إذْ نبّه هناك على أنّ بعض العلماء ذهب إلى أن المختار بن أبي عبيدة لم يكن حسن العقيدة، وكان مستحقا لدخول النار، وبذلك يدخل جهنم، ولكنه يخرج منها بشفاعة الحسين عليه السلام، ومال إلى هذا القول شيخنا المجلسي - قدس الله نفسه - وجعله وجها للجمع بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب. البحار: باب أحوال المختار 49، من المجلد 45 من الطبعة الحديثة، في ذيل حديث 5، الذي حكاه عن السرائر.
واستند القائل بذلك إلى روايتين ، الأولى : ما رواه الشيخ بإسناده ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن أحمد بن أبي قتادة ، عن أحمد بن هلال ، عن أمية بن علي القيسي ، عن بعض من رواه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال لي : يجوز النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصراط، يتلوه علي ، ويتلو عليا الحسن ويتلو الحسن الحسين ، فإذا توسطوه نادى المختار الحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله إني طلبت بثأرك فيقول النبي صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام : أجبه فينقض الحسين في النار كأنه عقاب كاسر ، فيخرج المختار حممة ولو شق عن قلبه لوجد حبهما في قلبه . التهذيب: الجزء 1، باب تلقين المحتضرين من الزيادات، الحديث 1528.
وذكر في السرائر عن كتاب أبان بن تغلب ، قال : حدثني جعفر بن إبراهيم بن ناجية الحضرمي ، قال : حدثني زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة بن مهران، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا كان يوم القيامة مر رسول الله صلى الله عليه وآله بشفير النار، وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، فيصيح صائح من النار: يا رسول الله يا رسول الله يا رسول الله أغثني. قال : فلا يجيبه، قال: فينادي يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ثلاثا أغثني، فلا يجيبه، قال: فينادي يا حسن يا حسن يا حسن أغثني، قال فلا يجيبه، قال: فينادي يا حسين يا حسين يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك، قال فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله قد احتج عليك ، قال : فينقض عليه كأنه عقاب كاسر، قال : فيخرجه من النار، قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: من هذا جعلت فداك؟ قال عليه السلام: المختار، قلت له : فلم عذب بالنار وقد فعل ما فعل؟ قال عليه السلام: إنه كان في قلبه منهما شئ، والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق لو أن جبرئيل، وميكائيل، كان في قلبهما شئ لأكبهما الله في النار على وجوههما (انتهى ).
أقول: الروايتان ضعيفتان، أما رواية التهذيب فبالإرسال أولاً، وبأمية بن علي القيسي ثانيا. وأما ما رواه في السرائر فلان جعفر بن إبراهيم الحضرمي لم تثبت وثاقته، على أن رواية أبان عنه وروايته عن زرعة عجيبة، فإن جعفر بن إبراهيم إن كان هو الذي عده الشيخ من أصحاب الرضا عليه السلام فلا يمكن رواية أبان عنه وإن كان هو الذي عده البرقي من أصحاب الباقر عليها السلام فروايته عن زرعة عجيبة، وقد أشرنا في ترجمة محمد بن إدريس، إلى أن كتاب ابن إدريس فيه تخليط.
هذا وقد قال ابن داود فيما تقدم منه (478) بعد ما ذكر روايات المدح وما روي فيه (المختار) مما ينافي ذلك: قال الكشي: نسبته إلى وضع العامة أشبه. انتهى.
أقول : ما نسبه ابن داود إلى الكشي ، لم نجده في اختيار الكشي ، ولعل نسخة أصل الكشي كان عنده ، وكان هذا مذكورا فيه ، وقد ذكرنا أنه مضافا إلى ضعف إسناد الروايات الذامة ، يمكن حملها على صدورها عن المعصوم تقية، ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت سلام الله عليهم بقتله قتلة الحسين عليه السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت عليهم السلام يستحق بها الجزاء من قبلهم ، أفهل يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت ( ع ) يغضون النظر عن ذلك ، وهم معدن الكرم والاحسان ، وهذا محمد بن الحنفية بين ما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب على المختار (في تأخير قتله عمر بن سعد ) فما تم كلامه، إلا والرأسان عنده فخر ساجدا ، وبسط كفيه وقال: اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار أجزه عن أهل بيت نبيك محمد خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب. البحار: باب أحوال المختار من المجلد 45، من الطبعة الحديثة، المرتبة الرابعة مما حكاها عن رسالة شرح الثأر لابن نما في ذكر مقتل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد. (انتهى كلام السيد الخوئيّ).
ومن أراد التفصيل فعليه بكتاب المختار بن أبي عبيد الثقفيّ للشيخ باسم الحليّ من إصدارات العتبة الحسينيّة المقدّسة ففيه تفصيل وتوضيح لكثير من الأمور الملتبسة.