترض أنه شرب كثيرا من الماء أثناء الإفطار وفقد شهيته، لكنه بعد فترة سيشعر بالجوع ويأكل، لذا لا يجوز منعه من شرب الماء. وبالنتيجة لن يظل جائعا.

لا تمارين قاسية خلال ساعات الصيام

يجب ألا تدع المراهق يقوم بالتمارين القاسية خلال ساعات الصيام، إنما بممارسة رياضة المشي لمدة ثلاثين دقيقة قبل المغرب أو بعد ساعة من الإفطار.

السحور ينظم تركيز المراهق خلال النهار

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

وتنصح الاختصاصية نيفين بالمواظبة على تناول السحور، كونها الوجبة الرئيسة المهمة للمراهقين، كما أن لها دورا كبيرا عبر تنظيم نشاط المراهق ومساعدته في التركيز خلال اليوم.

ومن المهم احتواء "السحور" على البروتين مثل الأجبان قليلة الدسم، أو بيضة مسلوقة مع الخبز المصنوع من طحين القمح الكامل، والقليل من الدهون الصحية مثل زيت الزيتون أو حبات الزيتون أو الأفوكادو أو الطحينة، والكثير من الخضراوات.

أما المراهقون الذين هم غير معتادين على تناول وجبة السحور، فيمكنهم تناول الحليب مع الشوفان أو حبوب الصباح مع صنف من الفواكه.

2019/05/19

موقع أمريكي: الصوم يحسن وظيفة الدماغ ويقي من الشيخوخة «مترجم»

نشر موقع شركة هيلث لاين وهي شركة خاصة بالمعلومات الصحية مقالاً علمياً ذكرت فيه ثمان فوائد للصيام.

ويقع مقر "هيلث لاين" في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، وتأسست في عام 2006، وصنفت 614 عالمياً و237 على الولايات المتحدة حسب موقع اليكسا الخاص بتصنيف المواقع.

إليكم نص المقال الذي ترجمه قسم الترجمة في موقع «الأئمة الإثني عشر»:

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

- 8 فوائد صحية للصوم مدعومة بالعلم

على الرغم من ازدياد شعبيته في الآونة الأخيرة، إلا أن الصوم هو ممارسة تعود إلى قرون مضت وتلعب دورًا محورياً في العديد من الثقافات والأديان.

يُعرف بأنه الامتناع عن تناول جميع الأطعمة أو المشروبات أو بعضها لفترة زمنية محددة، وهناك العديد من الطرق المختلفة للصيام.

بشكل عام، يتم ممارسة معظم أنواع الصوم على مدار 24-72 ساعة.

الصيام المتقطع، من ناحية أخرى، ينطوي على التنقل بين فترات الأكل والصيام، والتي تتراوح من بضع ساعات إلى بضعة أيام في وقت واحد.

لقد ثبت أن الصيام له العديد من الفوائد الصحية، من التخلص من الوزن الزائد إلى تحسين وظائف الدماغ. واليكم 8 فوائد صحية للصوم مدعومة بالعلم:

1. يعزز التحكم في نسبة السكر في الدم عن طريق الحد من مقاومة الأنسولين

وجدت العديد من الدراسات أن الصيام قد يحسن من التحكم في نسبة السكر في الدم، والتي قد تكون مفيدة بشكل خاص لأولئك المعرضين لخطر الإصابة بمرض السكري.

في الواقع، أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على 10 أشخاص مصابين بداء السكري من النوع الثاني أن الصيام المتقطع على المدى القصير قد خفض الى حد كبير من مستويات السكر في الدم.

في هذه الأثناء، وجد استعراض آخر أن كلا من الصيام المتقطع والصيام المتناوب (يوم صيامٍ ويوم أكلٍ عادي) كانا فعالين مثل الحد من تناول السعرات الحرارية في تقليل مقاومة الأنسولين.

يمكن أن يؤدي تقليل مقاومة الأنسولين إلى زيادة حساسية جسمك للأنسولين، مما يسمح له بنقل الجلوكوز من مجرى الدم إلى خلاياك بشكل أكثر كفاءة.

إلى جانب التأثيرات المحتملة لخفض نسبة السكر في الدم، قد يساعد هذا في الحفاظ على نسبة السكر في الدم ثابتة، مما يمنع حدوث ارتفاعات وانخفاضات في مستويات السكر في الدم.

ضع في اعتبارك أن بعض الدراسات قد وجدت أن الصيام قد يؤثر على مستويات السكر في الدم بشكل مختلف للرجال والنساء.

على سبيل المثال، أظهرت دراسة صغيرة لمدة ثلاثة أسابيع أن ممارسة الصيام المتناوب أضعفت من التحكم في نسبة السكر في الدم لدى النساء ولكن لم يكن لها تأثير على الرجال.

  • الخلاصة

يمكن أن يساعد الصيام المتقطع والصيام المتناوب في خفض مستويات السكر في الدم وتقليل مقاومة الأنسولين ولكن قد يؤثر على الرجال والنساء بشكل مختلف.

2. يعمل على تحسين المستوى الصحي من خلال مكافحة الالتهابات

رغم أن الالتهابات الحادة هي عملية مناعية طبيعية تستخدم للمساعدة في مكافحة العدوى، يمكن أن يكون للالتهاب المزمن عواقب وخيمة على صحتك.

تظهر الأبحاث أن الالتهابات قد تتسبب في تطور بغض الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسرطان والتهاب المفاصل الروماتيزمي.

لقد وجدت بعض الدراسات أن الصيام يمكن أن يساعد في تقليل مستويات الالتهاب ويساعد على تحسين الصحة.

أظهرت دراسة أجريت على 50 من البالغين الأصحاء أن الصيام المتقطع لمدة شهر واحد قد ساهم بشكل ملحوظ من التقليل من مستويات المؤشرات الالتهابية.

اكتشفت دراسة صغيرة أخرى نفس التأثير عندما صام الناس لمدة 12 ساعة في اليوم لمدة شهر واحد.

والأكثر من ذلك، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن اتباع نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية - لمحاكاة آثار الصيام - ادى إلى انخفاض مستويات الالتهاب وكان مفيدًا في علاج مرض التصلب المتعدد، وهو مرض التهابي مزمن.

الخلاصة

لقد وجدت بعض الدراسات أن الصيام قد يقلل من علامات الالتهاب وقد يكون مفيدًا في علاج الأمراض الالتهابية، مثل مرض التصلب المتعدد.

3. يحسن من صحة القلب عن طريق تحسين ضغط الدم، ومستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول في الدم

تعتبر أمراض القلب السبب الرئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم، حيث تمثل ما يقدر بنحو 31.5 ٪ من الوفيات على مستوى العالم.

يعد تبديل نظامك الغذائي وأسلوب حياتك أحد أكثر الطرق فعالية لتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب.

وجدت بعض الأبحاث أن دمج الصيام في روتينك قد يكون مفيدًا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بصحة القلب.

كشفت احدى الدراسات الصغيرة أن ثمانية أسابيع من الصيام المتناوب قللت من مستويات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) "الكوليسترول الضار" والدهون الثلاثية في الدم بنسبة 25٪ و 32٪ على التوالي.

أظهرت دراسة أخرى شملت 110 شخصاً بالغاً يعانون من السمنة المفرطة أن الصيام لمدة ثلاثة أسابيع تحت إشراف طبي أدى إلى انخفاض كبير في ضغط الدم، وكذلك مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار LDL.

بالإضافة إلى ذلك، هناك دراسة شملت 4،629 شخصًا يرتبطون بالصيام بانخفاض خطر الإصابة بأمراض الشريان التاجي، فضلاً عن انخفاض خطر الإصابة بمرض السكري بشكل كبير، وهو عامل خطر رئيسي للإصابة بأمراض القلب.

الخلاصة

ارتبط الصيام بانخفاض خطر الإصابة بمرض القلب التاجي وقد يساعد في خفض ضغط الدم ومستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول.

4. يحسن وظيفة الدماغ ومنع اضطرابات حؤول الأعصاب

على الرغم من أن الأبحاث تقتصر في الغالب على بحوث الحيوانات، فقد وجدت العديد من الدراسات أن الصيام قد يكون له تأثير قوي على صحة الدماغ.

أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على الفئران أن ممارسة الصيام المتقطع لمدة 11 شهرًا أدت إلى تحسين كل من وظيفة الدماغ وبنية الدماغ.

أفادت دراسات أخرى أجريت على الحيوانات أن الصيام يمكن أن يحمي صحة الدماغ ويزيد من توليد الخلايا العصبية للمساعدة في تعزيز الوظيفة الإدراكية.

وبما ان الصيام من شأنه ان يساعد في التخفيف من الالتهابات، فقد يساعد أيضًا في منع اضطرابات حؤول الأعصاب.

على وجه الخصوص، تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن الصيام قد يحمي من امراض مثل مرض الزهايمر والباركنسون.

ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتقييم آثار الصيام على وظائف المخ لدى البشر.

الخلاصة

تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن الصيام يمكن أن يحسن وظائف الدماغ، ويزيد من تخليق الخلايا العصبية، ويحمي من الأمراض التنكسية العصبية، مثل مرض الزهايمر والباركنسون.

5- يساعد على تخفيف الوزن عن طريق الحد من السعرات الحرارية وزيادة التمثيل الغذائي

يستعمل العديد من أخصائيي الحميات الصوم لأنه يعد طريقة سريعة وسهلة لخسارة بضعة كيلوغرامات.

من الناحية النظرية، لابد ان يؤدي الامتناع عن تناول جميع الأطعمة والمشروبات أو بعض الأطعمة إلى الحد من السعرات الحرارية بشكل عام، مما قد يؤدي إلى زيادة فقدان الوزن مع مرور الوقت.

ووجدت بعض الأبحاث أيضًا أن الصيام على المدى القصير قد يعزز عملية الأيض (التمثيل الغذائي) عن طريق زيادة مستويات مادة النوربينفرين الناقلة العصبية، والتي يمكن أن تؤدي الى فقدان الوزن.

في الواقع، أظهرت إحدى المراجعات أن الصيام طوال اليوم يمكن أن يقلل من وزن الجسم بنسبة تصل إلى 9 ٪ ويقلل بشكل كبير من دهون الجسم خلال 12 الى 24 أسبوع.

وجدت مراجعة أخرى أن الصيام المتقطع على مدى 3 الى 12 أسبوع كان فعالًا في تحفيز عملية فقدان الوزن مثل تقييد السعرات الحرارية المستمر وخفض وزن الجسم وكتلة الدهون بنسبة تصل إلى 8 ٪ و 16 ٪ على التوالي.

بالإضافة إلى ذلك، وجد أن الصيام أكثر فعالية من عملية تقييد السعرات الحرارية في التخلص من الدهون مع الحفاظ نفس الوقت على الأنسجة العضلية.

الخلاصة

الصيام قد يزيد من التمثيل الغذائي ويساعد على الحفاظ على الأنسجة العضلية لخفض وزن الجسم والدهون في الجسم.

6- يزيد من إفراز هرمون النمو، والتمثيل الغذائي، وفقدان الوزن وقوة العضلات

هرمون النمو البشري (HGH) هو نوع من هرمون البروتين الذي يعد محوريا في العديد من جوانب صحتك.

في الواقع، تُظهر الأبحاث أن هذا الهرمون الرئيسي مسؤول النمو والتمثيل الغذائي وفقدان الوزن وقوة العضلات.

وقد وجدت العديد من الدراسات أن الصيام قد يزيد بشكل طبيعي مستويات هرمون النمو.

أظهرت دراسة أجريت على 11 بالغًا من الأصحاء أن الصيام لمدة 24 ساعة زاد بشكل كبير من مستويات هرمون النمو.

وجدت دراسة صغيرة أخرى أجريت على تسعة رجال أن الصيام لمدة يومين فقط أدى إلى زيادة 5 أضعاف في معدل إنتاج هرمون النمو.

بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد الصيام في الحفاظ على مستويات ثابتة من السكر في الدم والأنسولين طوال اليوم، مما قد يزيد من مستويات هرمون النمو، حيث أظهرت بعض الأبحاث أن الحفاظ على مستويات متزايدة من الأنسولين قد يقلل مستويات هرمون النمو.

الخلاصة

تشير الدراسات إلى أن الصيام يمكن أن يزيد من مستويات هرمون النمو البشري (HGH)، وهو هرمون بروتين مهم يلعب دورًا في النمو والتمثيل الغذائي وفقدان الوزن وقوة العضلات.

7- يؤخر الشيخوخة ويطيل العمر

وقد وجدت العديد من الدراسات التي أجريت على الحيوانات نتائج واعدة بشأن الآثار المحتملة لتمديد عمر الصوم.

في إحدى الدراسات، شهدت الفئران التي تصوم صوماً متناوباً من معدل تأخر في الشيخوخة وعاشت بنسبة 83٪ أطول من الفئران التي لم تكن تصوم.

وقد توصلت دراسات حيوانية أخرى إلى نتائج مماثلة، تفيد بأن الصيام قد يكون فعالًا في زيادة معدلات البقاء والتعمير.

ومع ذلك، لا تزال البحوث الحالية تقتصر على الدراسات الحيوانية. هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم كيف يمكن للصيام أن يؤثر على طول العمر والشيخوخة عند البشر.

ملخص

لقد وجدت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الصيام قد يؤخر الشيخوخة ويزيد من العمر، لكن الأبحاث البشرية لا تزال غير موجودة.

8- يساعد في الوقاية من السرطان وزيادة فعالية العلاج الكيميائي

تشير الدراسات على الحيوانات وأنبوب الاختبار إلى أن الصيام قد يفيد في علاج السرطان والوقاية منه.

في الواقع، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على الفئران أن الصيام في ساعد في منع تكوين الورم السرطاني.

وبالمثل، أظهرت دراسة أجريت على أنبوب الاختبار أن تعريض الخلايا السرطانية لعدة دورات من الصيام كان بنفس فعالية العلاج الكيميائي في تأخير نمو الورم وزيادة فعالية أدوية العلاج الكيميائي في تكوين السرطان.

لسوء الحظ، تقتصر معظم الأبحاث على آثار الصيام على تكوين السرطان في الحيوانات والخلايا.

على الرغم من هذه النتائج الواعدة، هناك حاجة إلى دراسات إضافية للنظر في مدى تأثير الصيام على تطور السرطان وعلاجه لدى البشر.

الخلاصة

تشير بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات وأنابيب الاختبار إلى أن الصيام قد يمنع نمو الورم السرطاني ويزيد من فعالية العلاج الكيميائي.

السلامة والآثار الجانبية

على الرغم من القائمة الطويلة من الفوائد الصحية المحتملة المرتبطة بالصيام، فقد لا يكون ذلك مناسبًا للجميع.

إذا كنت تعاني من مرض السكر أو انخفاض نسبة السكر في الدم، فقد يؤدي الصيام إلى حدوث ارتفاعات وانخفاضات في مستويات السكر في الدم، مما قد يكون خطيرًا.

من الأفضل استشارة طبيبك أولاً إذا كان لديك أي ظروف صحية أو إذا كنت تخطط للصيام لأكثر من 24 ساعة.

بالإضافة إلى ذلك، لا ينصح الصيام بشكل عام دون إشراف طبي لكبار السن أو المراهقين أو الأشخاص الذين يعانون من نقص الوزن.

إذا قررت أن تجرّب الصوم، فاحرص على الحفاظ على تناول الكثير من السوائل وملء نظامك الغذائي بالأطعمة الغنية بالمغذيات خلال فترات الأكل لتعظيم الفوائد الصحية المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الصيام لفترات أطول، فحاول تقليل النشاط البدني المكثف إلى الحد الأدنى والحصول على قسط كبير من الراحة.

الخلاصة

عند الصيام، احرص على شرب الكثير من الماء، وتناول الأطعمة الكثيفة بالفيتامينات والحصول على قسط كبير من الراحة. ومن الأفضل استشارة طبيبك قبل الصيام إذا كان لديك أي ظروف صحية أو إذا كنت تخطط للصيام لأكثر من 24 ساعة.

الخاتمة

الصوم هو ممارسة مرتبطة بمجموعة واسعة من الفوائد الصحية المحتملة، بما في ذلك فقدان الوزن، وكذلك تحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم، وصحة القلب، ووظائف الدماغ، والوقاية من السرطان.

هناك العديد من أنواع الصيام المختلفة التي تناسب كل نمط حياة تقريبًا من الصيام عن الماء إلى الصيام المتقطع وتقييد السعرات الحرارية،

عندما يقترن نظام غذائي مغذي ونمط حياة صحي، فإن دمج الصيام في روتينك قد يفيد صحتك.

2019/05/15

شهر رمضان.. فرصة لتصحيح العقيدة

الفطرة البشرية هي منبع العقيدة الصحيحة، فالإنسان يقرّ بوجود الخالق بالفطرة.

وبالفطرة عرف الإنسان انّ الله واحد لترابط أجزاء هذا الكون فـ(لو كانَ فيهما آلهةٌ إلاّ اللهُ لَفسدَتا…[1].

وبالفطرة توصّل الإنسان إلى معرفة صفات الخالق، فعرف انه عادل لأن عدم العدل اما نابع من الجهل أو الحاجة أو الخبث، وكل ذلك يتنافى مع الصفات الاخرى للخالق.

فالله تعالى منزّه عن الصفات التي يتّصف بها المخلوق من خبث وجهل واحتياج فهو غني عن كل شيء، وهو عالمٌ بكل شيء، وعلمه وغناه ينفيان عنه الجهل والحاجة والخبث.

وبالفطرة يكتشف الإنسان ان لله سبحانه غرضاً في الخلق، وإلاّ لكان الخلق عبثاً، والعالم القادر الغني بمنأى من العبث، ولتحقيق هذا الغرض لابدّ من بعث الرسل وأوصيائهم لهداية البشر إلى ما يريده.

وبالفطرة يعرف الإنسان ان مقتضيات عدل الخالق ان وضع حساباً لهذا الكون، فكان لابدّ من اثابة المحسن بالإحسان ومعاقبة المسيء لإساءته. وينظر الإنسان فيرى المجرمين كيف يطول بهم المقام في هذا الحياة؟ وكيف يعيشون على جرائمهم؟ بل يزدادون إجراماً، وانهم يموتون دون ان ينالوا العقاب العادل.

وبالعكس يرى المحسنين كيف  يرحلون عن الدنيا دون ان ينالوا جزاء احسانهم، وهنا توصلهم النظرة الثاقبة إلى ضرورة وجود حياة اخرى غير هذا الحياة التي نحياها وسيكون العقاب والثواب في انتظار اصحاب الأعمال في الدنيا في الخير أو الشر وبذلك يثبت المعاد.

هذه باختصار هي العقيدة الإسلامية.

وهذه هي اصول الدين والتي منبعها الفطرة البشرية (فِطرتَ اللهِ الّتي فَطَرَ الناسَ عليها)[2].

هذه هي التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد.. في يوم القيامة.. وخصوصيات هذه الامور قد ثبتت في الشريعة[3]، وبمقدور كل إنسان ان يحصل على هذه العقيدة وخصوصياتها بشرط ان يعيش صفاء الفطرة وشفافية الوجدان.

شهر تأصيل العقيدة

وشهر رمضان هو مناسبة جيدة لإيجاد هذا الصفاء، ولخلق هذه الشفافية في النفوس، والتي من خلالها يصل الإنسان المؤمن إلى معين العقيدة.

وكلّما تأصّلت العقيدة في النفس الإنسانية طفحت في السلوك وانعكست في الاخلاق. وكل اناء بالذي فيه ينضحُ.

وشهر رمضان هو شهر تأصيل العقيدة وتقويتها وترسيخها وتركيزها في القلوب والأذهان.

وستكون ثمرة هذا العقيدة هي الاستقامة في الحياة في القول والفعل.

ومن ثمار هذه الاستقامة هطول البركات و النِعم، وقد قال تعالى: (وألَّوِ استقاموا على الطريقةِ لأسقيناهُ ماءً غَدَقا)[4].


[1] الأنبياء: 22.

[2] الروم: 30

[3] عن الالهيات بالمعنى الأخصّ راجع كتاب (شرح منظومة السبزواري) وكتاب (القول السديد في شرح التجريد) وكتاب (اصول الدين) للامام المؤلف(دام ظله).

[4] الجن: 16.

2019/05/09

شهر رمضان: خطوات نحو التغيير [1]

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

يقع الكلام ضمن الدوائر التالية:

الأولى: مفاد هذه الآية ودلالتها على حقائق شرعية وتاريخية وتربوية.

الثانية: في الإجابة على السؤال التالي: كيف ينبغي استقبال شهر رمضان وكيف يمكن جعله مناسبة للتغيير؟

الدائرة الأولى: بالتدبر في الآية تنكشف أمامنا الحقائق الأربع التالية:

فريضة إلهية..

الحقيقة الأولى: إن الصيام فريضة إلهية واجبة وقد دلت الآية على هذا الحكم بصراحة ووضوح حيث عبرت عن ذلك بقولها: كتب عليكم الصيام، فبتعبير الكتب وذكر متعلقه اتفق الجميع على صراحتها في تشريع حكم الصيام وأنه الوجوب.

قال القطب الراوندي في كتابه (فقه القرآن) ج1 ص ۱۷۳: "فقوله (كتب عليكم) يقتضي الوجوب من وجهين: أحدهما (كتب)، وهو في الشرع يفيد الايجاب، كما قيل المكتوبة في فريضة الصلوات. والثاني (عليكم) لأنه يبنى على الايجاب أيضا، كقوله «ولله على الناس حج البيت». وإذا جمع بينهما فالدلالة على الايجاب أوكد".

وكون الصيام فريضة شرعية فهذا يعني أن لها حقيقتها الشرعية وحدودها وضوابطها من حيث شروط الوجوب والصحة وغير ذلك كما لا يخفی.

الصيام فريضة سائدة

الحقيقة الثانية: إن فريضة الصيام ليست من اختصاصات هذه الأمة بل هي فريضة كانت سائدة وجارية في الأمم السابقة كذلك وهو ما يكشف عن أهميتها ومنزلتها في التشريع الإلهي عموما. وهو المعنى الواضح بل الصريح من قوله تعالى: كما كتب على الذين من قبلكم، فأصل الصيام كفريضة إلهية كان موجودا في الحياة الدينية لمن تقدم على هذه الأمة من الأمم السابقة وليست الآية في معرض البيان لأكثر من ذلك على ما هو الظاهر منها.

قال الشريف الرضي في رسائله: «فأخبر بأن الصوم المكتوب علينا نظير الصوم المكتوب على من قبلنا وقد علم أنه عني بذلك أهل الكتاب".

 أقول معقبا على كلامه قدس سره: أنه إذا ما علمنا بأن المراد بأهل الكتاب هم اليهود والنصارى والمجوس حق لنا السؤال عن وجه تخصيص الشريف الرضي قوله تعالى: وكما كتب على الذين من قبلكم بأهل الكتاب دون سواهم إذ لم يظهر لنا وجهه إلا أن يريد بأهل الكتاب في كلامه مطلق الرسالات الإلهية وهو خلاف الاصطلاح وما هو ظاهر من كلامه.

الهدف من الصيام..

الحقيقة الثالثة: في الآية تنصيص على أهم العلل أو الحكم التي يمكن أن تتحقق في الحياة الفردية أو الاجتماعية من وراء التمسك بفريضة الصيام وليست تلك الحكمة الجامعة إلا التقوی.

قال تعالى: ولعلكم تتقون ويبدو ثمة اتفاق مقطوع به بين أهل العلم بأن هذا في الآية من باب الحكمة لا العلة المنصوصة مما تعارف بينهم من دوران الحكم معها وجودا وعدما.

والتقوى هي صفة نفسية سلوكية تتحقق بإتباع هدي العقل وحكم الشرع وهما الضمانة للسلامة من كل آفة.

ولا يخفى دور الصيام في تحصيل ذلك وإضافته للشخصية.

الحقيقة الرابعة: إن للصوم مدخلية قوية في تعميق روح الإيمان وترسيخ دعائمه في الشخصية و بالتالي بلورة الإرادة وصقلها وجعلها أكثر قوة وصلابة في وجه تحديات الحياة و مشكلاتها الكبرى.

حتى ورد في تفسير الصبر الوارد في قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة.. بأنه الصيام[2]).

والأمر هذا وان كان وجدانيا إلا أن توجيه الخطاب هنا للمؤمنين في معرض تكليفهم بفريضة الصيام فيه دلالة جلية على ثبوت هذه الحقيقة في العلاقة بين الصيام والإيمان ودور الصيام في ترسيخه وتشييد دعائمه!. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ).

وقالت فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها العصماء: «فرض الله الصيام تثبيتا للإخلاص»[3]. ولا يخفى على المتدبر ما وراء كلمة تثبیتا» من دلالة على المعنى المذكور.

الدائرة الثانية: كيف نستقبل ونجعل من شهر رمضان منطلقا للتغيير؟

يمكن جمع أطراف الإجابة على هذا السؤال المزدوج في النقاط التالية:

أولا: الاستعداد النفسي المسبق له وذلك بالالتفات إلى أهميته وقيمته وآثاره الدينية والحضارية.

وهو ما قد قام به نبي الإسلام في خطبته المشهورة التي ألقاها في أواخر شهر شعبان أي قبيل حلول الشهر الفضيل بأيام وكأنه أراد بذلك أن يهيئ نفسية المسلمين لاستقبال هذا الشهر العظيم. ومن جملة ما قاله في خطبته تلك: «أنه قد اقبل علیكم شهر الله شهر الرحمة والمغفرة والرضوان شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة... ».

فينبغي الالتفات إلى معنی کون هذا الشهر شهرة استثنائية کمناسبة إلهية وأن التعامل معه ينبغي أن يكون على هذا الأساس.

ثانيا: الإحاطة الضرورية بما لهذه الفريضة الدينية الهامة من أحكام شرعية مما قد ذكره الفقهاء في رسائلهم العملية الميسرة فالاطلاع على أحكام الصيام والتعرف على شروطه وحدوده من شانه أن يعطي المكلف البصيرة الواضحة والاطمئنان النفسي بأنه على الجادة في امتثاله الشرعي لهذه الفريضة.

ويزيد هذا الأمر أهمية وضرورة تأكيد الفقهاء على مسألة وجوب تعلم كافة المسائل التي يبتلي بها المكلفون في كل باب من أبواب الفقه)[4].

ثالثا: النظر في مقاصده وأهدافه کفريضة دينية تنطوي كسائر الفرائض الدينية الأخرى على الكثير من الحكم والمصالح والمقاصد العليا التي من شأن النظر فيها والبحث عنها والإحاطة بها أن تجعل المكلفين أكثر وعيا بأبعاد ما هم ممتثلون له و قائمون به وهو ما يمكن تحقيقه باتباع الآليات التالية:

- التأمل الوجداني باعتبار أن الصوم تجربة شخصية لكل مكلف.

- النصوص الدينية كتابة وسنة. - النظر في أحوال الناس ومدى انعكاسات هذه الفريضة على عموم حياتهم.

- مراجعة بعض الكتابات والدراسات في هذا الشأن.

رابعا: الاطلاع على الآثار الدينية والحضارية للصيام في نهضة الأمة وقدرتها على مواجهة التحديات الكبرى وذلك على ضوء التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث.

فعلى سبيل المثال:

استحضار وتأمل الأحداث الكبرى التي عصفت بالمسلمين الأوائل في مثل هذا الشهر وكيف أنهم استطاعوا بمعنوياتهم العالية أن يحققوا أكثر من نصر وفتح كما حدث لهم في معركة بدر الكبرى ويوم دخلوا مكة فاتحین ورايات النصر ترفرف على رؤوسهم.

وكلا الحادثتين قد وقعتا في شهر رمضان.

خامسا: الاستغلال الكامل لأجواء هذه المناسبة في إحداث التغييرات اللازمة في شخصياتنا كل بحسب وضعيته وأحواله وما يجده في نفسه من الضعف والحاجة.

فإن الشقي الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر الفضيل وهو لا يكون إلا بإضاعة هذه الفرصة التي لا تقدر بثمن.

ومن جملة السبل إلى ذلك ما يلي:

- تخصيص وقت أو أوقات للبرامج الروحية (كقراءة القرآن

والدعاء والصلوات).

- تخصيص بعض الوقت في اليوم أو الليلة للمراجعة الذاتية

ومحاسبة النفس وبالذات فيما يتصل بحساب الأولويات والشأن الشخصي العلاقات العائلية والاجتماعية وتربية الأولاد.

- المشاركة والمساهمة في إصلاح الشأن العام كل بحسب إمكانياته وظروفه ووقته كالحضور والدعم المعنوي والمادي وما أشبه ذلك.

اقتراحان

وهنا أقدم الاقتراحين التاليين:

الأول: مدارسة الخطبة النبوية التي خطبها نبي الإسلام في آخر شهر شعبان وقبيل شهر رمضان فإنها الخطبة الأكمل فيما يتعلق بفضيلة هذا الشهر الفضيل وما ينطوي عليه من أسرار وحكم

الثاني: إشاعة أجواء المجالس القرآنية ذات الصبغة التدبرية إن جاز التعبير فإنها الخير كله ومن شأنها أن تجعل المجتمع أكثر ارتباط بالقرآن وبالتالي أكثر رشدة في وعيه وحركته.

وفي الختام ينبغي التأكيد على أنه لا ينبغي أن ننسى الدعاء الخاص لإمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وذلك بأن نوطد علاقتنا به في هذا الشهر الفضيل بالدعاء له والتوسل به واستلهام معاني الخير من نفحات وجوده المبارك.

السبع الخصال:

قال رسول الله داد: اما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال:

أولها: يذوب الحرام في جسده. والثانية: يقرب في رحمة الله عز وجل.

والثالثة: يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه.

والرابعة: يهون الله عليه سكرات الموت. والخامسة: أمان من الجوع والعطش يوم القيامة. والسادسة: يعطيه الله البراءة من النار. والسابعة: يطعمه الله من طيبات الجنة»[5].


[1] خلاصة محاضرة ألقيت في منتدى الإمام الجواد عليه بالقطيف في آخر جمعة

من شعبان لعام 1430ه (۲) سورة البقرة آية: ۱۸۳.

[2] انظر: غنائم الأيام ج ص ۲۸

[3] الوافي، ج2، ص: ۱۰۹۵ - الفيض الكاشاني.

[4] لاحظ: التنقيح في شرح العروة الوثقیج ۱، ص: ۳۰۱ - الخوئي السيد أبو

القاسم الموسوي (ت 1413 ه).

[5] من لا يحضره الفقیه ج ۲ ص 74 الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابویه القمي (ت ۳۸۱ه)

بن علي بن بابویه

2019/05/04

كيف نستعد لاستقبال شهر رمضان؟

يطلّ علينا بعد أيّام هلال شهر رمضان المبارك ومن ينظر إلى مجتمعنا يجد أنّ كلّ فرد من أفراده بدأ في الاستعداد لهذا الشهر الفضيل بحسب ما يقتضيه حاله: فأصحاب المحلّات التجاريّة بدأوا بتقديم العروض المغرية، وأصحاب الحملات عرضوا رحلاتهم لهذا الشهر، والعائلات قد سبقت الكل بشراء مستلزمات هذا الشهر وتجهيز البيوت لاستقبال هذا الضيف العزيز.

لكنّ السؤال الجوهري: كيف يستعدّ المؤمن للاستقبال هذا الشهر؟

وماهي طريقة الاستعداد المجدية التي ترضي الله ورسوله وأهل بيته الكرام؟

عندما نقرأ الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام نجد أنّهم بيّنوا لنا الطريقة المثلى للاستعداد لاستقبال شهر رمضان المعظّم حيث ورد في الرواية أنّ أبا الصلت الهروي دخل على الإمام الرضا عليه السلام في آخر جمعة من شهر شعبان –يعني في مثل هذا اليوم- فقدّم له الإمام برنامجا متكاملا للاستعداد لشهر الصيام:

تعظيم شعبان:

إنّ أوّل خطوة لاستقبال شهر رمضان المبارك هي تعظيم شهر شعبان والإكثار فيه من الطاعات، ولذلك بدأ الإمام عليه السلام نصيحته بقوله: يا أبا الصلت إنّ شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه.

ولعلّ سبب التأكيد على أهميّة تعظيم هذا الشهر هو ارتباطه بنبي الرحمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث نقرأ في الصلوات الشعبانيّة: "وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعا لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حمامه، فأعنا علي الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه".

 فتعظيم هذا الشعر تعظيم لرسول الله صلوات الله عليه وآله والتقصير في هذا الشهر هو تقصير في حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وهنا تكمن العلاقة بين الشهرين إذ إنّ شهر رمضان هو شهر الضيافة الإلهيّة فهل يمكن أن يدخل الإنسان لضيافة الله وقد قصّر في حقّ حبيبه المصطفى؟

 إصلاح ما بينك وبين الله:

الخطوة الثانية لاستقبال شهر رمضان هي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين ربّه، فشهر رمضان شهر الرحمة الإلهيّة التي وسعت كلّ شيء وقد فصّل النبي صلى الله عليه وآله في خطبته معالم هذه الرحمة فقال: "أيها الناس إنّه أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وشهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عباده وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب".

وهذا الفيض الإلهي المتصل لابدّ له من الوعاء المناسب الذي يحويه فالماء الطاهر لا يمكن سكبه في الكأس المتسخ، وكذلك نفس الإنسان فإنّها لا يمكن أن تكون وعاء لهذه الرحمة الإلهيّة العظيمة دون أن تتطهّر من أدران المعصية وظلمة الذنوب، ولذلك فإنّ الإمام عليه السلام أوصى أبا الصلت بأن يقوم بعمليّة تطهير وتزكية للنفس:  وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل.

إصلاح ما بينك وبين الناس:

الخطوة الثالثة هي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين أخيه الإنسان، يقول الرضا عليه السلام: "ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلّا أدّيتها ولا في قلبك حقدا على مؤمن إلّا نزعته"، وهذه الكلمة للإمام عليه تشير إلى حقيقة مهمّة جدّا وهي أنّه لا يمكن أن تنصلح علاقة الإنسان بربّه ما لم تنصلح مع عامّة الناس!

فالذي يؤذي الناس لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

والذي يأكل أمول الناس بالباطل لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

والذي يضيع حقوق الناس صغارا وكبارا لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

فالناس عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله كما ورد في الحديث النبوي والعكس صحيح، فإنّ أكثرهم إيذاء للناس أبعدهم عن الله، والعجيب من البعض كيف يدخل عليه الشهر الكريم وقد سبّ هذا وشتم هذا وآذى هذا ثم يلقى الله بهذه الأعمال ويطلب منه الرحمة؟! أو يكون قلبه مليئا بالحقد والغلّ والكراهة ويريد من الله أن يحبّه ويرحمه؟!

ختم الإمام الرضا عليه السلام إرشاده لأبي الصلت الهروي بأمرين:

النصيحة الذهبيّة:

قدّم الإمام الرضا عليه السلام نصيحة ذهبيّة لأبي الصلت حيث قال: "وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك"، أي لا تشغل نفسك في هذه الأيّام إلّا بالشيء الذي فيه مصلحة لدينك ودنياك أمّا سواه فلا تشغل نفسك فيه فإنّ أثمن شيء يملكه الإنسان عمره!

ولو نظرنا لأحوالنا في هذه المواسم المقدّسة لرأيت أنّنا نضيّع أوقاتنا في أشياء لا طائل منها: فالبعض يجلس بالساعات الطويلة على شاشات التلفاز والآخر على شاشة الجوال والآخر يعتبر هذا الشهر موسما للنوم الطويل وهكذا..

دعاء الإمام المأثور: ختم الإمام عليه السلام توجيهه لأبي الصلت بهذا الدعاء: وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر " اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا في ما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه" فإنّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقابا من النار لحرمة شهر رمضان.


المصدر: موقع الشيخ أحمد السلمان

2019/05/04

2019/01/14

2019/01/14

2019/01/14

2019/01/14

2019/01/13

2018/11/26

2018/11/26

2018/11/08

2018/11/08

2018/11/08

2018/11/08

2018/11/08

2018/11/08