معصومون عن ارتكاب الذنب: هل يعني أن الأنبياء والأئمة مسلوبوا الإرادة؟!

هل العصمة تعني أنّ المعصوم عاجز عن ارتكاب الذنوب؟ وإذا كان الأمر كذلك وانّه قد سُلِبت منه القدرة على ارتكاب الذنب فممّا لا ريب فيه لا يكون ترك الذنب حينئذ فخراً له. عندها، كيف يمكن أن نجيب عن هذا الإشكال؟

إنّ العصمة لا تسلب الاختيار عن الإنسان، سواء فسّرناها بأنّها الدرجة القصوى من التقوى، أو أنّها نتيجة العلم القطعي بعواقب المآثم والمعاصي، أو أنّها نتيجة الاستشعار بعظمة الرب والمحبة للّه سبحانه، فعلى كلّ تقدير يكون الإنسان المعصوم مختاراً في فعله قادراً على الفعل والترك.

وإذا ما أردنا أن نقرب الفكرة بمثال حسّي نقول: صحيح أنّه لا يوجد إنسان عاقل واقف على وجود الطاقة الكهربائية في الأسلاك المنزوعة الجلد يقدم على مسكها، كما أنّ الطبيب لا يتناول سؤر المصابين بالأمراض السارية كالجذام والسل وغير ذلك، لعلمهما بعواقب ذلك، ولكنّ في الوقت نفسه يرى كلّ واحد منهما أنّه قادر على ذلك الفعل بحيث لو قرّر في يوم ما التخلّص من حياته يقوم بارتكاب ذلك الفعل ولا يعجز عنه، وهذا يعني أنّهما يرجّحـان التـرك على الفعل، لعلمهما بالعواقب الوخيمة للفعل ولا يقدمان عليه طيلة حياتهم، ولكنّ ترك الفعل شيء وعدم القدرة على ارتكابه شيء آخر كما هو واضح.

وبعبارة أُخرى يمكن القول: إنّ صدور مثل هذه الأفعال من الإنسان العاقل والراغب في سلامته يُعدّ من قبيل المحال العادي لا المحال العقلي، ولا ريب أنّ الفرق بين الاستحالتين واضح جداً، ففي المحال العادي يكون صدور الفعل من الفاعل ممكناً بالذات غير أنّه يرجّح أحد الطرفين على الآخر بنوع من الترجيح، بخلاف المحال العقلي فإنّ الفعل فيه يكون ممتنعاً بالذات فلا يصدر لعدم إمكانه الذاتي، فعلى سبيل المثال صدور القبيح منه سبحانه أمر ممكن بالذات بمعنى أنّه داخل في إطار قدرته، فهو يستطيع أن يدخل المطيع في نار جهنم والعاصي في نعيم الجنة، غير أنّه لا يصدر منه ذلك الفعل لكونه مخالفاً للحكمة، فإنّ مقتضى الحكمة إثابة المطيع لا تعذيبه.

وعلى هذا الأساس لا يعتبر «عدم القيام بالفعل» دليلاً على عدم القدرة عليه، فالفرد المعصوم وبسبب التقوى العالية والعلم القطعي بآثار المآثم والمعاصي وبسبب استشعاره بعظمة الخالق يتجنّب اقتراف الذنوب واكتسابها وإن كان قادراً على ذلك .

الرؤية القرآنية

يمكننا ومن خلال الآيات المباركة التالية أن نطّلع على نظرية القرآن الكريم في هذا المجال، فقد قال سبحانه: ( ...وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراط مُسْتَقيم * ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشآءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَعَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .( [1])

فلو كان الإنسان المعصوم غير قادر على ارتكاب الذنب، فما معنى قوله: ( ...وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ؟

إذ فرض كون المعصومين لا يقدرون على ارتكاب الذنب الذي هو أعم من الشرك وغيره يجعل الآية أجنبية عنها، كما أنّه ورد في آية البلاغ قوله سبحانه:

( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ... ) .( [2])

فالآية تدلّ بوضوح لا ريب فيه أنّ النبي قادر على العصيان، وأنّه بالرغم من وجود صفة العصمة قادر على ترك الرسالة وعدم تبليغ ما أنزل إليه من ربّه.

[1] . الأنعام:87ـ 88.

[2] . المائدة: 67.