[اشترك]
ولأن الوالدين فضلهما عظيم وبرهما واجب، دائماً ما نجد دعاوى العلماء تحذر الأبناء من عقوق آبائهم وتنذرهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة من جراء أي مظاهر العقوق.
لكن في الحقيقة يعيش بعض الأبناء في تناقض، حائرين بين مشاعر الحب الإنسانية تجاه والديهم والتي ولدوا وفطروا عليها وتؤكدها كل الأديان والشرائع السماوية، وبين الحياة مع آباء وأمهات أقل ما يقال عليهم إنهم بعيدون كل البعد عن هذه المواصفات بل قد يكونون العكس تماماً ويتسببون في تعاسة أولادهم ويقفون حجر عثرة في طريق نجاحهم بسبب ظلمهم لأبنائهم أو التسبب بإيذائهم مادياً أو معنوياً.
طرحت بعض التساؤلات على عدد من خبراء الطب النفسي وتعديل السلوك حول كيف يقدم الأبناء البر لوالديهم رغم وجود خلافات ومشاكل بينهم، وكيف يتجاوز الأبناء المشاكل النفسية لظلم الوالدين أو أحدهما لهم دون أن يبادلونهما الظلم بالعقوق:
في البداية تؤكد الدكتورة نسرين البغدادي، أستاذة علم الاجتماع والمديرة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم.
وتقول «عندما يكون الوالدان على مقربة من أولادهما تصبح لهم محبة كبيرة في قلوب أبنائهما وبالتأكيد فإن تلك المحبة تزداد يوماً بعد يوم كلما كبر الأبناء وفهموا الحياة وعلموا معنى التضحيات والعطاء، لكن هناك جانباً آخر يغفل عنه الكثيرون، وهو هؤلاء المكروهون من أبنائهم وهم لا يشعرون، إنها لمصيبة كبرى يمكن أن تقع في بيوتنا ونحن غافلون».
وترى أستاذة علم الاجتماع أن ظلم الآباء لأبنائهم بمختلف صوره وأشكاله المادية والمعنوية يكون سببه الجهل وقلة الوعي، وقلة الوازع الديني والأخلاقي عند بعضهم، أما البعض الآخر فيكون نتيجة لعقد نفسية بسبب ظروف قاسية عاشوها هم بدورهم بالإضافة إلى كثرة ضغوط الحياة وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفعهم للقسوة على أبنائهم، والإحساس بأنهم عبء ثقيل ينغص عليهم حياتهم، كما أن هناك بعض الآباء والأمهات لم يكن لديهم أي استعداد لتحمل مسؤوليات الزواج سواء المتعلقة بالشريك أو بالأبناء.
وتلفت الدكتورة نسرين البغدادي إلى خطورة فقدان الأبناء للحنان الأبوي فهو فعلاً لا يمكن أن يعوضه أي شيء، «دائماً ما أحذر الأسر من أن الحرمان العاطفي سيخلق أسرة مفككة وغير منتجة، وربما منحرفة أيضاً، فمن فقد الحنان أو من لم يعرفه كيف يعطيه لغيره؟ وستكون هناك آثار نفسية جسيمة تعود على الأهالي عند الكبر، وعلى المجتمع أجمع».
وتوصي د. البغدادي ببعض الأمور التي تقربنا من أولادنا وتضمن لنا برهم في الكبر، أهمها:
- العدل المطلق بين الأبناء.
- تقبيل الأبناء والحرص على احتضانهم والاقتراب الجسدي منهم.
- الاعتدال في العقوبة، الاعتدال في الإنفاق.
- الحنان الأسري والإشباع العاطفي.
- فتح باب الحوار وخاصة مع الشباب من أبنائنا والإجابة عن استفساراتهم بكل تعقل وشمول.
- احترام مشاعرهم بكل مراحلهم العمرية.
- التقرب منهم والتودد إليهم وملاطفتهم واللعب معهم.
- احترام علاقاتهم وصداقاتهم وتوجيههم.
- الابتعاد عن الاستخفاف والاستهزاء بهم وتحقيرهم.
يرى الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي بجامعة عين شمس وعلاج تعديل السلوك لدى المراهقين، أن الأبناء في أعمارهم الصغيرة يكونون كالأوعية يحملون يمتلئون، ثم يفيضون على غيرهم عند كبرهم، وتتكون شخصياتهم من أيام الصغر، وتتشكل عبر ما يحيط بهم من أعمال ومواقف، لذلك فإن أخطر ما يتعامل به الأب والأم ناحية أولادهما هو الإهمال وعدم الاكتراث بحياة الأبناء ولا نفسياتهم، ولا بتعليمهم، ولا بآلامهم ومشكلاتهم، فإذا كان الأب غافلاً مهملاً لأبنائه ولحياتهم وشؤونهم تشرد الأبناء وعاشوا كالأيتام ورسخ ذلك في قلوبهم فازدادت الكراهية لأبيهم وقل الحب وضعف حتى يأتي وقت فيتلاشى.
ويحذر الدكتور إيهاب عيد الآباء والأمهات من القسوة والغلظة في التربية كاستخدام الضرب المستمر والسب والشتم بحاجة ودون حاجة، وكذلك الجفاء الدائم في المعاملة والنقد المستمر للابن وعدم الإنصاف في هذا النقد والاستهزاء به والسخرية منه أمام الناس.
ويبين «يخطئ بعض الأهل في التصريح دائماً بالشعور بعبء التربية وإظهار ذلك أمام الأبناء والتحدث به أمامهم مما يشعر الابن بكره أبيه لأبوته، كما أن البعض الآخر يخطئ في رغبته في صنع نسخة منه في ابنه مع مقارنة الأب بين ابنه وبين نفسه مما يدفع الابن لكره شخصية أبيه».
ويضيف «للأسف بعض الآباء والأمهات ينظرون إلى مظاهر الحنان والحب على أنها ضعف تجاه الأبناء فتمر السنون دون أن يسمع الابن من أبيه أو أمه كلمة حانية لأنهم للأسف يعتبرون ذلك من مظاهر الترف الذي لا يضيع فيه الأب والأم وقتهما».