هل سجد النبي (ص)على تربة كربلاء؟!

من الأسئلة التي يطرحها المخالفون كثيراً السؤال المرتبط باستحباب السجود على تربة كربلاء، وهو: إذا كان السجود على تربة كربلاء مستحباً فلماذا لم يفعله النبي (صلى الله عليه وآله)؟!

وفي مقام الجواب على هذا السؤال أذكر أموراً:

الأمر الأول: لعل استحباب السجود على التربة الكربلائية من الأحكام التي وجدت مصلحة في تأخير بيانها، فعدنا نحن الشيعة لم يبين الرسول (صلى الله عليه وآله) تمام الأحكام لكل فرد من الأمة، بل له خلفاء، وورثة لعلمه وللكتاب، وهم يبينون ما لم يسع الوقت بيانه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أو تسمع الظروف بحسب مقتضيات مصالح البيان التدريجي للأحكام المشرّعة والتامة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله).

الأمر الثاني: من المحتمل قيام النبي (صلى الله عليه و آله) ببيان الاستحباب، ولكن في زمانه كانت كربلاء بعيدة عن الحجاز ومحكومة بالفرس، فلا يسع جلب التربة منها، وحيث إن السجود مستحب وليس واجباً فلم يكلف النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أو أحداً من المسلمين بجلب التربة.

وهذا نظير ترك المسلمين في زمانه (صلى الله عليه وآله) شد الرحال إلى المسجد الأقصى مع استحباب الصلاة فيه الثابت بحديث (لا تشد الرحال).

وقد تقول: لو كان الاستحباب ثابتاً لبلغنا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك لا وجود له في كتب الحديث.

والجواب: إن كان المقصود كتب الحديث عند الشيعة فإنها زاخرة بروايات أهل البيت(عليهم السلام)، حتى عقد الشيخ الحر العاملي (رحمه الله) في وسائل الشيعة ج5 ص 365 باباً في ذلك، وحديث أهل البيت (عليهم السلام) حديث جدهم (صلى الله عليه وآله) الذي أمر بالأخذ عنهم في الأحاديث المتواترة، كحديث الثقلين.

وإن كان المقصود كتب الحديث عند المخالفين فإنه لا يضر عدم وجود أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها بعد أن نلتفت إلى تاريخ تدوين الحديث عندهم في زمن بني أمية أعداء الحسين (عليه السلام) و قتلته، و زمن أشياعهم، و تغلل الخوارج والنواصب في نقلة الحديث، و يكفيك أن الصلاة فرضت قبل الهجرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بين المسلمين ما لا يقل عن عشر سنوات وفي كل يوم ما لا يقل عن خمس صلوات، والمجموع على هذا التقدير كحد أقل 43800 صلاة، ومع ذلك أضاع المسلمون العامة صلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقد أخرج ابن ماجه (917)، وأحمد (19494) واللفظ له: قال أبو موسى: لقد ذَكَّرَنا علِيُّ بنُ أبي طالبٍ صَلاةً كنَّا نُصلِّيها مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إمَّا نَسيناها، وإمَّا تَرَكْناها عَمدًا، يُكبِّرُ كلَّما رَكَعَ، وكلَّما رَفَعَ، وكلَّما سَجَدَ. والحديث صحيح، كما نص شعيب الأرناؤوط .

وفي صحيح البخاري في كتاب مواقيت الصلاة في باب تضييع الصلاة عن وقتها: ‏506 - حدثنا: ‏ ‏موسى بن إسماعيل، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏مهدي ‏ ‏، عن ‏ ‏غيلان ‏ ‏، عن ‏ ‏أنس ‏، ‏قال: ‏ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي ‏ (صلى الله عليه وآله)‏ ‏قيل الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وفيه في أبواب صلاة الجماعة والإمامة في باب فضل صلاة الفجر في جماعة: ‏622 - حدثنا: ‏ ‏عمر بن حفص ‏، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏أبي، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏الأعمش ‏، ‏قال: سمعت ‏ ‏سالما ‏، ‏قال: سمعت ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏تقول: دخل علي ‏ ‏أبو الدرداء ‏ وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك، فقال: ‏ ‏والله ما أعرف من أمة ‏ ‏محمد ‏ (صلى الله عليه وآله)‏ ‏شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.

ففي القرن الأول من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) ضاعت الصلاة، ولم يبق إلا الاجتماع فيها، ويكفيك أن تلاحظ الخلاف في (التكتف) الواقع بين المذاهب الأربعة، فالمشهور ـ كما ذكر بعض الباحثين ـ بين فقهاء السنّة استحباب وضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء القراءة في الصلاة، وتفصيل ذلك على النحو التالي:

أ ــ المذهب الحنفي: يستحبّ التكتف بوضع اليد اليمنى على اليسرى، ويستحبّ للرجال التكتف أسفل البطن، وللنساء على موضع الصدر.

ب ــ المذهب الشافعي: يستحبّ التكتف بوضع اليد اليمنى على اليسرى، ويستحبّ للرجال التكتف أسفل البطن، وللنساء على الصدر.

ج ــ المذهب الحنبلي: التكتّف مستحب، والأولى وضع اليمنى على اليسرى أسفل البطن.

د ــ المذهب المالكي: يستحبّ الإرسال في الفرائض، ولا بأس بالتكتف في النوافل فيما لو طال القيام فيعين به على نفسه.

وقد ذهب الأوزاعي وبعض أعلام السنّة إلى التخيير بين القبض والإرسال.

ولو سألت عن فعل النبي (صلى الله عليه و آله) بعد الاعتدال من الركوع، وقبل الهويّ إلى السجود فلن تجد عندهم في ذلك جواباً، ولهذا اختلفوا في (التكتف) في هذا الموضع، كما اختلفوا في أصله، ولا يوجد عندهم في ذلك أثر يركن إليه، فإذا كان هذا حال صلاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي من الوضوح كما عرفت فكيف يمكن أن يقال بأن ما لم ينقلوه فلا وجود له؟!

وقد نقل في أضواء على السنة المحمدية ص 299 عن ابن حجر أن البخاري أخرج أحاديث كتابه من 600 ألف حديث، و روى عنه الإسماعيلي أن ما تركه من الصحيح أكثر، و أنه حفظ مائة ألف حديث صحيح، فلعل في ما كتم ولم ينقل كيفية صلاة النبي(صلى الله عليه وآله)، وفيها أنه صلى على تربة كربلاء التي جاء بها الملك، فقد أخرجه أحمد (26524) واللفظ له، وعبد بن حميد (1531): حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ سعيدٍ، عن أبيهِ، عن عائشةَ، أو أمِّ سلَمةَ -قال وَكيعٌ: شكَّ هو؛ يَعني عبدَ اللهِ بنَ سعيدٍ- أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله) قالَ لإحداهُما: لقد دَخَلَ علَيَّ البيتَ ملَكٌ لم يَدخُلْ علَيَّ قبْلَها، فقال لي: إنَّ ابنَكَ هذا حُسيْنٌ مقتولٌ، وإن شِئتَ أَريتُكَ مِن تُربةِ الأرضِ التي يُقتَلُ بها. قال: فأَخرَجَ تُربةً حَمراءَ.

وفي تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط برقم: 26524: حسن بطرقه وشاهده.

الأمر الثالث: من المحتمل أن ما هو مستحب بعنوانه الخاص ليس السجود على تربة كربلاء، وإنما السجود على تربة الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا أخص، فإن الوارد في الروايات العناوين التالية وما يقرب منها: (على طين قبر الحسين (عليه السلام))، و (السجدة على لوح من طين القبر)، و (تربة أبي عبد الله (عليه السلام))، ومن الواضح أن هذا العنوان الإضافي لم يكن متحققاً قبل شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد يحتمل الباحث أن كربلاء منطقة مقدسة، وهي ميقات لطاعة الله و عبادته، و يستحب السجود فيها لعناوين متعددة، ولكن هنالك عنوان خاص له آثار خاصة، وهو الملحوظ في الروايات، و ذلك العنوان هو طينة القبر و تربة الحسين(عليه السلام) المضافة إليه ؛ لقربها من قبره أو كونها موضع مصرعه و محل مصيبته و جهاده و تضحياته، ولم يكن هذا العنوان متحققاً في زمن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هذا السبب في عدم طلب النبي (صلى الله عليه وآله) تربة كربلاء، فإن حكم الاستحباب له موضوع سوف يتحقق بعد ارتحاله (صلى الله عليه وآله)، وليس متحققاً في حياته، ومن يقول: لماذا لم يصل النبي (صلى الله عليه وآله) على تربة الحسين (عليه السلام) في حياته ؟ نظير من يقول: لماذا لا يحج المسلم حجة الإسلام قبل استطاعته، ولماذا لا ينفع المؤمن على زوجته قبل زواجه؟!