ما هو موقف علماء الشيعة من «رزية الخميس»؟!

هل رواية رزية الخميس موجودة في كتبنا الشيعية؟ وما رأي علمائنا؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

بالنسبة للسؤال الأوّل ـ وهو مصادر رواية رزية يوم الخميس بكتب الشيعة ـ فنقول:

تعدّ حادثة رزية الخميس من الحوادث المؤلمة، المعروفة والمشهورة لدى المحدّثين والمؤرّخين، رواها أقطاب المحدّثين وأكابر المؤرّخين من الفريقين، وما توقّف عندها أحد، وقد ذاعت واشتهرت لدرجة استغنت عن ذكر طرقها وأسانيدها.

وقد صرّح بتواتره بعض الأعلام، كالعلّامة المجلسيّ في [بحار الأنوار ج22 ص474] فإنّه قال ـ ذيل روايةٍ نقلها عن أمالي الشيخ المفيد ـ: « خبرُ طلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدواة والكتف، ومنع عمر عن ذلك، مع اختلاف ألفاظه، متواترٌ بالمعنى »، وقال أيضاً في [بحار الأنوار ج30 ص529]: « ما روته العامّة والخاصّة... وقد قدّمنا في باب وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في ذلك أخباراً كثيرة من طرق الخاصّ والعامّ، ولنذكر هنا زائداً على ما تقدم ما يؤيد تلك الأخبار من الجانبين »، والسيّد عبدالحسين شرف الدين فإنّه قال في [المراجعات ص352]: « وحسبك منها رزيّة يوم الخميس، فإنّها من أشهر القضايا، وأكبر الرزايا، أخرجها أصحاب الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافّة، ويكفيك منها ما أخرجه البخاريّ »، وابن أبي الحديد المعتزليّ في [شرح نهج البلاغة ج6 ص51] فإنّه قال: « هذا الحديث قد خرّجه الشيخان؛ محمّد بن إسماعيل البخاريّ ومسلم بن الحجّاج القشيريّ في صحيحيهما، واتّفق المحدّثون كافّة على روايته »، وكلامه ظاهر أنّ كافّة المحدّثين ـ سنّة وشيعة ـ متّفقون على روايته.

والحادثة رواها الشيعة الإماميّة في كتبهم الحديثيّة والتاريخيّة، كما احتجّوا بها في كتبهم الكلاميّة ـ كما سيأتي في جواب السؤال الثاني ـ، وسنذكر الآن بعض مصادر الحديث:

1ـ قال سليم بن قيس الهلاليّ في [كتابه ص211]: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: « يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأمّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إنّ نبي الله يهجر)، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك ». ونقله الشيخ الطبرسيّ في [الاحتجاج ج1 ص210ـ223] عن سليم بن قيس.

2ـ قال الشيخ النعمانيّ في [الغيبة ص84 ب4 ح11]: وبإسناده، عن عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس: « أنّ عليّاً (عليه السلام) قال لطلحة - في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم -: يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأمّة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنّ رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟ قال: بلى قد شهدته ».

وقال النعمانيّ قبلها في [الغيبة ص74 ح8]: « ومن كتاب سليم بن قيس الهلالي: ما رواه أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، ومحمّد بن همّام بن سهيل، وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس الموصليّ، عن رجالهم، عن عبد الرزاق بن همّام، عن معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس. وأخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد، قال: حدّثني أحمد بن عبيد الله بن جعفر بن المعلى الهمدانيّ، قال: حدّثني أبو الحسن عمرو بن جامع بن عمرو بن حرب الكنديّ، قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك ـ شيخ لنا، كوفيّ، ثقة ـ، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن همّام شيخنا، عن معمر، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي. وذكر أبان أنّه سمعه أيضاً عن عمر بن أبي سلمة. قال معمر: وذكر أبو هارون العبديّ أنّه سمعه أيضاً عن عمر بن أبي سلمة، عن سليم ».

3ـ وفي [كتاب سليم ص324]: « أبان بن أبي عيّاش، عن سليم، قال: إنّي كنتُ عند عبد الله بن عبّاس في بيته وعنده رهط من الشيعة، قال: فذكروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وموته، فبكى ابن عبّاس، وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين - وهو اليوم الذي قبض فيه - وحوله أهل بيته وثلاثون رجلاً من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا بعدي. فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال: (إنّ رسول الله يهجر)، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: إنّي أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي؟ فترك الكتف .

قال سليم: ثمّ أقبل عليّ ابن عباس فقال: يا سليم، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضلّ أحد ولا يختلف. فقال رجل من القوم: ومَن ذلك الرجل؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل. فخلوتُ بابن عبّاس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعتُ عليّاً (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنّه عمر. فقال: يا سليم، اكتم إلّا ممّن تثق بهم من إخوانك، فإنّ قلوب هذه الأمة أشربت حبّ هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حبّ العجل والسامري ».

4ـ قال الشيخ المفيد في [الأمالي ص37 م5 ح3]: أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفيّ قال: حدّثنا أبو الحسين العباس بن المغيرة الجوهريّ، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرماديّ قال: حدّثنا أحمد بن صالح، قال: حدّثنا عنبسة، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن العباس، قال: « لمّا حضرت النبيّ (صلى الله عليه وآله) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هلموا أكتب لكم كتاباً، لن تضلّوا بعده أبداً، فقال عمر: لا تأتوه بشيء، فإنّه قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم مَن يقول: قوموا يكتب لكم رسول الله، ومنهم مَن يقول ما قال عمر. فلمّا كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا عني، قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: وكان ابن عباس (رحمه الله) يقول: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ».

5ـ قال الشيخ المفيد في [الإرشاد ج1 ص184]: « فأفاق (عليه وآله السلام) فنظر إليهم، ثمّ قال: أتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً، ثمّ أغمي عليه، فقام بعض مَن حضر يلتمس دواة وكتفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنّه يهجر، فرجع، وندم مَن حضره على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم فقالوا: إنّا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله ».

وبالنسبة للسؤال الثاني ـ وهو موقف علماء الإماميّة من الحادثة ـ فنقول:

قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ الحادثة من الحوادث المعروفة والمشهورة لدى قاطبة المحدّثين والعلماء سنّة وشيعة، وقد اهتمّ علماء الإماميّة (أنار الله برهانهم) بمدلول الحادثة وأبعادها ونتائجها، إذ إنّ القضيّة بمنتهى الخطورة والفظاعة، كيف يُنسَب خير الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله) إلى الهذيان وهو على فراش المرض! ويُمنَع من كتابة الوصية العاصمة من الضلال، ويُدّعى كفاية الكتاب الكريم للأمان من الانحراف ويُعرَض عن السنّة النبويّة؟!

فكان لهذه الحادثة نصيب عند علماء الإماميّة في استدلالاتهم الكلاميّة على المخالفين، وعمدوا إلى نقلها من عمد كتبهم الحديثيّة والتاريخيّة، ليكون الاستدلال أمتن وأقوى؛ باعتبار حجيّة هذه الكتب لديهم، وسنذكر في المقام بعض كلمات علمائنا في كتبهم الكلاميّة:

1ـ الشيخ المتكلّم الفضل بن شاذان في [الإيضاح ص359] ذكر الرواية من طريق الحميديّ عن سفيان عن الأحول عن ابن جبير عن ابن عباس.

2ـ المحدّث المتكلّم محمّد بن جرير الطبريّ الإماميّ في [المسترشد ص553] قال: « وهذا هو الذي يروى عنه، أنه قام بظلم فاطمة (عليها السلام) ، وامتنع أن يحمل الصحيفة والدواة إلى رسول الله، وهو الذي نسبه إلى أنه هجر، ثم قال: حسبنا كتاب الله؛ ردّاً منه على النبيّ ممّا علم من مراده، ولو علم أنّ هذا الامر فيه أو في صاحبه، لبادر بالصحيفة والدواة، وفي قوله: (حسبنا كتاب الله) الكفر بالله؛ لأنّ (جلّ ذكره) يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وفي فعله وردّه ما أمر الرسول به ما هو دليل على ما ذكرناه، والله المستعان ». وقال نحوه في [المسترشد ص680] وساق الرواية من طريق عبد الرزاق الصنعانيّ.

3ـ المتكلّم أبو الفتح الكراجكيّ فإنّه قال في [التعجّب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة ص90]: « وهم الذين قال لهم : "" ائتوني بدواة وكتف ، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي "" ( 6 ) ، فلم يفعلوا ، وقال أحدهم : دعوه فإنه يهجر ، ولم ينكر الباقون عليه ، هذا مع إظهارهم الإسلام ، واختصاصهم بصحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورؤيتهم الآيات ، وقطع أعذارهم بالمعجزات ».

4ـ وقال الشيخ الكفعميّ في [معارج الأفهام إلى علم الكلام ص134] عند إبطال خلافة غير أهل البيت (عليهم السلام): « وقال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه ليهجر، أي يهذي، وذلك لمّا قال (صلى الله عليه وآله): آتوني بدواة وكتف أكتب ما لا تضلّون بعدي، فقال عر: حسبنا كتاب الله، إنّه ليهجر ».

5ـ وقال العلّامة النباطيّ البياضيّ في [الصراط المستقيم ج3 ص3] في مطاعن عمر: « منها: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) طلب دواة وكتفاً ليكتب لهم كتاباً لا يختلفون بعده، وأراد النصّ على عليّ (عليه السلام)، وتوكيد ما قال في حقّه يوم الغدير وغيره، فلمّا أحسّ عمر بذلك منعه، وقال: إنّه يهجر، هذه روايتهم فيه ».

6ـ وقال الحسين بن عبد الصمد العامليّ في [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص72]: « ومنهم من خالف النبي صلى الله عليه وآله بل خالف الله لأنه لا ينطق عن الهوى ، في احضار الدواة والقرطاس ليكتب للمسلمين كتابا "" لن يضلوا بعده أبدا "" ، وشتم النبي ( ص ) حينئذ فقال : دعوه فإنه يهجر . وهذا لا يجوز أن يواجه به المثل لمثله فكيف هذا النبي الكريم ذوا الخلق العظيم . فقد روى ذلك مسلم في صحيحه ، ورواه غيره من أهل النقل ، وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب نبينا ».

7ـ وقال الشهيد القاضي التستريّ في [الصوارم المهرقة ص192]: « قد ثبت مخالفة بعض القوم لرسول الله ص في حال حياته كما نقلوه في صحاحهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه و "" قوله إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب الكتاب ».

8ـ وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في [كشف الغطاء ج1 ص130] عند ذكر مخالفات الثاني: « ومنه: مخالفته للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى في إحضار الدواة والقرطاس ليكتب للمسلمين كتاباً لن يضلَّوا بعده أبداً، فقال: دعوه، فإنّه يهجر، ورواه الأكثر بلفظ: (إنّ الرجل)، وهذا لا يجوز أن يواجه به مثل النبيّ الكريم ذي الخلق العظيم. وقد روى ذلك مسلم في صحيحه، ورواه غيره من أهل النقل. وكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ».

9ـ وقال الشيخ الوحيد الخراسانيّ في [منهاج الصالحين ج1 ص228]: « نقتصر على بعض ما روته الصحاح والمسانيد »، وساق الحادثة من جملة من كتب المخالفين، ثمّ قال: « في هذه القضيّة أمور لا بدّ من التأمّل فيها.. »، وذكر عشر أمور، سلّط فيها الضوء على زوايا مختلفة تتعلّق بالحادثة، ويتبيّن مدى شناعتها وفظاعتها، يستحسن للباحثين مراجعتها والتأمّل فيها.