إذا كان الله رحيماً.. لماذا يعذّب الكافر؟!

كيف تجتمع رحمة الإله الكاملة مع العذاب الأبدي لغير المؤمنين؟ ما فائدة العذاب الخالد للكفار ملايين السنين؟ هل تواصل العذاب يعني أن الله بلا رحمة وعدم استفادته من العذاب يعني أنه غير حكيم؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

للإجابة على هذه الأسئلة لابد من بيان مقدمة بسيطة، وهي أن فلسفة خلق الإنسان وإيجاده ترتكز على مبدئين؛ الأول: أن الله خلق الإنسان ليرحمه. والثاني: أن الله خلق الإنسان للخلود وليس للفناء، وعليه لا يكون الموت والخروج من الدنيا خروج من الوجود إلى الفناء، وإنما هو انتقال من حياة إلى حياة أخرى، والعلاقة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة هي أن حياة الآخرة نتيجة للحياة الدنيا، أي أن طبيعة الحياة في الدنيا هي التي تحدد طبيعة الحياة في الآخرة، بذلك يصبح الإنسان هو المسؤول عن مصيره الأبدي أما خلود في النعيم والرحمة، وأما خلود في العذاب والحرمان، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا خُلِقْنَا وَإِيَّاكُمْ لِلْبَقَاءِ لَا لِلْفَنَاءِ، وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ تُنْقَلُونَ، فَتَزَوَّدُوا لِمَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ وَخَالِدُونَ فِيهِ، وَالسَّلَامُ)، وعليه لا يمكن فهم ما عليه الإنسان في الآخرة من دون أن نفهم ما عليه الإنسان في الدنيا.

ويمكننا أن نجمل القول بإن الله خلق الإنسان للخلود وليس للفناء وخيره أن يختار بنفسه أما الخلود في النعيم وأما الخلود في العذاب، ومنحه فرصة كافية في الدنيا ليتمكن من تحديد أحد المصيرين، ولا حجة لمن يختار الجحيم على النعيم بعد انقضاء فرصة الاختيار، فمن تأصل الخبث في نفسه حتى لو أعيد له الامتحان من جديد فسوف يختار الخلود في النار، قال تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون)، وعليه فأن الإنسان لا يدخل الجنة إلا إذا أراد هو ذلك وعمل لها عملها وحينها تشمله الرحمة، أما الكافر حتى لو فرضنا أن لذنبه مقدار محدد من العذاب فإنه لن يدخل الجنة لأن عذابه كان في قبال ما صنع بيده، أما دخول الجنة فلا يكون إلا في قبال عمل خاص يستوجب دخولها، وهذا ما يفتقده الكافر، فلا يكفي ان يعذب على ذنبه لكي يدخل الجنة طالما ليس له عمل يؤهله لدخولها، والسبيل الوحيد لتحصيل ما يستوجب دخول الجنة هو أن يمنح فرصة أخرى في الدنيا، وهذا ما حكم الله بامتناعه، كما أكدته الآية السابقة بأنه من لم يختار الجنة في فرصة الحياة الدنيا لن يختارها لو أعيدت له الدنيا الف مرة. أما أصحاب الذنوب فبعد أن ينالوا جزاء ذنوبهم يبقى لهم عملهم الذي يستوجب دخول الجنة فيدخلهم الله فيها برحمته.

وإذا رجعنا للآيات التي فيها خلود المؤمن في الجنة وخلود الكافر في النار نجد أن كلها علقت ذلك بعملهم في الدنيا، فمن آيات الخلود في الجنة قوله تعالى: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا)، وقوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم)، وقوله تعالى: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون * أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)، وهكذا بقية الآيات فإن الخلود في الجنة هو نتيجة ما اختاره المؤمن في الدنيا، وهكذا الحال في آيات الخلود في نار جهنم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)، وعليه فإن الإنسان هو الذي يختار خلوده أما في الجنة وأما في النار.

وإذا اتضح ذلك يمكننا الإجابة بشكل سريع على جميع الأسئلة:

السؤال الأول: كيف تجتمع رحمة الإله الكاملة مع العذاب الأبدي لغير المؤمنين؟

أولاً: ليس في العذاب رحمة حتى يجتمعان، فلا يخلد في النار إلا من كان مطروداً من رحمة الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

ثانياً: هناك فرق بين الدنيا والآخرة في ما يتعلق بالرحمة الإلهية، ولذلك فرقوا بين معنى الرحمن ومعنى الرحيم، فالرحمن تعني شمول رحمته في الدنيا لجميع خلقه المؤمن منهم والكافر، أما الرحيم فهي خاصة بالمؤمنين وحدهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة)، وري عنه أيضاً انه قال: (الرحمن اسم خاص لصفة عامة، والرحيم اسم عام لصفة خاصة)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عيسى (عليه السلام) قال: (الرحمن رحمن الدنيا، والرحيم رحيم الآخرة)، وعليه فمن الأساس لا تشمل الرحمة الكافر المخلد في النار وبالتالي لا يمكن أن نسأل عن وجودها أو عن كيفية اجتماعها مع العذاب.

السؤال الثاني: ما الفائدة من الخلود في العذاب؟

السؤال المنطقي هو لماذا يخلد ويعذب الكافر؟، فإذا كانت الإجابة على هذا السؤال واضحة فحينها يكون من غير المنطقي السؤال عن فائدة هذا العذاب؛ وذلك لكونه يمثل الاستحقاق الطبيعي لما فعله الإنسان في الحياة، ويتضح الأمر من خلال ملاحظة العقوبات المترتبة على القوانين، فمثلاً لو كان عدم الالتزام بإشارة المرور يستوجب الغرامة المالية فلا يقال حينها ما الفائدة من الغرامة؟ طالما جعلت اساساً كمقابل لتلك المخالفة، وهكذا الحال في القوانين التكوينية فمن سقط من مكان عالي وكسر رجله فلا يقال ما الفائدة من كسر الرجل؟ طالما كانت هي النتيجة الطبيعة للوقوع من مكان عالي، وعليه فإن السؤال من الأساس غير صحيح حتى يمكن الإجابة عنه

السؤال الثالث: ما فائدة العذاب الخالد للكفار ملايين السنين؟

أولاً: الخلود ليس ملايين السنين وإنما الخلود هو الذي ليس له نهائية.

ثانياً: الله خلق الإنسان للخلود وهو الذي اختار لنفسه الخلود في النار.

ثالثاً: هناك علاقة وسنخية بين طبيعة النفس وبين طبيعة الجنة والنار، فمثلاً لا يمكن أن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر؛ والسبب في ذلك أن طبيعة الكبر لا تنسجم مع طبيعة الجنة، وكذلك الحال في الحسد والحقد وجميع الصفات السيئة، ومن هنا فإن المؤمن الذي لم يزكي نفسه ولم يتخلص من هذه الأمراض فسوف يتم تخليصه منها بدخوله جهنم حتى يتطهر ومن ثم يدخل الجنة، وعليه فإن نفسية الكافر وطبيعته هي طبيعة نارية ولا وجود لأي أمل في تبديل هذه النفسية، ولذلك فإن مصيره الأبدي هو الخلود في النار، ولو أعيد الكافر لهذه الدنيا ألف مرة فإنه لن يتغير قال تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)، والذي يجب الإشارة إليه هو أن دخول الكافر للنار ليس عقوبة اعتبارية يمكن التراجع عنها وإنما هي عقوبة طبيعية، أي هي لازم ذاتي غير خاضع للتغيير أو التبديل، وعليه فإن الكافر هو الذي لم يدع لنفسه فرصة تكون سبباً لخروجه من هذا الجحيم الأبدي.

السؤال الرابع: تواصل العذاب يعني أن الله بلا رحمة وعدم استفادته من العذاب يعني انه غير حكيم.

أجبنا فيما سبق عن الشق الأول وهو أن العذاب والرحمة من الأساس لا يجتمعان فمن عذب ليس بمرحوم بالضرورة، أما الشق الثاني وهو عدم استفادة المولى عز وجل يعني أنه غير حكيم.

فأولاً: الله لا يستفيد من دخول الكافر للنار كما لا يستفيد من دخول المؤمن إلى الجنة.

ثانياً: أن يكون الشيء حكيماً أو ليس بحكيم له علاقة بوجوده ضمن سياق منطقي، وليس للحِكمة علاقة بالمنفعة أو عدم المنفعة فقد تكون بعض التصرفات فيها منفعة ولكنها ليست حِكيمة، فالأهداف والغايات العامة هي التي تحدد كون الشيء حكيم أو ليس بحكيم وليس المنفعة المنظورة، والواضح أن خلود المؤمن في الجنة أو خلود الكافر في النار يقعان ضمن الإطار الذي نفهم فيه فلسفة الحياة ومن دونهما لا يمكن أن تكون للحياة حِكمة.

ثالثاً: خلود الكافر في النار نتيجة طبيعية لعمله ونهائية متوقعة لما كان يفعله في الحياة، والذي يجب مناقشته في إطار الحِكمة هو فعل الكافر في الدنيا هل كان فعلاً حكيماً أم لا؟ أما خلوده في النار فليس إلا محصلة لذلك الفعل غير الحكيم.