هل يشترط الإيمان في المفتي؟

الشيخ حيدر السندي
زيارات:556
مشاركة
A+ A A-
حول ما انتشر من مقطع لبعض المتحدثين من عدم اعتبار  الإيمان في مرجع التقليد ورد من بعض المشايخ الأفاضل السؤال التالي : ما هو الجواب المناسب لهذه الشبهة؟

الجواب: شيخنا العزيز  ما في المقطع  مجرد دعوى لا شبهة ، ولا يعرف الوجه الذي جعل المتحدث فيه ينتهي إلى هذه النتيجة ، و الحكم على الوجه الذي اعتمد عليه فرع تصوره ، ولم نتصوره ، لهذا سوف اتعرض لوجهة النظر المقابلة لوقوفي على دليلها  ، فقد  ادعى اعتبار الإيمان في المفتي الذي يصح العمل بفتواه ، وذكر لذلك  أدلة من أقواها  :

١- ما دل على أن غير المؤمن  ضال متحير ، وهذا يدل على عدم جواز اتباعه عرفاً ، إذ  لا نتوقع من الله أن يعبدنا بالاستناد إلى رأي  من حكم عليه بالضلال ، ولعل هذا هو مراد الشيخ الوحيد ( حفظه الله ) لما استدل برواية محمد بن مسلم :  ( كل من دان الله …ولا إمام له … فهو ضال متحير والله شانيء لأعماله )، ومن عمله الاستنباط و إصدار الفتوى .

٢- قوله تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا }  فإن الاتباع في طاعة الله تعالى مصداق عرفاً للركون ، و المخالف المقصر دون القاصر مصداق للظالم ، و بالقول بعدم الفصل يعمم لغير المقصر ، وإذا لم يتم التعميم ثبت الاشتراط في الجملة .

٣- دعوى  وجود سيرة بين أصحاب الديانات والمذاهب على عدم أخذ معالم دينهم من الكافر والمخالف في الذهب ، فالسيرة التي لا تشترط الإيمان في غير شؤون الدين ، وفيها لا توجد سيرة ، بل السيرة على العدم ، ويكفي التشكيك فيما إذا كانت النصوص اللفظية مجرد إمضائية ؛ إذ يقتصر في السيرة على القدر المتيقن كما قرر في الأصول .

٤- احتمال وجود مرتكز متشرعي معاصر لصدور إطلاقات جواز التقليد ،  وقد استند إليه الشارع في بيان جواز التقليد ، و يؤيد ذلك وجود روايات أخذت الإيمان في القاضي والمعلوم كما في ما رواه الكليني عن أبي خديجة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضائنا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه.

وعن علي بن سويد السايي  قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه السلام) وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين، …).

وعن عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) - أسأله عمن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضا بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.

ونحن إنما نذكر الروايات  لتقريب وجود احتمال   الارتكاز بنحو عقلائي ، فلا يسع التمسك بالإطلاق لاحتمال قرينة متصلة ، وهي الارتكاز ، و الارتكازات لا تدفع بالأصالات ، كما ذكر الشهيد الصدر ( رحمه الله ) في بحث قاعدة ( لا ضرر).

و في تصوري من لاحظ هذه الأدلة وغيرها فأقل ما ينبغي منه أن يحتاط و يتوقف عن الحكم يجوز التقليد مطلقاً بدون شرط الإيمان ، خصوصاً في موارد مخالفة غير المؤمن للفقيه المؤمن ، وكان المؤمن يفتي بالإلزام  وغير المؤمن بالجواز ، كما لا يفوتني أن أذكر أمراً في الختام ، وهو أن ما ذكره المتحدث يختلف عن نظرية (جواز التعبد بجميع الأديان) التي نودي بها مؤخراً.

مواضيع مختارة