هل الأب أناني والأم مضحّية؟!

هل الأب أناني وغير حريص على أبنائه؟ وهل الأم تضحي وتحب أكثر من الأب ؟ وهل الأب مهمل لأبنائه ؟ بدأت بهذه الأسئلة بعد حوار حصل مع شاب قال : أمي تحبني أكثر من أبي، قلت : كيف عرفت ذلك ؟ قال : إن أمي دائما تعبر عن حبها وتحضنني وتتابعني وتتحدث معي كثيرا، بينما أبي ليس كذلك، قلت : دعني أفسر لك تصرفات والدك ثم أخبرني إن كان يحبك أم لا؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إن أبيك هو الشخص الوحيد الذي يتمنى أن يراك أفضل منه، وإذا رأيته صامتا وهو جالس معك، فهذا يعني أنه يفكر فيك وفي مستقبلك أو يفكر في مشكلة يحاول حلها لتكون سعيدا، وعندما يقسوا عليك أحيانا، فهذا يعني أنه يريد أن يهيئك لصعوبات الحياة وتحدياتها، أو لأنك لم تتبع نصائحه التي فيها مصلحة لك، وإذا رأيته يضحك فهذا يعني أنك أسعدته وهو سعيد بسعادتك،

وإذا رفعت صوتك عليه أو لم تحترمه فإنه يقول في نفسه وهو ينظر إليك بحرقة هكذا يعاملني من أفنيت له وقتي وصحتي وعمري، وإذا رأيته يتحدث معك بحب، فهذا يعني أنه يعتبرك صديقا له، وإذا أخذك للمدرسة فهذا يعني أنه حريص على مستقبلك ويريدك أن تكون ناجحا أكثر منه، وإذا رأيته يكشف لك بعض أسراره فهذا يعني أنه ينقل لك خبراته وتجربته في الحياة وأنت مهم عنده، وإذا اشترى لك هدية فهذا يعني أنه يشعر بالتقصير من الجلوس معك فيريد أن يعوض تقصيره بإسعادك، أو أنه يعرف مدى حبك للهدية فيريد أن يسعدك بها،

وإذا رأيته ينظر إليك وأنت تتحدث أو تلعب أو حتى لو كنت ساكتا، فهذا يعني أنه يدعمك عاطفيا حتى ولو لم يلمسك أو يحضنك مثل أمك، وعندما يطل عليك وأنت نائم فهو يدعوا لك بالحفظ والتوفيق، وعندما يغضب عليك فإنه يقول لك أريدك أن تتحمل مسؤولية الحياة من بعدي، وعندما يصمت ولا يخبرك بمشاكله اليومية فلأنه يريد منك أن تعيش مرتاحا، مثل أقرانك وأحسن منهم،

وعندما يعطيك المال أو يقلل عليك بالمصاريف فاعلم بأنه يقتطع من ماله وهو محتاج إليه ولكنه يعطيك لأنه يحبك، وإذا رفض أن يشتري لك شيئا جديدا بدل القديم الذي عندك فلا يعني هذا أنه بخيل، وإنما يريد أن يربيك على الاقتصاد والتحمل لأن الحياة متقلبة، وأحيانا يجبرك بالاشتراك بنادي أو ممارسة رياضة معينة ليس من أجل التخلص منك وإنما لتنمية قدراتك ومواهبك، وإذا قال لك لا أو وبخك فليس لأنه مزاجي أو يريد أن يقهرك، وإنما يريد أن يعلمك أن ليس كل ما تتمناه تحصل عليه، فالتربية بالعطاء تساوي التربية بالحرمان، وعندما يشجعك للفوز في الرياضة أو التفوق على أقرانك، فهو يقول لك أنا أحبك ولكن بلغته الخاصة التي تختلف عن أمك،

وإذا فقد أعصابه ومد يده عليك فإنه لا يقصد إهانتك، وإنما هو فقد السيطرة على نفسه، فتجده يجلس بعدها لوحده يحاسب نفسه ويندم على تصرفه، إن أبوك يجبر نفسه بالخروج للعمل كل صباح حتى ولو كان متعبا أو مريضا من أجل راحتك وتأمين مستقبلك، وعندما يشتري الطعام ويضعه أمامك ويراك تأكل منه فهو يشعر بسعادة عظيمة حتى ولو كان صامتا، فأبوك يحرم نفسه عن أشياء كثيرة يتمناها من أجل راحتك، فيقود أي سيارة وإذا سافر يقتصد كثيرا على نفسه من أجلك، فهذا كله تعبيرا عن حبه لك،

هل تعرف أن كل تجعيدة في وجه أبيك لها قصة نعيم عشتها أنت وإخوانك، فأبوك مثل الجدار الذي يحمي الأسرة، وكما قيل (لا يغفو قلب الأب إلا بعد أن تغفو جميع القلوب)، والأب الكادح مثل الشجرة المثمرة تعطي من غير مقابل، وإذا رأيت أبوك ممددا على الفراش لا يتكلم ولا يتحرك فاعلم أنك فقدت سندا لك في حياتك، فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في فضل الأب ( لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) يقول النووي في شرحه للحديث: ( أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه)، قال : شكرا لك على التوضيح الآن فهمت أن حب أبي لا يختلف عن حب أمي ولكن كل واحد منهما له طريقته بالتعبير، وانتهى اللقاء.

*د. جاسم المطوّع