من السرير إلى المنصب.. هل يستدل بـ ’المنامات’ على الإمامة؟!

هل الاستخارة والمنامات دليل على الإمامة؟

الجواب:

لا يخفى أنّ الإمامة من أصول العقائد وكبريات المعارف التي يجب تحصيلها بالعلم واليقين لا بالظنّ؛ إذ أنّ سلوك طريق الظنّ في تحصيل الأصول مظنّة للضرر الأخرويّ الذي يلزم دفعه بحكم العقل أو الفطرة، مع تسالم العقلاء على لزوم دفعه.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فينتج عن هذا: لزوم تحصيل الأصول الاعتقادية عن طريق العلم واليقين، ولا يكفي الظنّ لتحصيل المؤمّن الأخرويّ من العقاب والعذاب.

ومعرفة الإمام وتشخيصه يجب أن يكون بالوسائل المفيدة للعلم واليقين: (منها): تعيين الحجّة الإلهيّة للإمام اللاحق بعينه وشخصه، بمعنى تنصيصه عليه باسمه مع تطبيق ذلك عليه، بحيث لا يُتصوّر اللبس والوهم في المنصوص عليه. (ومنها): اختبار مدّعي الإمامة وامتحانه بالمسائل العويصة والأمور العظيمة، ففي الرواية: «إن ادّعى مدّعٍ فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله»، فلا يُسأل إلا عن مشكلات العلوم ومستعصيات المسائل التي لا يجيب فيها إلّا مَن كان حجّة إلهيّة. (ومنها): المعجزة وهي الفعل الخارق للعادة الذي يصدر على يد صاحب المنصب الإلهيّ في وقت التحدي ولا يستطيع أحدٌ الإتيان بمثله. وهذا القيد الأخير لإخراج السحر؛ إذ السحر أيضاً فعل خارق للعادة ولكن يمكن الإتيان بمثله، ويستحسن التنبيه على أنّه لو كان الفعل الخارق مقروناً بدعوى باطلة في نفسها ـ كما لو ادّعى شخص أنّه نبيّ في هذا الزمان، أو إمام ثالث عشر ـ فهو ليس معجزاً بلا شك ولا ريب، ولو أتى بألف خارق للعادة فلا نسمّيه إلّا دجّالاً من الدجّالين. (ومنها): العلم اللدنيّ الإفاضيّ الذي يكون من الله تعالى لا الكسبيّ الذي يحصل بالإحساس والتجربة ونحوها، كعدم المحدوديّة والعلم بالمغيّبات واللغات ونحوها ممّا لا يكون بالكسب والتعلّم. وغيرها من الوسائل التي ورد التنصيص عليها من المعصومين (عليهم السلام) في كيفية معرفة الإمام.

إذا عرفتَ هذا، نقول:

أمّا الاستخارة: فلا شكّ ولا ريب أنّها ليست من الوسائل التي يُعرف بها الإمام والحجّة الإلهيّة؛ لأمور كثيرة، نذكر بعضها:

الأوّل: إنّ مورد الاستخارة ومحلّ إعمالها هو المباحات والموارد التي لم يحدّد الشارع المسار والوظيفة فيها، وأمّا الموارد التي حدّد الوظيفة فيها فلا مجال للاستخارة فيها، فلا تجري مثلاً في باب القضاء وفصل الخصومات بأن يكتفي القاضي بأن يستخير وينهي القضيّة إذ يلزم حينئذٍ إلغاء البيّنات والأيمان التي جعلها الشارع وظيفةً لفصل الخصومات، أو الطهارة بأن يستخير لتشخيص العين النجسة، أو الأطعمة والأشربة بأن يستخير لتشخيص المحلّل من المحرّم، أو الهلال بأن يستخير لتشخيص أول الشهر، أو الاجتهاد والتقليد بأن يستخير لتشخيص المرجع، وهكذا في سائر الأبواب الفقهيّة التي في مسائلها تشويش في مقام التطبيق والمصداق. فمن الواضح أنّه لا يقول عاقل باللجوء إلى الاستخارة لتشخيص المصداق في هذه الأبواب الفقهيّة، فضلاً عن المسائل الاعتقادية التي هي أجلّ وأخطر من المسائل الفقهيّة، بأن يشخّص الحجّة الإلهيّة نبيّاً أو إماماً بالاستخارة، فلا أحدَ مثلاً يستخير لمعرفة حقّانيّة نبيّنا الخاتم (صلى الله عليه وآله) أو حقّانية نبوة النبي عيسى (عليه السلام)، فمن الواضح أنّ مثل هذا الكلام لا يفوه به المخابيل والمجانين أصلاً.

الثاني: إنّ الاستخارة لا تورث القطع واليقين، بل غاية ما تفيده هو الظنّ، وقد تقدّمت الإشارة إلى عدم جواز الركون إلى الظن لإثبات مثل قضية الإمامة التي هي من القضايا اليقينيّة.

الثالث: الاستخارة ليست وسيلة شرعية لإثبات الأحكام الشرعيّة، أصولية كانت أو فرعية، فلا يمكن الاستدلال على حكم شرعيّ بالاستخارة، بأن يستخير أنّ الطعام الفلاني حلال شرعاً أو لا فيستخير، أو أن وظيفته الفعلية قصر الصلاة أو إتمامها فيستخير. ثم هي ليست وسيلة لمعرفة الإمام المعصوم وتمييز الحجّة الإلهيّة، فقد ذكر الأئمّة (عليهم السلام) طرقاً لمعرفة الإمام وتشخيصه من النصّ والتنصيص والمعجزة والعلم ونحوها ـ وقد تقدّمت إليها الإشارة ـ، وليس من ضمنها الاستخارة، فهي وسيلة غير معتبرة شرعاً.

الرابع: لا يخفى أنّ الاستخارة تارة تكون مصيبة وأخرى غير مصيبة؛ لأنّ الاستخارة عبارة عن دعاء لطلب الخير، والدعاء قد يُستجاب وقد لا يُستجاب، وما أكثر الدعوات التي لا تُستجاب، وما أكثر الاستخارات غير المصيبة، فلا ضمانة لكون الاستخارة مصيبة للواقع ومطابقة لها، فإذا كان الأمر هكذا فكيف يمكن جعلها معياراً لتمييز الحقّ من الباطل وبناء الدار الآخرة برمّتها عليها!

الخامس: لو كانت الدعوى باطلة في نفسها بالقطع واليقين، فلا ينفعها شيء، مثلاً: لقد ثبت عندنا يقيناً وضرورةً أنّ الله تعالى واحد أحد لا شريك له، فلو جاءنا كائن وادّعى أنّه شريك الباري، وصدرت عنه مئات الخوارق للعادة، فإنّا لا نقول عنه إلّا دجّال كبير؛ لأنّ الدعوى في نفسها باطلة وغير قابلة للتصديق والبرهنة، وجميع هذه الخوارق وأشباهها لا تدلّ إلّا على شدّة ضلاله وعظم دجله. وهكذا الحال في النبوة فقد ثبت عندنا يقيناً وضرورةً أنّ النبوة خُتمت بنبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فلو جاء أيُّ مدعٍ للنبوة بعده فيُضرب بدعواه عرض الجدار فوراً بلا تلكؤ وتريّث، ولو جاء بألف خارق للعادة إذ ما هي إلا سحر وشعبذة. وهكذا الحال في الإمامة، فقد ثبت عندنا يقيناً وضرورةً أنّ الأئمّة محصورون في الاثني عشر، فلو جاء مدعٍ للإمامة بأن يكون الثالث عشر فما هو إلا دجّال كذّاب ولو جاء بألف خارق وتوافرت ألف استخارة تفيد صدقه. وهكذا الحال في السفارة، فقد ثبت عندنا يقيناً وضرورةً أن النيابة الخاصّة انحصرت في الأربعة، فلو جاء شخص يدّعي السفارة والنيابة الخاصة فهو دجال منمّس كائناً مَن كان.

أمّا المنامات والرؤى: فلا ريب أنّ المنامات والرؤى ليست كواشف معتبرة لإثبات المسائل الدينية لأمور كثيرة، من جملتها:

الأوّل: إنّ طبيعة المنامات لا تفيد اليقين والعلم، بل تفيد الظنّ، وقد تقدّمت الإشارة إلى عدم جواز الركون إلى الظن لإثبات مثل قضية الإمامة التي هي من القضايا اليقينيّة.

الثاني: أنّ المنامات أنواع: رحمانيّة وشيطانيّة ونفسانيّة ومشتبهات بينها، فلا ضمانة لإحراز أنّ هذا المنام رحمانيّ صادق وليس شيطانيّاً أو نفسانيّاً كاذباً أو مختلطاً من الأنواع الثلاثة، ومع عدم الضمان كيف تُبنى عليها عقيدة كبرى يترتّب عليها النجاة الأخرويّة؟! نعم، رؤى المعصومين (عليهم السلام) حجّة؛ باعتبار أنّ الشيطان لا سلطان له عليهم ولا يخطؤون في تفسيرها لأنهم معصومون.

الثالث: أنّ طبيعة المنامات الصادقة أنّها منبّهات لا أكثر، فهي تبشر الإنسان بالخير أو تنذره من الشر، فهي من الأمور التي يستأنس بها الإنسان لا أنّها تعتبر أدلة وبراهين يُبنى عليها الدار الآخرة.

الرابع: أن المنامات ليست من الوسائل المعتبرة لدى الشارع، فلا يترتب عليها إثبات حكم شرعي أصلي أو فرعي، فلا يُبنى على صحة دين أو عقيدة أو حكم شرعي بسبب منام... وقد روى الشيخ الكليني في [الكافي ج6 ص636] بإسناده عن ابن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال: ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت: جعلت فداك، في ماذا؟ فقال: في أذانهم وركوعهم وسجودهم، فقلت: إنهم يقولون إن أبيَّ بن كعب رآه في المنام، فقال: كذبوا، فإن دين الله (عزّ وجلّ) أعزّ من أن يُرى في النوم»، وهي واضحة الدلالة على ان المنام ليس مدركاً معتبراً عند الشارع لإثبات الأحكام الشرعيّة.

الخامس: أنّ الظواهر كاشفة عن المراد وهي حجة معتبرة في حال اليقظة كما تقرّر في علم الأصول، أما الظواهر في المنامات الصادقة فليست كذلك؛ إذ المنامات بحاجة إلى تفسير وتأويل ولا تجري على ظواهرها، بل كثيراً ما تفسّر بضدّها أيضاً، ولهذا لم تُحمل الكواكب والشمس والقمر في رؤيا يوسف (عليه السلام) على ظواهرها، وهي هذه الكواكب وهذه الشمس وهذه القمر في مجموعتنا الشمسيّة، فيما حكاه الله تعالى في كتابه الكريم: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)، بل يراد بالنيّرين أبويه وبالكواكب إخوته. وهذه قضية واضحة ويدركها كلّ عاقل، وأوضح شاهد هي تعبيرات كتب المعمولة لتفسير الأحلام، فإنّها تفّسر الرؤى بأشياء أجنبية تماماً عنها. ثم هي غير مقرّرة بقواعد معينة يمكن ضبطها وتقنينها، بل الشيء الواحد يختلف تفسيره باختلاف الأشخاص والأمكنة والأزمنة والحالات والأوضاع وملابسات المنامات.

وبهذا يتضح: أنّه حتى لو أُحرز صدق المنام، وهو متعسّر بل متعذّر لعامة الناس، فلا يمكن لهم إحراز صحة تفسيرها وتأويلها، فكيف يمكن بناء عقيدة كبرى كالإمامة عليها؟! إذ ربما يكون المرئيّ في المنام عظيماً مهيباً ولكنه يُؤوّل بشخص دجّال كبير ذي سطوة.

السادس: أنّ رؤية النبيّ أو الإمام في المنام ليست دليلاً على صحّة المنام وصدقها؛ إذ أنّ الشيطان يمكنه أن يتشكّل بصورةٍ جميلة يوحي ـ من خلال قوله أو فعله ـ للرائي أنّه نبي أو إمام، كما يمكنه أن يتشكّل بصورةٍ يدعي أنه نبي أو إمام للإنسان في حال اليقظة، فنحن الذين لا نعرف الصورة الواقعية للنبي أو الإمام لا يمكننا تمييز صحة الرؤية من كذبها.. قال الشيخ المفيد ـ كما في [كنز الفوائد ص213] ـ: «إذا جاز من بشر أن يدّعي في اليقظة أنّه إله كفرعون ومن جرى مجراه مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع أن يدّعي إبليس عند النائم بوسوسة له أنه نبيّ؟ مع تمكن إبليس ممّا لا يتمكّن منه البشر، وكثرة اللبس المعترض في المنام».

الحاصل: الاستخارات والمنامات لا تفيد يقيناً وعلماً، وطبيعتهما الترجيح والتنبيه لا أكثر، وليسا من الوسائل المعتبرة للإثباتات الشرعيّة فروعاً وأصولاً، وليسا مضموني الصدق والإصابة للواقع، ورؤية شخص يدّعي أنّه نبيّ أو إمام في المنام لا يكشف عن صحّة الرؤية لعدم معرفتنا بالصورة الواقعية للنبي والإمام ليُقاس عليها الصورة المرئيّة في المنام، ولا حجيّة لظواهر الرؤى الصادقة إذ طبيعتها الترميز والتشفير ولا ضمان لصحّة التأويل والتفسير.. ثمّ مع كلّ هذه الإشكاليّات وغيرها كيف يمكن أن يتوهّم أحدٌ إمكانية أن تكون المنام والاستخارة وسيلتين لمعرفة الإمام وتشخيصه؟! خصوصاً إذا كان يدّعي دعوى مخالفة لضروريات الدين والمذهب، من كونه الإمام الثالث عشر، أو أنه النائب الخاص للإمام!"