هل قاتل الإمام زين العابدين (ع) مع أبيه في كربلاء؟

الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كربلاء، مريضاً، أو موعوكا (1) إلا أنها لم تحدد نوعية المرض ولا سببه، لكن ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله: كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنه كان ألبس درعا، ففضل عنه، فأخذ الفضلة بيده ومزقها (2).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وهذا يشير إلى أن الإمام إنما عرض للمرض وهو على أهبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها، حيث لا يلبس الدرع إلا حينذاك، عادة.

ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب: (ولم يقتل زين العابدين لأن أباه لم يأذن له في الحرب، كان مريضا) (3).

لأن مفروض الأدلة السابقة أن الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أول مرة في القتال وبعد أن ارتث وجرح، فلعل عدم الإذن له في أن يقاتل كان في المرة الثانية وهو في حال المرض والجراحة.

ولو فرض كونه مريضا منذ البداية فالأدلة التي سردناها تدل بوضوح على مشاركته في بعض القتال.

فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي:

أولا: حمله السلاح - وهو مريض - ودخوله المعركة، إلى أن يجرح، يحتوي على مدلول بطولي كبير، أكبر من مجرد حمل السلاح!

فلو كان حمل السلاح واجبا على الأصحاء، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنص القرآن، لكن ليس حراما عليهم ذلك، إذا وجدوا همة تمكنهم من أداء دور فيه.

ثانيا: إن وجود علي بن الحسين عليه السلام، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام، في أرض كربلاء، حيث ساحة النضال المستميت، وميدان التضحية والفداء، وحيث كان الإمام الحسين عليه السلام يسمح لكل من حوله - وحتى أولاده وأهل بيته - بالانصراف، ويجعلهم في حل، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة فيما قام به أبوه.

قال الإمام السجاد عليه السلام: لما جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء، دنوت لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول: ... أما بعد، فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا..

ألا، وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا (٤).

ففي ذلك الظرف، لا دور - إذن - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالمعنى الفقهي، لأن الأخطار المحدقة كانت ملموسة، ومتيقنة ومتفاقمة للغاية، تفوق حد التحمل.

وقد أدرك ذلك كل من اطلع على أحداث ذلك العصر، قبل اتجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق، ممن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكة وإلى كربلاء، ومن أولاده وأهل بيته خاصة؟ الذين لا تخفى عليهم جزئيات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفي للإمام، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومن معه! حتى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع، أو ليلة عاشوراء؟

فلقد عرف من بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، بأن ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءً وتضحية، لحاجة الإسلام إلى إثارة، والثورة إلى فتيل ووقود، واليقظة إلى جرس ورنين، والنهضة إلى عماد وسناد، والقيام إلى قائد ورائد، والحياة الحرة الكريمة إلى روح ودم.

والإمام الحسين عليه السلام قد تهيأ ليبذل مهجته في سبيل كل هذه الأسباب لتكوين كل تلك المسببات.

ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على علي بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال، وقد بلغ ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما لأبيه الشهيد منذ البداية، وحتى النهاية.

فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلا كافيا على روح النضال مع بطولة فذة، تمتع بها أولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام.

ثم هو - كما تقول تلك الرواية - قد شهر السلاح، وقاتل بالسيف، حتى أثخن بالجراح، وأخرج من المعركة وقد ارتث.

وإذا كانت هذه الرواية - بالذات - زيدية، فمعنى ذلك تمامية الحجة على من ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال.

ثالثا: مضافا إلى أن حامل هذه الروح، قبل كربلاء، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كربلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته، وما جرى عليهم من مصائب وآلام، وما أريق من تلك الدماء الطاهرة.

أو يسكت، ولا يتصدى للثأر لأبيه، وهو ثار الله، مع أنه لم ينسهم لحظة من حياته.

فكيف يستسلم مثله، ويهدأ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هدرا؟ إذ لم يبق من يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره.

فإذا كان - كما يقول البعض: - (مصرع الحسين عليه السلام في كربلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدى إلى بلورة جماعة الشيعة، وظهورها كفرقة متميزة ذات مبادئ سياسية وصبغة دينية (أكثر وضوحا وتميزا مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله).

وكان لمأساة أثرها في نمو روح الشيعة وازدياد أنصارها، وظهرت جماعة الشيعة، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام، كجماعة منظمة، تربطها روابط سياسية متينة) (٥).

فكيف لا تؤثر هذه المأساة في ابن الحسين، وصاحب ثأره، والوحيد الباقي من ذريته، والوريث لزعامته بين الشيعة، ولا تزيد نمو الروح السياسية عنده؟

وكيف تجمع هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية، ولكن تبعد علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة؟!

وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم، وارث صاحب الثورة وصاحب الحق المهدور؟

أليس في الحكم بذلك تعنت وجور؟

*مقتطق من كتاب جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي

 

الهوامش:

(1) الإرشاد للمفيد (ص 231) شرح الأخبار (3: 250) وسير أعلام النبلاء (4: 486).

(2) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب (المقتل) في مناقب آل أبي طالب (3 / 284) وفي ط دار الأضواء (4 / 155) ونقله في العوالم (ص 32).

(3) مناقب ابن شهرآشوب (دار الأضواء) (4 / 122).

(٤) الإرشاد للمفيد (ص 231).

(٥) جهاد الشيعة، لليثي (ص 27)