تربوي تعليمي
للتربية الناجحة شروط.. تعرّف عليها

كتب د. علي القائمي:

التربية أمر واعٍ وعمدي، ولا يمكن للفوضوي النجاح في هذا الطريق، والذي لا يعلم ماذا عليه أن يفعل في العمل التربوي لا يستطيع الوصول إلى الهدف المطلوب، والتربية غير الواعية لا تفضي إلى نتيجة مطلوبة.

[اشترك]

إن النجاح في مسألة التربية وفقا لما دلت عليه التجارب الماضية والحاضرة مرهون ببعض الشروط التي لا تتوفر كلها لجميع الناس، إلا أن الاطلاع عليها والسعي لتحصيلها وكسبها ولو بمستوى أقل من المئة بالمئة يؤدي إلى إثراء وزيادة رونق العمل التربوي، وسوف نسعى إلى طرح نكات بشأن العوامل الإنسانية وغير الإنسانية من أجل بحث هذه الشروط.

العوامل الإنسانية: قلنا إن الإنسان يتأرجح منذ ولادته حتى نهاية عمره بین عوامل متنوعة، إنسانية، غذائية، مناخية وعوامل الماء والبرودة والحرارة و...، فيتعلم من الناس درس الأخلاق والإيمان والعمل، ومن الحيوانات العبرة ومن دوران الأرض والكرات درس التحول والتغيير والحركة والسير وعشرات النكات والمسائل الأخرى.

وأما ما هي الشروط والأركان التي يقوم عليها البناء التربوي، فجواب ذلك هو أنه يقوم على ثلاثة أركان هي الوعي والإيمان والعمل، وهذه دراسة لكل واحدة منها:

شرط الوعي:

باستطاعة كل فرد بالغ أن يتزوج فيستقر ويسكن عن هذا الطريق، ولكنه إذا أراد أن ينجب ولداً أو يقوم بالعمل فمن الضروري أن يحصل على معلومات تمثل شروط التربية، فيدخل في هذا الطريق وهو على علم، وهذا الوعي يكون في بعض المجالات، وأهمها ما يلي:

١- الوعي الديني: الناس العقلاء لديهم التزام بعقيدة ونمط فكري معين، ولكل شخص أو جماعة عقيدة ودين يعتقدون به ويعملون بتعاليمه، وليس هناك فرد لا يؤمن بأي نظام، وحتى الذين يعتبرون أنفسهم بلا دین ولا نظام. فإنهم يتبعون نظاماً وقيوداً وقاعدة وضابطة معينة.

وينبغي على العامل في مجال التربية أن يكون لديه اطلاع على عقيدته ودينه، فيعلم ماذا تقول تعاليم ذلك الدين في الأمور المختلفة، وما هو الأساس والأركان التي تقوم عليها رؤيته الكونية، وما هي أسسه العقائدية، وما هي الضوابط التي يضعها للإنسان، وما هي دعوته، وما هي فلسفته الوجودية؟

٢- هدف الحياة: يجب أن يحمل الشخص العامل في النشاط التربوي رؤية واضحة لفلسفة الحياة فيعلم الهدف من الخلق، والحياة والعمل والطعام، والهدف من تشكيل الأسرة ولماذا يموت.

ويجب أن يتضح للمربي الهدف الذي يسعى إليه في الجوانب الاقتصادية وفي السياسة والثقافة والمجتمع والحرب والسلم؟ وما هو هدفه في الحياة؟ وفي أية نقطة هو الآن؟ إلى أية نطقة يريد الوصول؟ وما هو السير الذي يريده ولماذا؟ وأي طريقة علیه استخدامها للبلوغ إلى الهدف النهائي، وكيف يعيش وكيف يموت؟

إن المعرفة بهذه المسائل ضرورية للشخص العامل في المجال التربوي، لأن الطفل يتعلم منه هذه الجوانب، والمربي ينقل إلى الصبي هذه الجوانب من خلال التعليم.

٣- الفرد المتربي: الناس ليسوا مثل إنتاج معمل من المعامل، فهم من منشأ و مبدأ واحد، لكنهم يختلفون عن بعضهم البعض، وتنتقل إلى الأفراد عوامل وظروف متنوعة بيئية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأفكار مختلفة وطباع وأمزجة وحالات وسلوك الوالدين والأجداد بنسب متفاوتة.

ويجب أن يعلم العامل في المجال التربوي ماهية الشخص الذي يتعامل معه؟ من هو، وما هي خصائصه، وكيفية مستواه الإدراكي واستنباطه وذاكرته وقدرته وتحرکه و...؟ ويجب أن تتضح من سنين التمييز والرشد العقلاني والفكري نمط فکره ورغباته وآماله وأمنياته وذوقه ومیله إلى الأمور والمسائل الداخلية ومدى رغبته بالفنون والحرف والعلم و... حتى يعمل على سد نقاط الضعف وتقوية نقاط القوة .

٤- طريقة التربية: إن موضوع عملنا هو الإنسان وتربيته، الإنسان الذي يولد وهو يحمل ثروات وعوامل متنوعة ومتفاوتة مع الآخرين، فهو يحمل غرائز يجب توازنها ولديه جوانب فطرية يجب رشدها وتنميتها وتتوفر فيه قابليات يجب تفعيلها وأخيرا يريد السير في طريق العبودية حيث يجب أن يكون قادرة على ذلك.

إن القيام بهذه الرغبات لا يمكن من دون امتلاك مقدورات ووعي بطريق وكيفية التربية، والمربي ليس باستطاعته توجيه الأفراد المرؤوسين من دون المعرفة بالطرق والأساليب، فيعرفهم على المقررات والقوانين المرسومة ويقوم بالإحياء الفطري المهمل ويعمل من الإنسان المتعلق بنفسه وبالتراب الفردي إنساناً صافياً من العوارض المادية إنسانا ذو صميمية وإخلاص وأنس مع سائر الناس ومواس للمحرومين.

ومن ناحية أخرى عليه أن يكون عارفاً بفنون التربية وطريقة انتقال العلم إلى الأفراد، خاصة وأن الأعمار محدودة والمعلومات المطلوبة والتجارب والوعي والعلوم والفنون والابتكارات والاختراعات غير محدودة

٥- القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية والعسكرية والاجتماعية سواء منها التي داخل مجتمع الإنسان المتربي أما خارجه والتي تؤثر فيه وتجره بشكل ما إلى المواجهة وتدفعه إلى اتخاذ موقف خاص.

إن الإنسان في العالم المعاصر يواجه عشرات المسائل، وإن الغفلة عن أي منها يؤدي إلى تعرضه إلى صدمة وكذلك تعرض سيره ومشيه الذي اختاره في الحياة، فنحن نعيش في عالم متصل بحيث انه إذا وقع نزاع واختلاف في مغرب الأرض، فإن الناس في شرقها لا يكونوا في مأمن من انعكاساته. ورغم أن وجود الحدود بين الناس قد فصل بينهم، إلا أن وجود وسائل الإعلام قد رفع الحدود من جهة أخرى وعرف بين الناس وأصبح كل منهم يؤثر ويتأثر بالآخر. والمربي إذا كان جاهلا بالزمان والمكان وما نسميه بتاريخه وثقافته فسوف لا يوفق في العمل التربوي .

٦- الوظيفة: وأخيرا فإن ما هو أهم من كل شيء بالنسبة للوالدين هو أن يعرفوا وظيفتهم وأن يعملوا بها، ويعلموا ماذا عليهم أن يفعلوا الآن وما هي الوظيفة والجهد الذي يجب القيام به.

إن الصبي المولود، يعيش في المجتمع، وعلى جميع أفراد المجتمع وليس الوالدين فقط، أن ينظروا إليه نظرة إنسانية ويعتبروه من الناحية الإسلامية، أمانة من الله.

وبرأينا أن الشخص السعيد والموفق في أمر التربية، هو الذي يعرف هذه الوظيفة ويسعى لأدائها وفقا للفكر والوعي والإيمان وعليه أن يعلم ماذا يصنع تجاه هذا الفرد الذي هو اليوم تحت إشرافه وتأثيره، وكيف يقوم بوظيفته .

شرط الإيمان :

الشرط الثاني لنجاح العاملين في مجال بناء الفرد وتغييره، وهي العقيدة والإيمان. الإيمان بالعقيدة وبالوظيفة وبظهور نتائج العمل. الإيمان هو مصدر إيجاد واستمرار كل الفضائل وسبب حصول القوة وعامل لحصول رؤية في انتخاب الطريق وفي المسير .

إن وجود الإيمان عند المربي للقيام بالتربية له أهمية حيوية، حيث يؤدي إلى اعتماد الطفل عليه، ومتابعته خطوة خطوة، ثم انه لا يمكن تجاهل تأثيره الروحي في التلاميذ. وإيمان المربي والمعلم هو كمصباح يضيء حياة الطفل ويطبعها بطابع معين. ولا يمكن انتظار حصول إضاءة مفيدة وبناءة من معلم ضعیف الإيمان وآباء فاسدي العقيدة والعبارة التي تقول ان الكلام إذا خرج من القلب استقر في القلب صحيحة إلى حد كبير خاصة للذين لديهم أرضية مساعدة، ونحن نعرف أن المدارس التربوية القائمة والتي أغلبها عبارة عن نتائج نمط فکر رنسانس، وتجديد الحياة في الغرب، قد وضعت من أجل إصلاح الجوانب المادية للإنسان ولم تهتم بالجانب المعنوي والإيماني والعقائدي للأفراد، فكانت النتيجة ظهور الفضائح وأعمال التدمير التي رأينا مظهرها في الحرب العالمية الأولى والثانية .

إن أفضل أنواع التربية، لا يعطي ثمرة مفيدة وقيمة، إذا قام به مربون لا إيمان لهم، ونحن نعلم أن تعلم المسائل في النظام التربوي الإسلامي، لا عيب فيه ولو كان من أفراد كافرين أو مشركين، ولكن علينا أن لا ننسى أن تعلم المسائل من فرد يختلف عن تسليم أمور تربية وحياة الفرد بيد إنسان مشرك، هذا أولا، وثانياً إن هذا الكلام يصدق على الذين تبلور طابعهم وشكلهم العقائدي ويتمتعون بأرضية عقائدية قوية، فيستطيعون التمييز بين الخير والشر، ولهذا فإن إعطاء أمر التربية الأشخاص من الكافرين والمشركين وأهل الوجهين والمنافقين، لا يثمر إلا ازدياد الكافرين والمنافقين.

شرط العمل: 

يحصل القسم الأكثر من معلومات الإنسان واكتساباته عن طريق العمل. وهذا الأمر بصدق في الجانب المادي للتربية وفي الجانب غير المادي. وأبناؤنا يتعلمون المهارة والكفاءة في أداء العمل وكيفية بناء الأشياء وأدوات الزراعة والصناعة والمسائل ذات العلاقة بالفنون والحرف من خلال عمل المربي، وهم يرون أعمالنا ويتأسون بنا في الأدب والثقافة والأخلاق والعبادة والتقوى وحب الخير وخدمة الناس والإعانة والتعاون وحسن النية والأنانية والغرور والفساد والخيانة والصميمية والإخلاص وحب الحق والعدالة و...

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن روح التربية تظهر في ظل العمل التربوي، والعمل يحدد قيمة الإنسان وحقيقة عمله، وإذا كان هناك جيل غير عامل أو لا يتقدم وفقا للأهداف المرسومة، فذلك بسبب أنه لم يترب للعمل ولم تتوفر له أسوة وطريقة لائقة.

المصدر: كتاب أسس التربية

2021/12/09

هل يدرك الآباء مسؤولية التربية الدينية؟

كتب: بسام حسن خضرة

بلغت درجة التبرؤ من الذين يهملون القيام بواجباتهم التربوية حد الذي صار فيه المجتمع يعاني من ملحدين ومشركين، هل يدرك هذا المهمل ماذا يعني تبرؤ النبي وآل بيته منه وعدم قبول أعماله وإن بلغت عنان السماء؟

[اشترك]

ورد في الحديث عن زين العابدين (إنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه).

تنمية التربية الايمانية في نفس الطفل حق له على عاتق المسؤول عن تربيته سواء كانوا أهلاً أو مدرسة أو جامعة ولا يخفى أن روحه في تقبلها للتعاليم الدينية والأخلاقية تشبه الأرض الخصبة القابلة للزرع وعلى المسؤولين عن تربيته أن يبادروا إلى زرع بذور الإيمان والفضائل في نفسه وأن لا يفرطا بشيء من الفرصة السانحة لهما كي لا يتبرأ منه النبي.

يلاحظ أن العلم الحديث دعا إلى ما دعا إليه الإسلام معتبراً أن التربية الدينية للأطفال ضرورة لضمان سعادتهم وحسن تربيتهم كما قال (ريموند بيج) لا شك في أن المهمة الأخلاقية والدينية تقع على عاتق الأسرة قبل سائر المسائل ذلك أن التربية الفاقدة للأخلاق لا تعطينا سوى مجرمين ومن جهة أخرى فإن قلب الإنسان لا يمكن أن يعتنق الأخلاق من دون وجود دافع ديني.

تبرز فطرة الإيمان في روح الطفل قبل أن يكمل عقله وينضج لاستيعاب المسائل العلمية وإن يهتم الآباء بهذه الفرصة المناسبة ويستغلا تفتح مشاعره ويقظة فطرته الإيمانية فيعملوا منذ الطفولة على تنمية الإيمان في نفسه من دون صعوبة أو حاجة لأدلة عقلية ومن السهولة بمكان جعله إنساناً مؤمناً بالاستناد إلى طبيعته الفطرية.

المشكلة عند الكثير ممن يتكلمون مع الطفل أنهم يخبرونه بعدم تكليفه ومنهم للأسف يجهلون الأحكام الشرعية للطفل ويمكن من خلال طرق تشجيعه مع الطفل مثلاً نسأل الطفل هل هو كبير أم صغير؟

فإن أجاب بأنه كبير نحثه على شكر الله سبحانه وتعالى على نعمة بأن لا يقول أو يعمل ما يغضب الله تعالى كأن يصلي مثلاً ولا يكذب.

في آخر دورة تربية حضرتها كان فيها ٣٠ مشارك أو أكثر، سألت المحاضِرة:

 "ما هو أفضل شيء تستطيع الأم أن تقدمه لأولادها؟"

 فترددت الإجابات بين "الحب، الدين، الاخلاص، التقوى، الصداقة، الانفتاح، الهدوء، الإحسان" ومرادفاتها، حتى جاء دوري وأنا أفكر أن تكون إجابتي مختلفة!

فقلتُ "القدوة"، فالقدوة هي بالتأكيد أهم ما تقدمه الأم لأولادها!

وعندما أجبتها، وانتهى الجميع من لعبة التحزير.

سكتت المحاضِرة وقالت: جميع إجاباتكم هي بالفعل أمور جدًا مهمة في التربية.. لكن حسب دراساتي يُوجد ما هو أهم من جميع ما ذكرتم..

"أفضل شيء تقدّمه الأم لأولادها هو أن تُحب أباهم".

"حسب الدراسات فإنه يمكن معرفة نسبة الخلافات بين الزوجين عن طريق فحص عينة بول طفلهم خلال ٢٤ ساعة".

"جاء أحدهم ليسألني عن طريقة لتربية ابنه بحيث يستطيع أن يسجل في جامعة هارفارد، عندما يكبر، فأجبته: إذا أردت أن تزيد نسبة ال IQ عند ابنك، اذهب إلى البيت وحب زوجتك".

) إذا لم تكن على قدر من الوعي والمسؤولية، لِمَ أنجبت أرواحًا تتعذّب من قساوتك) لا تورث لأبنائك أخبار سيئة عن أرحامهم مهما حدث بينك وبينهم، دعهم ينشؤون بقلوب سليمة ونوايا صافية، علمهم حسن الخلق، ووصل الأقارب بأبنائك وهم صغار، فسوف تمر الأيام بسرعة ولن يبقي لك من براءتهم وطفولتهم إلا مجرد ذكريات، لاعبهم، اضحك معهم، مازحهم، أُخرج معهم، كن كطفل بينهم، واجعل التعليم والأدب مع اللهو واللعب.

وهناك قصة تقول: جلست الأم وجلس أولادها حولها.. أعمارهم تتراوح بين العاشرة إلى الثالثة.. جلسوا جميعهم مستعدين ومتحمسين، بدأت الأم وبدأوا معها في قراءة سورة الإخلاص، ثم كرروها عشر مرات، عندما انتهوا صرخوا بصوت واحد فرحين: الحمد لله بنينا بيتاً في الجنة.

سألتهم الأم: وماذا تريدون أن تضعوا في هذا القصر؟

رد الأطفال نريد كنوزاً يا أمي، فبدأوا يرددون لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم عادت فسألتهم:

من منكم يريد أن يرد عليه الرسول (صلى الله عليه وآلة وسلم) ويشرب من يده شربة لا يظمأ بعدها أبداً.

فشرعوا جميعهم يقولون: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد.. كما باركت على إبراهيم وعـلى آل إبراهــيم إنك حميد مجيد.

تابعوا بعدها التسبيح والتكبير والتهليل، ثم انفضوا كلٌ إلى عمله، فمنهم من تابع مذاكرة دروسه، ومنهم من عاد إلى مكعباته يعيد بنائها.

فقلت لها كيف فعلتِ ذلك؟

قالت أبنائي يحبون جلوسي بينهم ويفرحون عندما أجمعهم وأجلس وسطهم فأحببت استغلال ذلك بأن أعلمـهم وأعودهم على ذكر الله.

فأحببت أن أنقل لهم هذه الأحاديث وأعلمها لهم بطريقة يمكن لعقلهم الصغير أن يفهمها.. فهم يروون القصور في برامج الأطفال ويتمنون أن يسكنوها.. ويشاهدون أبطال الكرتون وهم يتصارعون للحصول على الكنز، هذه الأم ستثاب عندما يردد أحد أبنائها هذه الأذكار.

المصدر: كتاب لا للقلق نعم للطمأنينة

2021/12/05

بين الجوارب والمدارس!

كتبت رهف سعادة:

كيف بدأ الأمر؟

أعتقد أن الأمر في بدايته جرى هكذا: "ثلاثة جوارب بدينار"! فتتهافت الأمهات لشرائها استعدادًا لعودة أطفالهن إلى المدرسة، وتستمر هذه التحضيرات من ملابس وحقائب وبنطلونات "جينز" وأحذية برباط وجوارب طبعًا.

[اشترك]

يبدأ الدوام في محاولة ماكرة وتجريبية لاستعادة الأنظمة القديمة لاستمرار الحياة من بعد كوفيد-19 فأرى خبرًا عن طفل يضربه معلمه ويدفعه من مقعد إلى آخر، وبانت الآثار على خده وعينه!

الروتين السابق للحياة والمدرسة

شعور الأطفال بعد ارتداء كل ما اشترته لهم أمهاتهم سيكون عاديًّا وبديهيًّا في ظروف عاديّة، بل ومشجعًا لبداية سنة دراسيّة جديدة يرون فيها أصدقاءهم، يكبرون عامًا فتتغير احتياجاتهم وما يفضلون من أدوات مختلفة كشراء دفاتر المواضيع ذات الطوق السلكي الجانبي، والكتابة بأقلام الحبر مثلًا، أكثر ما قد يفكرون فيه هو مكان مقعدهم وبجوار من، من هم معلموهم وإن انتقلوا لمدرسة أخرى سيتعين عليهم أن يبحثوا عن معارف جدد وإثبات جديد لهوياتهم كنوع من الاستقلالية التابعة للفطرة البشرية، هذا الروتين المتبع من بداية شهر أيلول حتى حزيران من السنة القادمة ثم تأتي بعدها العطلة الصيفية ثم تنتهي فتأتي بعدها سنة دراسية جديدة وهكذا، بعيدًا عن كلام التنمية البشرية في اعتراضهم على فكرة "الروتين" لما يرون فيها من فشل في الإنسان وما إلى ذلك، ولكن هذا الروتين هو حياة بأكملها، حياة للطلبة وذويهم ومعلميهم وحتى أصحاب البقالات المجاورة للمدارس، هذا الروتين الذي يحمل في مبدئه شيئًا من القوانين والأنظمة المتعلقة بشتى الجوانب؛ وقت النوم ومواعيده، مدة المكوث على ألعاب الفيديو ومشاهدة التلفاز، أوقات تناول الوجبات الرئيسية، ورسمية الكلام والجلوس، وهذا الذي أود قوله.

رسميات الكلام

الطالب مهما كان عمره يتعامل يوميًّا مع ست جهات في الحد الأدنى مختلفة في العمر والقرابة والسلطة، وهذا ما يجعله يغيّر من أسلوب حديثه عند غضبه أو نقاشه، يغيّر من طريقة تعبيره عن احتياجاته مما يكسبه مهارات الحياة والتفاوض، وهذه الجهات هي: والداه، إخوته، أصدقاؤه، زملاؤه في المدرسة، معلموه، وصاحب البقالة! لا يعقل أن يتعامل الطالب مع والديه كما يتعامل مع معلميه أو مع إخوته مثلًا، فكلٌّ له سقفه الأعلى والأدنى وبالغالب يتحكم الطلب والسلطة في هذا السقف! يطلب الإذن لدخول الحمام بطريقة مختلفة عن تلك التي يطلب بها الغداء من أمه، يطلب من أبيه أن يعطيه مصروفه بأسلوب يختلف عندما يسأل صاحب البقالة أن يناوله علبة العصير من على الرف العلوي من الثلاجة! ولكن لا بأس، فأي خطأ يحصل اليوم بالإمكان معالجته غدًا فروتين المدرسة موجود، وإن كان متعلقًا بالخبرة فلا بأس أيضًا في العام القادم سيكون أكبر وسيعرف كيف يتحدث معهم وهذه في لغة الحياة تسمى الخبرة. ففي الواقع، هو كل يوم يتعامل مع ذات الجهات ولمدة سنة كاملة لذا سيكون قادرًا على تخطي المشاكل العاديّة! ولكن ماذا لو يكن هناك مجال ما للخبرة؟ لو تجمّد كل شيء في مكانه عامين؟ لو اختفت المدارس والروتين اللذيذ هذا؟ لو تغيّر كل ما هو عادي؟

الجلوس وما بعده   

اعتاد الطالب على التمدد على الأريكة، أن يأكل ويشرب ويشاهد ما يحب في وقت غير محسوب، أن يخلع عن كاهله بنطالًا مقيِّدًا للتمدد وإن كان من "الجينز" فهذا يسبب له حرارة شديدة، والجوارب تمنع حركة أصابع القدم. تستطيعون تخيل هذا الطفل بالمناسبة! لا لباس مقيدًا لا قوانين في الجلوس، حتى إن الأهل غضوا النظر عما يسببه أطفالهم من فوضى دائمة وذلك من باب ألا يزيدوا شعورهم بالسوء، فحقًّا كل ما يهمهم هو شعور فلذات أكبادهم بالراحة والأمن، فيكفي ما يرونه في أعينهم من ضياع وقلق!

العودة للمدارس.. إلى أين؟

تأتي المدارس بحلة جديدة بكمامة ومعقم وبروتوكولات صحية! يفرح الأهل رغم ذلك الخوف والقيود؛ فقد مر وقت لم يروا فيه إنتاجًا مهمًّا لأطفالهم، سيغيبون عنهم وفي هذا سرور ما ليس لأجل نكت الفيسبوك المتداولة؛ بل بما يمكن أن يحققه أطفالهم من استقلالية، ففي النهاية سيواجهون كل شيء وحدهم ويبتعدون وحدهم ويغامرون وحدهم، سيستقبلونهم بوجبة غداء عائلية وحكاية ما قبل النوم. ستتخلل يوم الجمعة رائحة العطلة. المدرسة ليست عقابًا ولا مكانًا لرمي الأهل أطفالهم بل هي حياتهم وروتينهم ووعيهم ومجتمعهم.

لنعد إلى ذاك الطفل؛ لم يُصرَّح بعد بما قام به قبل أن يدفعه معلمه، ولكن لنتخيل ما قد يفعل: لم يجب عن سؤال معلمه؟ لم يعرف الإجابة؟ لم يُحضِر دفاتره؟ تحدث مع صديقه أثناء شرح المعلم؟ أخرج طعامه وبدأ يأكل أثناء سير الحصة؟ أيًّا كان ما فعله فما هو إلا استكمالٌ لروتين حياته السابق، فكما قلت هو معتاد على بيجامته القطنية المريحة ودون جوارب، وأريكته، وطعام أمام التلفاز وحديث متى شاء وصراخ ومزاح متى شعر بذلك، هو نسي فقط! أو بعبارة أكثر دقة هو الآن يجرب القوانين والأنظمة لأول مرة في حياته تقريبًا، من هنا سيبدأ يميِّز المتحدثين ويعرف الحديث وآدابه، ويعرف أن لكل مكان لباسه، وأن البيت هو جزء من الحياة، والمدرسة هي الجزء الآخر في مرحلته العمرية مبدئيًّا، ليس البيت فقط هو ما يعرفه! أظن أن المعلم هذا ارتكب جريمة مرعبة في حق ما لا يدركه الطفل من أنظمة وقوانين، ومثلهما الكثير.

المسألة في التجهيز للمدارس لا تقتصر على ثلاثة جوارب بدينار بل على "ست جهات بحياة".

2021/11/27

المتعلم غير المثقّف: كيف يبني الطالب الجامعي ثقافته؟

كتب شريف محمد جابر:

لا شكّ أن التعليم الجامعي ضروري جدّا لينهل الطالب من العلوم وليكتسب "حِرفة علمية" إن جاز التعبير ليعتاش منها وليمارس هذا العلم في عمله في المستقبل، سواء كان موضوعه الذي يدرسه من العلوم التطبيقية أو من العلوم الاجتماعية أو غير ذلك. ولكن ثمة بعد آخر ينبغي أن ينتبه إليه من يرنو إلى بناء عقله وتفكيره وهو "الثقافة"، وهي شيء آخر وراء مجرد التعليم أو الحصول على شهادة جامعية.

[اشترك]

إنّ الحدّ الأدنى من التعليم يكسبك ثقافة كافية في مجال تخصصك، ويمنحك "رخصة" لمزاولة مهنة ما، ولكن الاقتصار على هذا الحدّ الأدنى مؤذٍ للمجتمع؛ ذلك أن الطالب إذا لم يبادر إلى بناء ثقافته -في مجاله قبل كل شيء-  زيادة على الإطار المنهجي في الدراسة الأكاديمية فلن يساهم في بناء ثقافته الذاتية وثقافة المجتمع من حوله، بل سيعطي صورة سلبية عن "المتعلّم غير المثقّف" الذي يتعامل مع شهادته باعتبارها رخصة لمزاولة المهنة فحسب، دون وازع ثقافي يجعله يزداد ثقافة في مجاله أو يتعامل معه بشغف وفضول.

وإذا تجاوزنا قضية أنّ الأصل في اختيار الموضوع -إلى جانب امتلاك مؤهلات دراسته (العلامات) ووجود فرص عمل فيه- هو أن يحبّ الطالب هذا الموضوع ويجد نفسه فيه، كي يبدع فيه ويتقدم، فإنّ إحدى القضايا الخطيرة التي تواجه الطلاب هي قضية "الثقافة"، وفي هذا المقال سأوجّه بعض النصائح للطلاب الجدد على وجه الخصوص والطلاب عموما حول كيفية بناء الثقافة الذاتية.

إحدى أبرز المشكلات في سلوك الطلاب مع التعليم هي أنّهم يظنّون -أو هكذا يقال لهم- أنّه لا ينبغي لهم الاهتمام بشيء سوى مادة المساقات التعليمية التي تُجرى لهم بناء عليها الاختبارات الفصلية. وهذه النصيحة -على الخير الذي فيها- تقطع الطريق على خير عظيم يمكن للطالب أن يحصّله، وهو الخير الكامن في الوجود في مؤسسة أكاديمية مع أشخاص أكاديميين، واقتناص هذه الفرصة الثمينة في بناء الثقافة.

المكتبة.. ذلك الكنز المعرفي الثمين

إحدى معادلات التعلّم الغائبة عن معظم طلابنا هي معادلة "الفضول"، وهي ببساطة أن يُقبل الإنسان على القراءة والدراسة بفضول ونهم، أي برغبة عارمة في قلبه وعقله للمعرفة والاستكشاف، لا يمكن بناء الثقافة دون القراءة والتوسع فيها، أي عدم الاقتصارعلى قراءة المواد المطلوبة بالامتحان بنيّة حفظها وإلصاقها في ورقة الامتحان، بل ينبغي للطالب أن يقرأ -في مجاله تحديدا- فيما وراء هذه المواد، وهنا تكون أمامه فرصة عظيمة تتمثّل بـ "المكتبة"! والمكتبة كنز عظيم ينبغي للطالب أن يدخله لا للدراسة فحسب، بل لاستعارة الكتب التي يدفعه الفضول العلمي لالتهامها، أو الجلوس فيها لساعات قليلة في الأسبوع من أجل القراءة والنهل من العلوم. وليس بالضرورة أن يكون ذلك في المجال الذي تدرسونه، بل قد يكون في مجال آخر لديكم مساحة كبيرة من الجهل فيه، وتعتقدون أنه من المهم الاطلاع عليه وبناء الثقافة فيه.

التلاقُح الثقافي.. أداة مهمة في توسيع الآفاق

وإلى جانب المكتبة فهناك الكثير من أهل الثقافة والعلم والطلاب النابهين في الجامعة، وهو ما يتيح للطالب فرصة عظيمة لمناقشة قضايا العلم والثقافة والمجتمع وغيرها، فالتفاعل مع الأشخاص الذين يحملون وجهات نظر مختلفة ومعارف مختلفة وتداول الآراء هو أداة مهمة وفعالة جدا في بناء ثقافة واسعة، متفهّمة، واعية للآراء الأخرى. ذلك أن إحدى أكبر مشكلات بعض الطلاب هي الاقتصار على لون واحد من القراءات أو الأشخاص، مما يبني عقلية منغلقة لا يمكنها استيعاب الاختلاف في القضايا الحياتية المختلفة، أو لا يمكنها إدارة الخلاف بشكل مرن وذكي. وهنا تكمن أهمية الوجود في وسط يجمع الأفكار من النقيض إلى النقيض. ليست هذه دعوة إلى قبول كل فكرة، ولكنها دعوة إلى الاطلاع على مختلف وجهات النظر، وهو ما يساهم في بناء ثقافة أقوى وأمتن.

الفضول.. الفريضة العلمية الغائبة

إحدى معادلات التعلّم الغائبة -مع الأسف- عن معظم طلابنا هي معادلة "الفضول"، وهي ببساطة أن يُقبل الإنسان على القراءة والدراسة بفضول ونهم، أي برغبة عارمة في قلبه وعقله للمعرفة والاستكشاف. يقرأ لأنّه يريد أن يعرف تلك المعلومة، لأنّ ثمّة نهمًا قاتلا يجتاح صدره يدفعه إلى المعرفة واكتشاف المعلومة أو حل المعادلة أو معرفة الأحداث.. ومن هناك تنبع أهمية اختيار الموضوع بناء على ما يتناسب مع شغفنا واهتماماتنا، فهذه خطوة أساسية تمهّد الطريق وتجعله سهلا لممارسة "الفضول" في دراسة المواد العلمية وحفظها.

وحتى ندرك الفرق بين الدراسة الممزوجة بالفضول والدراسة الجافة المنطلقة فقط من ضرورة أداء هذا الواجب لاجتياز الاختبار، يحسنُ بكم أن تقارنوا بين حفظكم لأشياء تحبّونها (رواية، مسلسل، فيلم) وحفظكم لمادة تقرؤونها بنية اجتياز الامتحان فقط، دون التفاعل معها ولا فضول يدفع لقراءتها. ستجدون ببساطة أنّكم ستتذكّرون أحداث الرواية لأنّ ثمّة "تجربة شعورية" حاضرة أثناء قراءتها، وستذكرون مقاطع الفيلم وأحداثه ولحظاته الفريدة لأنّكم تفاعلتم معها، ولأنّ مشاعركم كانت مشدودة إلى كل كلمة تخرج من فم ذلك الممثّل.

وهكذا، يصنع الفضول العجائب عندما يوجد أثناء تحصيل معرفة ما. ولا زلت أذكر أنني منذ المرحلة الإعدادية والثانوية كنت أحبّ مادة التاريخ، وكنت – بخلاف معظم الطلاب – لا أملي ما يقوله الأستاذ، لسبب بسيط: أنّ الأستاذ إنما كان يملي مادة الكتاب بلغته! كنت أترك كل شيء وأستمع للأستاذ وهو يحكي لنا أحداث الحروب والصراعات السياسية والأحوال الاجتماعية بشغف وفضول لمعرفة ماذا سيحدث بعد ذلك، وكنت حين أعود إلى البيت أقرأ صفحات للأمام كي أعرف المزيد.. وبهذا النهج – التلقائي غير المخطّط – ورغم أنني لم أكن أكتب شيئا في الدفتر، كنت أقتصر قبل الامتحان على قراءة المادة المطلوبة قراءة واحدة مستوعبة، ثم أحصل على نتيجة جيّدة في الامتحان، دون المعاناة في الدراسة والحفظ!

المنهجية العلمية في التعامل مع المعارف

من أهم الأدوات التي ينبغي للطالب أن يكتسبها في الجامعة أداة البحث العلمي، والتعامل العلمي عموما مع كل معلومة يجدها أمامه. فأنت حين تكتب وظيفة نهائية ضمن مساق تعليمي معيّن، يُطلب منك أن تذكر مصدر كل معلومة تودعها في سطور هذه الوظيفة، ولا يقبل منك الأستاذ الدكتور أن تسرد كلاما من عنديّاتك دون إحالة إلى مصدر. إنّ الالتفات إلى قيمة هذا السلوك واعتماده كمنهج حياة في تناول الأفكار والمعلومات؛ هو من أهم ما يمكن أن تستفيده من الجامعة، بل يكاد يفوق أهمية المواد نفسها التي ستنسى الكثير منها بعد التخرّج!

نحن نعيش أزمة في مجتمعنا تتمثّل بالتعامل غير العلمي مع المعلومات والأخبار؛ إذ تعاني الأجيال – من مختلف الأعمار – من فقدان المقدرة على تمحيص المعلومة وقبول الآراء والأفكار والأخبار، وذلك بسبب غياب المنهج العلمي، رغم أنّ حضارتنا الإسلامية قدّمت لنا منهجا دقيقا في التعامل مع المعلومات، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (سورة الإسراء: 36).

وفي سِيَرِ علمائنا قدوة حسنة أيضا؛ فالناظر إلى كتب "الحديث" الإسلامية على سبيل المثال، سيجد تفانيا عظيما في عدم قبول أي خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم دون معرفة مصدر المعلومة، ولم يقتصروا على ذلك، بل أسّس علماؤنا لعلم لم يوجد عند أمة من الأمم قبلهم أو بعدهم، وهو علم الرجال أو علم الجرح والتعديل، وهو قائم على دراسة كل شخصيات الرواة – وهم بالآلاف – في كتب متخصصة، من حيث توثيقهم وضعف نقلهم أو قوّته وعدالتهم وغير ذلك من المعايير الدقيقة التي تؤثر في الحكم النهائي على الحديث؛ هل هو صحيح أم لا؟ فما بالنا نحن أحفاد هؤلاء العظماء نُغفل قيمة "التوثيق العلمي" سواء في الوظائف الجامعية أو فيما نكتب وننشر وفيما نتحدث بين الناس؟!

إنّ قيمة التوثيق العلمي قيمة مهمة جدا ليس فقط لنكون أخلاقيين، وهو أهم ما في الأمر، بل كذلك لنكون على درب نهضة أمتنا؛ إذ لا نهضة ولا رقيّ بدون منهج علمي متين تُبنى من خلاله العقول. واحذر أخي الطالب، أختي الطالبة من منهج سرقة الوظائف العلمية وتزويرها للحصول على الشهادة الجامعية، فربما تكون قد حصلت على شهادة لتزاول بها عملك، ولكنك خسرت أخلاقك وضميرك أولا، ثم خسرت شغف المعرفة وممارسة البحث العلمي الذي يبني فيك العقلية العلمية، والتي بفقدانها ستعاني طوال حياتك من الضحالة والسطحية!

وللغة العربية نصيب..

في إطار حديثنا عن "الطلاب العرب" لا بدّ من التأكيد على أهمية امتلاك لغة عربية جيّدة لكل مثقّف عربي، أيا كان توجّهه وأيّا كان مجال دراسته: الطب، الفيزياء، علم الأحياء، التاريخ، العبرية، الإنجليزية، التمريض… إلخ.. فاللغة هي وعاء الفكر، وأي فكر يكون لشعب عربي يجهل لغته ويجافيها؟

عندما أراد أصحاب الفكر الصهيوني بناء شعب متخيّل وتصييره واقعًا -كما هو اليوم- كان من أول ما التفتوا إليه هو إعادة إحياء اللغة العبرية، والتي كانت لغة مكتوبة ومَتْلُوّة في المعابد دون أن تكون متداولة في الحياة، وقد نجحوا في هذه المهمة مع لغة انقطعت عن الوجود الواقعي لقرون متطاولة! فما بالنا نحن والعربية بيننا وفينا نتنكّر لها وننفرعنها؟!

 

إنّ فترة الدراسة الجامعية -عن تجربة- هي أكثر الفترات خصوبة للقراءة والتداول الثقافي، وهي بذلك من الفرص المتاحة ليبني الطالب ثقافته العربية بمطالعة كتب الأدب -القديم والحديث- واللغة والتراث عموما، مما يزيد من ارتباطه بلغته العربية. وليس من المروءة أن يكون المرء حاملا للقب "الماجستير" مثلا في علم النفس، ثم هو لا يستطيع كتابة رسالة عادية بلغة عربية سليمة خالية من الأخطاء!

إنّ الهدف من الاطلاع على الثقافة العربية والقراءة في هذا المجال ليس هو مجرد إتقان الكتابة والقراءة بلغة سليمة، بل اللغة -كما ذكرت- هي وعاء للفكر وركن أساسي في إحياء أي أمة ونهضتها، ولذا كان الاهتمام باللغة جزءًا من إعادة الحياة لنفوسنا والاعتزاز بتلك الثقافة وأمجادها الغائبة، وهو عنصر مهم في بناء القلوب المندفعة للتقدّم بوازع أصيل، ومهم أيضا لمقاومة التغريب والاستلاب الحضاري والتبعية اللغوية والفكرية.

2021/11/17

أخطاء يرتكبها ’المعلمون’ في الصف الدراسي.. كيف تتجنّبها؟

أربعة أخطاء شائعة يقترفها المعلّمون الجدد في إدارتهم الفصل الدراسيّ - وكيفيّة تفاديها

كتب لوري فريزن:

لن أنسى أبدًا لحظةَ قالت لي متطوّعةٌ من أهل الطلّاب في المدرسة: "طلّابك لا يصغون إليك أبدًا، أليس كذلك؟" كنت حينها معلّمةً جديدةً للصفّ الثاني، وأعلم من أعماق قلبي أنّها كانت على حقّ. شحب وجهي حينها، وانتابتني مشاعر الرهبة.

[اشترك]

لا أستطيع إخباركم بعدد المرّات التي شعرت فيها أنّ طلّابي لا يبالون بأمري كلّما طلبت انتباههم.

إليكم ما حصل: لقد عملت مع الآلاف من معلّمي المرحلة الابتدائيّة الجدد لأكثر من عشرين عامًا، وكلّما قاسمتهم قصّتي، شعرت بالارتياح، ارتياحهم لأنّها حدثت مع شخص آخر، وارتياحهم لأنّهم ليسوا بمفردهم.

إن كنتم تواجهون صعوبةً في إدارة الفصل الدراسيّ بوصفكم مدرّسين جددًا، فلستم وحدكم في ذلك. في الواقع، تتصدّر إدارة الفصل الدراسيّ قائمة التحدّيات التي يواجهها المعلّمون الجدد عند أداء وظيفتهم. ومع ذلك، قد تتفاجؤون عندما تعلمون أنّ بالإمكان تفادي بعض التحدّيات الأكثر شيوعًا التي نواجهها بصفتنا مدرّسين جددًا. فلنتطرّق إلى أربعة أخطاء شائعة (يمكن تفاديها) يرتكبها العديد من المعلّمين الجدد:

أولًا: عدم إيلاء الأمور عنايةً كافيةً

قد تكونون ممّن مرّوا بالتجربة. حين بدأت وظيفتي مدرّسةً، شعرت بأنّ طاقتي تبدّدت بالتفكير في ما ينتظرني تعلّمه وفعله. ونتيجةً لذلك، ارتكبت خطأ عدم إيلاء عناية خاصّة لما ينبغي للطلّاب فعله. لم أفكّر فيهم، أو أعلّمهم كيف ينبغي لهم القيام بما أنتظره منهم، وأردت منهم أن يفعلوه (مثلما ينبغي فعله حين أحتاج أن ينتبهوا إليّ).

إليكم حيلةً بسيطةً حتّى لا يحدث لكم هذا: اسألوا أنفسكم عن "طريقة القيام" بكلّ شيء تريدون من طلّابكم فعله على مدار اليوم. على سبيل المثال، إذا كنتم ستعقدون اجتماعًا في قاعة الدرس كلّ صباح على السجّاد، فكيف تعتقدون أنّ الطلّاب سينتقلون إلى السجّاد ويعودون إلى مقاعدهم؟ كيف سيعلِمكم طلّابكم أنّهم بحاجة إلى استخدام دورة المياه؟ كيف سيصطفّ الطلّاب للاستراحة وتناول الغداء؟

ثانيًا: المبالغة في تجريب الاستراتيجيّات

يريد كلٌّ منّا أن يكون المعلّم المفضّل لدى طلّابه، لذلك يغرينا تنفيذ كلّ استراتيجيّة رائعة نجدها على موقع Pinterest لإدارة الفصل الدراسيّ. ومع ذلك، عندما نحاول تنفيذ عدد كبير جدًّا من استراتيجيّات إدارة الفصل الدراسيّ في وقت واحد تصوّروا ClassDojo، وحصّالة حسن السلوك، وحيوانات المكتب الأليفة، وجداول الملصقات الفرديّة، ولوح المكافآت، فقد نحفّز طلّابنا أكثر ممّا ينبغي.

بدلًا من ذلك، نفّذوا استراتيجيّةً واحدةً في كلّ مرّة، وضعوا في حسبانكم، عند اختياركم لها، العناصر الأربعة أدناه. فالاستراتيجيّة ينبغي لها أن تكون:

• - سهلةً بالنسبة إليكم للمواظبة على تطبيقها.

• - بسيطةً ليفهمها طلّابكم.

• - بصريّةً للغاية (بحيث تتذكّرون أنتم وطلّابكم استخدامها).

• - شيئًا يريد طلّابكم فعليًّا استخدامه، يكون قابلًا للتنفيذ. (عليكم بعقد اجتماع الصفّ للوقوف على ذلك).

هذا هو السبب في أنّني أحبّ استخدام استراتيجيّة مرطبان حصّالة حسن السلوك (Caught You Being Good Jars) لبدء العام الدراسيّ. إنّها تفي بالمتطلّبات الأربعة، وتمنحنا بدايةً إيجابيّةً للعام الدراسيّ. بعد ذلك، يمكننا اعتماد استراتيجيّات أخرى لإدارة الصفّ على مدار العام.

ثالثًا: عدم الاتّساق بما فيه الكفاية

قد نعتقد أنّه من السهل ترك الأشياء تحدث بينما يركض "جوش" نحو السجّاد (على الرغم من أنّه كاد يُسقِط "ماتْ" أرضًا). نريد أن يحبّنا طلّابنا، لذلك نحن متردّدون في تحويل عمل "جيسيكا" إلى واجب منزليّ عندما لا تنجزه في الفصل؛ لأنّها كانت تدردش مع زميل لها (وستكون غاضبةً)، ومتردّدون أيضًا بشأن صياغة القاعدة "أصغِ إلى المتحدّث"، التي تحكم فصلنا الدراسيّ، وتطبيقها كما يرغب الطلّاب ويرونها، لأنّنا نعتقد أنّ ذلك سيأخذ الكثير من وقتنا على حساب قواعد التدريس المتعارف عليها.

لكنّ عندما لا يكون الوضع متّسقًا، ومن السهل ألّا يكون كذلك، حين نتّخذ قرارات بناءً على الرغبة في الحصول على إعجاب طلّابنا، أو لأنّنا نستسلم لضغوطات الوقت الخارجيّة، فلن نفلح في توفير مساحة يشعر فيها طلّابنا بالأمان والاحترام. عوض ذلك، من الضروريّ تخصيص وقت لصياغة إجراءات وتوقّعات واضحة في الأسابيع الأولى من الدراسة، والعمل على تطبيقها. عندما نمنح أنفسنا المهلة، والمساحة للتقدّم برويّة في بداية العام الدراسيّ لنعلّم طلّابنا كيف يبدو اللطف والاحترام في قاعة الدرس، سنجد أنّه من السهل جدًّا المحافظة على الاتّساق في توقّعاتنا على مدار العام.

رابعًا: الاعتقاد بنجاح تطبيق الاستراتيجيّة نفسها طوال العام

هل سبق لكم أن نفّذتم، لإدارة فصلكم الدراسيّ، استراتيجيّةً رائعةً استجاب لها طلّابكم بصورة إيجابيّة، واكتشفتم، بعد شهر، أنّها لم تعد مجديةً؟ هذا لأنّنا بحاجة إلى التحلّي بالمرونة والقدرة على الاستجابة، وتعديل الأشياء حين لا تفي الاستراتيجيّة بالغرض.

على سبيل المثال، احرصوا على التنويع من خلال وضع طلّابكم أمام تحدٍّ كلّ أسبوع. اعرضوا عليهم صورةً لمكافأة صفّيّة غير مكشوفة، مغطّاة بتسع قصاصات لاصقة. في كلّ مرّة تلاحظون طلّابكم يظهرون اللطف، أو يؤدّون عملهم على أفضل وجه، أو يحترمون إجراءات الفصل الدراسيّ، ادعوا طالبًا لإزالة قصاصة لاصقة، وهكذا حتّى تنكشف المكافأة ويكسبها الصفّ! أو اجعلوا الطلّاب يتنافسون في مجموعات، بشكل دوريّ، للحصول على مكافأة صفّيّة. أحد الأشياء المفضّلة لديّ في الشتاء هو عرض خمسة أكواب (ورقيّة) رائعة من الكاكاو، واحد لكلّ مجموعة. المجموعة الأولى التي تكسب عشر قطع من المارشملو تكسب تناول الشوكولاتة الساخنة مع المعلّم في أثناء وقت القراءة الصامتة يوم الجمعة!

آمل أن تنفعكم هذه الأفكار حين تفكّرون باستراتيجيّات إدارة الفصل الدراسيّ لاستخدامها في صفّكم هذا العام.


منهجيات

2021/11/08

ثلاث ثغرات في إدارة التعلّم: أيقظوا شغف الطالب!

كتب عدنان مرشد:

الثغرة الأولى: التّركيز على فرص التعلّم وإهمال نقاط القوّة الداخليّة (إهمال شغف الدراسة والرغبة المشتعلة للتعلّم).

[اشترك]

ينبغي أن يكون غرس ثقافة حُبّ القراءة لدى المتعلّمين من الروضة وحتى شهادة البكالوريوس، وإيقاظ شغف الدراسة وحبهم للمدرسة والمعلّم والكتاب هدفًا رئيسيًّا للوزارات التعليميّة والمدارس والمعاهد الفنّيّة والتقنيّة والجامعات، كما يجب أن يكون تفعيل وتجديد الرغبة المُشتعلة للتعلّم لدى المُتعلّم هدفًا رئيسيًّا للمُعلّم والمدرب وأستاذ الجامعة في كل لقاءٍ دراسيّ، فهذا الشغف والحبّ والرغبة المشتعلة هي نقطة القوّة الداخليّة للتعلُّم ذو المعنى (روح التعلّم)، وبدونها يصبح التعليم والتعلّم إسقاط واجب ليس إلّا.

الثغرة الثانية: سيادة مفهوم التعلّم لأجل التعلّم والاختبار على المفهوم العصريّ للتعلّم

ينبغي بل يجب على المعلّم والمدرّب والأستاذ الانتقال من مفهوم التعلّم لأجل التعلّم وحلّ الاختبارات، إلى مفهوم التعلُّم للإنتاج، التعلُّم للعمل، التعلُّم للمهنةِ والحياة، التعلُّم لتوظيف الخبرات بما يلبّي احتياجات الجيل، واحتياجات المُجتمع، واحتياجات قطاعات التنمية، واحتياجات سوق العمل.

والمثال على ذلك، لو أنّ ثلاثة ملايّين شابّ عربيّ يدرسون قوانين كيرتشوف الفيزيائيّة، لو سألناهم: ماذا يعني لكم دراسة قوانين كيرتشوف؟ سيردّ مُعظمهم: لقد فهمنا الشرح وحفظنا القوانين وطبّقنا بحلّ مسائل، وسوف نُجيب على أيّ سؤال من الدرس قد يأتي ضمن الاختبار. وهذا مفهوم تقليديّ، بينما يفترض على المُعلّم بهذا الدرس: غرس فكرة في عقل المتعلّم أنه بعد دراسة قوانين كيرتشوف يمكنه تحليل الدّوائر الكهربائيّة في أي جهاز على الواقع، ومعرفة كيف تتوزع التيارات والجهود في تفرّعات دائرة الجهاز، وكيف يحصل كل عنصر إلكترونيّ داخل الجهاز على التيّار والجهد، وكيف يُحسب التيّار والجهد لكلّ فرع ولكلّ عنصر وكيف يقيس ويتدرب المتعلّم حتى يصبح بإمكانه تكوين دوائر كهربائيّة في المعمل، وإذا تعمق أكثر وأكثر يصبح بإمكانه اختراع دوائر كهربائيّة، التعلُّم بالمشروع- المعامل، فدراسة قوانين كيرتشوف بناءً على هذا المفهوم العصريّ سيفتح في عقول ملايين المتعلّمين آفاقًا خصبة للإنتاج والإبداع والابتكار والاختراع.

هذا التعلّم يُشبع حاجات المتعلّم وميوله الفطريّة، الأمر الذي يضيف للمتعلّم شغفًا دراسيًّا غير عاديّ ورغبة مشتعلة غير عاديّة للتعلّم وحبّ كبير للدراسة والمدرسة والمعلّم، وهكذا في أيّ درس سواء في الفيزياء أو المقرّرات الأخرى.

الثغرة الثالثة: التقويم التقليديّ- أداة لإحباط معنويات المُتعلّم

الهدف من التعليم هو "التحصيل الممتاز"، والهدف من التقويم هو قياس التحصيل والقيام بتغذية راجعة تعالج نقاط الضعف وتعزّز نقاط القوة، لكن في مؤسّساتنا التعليميّة، تعامُلنا مع التقويم كواحد من مناسك التدريس نمارسه كعادة وليس كتوجّه هادف خلّاق، على سبيل المثال:

نختبر المتعلّم في الامتحان الشهريّ ويحصل على درجة (5/20) وهو تحصيل متدني. السّؤال هو ما يحصل بعد هذا الاختبار، وفي الغالب لا يحصل شيء، لا تغذية راجعة ولا معالجة نقاط الضّعف، ويبدأ معظم المُعلّمين الحصّة التّالية بدرسٍ جديدٍ. وهي صيرورة تستمرّ إذ لم يشعر الطّالب باهتمامٍ ولم تتمّ مُعالجة نقاط ضعفه وتقديم تغذية راجعة له، فيزيد في اهمالهِ وتبقى درجاته متدنّية. وبعد صراع الطّالب الطّويل مع الإحباط يتحمّل المسؤوليّة بنفسهِ فيجتهد ويذاكر ويبحث عن شخص يساعده، ويقدّم إجابةً نموذجيّة. رغم النّهاية الجيّدة للطّالب إلّا أنّ مواجهته لكلّ هذا الإحباط وعدم حصوله على تغذية راجعة قد ساهم في إضعاف معنويّاته وثقتهِ بنفسه.

إنّ غياب التقويم البديل أو ما يسمى بالتقويم الحقيقيّ لدى السواد الأعظم من المعلّمين، يأتي على حساب أهمّ فئة طلابية يجب رعايتهم وتشجيعهم وتمكينهم وهم، الموهوبون والمبدعون، فعادة هذه الفئة ليسوا من المتميّزين دراسيًّا، لكنهم مبدعين وموهوبين، ويتطلب الأمر تقويمًا ذكيًّا لا يعتمد على الاختبارات التحريريّة كمصدر رئيسي للتقويم، بل يشمل كل المهارات الحركيّة والعقليّة والتخيّليّة والصّوريّة، حتّى نوفّر لهم مساحةً يبدعون من خلالها.

2021/11/07