تخلّي المرأة عن مهامها في البيت ’مغادرة للفطرة’

أهمية البيت

للبيت أهميته البالغة في التربية، فمن طريقه تحقق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الأطفال، فبفضله تنتقل إليهم تقاليد أمتهم، ونظمها، وعرفها الخلقي، وعقائدها وآدابها وفضائلها، وتأريخها، وكثير مما أحرزته من تراث في مختلف الشؤون، فإن وفق المنزل في أداء هذه الرسالة الجليلة حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في التربية، وإن فسد المنزل، فإن الطفل حتما يفسد، ولا تكون له أية شخصية.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إن المنزل يقوم بأكثر من دور في حياة الطفل، فهو المنبع الطبيعي للعطف والحنان، فمنه يستمد حياته المطمئنة الهادئة «1». وقد عني الإسلام به عناية خاصة فأمر بأن تسود فيه المحبة والمودة، وترك الكلفة، واجتناب هجر القول ومره، فإن لذلك أثرا عميقا في تكيف الطفل، وإذا لم يوفق البيت لأداء مهمته، فإن الطفل يصاب بانحرافات خطيرة، منها القضاء على شعوره بالأمن، وتحطيم ثقته بنفسه، وغير ذلك مما نص عليه علماء النفس.

إنعزال المرأة عن التربية

وكانت المرأة فيما قبل مستقرة في بيتها تعنى بتربية أولادها، والقيام بشؤون زوجها، وكانت تقوم مقام المعلم بين أبنائها مشتركة مع الرجل في ذلك.. أما في هذه العصور فقد خرجت الزوجة لتقوم بأعمال تشابه أعمال الرجل، وأصبحت شؤون المنزل والقيام بمهامه عملا ثانويا بالنسبة لها. وأصبحت المرأة في كثير من الدول ترى أن إنجاب الأطفال يتعارض مع قيامها بتولي الوظائف العامة، الأمر الذي نجم منه تحديد النسل، وعدم التفكير في إنجاب الأطفال.

ومما لا شبهة فيه أن المرأة مسؤولة عن تهيئة الجو الاجتماعي والنفسي لنشأة الأطفال نشأة سليمة متكاملة، وقد نجم من تخلّيها عن هذه الوظيفة كثير من المضاعفات السيئة، وكان من أهمها انهيار الأسرة، فقد أصبح التقاء المرأة بزوجها وأطفالها التقاء سريعا، وأصبحت الأسرة في نظر الكثيرين أكثر شبها (باللوكاندة) من دون أن يوجد ذلك الرباط الاجتماعي والنفسي الذي يربط بين أفراد الأسرة، والذي يدعوهم دائماً إلى وضع مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار «2».

إن خروج المرأة من البيت قد أوجب حرمان الطفل من التمتع بحنان أمه، وذلك لمزاولتها العمل، وتركه لها أكثر الوقت، ومن الطبيعي أن تغذيته الاصطناعية.

وتعهد المربية لشؤونه لا يسد مسد حنان الأم وعطفها، فقد أثبتت التجارب العلمية أن الطفل لا ينمو، ولا يترعرع على حليب أمه فحسب، بل على عطفها وحنانها، وهذا الغذاء العاطفي لا يقل أهمية عن الغذاء الجسدي في تنمية شخصيته ومن هنا جاءت أفضلية التغذية الطبيعية من ثدي الام على التغذية الاصطناعية، فإنها تخلو غالبا من شعور الطفل بحنان أمه. ومن هنا يحسن في الأطفال الذين يحرمون من التغذية الطبيعية أن تضمهم أمهاتهم إلى صدورهن حسب ما ينصح به أطباء الأطفال «3».

وعلى أي حال فإن الطفل لا ينشأ نشأة سليمة إلا إذا أخذ حظه من الحب والحنان من أمه، وهو - في الغالب - قد حرم من هذه الجهة حين انعزال المرأة عن التربية.

وقد نعى على المرأة خروجها من بيتها جمع كبير من علماء التربية والاقتصاد والنفس، ونعرض لكلماتهم من دون أن نعلّق عليها.

يقول الفيلسوف الكبير (برتراندرسل): «إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة» «4».

ويقول العالم الاقتصادي جون سيمون: «النساء قد صرن الآن نسّاجات وطبّاعات، وقد استخدمتهن الحكومة في معاملها، وبهذا فقد اكتسبن بضعة دريهمات، ولكنهن في مقابل ذلك قد قوّضن دعائم اسرهن تقويضا. نعم ان الرجل صار يستفيد من كسب امرأته، ولكن بإزاء ذلك قلّ كسبه لمزاحمتها له في عمله.» «5».

ويقول العالم الاجتماعي (أجوست كونت): جوابا عن سؤال قدمته (هيركور) تسأله عن رأيه في المرأة فأجابها: «ان حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية إذا جرت على النسق الذي تريدينه، كما هو حالة الرجل، فيكون أمرها قد انتهى فإنها تصير مستعبدة مملوكة» «6».

وتقول الكاتبة (أني رورد): «لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة، والعفاف والطهارة. الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء. نعم إنه العار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، ما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال سلامة لشرفها.» «7».

يقول الأستاذ شفيق جبري: «إن المرأة في أمريكا أخذت تخرج من طبيعتها في مشاركتها للرجل في أعماله، ان المشاركة لا تلبث أن تتضعضع بها قواعد الحياة الاجتماعية، فكيف تستطيع المرأة أن تعمل في النهار، وأن تعنى بدارها وبأولادها في وقت واحد، فالمرأة الأمريكية قد اشتطت في هذا السبيل اشتطاطا قد يؤدي في عاقبة الأمر إلى شيء من التنازع بينها وبين الرجل» «8».

يقول (سامويل سمايلس): «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوّض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية.» «9».

تقول السيدة أمينة السعيد: «إن الجهل ما زال منتشرا في النساء، وإن التشريعات العائلية بصورتها الراهنة أحق بالعلاج من دخول البرلمان. والبيت في رأيي جنة، ما بعدها جنة، واستقرار المرأة فيه يعادل آلاف الحقوق السياسية.» «10».

هذه بعض الآراء التي أدلى بها جمع من المفكرين - وهي من دون شك - تحمل طابعا كبيرا من السمة العلمية، فإن خروج المرأة من بيتها، ودخولها في المعامل، ومزاحمتها للرجل في عمله واقتصاده مما أدى إلى عجزها عن القيام بوظيفتها في تربية النشء فإنها لم تعد إلى المنزل إلا وقد أضناها العمل واستنزفت الأتعاب جميع قواها، فكيف تتمكن من تربية أطفالها تربية سليمة، ومن الطبيعي أن ذلك يشكل خطرا جسيما على النشء يعرّضه إلى الإصابة بكثير من الأمراض النفسية، وعدم الاستقامة في سلوكه، حسب ما دلّل عليه علماء التربية والنفس.

الهوامش:

(1) عوامل التربية: ص 90، التعليم: ص 87، الأسرة والمجتمع: ص 19.

(2) الدستور السوفييتي: المادة 122.

(3) أسس الصحة النفسية: ص 75.

(4) الإسلام والحضارة العربية: 2 / 92.

(5) مجلة المجلات: ص 17

(6) دائرة معارف وجدي: 8 / 605 - 606.

(7) مجلة المنار: 4 / 486.

(8) أرض السحر.

(9) نظرية العلاقة الجنسية في القرآن الكريم: ص 94 - 95.

(10) علمتني: ص 24.

المصدر: كتاب النظام التربوي في الإسلام