المؤمن مخلوق من ’طينة الجنة’ والكافر من ’طينة النار’.. هل وقعنا في الجبر؟!

ورد في مضمون الرواية أن الله خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكفار من طينة النار.. ألا تفيد الجبر؟!

إنّ أصل هذه الأخبار قد رواها ثقاتنا وعلمائنا الأعلام في كتبهم المعتبرة، فمنها ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ، (ج ٢/ ص ٣) عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار ، وقال : إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره.

وكذلك ما رواه الشيخ الكليني أيضاً، في (ج ١/ص ٤٨٤) عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفري، عن أبي جعفر عليه السلام ، وعن عقبة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله خلق ، فخلق ما أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة ، وخلق ما أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثم بعثهم في الظلال فقلت : وأي شئ الظلال ؟ قال : ألم تر إلى ظلك في الشمس شئ وليس بشئ ، ثم بعث الله فيهم النبيين يدعونهم إلى الاقرار بالله وهو قوله : "" ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله، ثم دعاهم إلى الاقرار بالنبيين ، فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ، ثم دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله :فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل.

وبيان هذا الأخبار وتوجيهها يكون بما ذهب إليه علماؤنا الأعلام، إذْ إنّهم عرضوا لهذه الأخبار وبيّنوا المراد منها، فذكروا في ذلك مقدمة حاصلها: أنّ الله تعالى لمّا علم أعمال العباد وعقائدهم في الأعيان من الخير والشرّ ، خلق أبدان أهل الخير من طينة الجنّة ، وخلق أبدان أهل الشرّ من طينة النار ؛ ليرجع كلّ إلى ما هو أهل له ولائق به ، وإنّ أعمالهم سبب خلق الأبدان على الوجه المذكور دون العكس ، وإنّ كثيراً من الشبهات يندفع بهذا التقرير.[ينظر: ما ذكره الشيخ رفيع الدين محمد بن محمد مؤمن الجيلاني، في كتابه الذريعة إلى حافظ الشريعة ( شرح أصول الكافي )، (ج ٢، ص ٦٢) نقلاً عن الفاضل الصالح قدس سره :

وقال السيد بدر الدين بن أحمد الحسيني العاملي في الحاشية على أصول الكافي، (ص ٢٨٦) في تعليقه على قوله ( عليه السلام ) : إنّ الله خلق المؤمن من طينة الجنّة ، إلخ. أي جعل الله المؤمن طيب العنصر مستعدّاً للخيرات وامتثال الأوامر واجتناب النواهي وجعل الكافر على خلاف ذلك ، وهذا لا يقتضي الجبر ، فإنّ مجرّد استعداد الشيء للشيء لا يقتضي الصدور عنه ، بل لابدّ من انضمام أمر آخر إليه ، وذلك الأمر هو مناط التكليف ومورد العقاب وسبب العقاب والثواب ، ولا نعني بالاستعداد ما لولاه لم يصدر الشيء عن الشيء ، بل ما يقتضي سهولة الصدور والرغبة في العمل ، فيصير مَثَل المؤمن في صدور التكاليف عنه مَثَل الحجر الملقى من عِلو إلى سفل بعنف حركة بالقسر والطبع معاً ، ومَثَل الكافر مَثَل الحجر الملقى من سفل إلى علو بالقسر وحده ، فإن اشتدّ ذلك الاستعداد بحيث لا تغلب النفس صاحبها على خلاف ما وقع الاستعداد له فذلك هو التأييد بروح القدس وهي العصمة.