من خصائص مرحلة الشباب الاستغراق في عالم الخيال، والتشبث بالأحلام والأماني الجميلة، والجريوراء الأفكار الخيالية والأمور الأسطورية، وتكون هذه الحالة الخيالية في أوجها مع بداية الشباب وتبدأبالتناقص كلما تقدم بالشباب العمر حيث يبدأ يدرك حقائق الحياة، ويفهم الواقع، ويعرف الأمور بشكلأفضل.
[اشترك]
ونظراً لأن بداية مرحلة الشباب تنقصها التجربة والخبرة بقضايا الواقع، وحقائق الحياة، لذلك نرى الشباب في هذه الفترةالزمنية يعيشون في عالم من الخيال والمثالية الزائدة، فهم ينظرون إلى الأمور بنظرة مثالية، ويحلمون بالكثير من الأمانيوالتمنيات الجميلة، ولكنهم مع الزمن يدركون أن الخيال والأحلام شيء، وأن الواقع شيء آخر، وأن عليهم أن يتعاملوا معالواقع وليس مع المفروض.
والاستغراق في دنيا الخيال يكون مفيداً إذا كان دافعاً للشاب نحو الطموح والتطلع نحو الأفضل مما يجعله أكثر نشاطاًوعملاً لتحقيق أمنياته وأحلامه، أما إذا كان الاستغراق في الخيال يدفع بالشاب إلى التواني والكسل والخمول وعدم العملوالعطاء اعتماداً على الأحلام الجميلة والأماني المثالية فإن ذلك يؤدي بالشاب إلى الفشل والشقاء والتعاسة!
والمطلوب أن يحول الشاب تخيلاته وأحلامه وأمنياته إلى دافع ومحفز قوي للعمل والنشاط والفاعلية لإنجاز ما يطمح إليهوتحقيق ما يسعى من أجله، فالأحلام والأماني الجميلة لا تتحقق إلاّ بالعمل والنشاط الدائم.
ثم إن التخيل إذا كان في حدوده الطبيعية بنحو لا يؤدي إلى إغراق الشباب في بحر الأماني الخادعة لا يخلو من فائدة، بلإن هذه الحالة التي أودعها اللَّه في جوانح الشباب، يمكن أن تكون محفزاً لأمور إيجابية، منها: إيقاظ حس الإبداع والابتكارلدى الشاب، بنحو يهيئهم للتقدم وبلوغ الرتب العالية، ويوجب تقوية طاقاتهم الذهنية والفكرية، ويكون من العوامل الخلاقة فيمجالات الفن والفكر والعلم والذوق.
ومن المهم للغاية أن ننمي في أنفسنا قوة التخيل المبدع بحيث يدفعنا التخيل المركز إلى التفكير المركز، والتفكير المركز يؤديإلى الإبداع والابتكار والاكتشاف، وفرق شاسع بين أن نعيش في الخيال وأن نستخدم خيالنا من أجل الإبداع والتطوروالتقدم.
ومشكلة الكثير من الشباب أنهم يعيشون في الخيال ولكن من دون تفكير أو عمل أو طموح.. وهؤلاء لن يصلوا إلى سلمالنجاح فضلاً عن أن يصعدوا إلى قمته، أما من يستخدم خياله من أجل الإبداع والابتكار، ويكون محفزاً له على العملوالفاعلية فإن ذلك سيؤدي به إلى النجاح والسعادة والتفوق.
لكن للأسف هناك من الشباب من يتشبثون بالأحلام والأماني الوردية، ويعيشون في عالم من الأمنيات الجميلة، وينظرون إلىالأمور من منطلق (المفروض) وليس (الممكن)، وتتحول هذه الظاهرة إلى مشكلة عندما تستولي هذه الحالة المثالية على عقولالشباب بحيث تمنعهم عن رؤية الحقائق، وإدراك الوقائع، وفهم الحياة بصورة صحيحة.
إن من المهم لكل شاب إدراك أنه لا يمكن أن يحقق أهدافه في الحياة، وأن ينجز أحلامه الجميلة إلاّ بالعمل والنشاط، والقدرةعلى تجاوز العقبات والمشاكل، واستثمار الوقت فيما يفيد، واغتنام فرصة الشباب الثمينة باعتبارها من أغلى الفرص في حياةالإنسان.
وعلى كل من يريد أن ينجح في حياته، وأن يكون سعيداً في مستقبل أيامه، أن يستثمر كل لحظة من حياته، وأن يتعامل معالوقت كشيء ثمين، وأن لا يضيع أي دقيقة من الزمن، فالوقت يمضي، والأيام لن تنتظر أحداً من المسوفين والكسالى، ولنيستطيع المسوف والكسول أن يصنع أي نجاح.
يقول النبي لأبي ذر: (يا أبا ذر.. إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غداً لك فكن في الغد كما كنتفي اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم)، ويحذر النبي من الضجر والكسل حيث يقول لعلي: (يا علي،إياك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقاً)، وكتب الإمام علي إلى بعضأصحابه يقول: (فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل: غداً وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف،حتى أتاهم أمر اللَّه بغتة وهم غافلون).
ويعتبر الإمام علي أن آفة النجاح الكسل حيث يقول: (آفة النجاح الكسل)، وقال أيضاً: (من دام كسله خاب أمله)، ويقولالإمام الباقر: (الكسل يضر بالدين والدنيا)، ويقول الإمام الكاظم : (إياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعانك حظك من الدنياوالآخرة).
إن الكسل والضجر والتواني والتسويف هو عنوان الفشل والشقاء والتعاسة في الدنيا والآخرة، فمن أراد الدنيا فعليه بالعملوالنشاط، ومن أراد الآخرة فعليه بالعمل والنشاط، ومن أرادهما معاً فعليه بالعمل والنشاط أيضاً، أما الكسول والمسوف فيأعماله وعباداته فإنه سيخسر الدنيا والآخرة معاً.. وذلك هو الخسران المبين.