لماذا حرّم الله ’حلق اللحية’؟!

يخلط البعض بين علل الأحكام الشرعية وبين الحِكمة منها، فالعلة إذا كانت منصوصة ومقطوعة يناط بها الحكم وجوداً وعدماً، ولذا عرفت العلة بمناط الحكم أو الوصف الظاهر المنضبط المعرّف للحكم.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أما الحِكمة فهي ما يترتب على الحكم من آثار مثل جلب المصلحة ودفع المفسدة، ولذا عرفت الحِكمة بالمصلحة التي قصدها الشارع من تشريع الحكم، ولذلك لا تكون الحِكمة صالحة لتعليل الحكم الشرعي ولا يستند عليها في رفع الحكم أو وضعه أو تعتديه إلى مورد أخر، ومن هنا معرفة الحِكمة أو عدم معرفتها لا يؤثر في التزام المكلف بالحكم الشرعي، فالأحكام الشرعية أحكام توقيفية تستند على النصوص الشرعية، وبما أن المؤمن مسلّم بحجية هذه النصوص ومعتقد بكونها لا تأمر أو تنهى إلا بما فيه مصلحة أو مفسدة واقعية فيجب عليه حينها الالتزام بها حتى لو لم يقف بنفسه على تلك المصالح والمفاسد الواقعية.

وعلى ذلك يجب إعادة صياغة السؤال فبدل أن يكون السؤال عن العلة يجب أن يكون السؤال عن الحِكمة؛ وذلك لأن العلة لا سبيل لمعرفتها إلا إخبار الشارع عنها، أما الحِكمة فيمكن الاجتهاد في معرفتها إلا أنها سوف تظل خاضعة لتقديرات المجتهد، ومن هنا لا تكون مؤثرة على أصل ثبوت الحكم الشرعي.

وما يختص بالحِكمة من حرمة حلق اللحية فقد إشارات بعض الروايات إلى ذلك مثل الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم، وأمّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة)، وكذلك عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حفّوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تشبهوا بالمجوس)، وعليه إذا كانت الحرمة ثابتة ثم انتفت الحِكمة في أي زمن من الأزمان لا يمكن التخلي عن الحرمة، وذلك لأن الحِكمة لا تقوم مقام العلة للحكم كما بينا.

أما ما يخص ثبوت حرمة حلق اللحية، فقد ناقشها السيد الخوئي في مصباح الفقاهة في المعاملات باب المكاسب المحرمة، وناقش في تمامية الكثير من الأدلة التي يعتمد عليها في الحرمة، ولم يقوي منها إلا وجهاً واحداً، حيث قال: (الوجه السابع ـ وهو العمدة: صحيحة البزنطي الدالّة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه. وتدل على ذلك أيضاً السيرة القطعية بين المتديّنين المتّصلة إلى زمان النبي (صلّى الله عليه وآله)، فإنّهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمّون حالقها، بل يعاملونه معاملة الفسّاق في الأمور التي تعتبر فيها العدالة. 

ويؤيّد ما ذكرناه دعوى الإجماع عليه كما في كلمات جملة من الأعلام، وعدم نقلهم الخلاف في المقام من الشيعة والسنّة، كما هو كذلك، والله العالم.. وموضوع حرمة حلق اللحية هو إعدامها، وعليه فلا يفرق في ذلك بين الحلق والنتف وغيرهما ممّا يوجب إزالة الشعر عن اللحية. أمّا مقدار اللحية في جانب القلّة فلم يرد في تحديده نص خاصّ، فالمدار في ذلك هو الصدق العرفي، وعلى هذا فإذا أُخذت بمثل المكينة والمقراض أو غيرهما بحيث لم تصدق اللحية على الباقي كان حراماً).