لكل سؤال جواب
لماذا يجب على المرأة الصلاة بالحجاب وهي في بيتها ولا يراها أحد؟!
إحدى الأخوات تقول إنّ الله تعالى هو خالقنا ويرانا في أيّ مكان وزمان بالحجاب وبدونه فلماذا يفرض الحجاب علينا في الصلاة حتى لو لم يرانا أحد؟

الجواب: سترُ العورةِ من شروط صحّةِ الصلاة، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل إلا في حدود العورة الشرعية التي تختلفُ بين الرجل والمرأة، فالواجبُ على المرأة في الصلاة تغطيةُ جميع جسمها ما عدا الوجه والكفين وأطراف القدمين، ووجوبُ ذلك من العباداتِ التوقيفية التي يجبُ الالتزام بها حتى مع غيابِ الحِكمة، واختلافُ لباس المرأة عن الرجل في الصلاة كحالِ غيره من الأحكام الخاصّةِ بالنساء، كتركِ الصّلاةِ وقتَ العادةِ الشهريّة، أو مسألة الإخفات وعدم الجهر بالقراءة، أو غير ذلك من الأحكام الخاصّةِ بالنساء. 

وقد قيلَ في حِكمة ذلك: إنّ الوقوفَ بين يدي الله يستوجبُ أفضلَ الهيئاتِ وأحسنَ الحالات حتى لو لم يكن هناك ناظرٌ من البشر، فالإنسانُ الذي يحترمُ نفسه تجدهُ يراعي سترَ عورتهِ حتى لو كان وحده، فما بالكَ إذا كان في حال الصّلاة والاتصال بالخالق؟ فاللهُ سبحانه أحق ّمن يُستحيا منه. 

وسواء كان ذلك أو غيره يعبّرُ عن حِكمة حجابِ المرأة في الصّلاة أو لم يكن يعبّرُ عنها، فإنه لا يغيّرُ من كون الحجابِ وستر العورة من شروط صحّةِ الصّلاة.

المصدر: alrasd
2023/08/08

كيف وصل الإمام السجاد (ع) إلى كربلاء لدفن الأجساد الطاهرة؟
كيف وصل الإمام السجاد (عليه السلام) إلى كربلاء، وتمكّن من دفن الأجساد الطاهرة؟ الجواب من آية الله السيد محمد صادق الروحاني (قدس):

 باسمه جلت اسمائه

 المستفاد من بعض الأخبار أنّه (عليه السلام) قد وصل عن طريق طيّ الأرض، ولا يخفى أنّ مثل هذه التنقّلات الخارقة للعادة ليست بعزيزة على الله تعالى، وقد حصلت للعديد من الأنبياء والأوصياء ، كما أشارت إليه عدّة من الآيات والروايات.

المصدر: rohan
2023/08/01

لماذا يستهزئون بـ «طلبة الحوزة»؟!
بعض الأشخاص يقدرون علماء الدين دون الطلبة، فمثلاً يحبون العالم ولا يحبون طلبته بل ويستهزئون بهم ويحقرونهم.. فكيف نرد عليهم؟ الجواب من السيد عادل العلوي (قدس سرّه):

الإستهزاء بأهل العلم لم يكن أمراً جديداً فإنّ العلماء وطلبة العلم هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء قد استهزأوا بهم بل سبّوهم وجرحوهم وقتلوهم ونشروهم بالمناشير.

وهذا سبيل المجاهدين ويهون في سبيل الله وصراطه المستقيم كلّ هذه الإستهزاءات والإهانات وجرح المشاعر، بل أنه ما يوجب رفع الدرجات والمثوبات لأهل العلم في الدنيا وفي الآخرة فطوبى لمن تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله، فإنّه يُدعى في ملكوت السماوات عظيماً، كما ورد في خبر معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام والله المستعان.

2023/07/09

ماذا تعرف عن «يوم التروية»؟ وما سبب تسميته؟
يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ، و هو من أيام مناسك الحج ، و كان الحجاج يتروون فيه من الماء استعداداً للذهاب إلى عرفات لأنها صحراء لا ماء فيها . سبب تسمية يوم التروية؟

قال علي بن جعفر : وَ سَأَلْتُهُ 1 عَنِ التَّرْوِيَةِ لِمَ سُمِّيَتْ تَرْوِيَةً ؟

قَالَ : "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِعَرَفَاتٍ مَاءٌ وَ إِنَّمَا كَانَ يُحْمَلُ الْمَاءُ مِنْ مَكَّةَ وَ كَانَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً يَوْمَ‏ التَّرْوِيَةِ حَتَّى يَحْمِلُ النَّاسُ مَا يَرْوِيهِمْ ، فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةُ لِذَلِك‏" 2 .

و رُويَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة : " ... حَجَّ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلَ عَلَيْهِمَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَوْمَ‏ التَّرْوِيَةِ لِثَمَانٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ قُمْ فَارْتَوِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ ، فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةَ لِذَلِكَ "3 .

من أهم أحداث يوم التروية

من الأحداث التاريخية المهمة التي حصلت في يوم التروية خروج الامام الحسين بن علي عليه السلام من مكة متوجهاً إلى العراق سنة 60 هجرية حتى لا يسفك دمه في البيت الحرام غيلة ، بل ليضحي بنفسه من أجل مشروعه الكبير في ساحة كربلاء فلا تذهب دماءه هدراً كما خطط بنو أمية و يزيد بن معاوية الطاغية .

و المعروف أن الامام الحسين عليه السلام لدى خروجه من المدينة 4 متوجهاً إلى مكة كان قد احرم لعمرة التمتع ثم عدل عنها إلى العمرة المفردة لعلمه بأنّه سوف لا يتمكن من إتمام حجّه لما كان يواجهه من التهديدات من قبل السلطة الاموية الظالمة بل عزمها على قتله و لو كان متعلقاً بأستار الكعبة، و هذا ما تشير اليه كتب المقاتل و السير5 .

لكن الصحيح الذي توثقه الاحاديث و الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام هو أن الامام الحسين عليه السلام كان قد أحرم بإحرام العمرة المفردة بعد خروجه من المدينة فدخل مكة محرماً بإحرام العمرة المفردة و أتى بأعمالها و بقي بمكة حتى أيام الحج ثم غادرها في يوم التروية.

أهم أعمال يوم التروية

يوم التروية يوم عظيم و مبارك يستحب فيه الابتهال إلى الله عَزَّ و جَلَّ ، و من أهم أعمال هذا اليوم :

الاغتسال .

الصيام لغير الحجاج و المسافرين ، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنهُ قَالَ : " صَوْمُ‏ يَوْمِ‏ التَّرْوِيَةِ  كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ " 6 .

الهوامش: 1. أي أخيه الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام . 2. مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها : 269 ، لعلي بن جعفر المتوفى سنة 220 هجرية ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، سنة : 1409 قم / إيران . 3. تفسير القمي: 1/ 62، لعلي بن ابراهيم القمي، الطبعة الثالثة، سنة: 1404 هـ . 4. خرج الامام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة قاصداً مكة ليلة الأحد لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة: 60 هجرية، و وصل مكة المكرمة ليلة الجمعة لثلاث ليالٍ مضين من شهر شعبان. 5. راجع: الإرشاد: ٢٠0، وإعلام الورى: ٢٣٠، و روضة الواعظين: ١٧٧. 6. من لا يحضره الفقيه : 2 / 87 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
2023/06/27

لماذا لا يذهب «مراجع الشيعة» إلى الحج؟!.. جواب مفصّل
لماذا لا يذهب مراجع الشيعة إلى الحج؟ ليتعلم الناس منهم أحكام الحج!

أولاً: لا نعرف المصدر الذي تلقَّى منه السائل هذي المعلومة المغلوطة المشوَّهة، وكوَّنت تصوُّره وتساؤله؟!

فقد افترَض: أن مراجع الشيعة لا يحجُّون! ثم افترَض: أن تعلُّم الناس أحكام الحج يتوقف على حَجِّ المراجع!

وهذا اشتباه واضح، بل مجرَّد زَعْمٍ بلا بيِّنة!

فمراجع الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ يرون أن الحج من أركان الإسلام، ووجوبه عينيٌّ على كل مكلَّف توفرتْ فيه الشروط المذكورة في المدوَّنات الفقهية المعتبرة.

ولا فرق في هذا الحُكم التكليفي بين الفقيه وبين العامي، فالكل يجب عليه أداء فريضة الحج إذا استكمل شروطها.

قال السيد اليزدي ـ وهو فقيه الشيعة الأكبر ـ في العروة الوثقى: ج٤ ص٣٤٢، «ِمن أركان الدين الحج: وهو واجب على كل مَن استجمع الشرائط الآتية ـ من الرجال، والنساء، والخُناثى ـ بالكتاب، والسُّنة، والإجماع من جميع المسلمين، بل بالضرورة. ومنكرُه في سِلك الكافرين، وتاركُه ـ عمداً، مستخفاً به ـ بمنزلتهم، وتركُه ـ من غير استخفاف ـ من الكبائر. ولا يجب ـ في أصل الشرع ـ إلا مرة واحدة في تمام العمر، وهو المسمَّى بـ(حَجة الإسلام)، أي: الحج الذي بُنِي عليه الإسلام، مثل: الصلاة، والصوم، والخمس، والزكاة».

ثانياً: كثير من مراجع الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ حَجُّوا ولله الحمد، فبعضهم حجُّهم مؤرَّخ في تراجمهم ـ كما سيأتي ـ وبعضهم عاصرناهم ورأيناهم يحجُّون، أو سمعنا بحجِّهم.

منهم مثلاً:

١- السيد محسن الأمين: ذكر عن نفسه أنه حَجَّ مرتين، في كتابه أعيان الشيعة: ج١١ ص٤٩.

٢- الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء: ذكر عن نفسه أنه حَجَّ سنة ١٣٢٩هـ، في كتابه العبقات العنبرية: ص١٢.

٣- السيد حسين البروجردي: حَجَّ سنة ١٣٤٤هـ، كما في كتاب حياة سيِّد الطائفة: ص٩٠.

٤- السيد محسن الحكيم: حَجَّ سنة ١٣٨٧هـ، وكانت حَجَّته حدثاً إسلامياً مشهوراً، رجال المستمسك: ص٦٤.

٥- السيد أبو القاسم الخوئي: ذكر عن نفسه أنه حَجَّ سنة ١٣٥٣هـ، في كتابه معجم الرجال: ج٢٣ ص٢٢.

٦- السيد عبدالأعلى السبزواري: ذكر عن نفسه أنه حَجَّ مرتين، كما في كتاب العارف ذو الثفنات: ص٨٤-٨٥.

وغيرهم كثير، فهؤلاء من أكابر علماء الشيعة المتأخرين، وبعضهم انتهتْ إليهم الزعامة العامة للطائفة.

نعم بعضهم حَجَّ مرة واحدة ـ وهي المقدار الواجب أداؤه على المكلَّف ـ وبعضهم حَجَّ أكثر ـ بحسب ظروفه ـ وليس تكرار الحج بواجب عليه شرعاً، حتى ولو كان مستطيعاً.

وإنما الواجب على المراجع: حِفظ الدين وترويجه، وتربية المجتهدين، وإعمار الحوزة العلمية بالدروس والمؤلفات، وإدارة الشؤون العامة لشيعة أهل البيت (ع) بالعالَم.

لأجل تحمُّل مسؤولية هذا الواجب المعقد، لا يتكرَّر الحج كثيراً من الفقهاء ـ والذي هو مستحب في نفسه ـ فلديهم وظائف دينية أوكد وأهم من أداء الحج المندوب.

ثم الذين لم يحجُّوا من مراجعنا هُم القِلَّة، وسيجيء بيان بعض الأعذار الشرعية التي اضطرَّتهم لعدم الحج.

ثالثاً: للحج شروط فقهية محدَّدة، ولا يجب على المكلَّف ما لم تجتمع له هذه الشروط ..

قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ج٥ ص٦ م٥٣٨،

«الحج إنما يجب بخمس شرائط:

• الإسلام.

• والعقل.

• والبلوغ.

• والحرية.

• والاستطاعة.

لا نعلَم في هذا كله اختلافاً».

ومَن لم يحج من الفقهاء، فلعدم توفره على هذه الشروط ولابد، وليس لأسباب أخرى غير شرعية.

غالباً يكون المانع لديهم هو: عدم تحقق شرط الاستطاعة، إما المالية أو البدنية.

فإن أكثر مراجع الشيعة فقراء شَيَبة، يقاسون شَظَفاً وعَوَزاً، وليست المرجعية تعني الثراء والرخاء، إنما تعني مسؤولية جسيمة، مليئة بالمصاعب والمتاعب.

والأموال الشرعية التي تُجبى إليهم من مقلِّديهم، ليس بها لهم غير إدارتها بأمانة ونزاهة، وإيصالها إلى مستحقيها في أرجاء الأرض، أو صرفها في مواردها الاجتماعية المعروفة.

ولا نعرف أحداً بمراجعنا ـ طوال تاريخ المرجعية العريق ـ عاش حالة الغِنى، إلا النوادر جداً، ممَّن هُم بالأصل أغنياء، وحتى هؤلاء يعيشون حياة الزهد والبساطة.

بل بلغ الورع والتقوى والاحتياط بفقهائنا، أنهم لا يصرفون شيئاً من الحقوق الشرعية على أنفسهم وأهلهم ـ برغم أن لهم سهماً بها ـ وينفقون من شُغلهم وكَدِّ يدهم!

فمثلاً: ذكروا في ترجمة الشيخ مرتضى الأنصاري ـ مرجع الطائفة الأعلى ـ أشياء مدهشة في قوة صبره على فقره! معارف الرجال: ج٢ ص٣٩٩، وأعيان الشيعة: ج١٠ ص١١٧.

والسيد المرعشي النجفي ـ وهو من كبار مراجع الشيعة المتأخرين ـ أوصى ابنه السيد محموداً أن ينوِّب عنه في الحج، لأنه لم يحج لشدة فقره! الإجازة الكبيرة: ص٥٢٩.

رابعاً: لا يقتصر عدم الحج ـ لأسباب شرعية ـ على بعض فقهاء الشيعة، إذ بعض مشاهير فقهاء السُّنة لم يحجُّوا.

فمنهم مثلاً:

(١) المجتهد ابن الحدَّاد المغربي المالكي: حكى الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء: ج١٤ ت٢٠٧ ص١١٦، أنه لم يحج.

(٢) الفقيه ابن حزم الظاهري: حكى ابن القيِّم في كتابه زاد المعاد: ج٢ ص٢١٣، أنه لم يحج.

(٣) أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: حكى الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء: ج١٨ ت٢٣٧ ص٤٥٥، أنه لم يحج.

(٤) قاضي القضاة الدَّامَغاني الحنفي: حكى الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج١٨ ت٢٣٧ ص٤٥٥، أنه لم يحج.

(٥) محيي السُّنة البغوي الشافعي: حكى الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء: ج١٩ ت٢٥٨ ص٤٤١، أنه لم يحج.

(٦) القاضي عياض المالكي: حكى ابن حجر في كتابه فتح الباري: ج٣ ص٦١٣، أنه لم يحج.

(٧) الدَّوْلَعِي الشافعي خطيب دمشق ومفتيها: حكى الذهبي بسير أعلام النبلاء: ج٢٣ ت١٧ ص٢٥، أنه لم يحج.

قال الشيخ السَّلفي بكر أبو زيد في كتابه النظائر: ص٢١٢، في الاعتذار لهؤلاء الفقهاء السُّنة عن عدم حجِّهم:

«ولا يمكن أن يقول أحدٌ من أهل الإسلام: إن هذا من باب إيثار العِلم على الحج ـ وهو ركنٌ من أركان الإسلام ـ لكن الأسباب متكاثرة، والعوارض متواردة، ولكلٍّ سببُه الذي يعايشه: فهذا مُعدَم، وذاك خائف غير آمن، وآخر بعُدتْ به الشُّقة، أو أعيَتْ به النفقة، وهكذا من عوارض الاستطاعة، ووجوه الأعذار».

وهذا الاعتذار نفسه، يصلح أن يعتذَر به لبعض فقهاء الشيعة، ممن لم يوفَّق للحج، لأسباب شرعية تخصُّه.

خامساً: تعلُّم المكلَّف لمسائل الحج من واجباته هو، لا من واجبات المراجع، ولا علاقة لحج المراجع بتعلُّمه لها، فسواء حجُّوا أم لم يحجُّوا، مسؤوليته الشرعية أن يتعلَّم أحكامه الابتلائية من مصادرها الموثوقة.

وطرق تعلُّمها وفيرة منوَّعة، وهي متاحة له بيُسْر وسهولة:

فإن للفقهاء رسائل عملية خاصة بمناسك الحج والعمرة، تشرح كل المسائل التي يُبتلى بها المكلَّف في نُسُكِه، وهي مطبوعة بعدة لغات عالمية، وأيضاً لها نُسخ الكترونية.

كما للمراجع وكلاء معتمَدون منتشرون في أقطار العالَم، يستطيع المكلَّف مراجعتهم في احتياجاته بأريحية.

وأيضاً لمراجعنا بعثاتٌ علمية تَرِدُ إلى موسم الحج سنوياً، وظيفتها: إرشاد الحُجاج والمعتمرين وتعليمهم أحكامهم.

هذا غير المواقع الالكترونية، والتطبيقات الذكية، لمكاتب المراجع، والمتاحة لتواصل جميع المكلَّفين في كل حين.

فما ندري، لماذا يحمَّل الفقهاء ما لا يحتملونه؟! ويكلَّفون ما لا يطيقونه؟! ويلزمون بمسؤوليات هي قائمة أصلاً على أفضل وجه ممكن، ببركة جهودهم؟!

2023/06/26

لا ألعن يزيد لأني أشكّ أنه تاب!.. شخص مصاب بـ «الوسواس» يطلب العلاج!
لا ألعن يزيد لأني أشكّ أنه تاب!.. شخص مصاب بـ "الوسواس" يطلب العلاج! الجواب من سماحة السيد عادل العلوي (قدس):

العلاج هو ترك الوسواس، فإنّه من الشيطان ثم المطالعة والدراسة في مثل هذه الأمور، فإنّه يكفي في لعن يزيد وأمثاله زيارة عاشوراء.

فكيف يقال أنه ربما تاب ثم القرآن الكريم يصرح بأنّه (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) فهل هناك مثل يزيد من أساء السوء؟

فهل مثل هذا يوفق للتوبة؟!

هيهات هيهات ووكلا وألف كلا بل كذب بآيات الله ومات كافراً وزنديقاً فاستعذ بالله من الشيطان واستعن بالله بالصبر والصلاة والتوكل عليه والله المستعان.

2023/06/25

هل يستطيع الجنّ السيطرة على الإنسان؟!
في البدءِ لابدَّ منَ التأكيدِ على أنَّ هناكَ جدلاً ملحوظاً في الشارعِ الإسلاميّ فيما يخصُّ علاقةَ الجنِّ بالإنسان، فبينَ مَن يقطعُ بأنَّ للجنِّ القدرةَ على تلبّسِ الإنسانِ والتحكّمِ في تصرّفاتِه وجسمِه، وبينَ مَن يرى ذلكَ مجرّدَ خرافةٍ لا يدعمُها دليلٌ ولا برهان.

وحسمُ هذا الجدلِ غيرُ ممكنٍ إذا لم نمتلِك وسائلَ النّفي والإثباتِ التي تفيدُ القطعَ واليقينَ، وما هو متاحٌ مِن وسائلَ لا يرتقي إلى مستوى اليقينِ، فالذينَ يؤكّدونَ حدوثَه إنّما يستدلّونَ ببعضِ الحوادثِ والحالاتِ مثل قراءةِ القرآنِ على بعضِ المرضى وما يحدثُ لهم مِن إضطرابٍ إلى درجةِ أنّهم يتحدّثونَ بأصواتٍ ليسَت أصواتهم، وبما أنَّ الإنسانَ يحارُ في تفسيرِ مثلِ هذه الحالاتِ يصبحُ من السّهلِ عليه نسبةُ ذلكَ إلى الجنِّ، أمّا الذينَ لا يقبلونَ بمثلِ هذا التفسيرِ نجدُهم يميلونَ إلى تفسيرِها بالتحليلِ النّفسي وسيطرةِ العقلِ الباطن أو ببعضِ الأمراضِ النفسيّةِ التي يمكنُ علاجُها بالطبِّ النّفسي، وبما أنَّ العلمَ الحديثَ لم يصِل بعدُ إلى التفسيرِ القطعي لمثلِ هذهِ الحوادثِ سيحافظُ كلُّ فريقٍ على موقفِه.

وحسم الجدلَ دينيّاً من خلالِ القرآنِ ورواياتِ أهلِ البيت (عليهم السّلام) غيرُ ممكنٍ؛ والسببُ بسيطٌ وهوَ أنَّ الدينَ مشروعٌ لهدايةِ الإنسانِ والارتقاء به معنويّاً وأخلاقيّاً، وليسَ مِن وظائفِه تقديمُ تفسيرٍ لكلِّ الظواهرِ الوجوديّةِ والاجتماعيّة والنفسيّة، فهناكَ الكثيرُ منَ الظواهرِ التي لا نعرفُها فهل يُطالَبُ الدّينُ بتفسيرِها وبيانِ أسرارِها؟ ومنَ المؤكّدِ أنَّ الكثيرَ منَ الظواهرِ فسّرَتها البشريّةُ بشكلٍ خاطئ فهل أرسلَ اللهُ لهم أنبياءَ حتّى يصحّحوا لهم تلكَ الأخطاء؟ ومِن هنا ليسَ هناكَ فرقٌ بينَ وجودِ فايروس مجهول يسبّبُ حالةً منَ الهستيريا للإنسانِ وبينَ وجودِ جنيٍّ يسبّبُ صرعاً للإنسان؟ فإذا كانَ وجودُ الفايروس وكيفيّةُ الوقايةِ منه لا يُسألُ عنه دينيّاً فكذلكَ الحالُ بالنسبةِ للجني، فكلُّ الحالاتِ الصحيّةِ التي تعتري الإنسانَ سواءٌ عرفنا أسبابَها المباشرةَ أو لا، وسواءٌ كان َعلاجُها بالعقاقيرِ الطبيّةِ أو بالجلساتِ الروحيّةِ ليسَت من اهتماماتِ الدّين، ولا يتدخّلُ الدّينُ في هذهِ الأمورِ إلّا في ما يتّصلُ بالحرامِ أو الحلال أو فيما يتّصلُ بالضلالِ أو الهداية، ومِن هنا لم نجِد في آياتِ القرآنِ أو أحاديثِ أهلِ البيتِ أيَّ ذكرٍ لتفسيرِ بعضِ الظواهرِ النفسيّة، وما زالت البشريّةُ تجهلُ الكثيرَ مِن أسرارِ الخلقِ، والجنُّ ليسَ إلّا خلقاً كبقيّةِ الخلق، وقد عرفنا بعضَ المخلوقاتِ وغابَ عنّا أكثرُها، ولولا أنَّ القرآنَ أكّدَ لنا وجودَ الجنِّ لما استيقنا مِن وجودِه لعدمِ امتلاكنا الوسائلَ التي تمكّنُنا مِن ذلك، ويبدو أنَّ الداعي لذكرِ الجنِّ في القرآنِ هوَ وجودٌ مُشتركٌ في التكليفِ بينَ الإنسانِ وبينَ الجن، قالَ تعالى: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ) أو لوجودِ بعضِ التداخلِ بينَهما فيما يخصُّ الهداية والضّلال كقولِه تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ وَخَلَقَهُم وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيرِ عِلمٍ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) وقولِه تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورًا وَلَو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ) وكلُّ ذلكَ يُفهم في إطارِ قولِه تعالى: (يَا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَلَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنكُم يَقُصُّونَ عَلَيكُم آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُم لِقَاءَ يَومِكُم هَذَا قَالُوا شَهِدنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتهُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كَانُوا كَافِرِينَ) ولم يحدّثنا القرآنُ عن تواصلٍ مباشرٍ بينَ الإنسِ والجن إلّا في موردِ سيّدنا سليمان وكيفَ أنَّ اللهَ سخّرَ له الجنَّ والرّيحَ والطيرَ وجعلَهم جنوداً بينَ يديه قالَ تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيرِ فَهُم يُوزَعُونَ) وكذلكَ حالُ الرّواياتِ التي تثبتُ قدرةَ الأئمّةِ (عليهم السّلام) على التواصلِ مع عالمِ الجنِّ، إلّا أنَّ كلَّ ذلكَ يثبتُ قدرةَ الإنسانِ على التفوّقِ والسيطرةِ وليسَ العكس كما هوَ في موردِ السّؤال.

والخلاصةُ انَّ الجنَّ حقيقةٌ قرآنيّةٌ لا يمكنُ إنكارُها أمّا تلبّسُ الجنِّ بالإنسانِ لم يتطرّق لها القرآنُ نفياً وإثباتاً ومنَ الخطأ البحثُ عنها في الآياتِ والأحاديثِ لكونِها خارجةً عن أهدافِ الرّسالةِ وغاياتِها، واللهُ أعلم.
2023/06/19

مفعول سحري: هل السجود على «التربة الحسينية» يخرق الحجب السبع؟!
روى معاوية بن عمار معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله (عليه السلام)، فكان إذا حضرته الصلاة صبَّه على سجادته وسجد عليه، ثم قال (عليه السلام): السجودُ على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرقُ الحُجبَ السبع"(1). فهل هذه الرواية صحيحة السند؟

أورد الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) رواية معاوية بن عمار المذكورة في كتابه مصباح المتهجِّد إلا أنَّه لم يذكر طريقه إلى معاوية بن عمار لكنَّ للشيخ الطوسي (رحمه الله) طريقاً صحيحاً إلى كتب معاوية ذكره في الفهرست(2) ولعله لذلك استظهر صاحبُ الوسائل أنَّ الرواية مُسندة فقد عبَّر حين إيراده للرواية بقوله: محمد بن الحسن في (المصباح) بإسناده عن معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء .."(3) وكذلك فعل صاحب الجواهر، قال: وعن مصباح الشيخ بسنده إلى معاوية بن عمار(4).

ويؤكِّد استظهار أنَّ الرواية مُسندة أنَّ الشيخ الطوسي عبَّر بقوله: "وروى معاوية بن عمار .."(5) فلو كانت الرواية مرسلة لكان المناسب أنْ يكون التعبير رُوي عن معاوية بن عمار بصيغة المفعول، فقوله رحمه الله: روى معاوية -بصيغة الفاعل- ظاهرٌ في إحراز أنَّ معاوية بن عمار قد روى هذه الرواية، ولا سبيل لإحراز أنَّ معاوية قد روى هذه الرواية إلا مع وقوفه على سندٍ متصلٍ منه إلى معاوية بن عمار.

هذا وقد وصف الشيخ الوحيد الخراساني (حفظه الله) رواية معاوية بن عمار بالصحيحة في مقدِّمته على كتاب منهاج الصالحين(6) والظاهر أنَّ منشأ تصحيحه للرواية هو استظهاره أنَّ الرواية مُسندة وأنَّ سندها هو ذاته الطريق الذي ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست إلى كتب معاوية بن عمار، ويؤكِّد أنَّ ذلك هو منشأ استظهار الشيخ الوحيد ما أفاده من أنَّ الحديث مشتملٌ على أئمة الحديث وبعض أصحاب الإجماع(7) فهو بذلك يُشير إلى اشتمال طريق الشيخ إلى معاوية على ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى البجلي وهما من أصحاب الإجماع، وهو كذلك مشتمل على أبي جعفر ابن بابويه وعلى محمد بن الحسن بن الوليد، وعلى محمد بن الحسن الصفار وعلى محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(8) وهؤلاء من أئمة الحديث.

الهوامش: 1- مصباح المتهجد -الطوسي- ص734. 2- الفهرست -الطوسي- ص247. 3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص366. 4- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج8 / ص437. 5- مصباح المتهجد -الطوسي- ص734. 6- منهاج الصالحين -الوحيد الخراساني- ج1 / ص361. 7- منهاج الصالحين -الوحيد الخراساني- ج1 / ص361. 8- الفهرست -الطوسي- ص247.
2023/06/07

ذكيّات فطنات.. ما حقيقة أن النساء ناقصات عقول؟!
النساء قاصرات العقول.. أثارت مثلُ هذه الروايات حفيظة الكثير من النساء، واتَّخذ منها البعض وسيلةً لترويج الطعن على الإسلام وأنَّه يُصنِّف المرأة في موقعٍ هو دونَ موقعِ الرجل، وأنَّه يُقلِّل من شأنِها وإنسانيَّتِها.

ومن هنا انبرى جمعٌ من الكتاب -بحسن نيةٍ منهم- لنفي هذه التُّهمة عن طريق تضعيف هذه الروايات، أو دعوى أنَّ هذه الروايات صدرت لمعالجة قضيَّةٍ خارجية معيَّنة وليس المقصود منها الحكم على طبيعة النساء وإنَّما المقصود منها نساء محدَّدات اقتضت المصلحة التعريض بهنَّ حتى لا ينساقَ الناسُ وراءهن لمجرَّد موقعهنَّ الاجتماعي.

إلا أنَّه لا أعتقد أنَّ ذلك نافعٌ لمعالجة هذه الإشكالية، إذ أنّ صياغة مجموعة من هذه الروايات يأبى هذا الحمل، ولذلك فالأجدرُ في مقام الإجابة عن هذه الإشكالية أنْ يُقال:

إنَّه ليس من الانصاف والموضوعيَّة في البحث عزلُ هذه الروايات عن الآيات والروايات الكثيرة التي تصدَّت لبيان موقع المرأة في الـمـنـظـور الإسلامي، إذ بملاحظتها سينكشف زيفُ هذه الإشكاليَّة، وقد أوضحنا ذلك في بحث قيمومة الرجل، وأثبتنا من خلال الآيات الكريمة أنَّ الإسلام يرى إنسانيَّة المرأة متكافئةً مع إنسانيَّة الرجل، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ عندما أكرم الإنسان لم يُميِّز في ذلك بين الذكر والأنثى 2 وعندما حمَّل الإنسان أمانةَ الخلافة في الأرض أمَّنه إياها بلحاظ إنسانيتِه 3 والتي يتساوى فيها الرجلُ والمرأة، ثم جعل أساس القُرب والحظوة عنده بالتقوى، فكلُّ مَن كان أتقى كان أقربَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وإنْ كان أنثى 4. وإذا كان ثمةَ مِن تفاوتٍ فهو في الوظائف والمسؤوليَّات، ولم يتحدَّد ذلك عبثاً وجزافاً وإنَّما نشأ عن مقتضيات طبيعة الخَلْق والتكوين لكلٍّ مِن الرجل والمرأة والتي أودعتْها عنايةُ الله عز وجل في جبلَّة كلٍّ منهما حرصاً على خَلْق التوازن في البناء الاجتماعي.

معنى الرواية:

وعندئذٍ يتَّضح أنَّ الروايات – لو صحَّت- ليست بصدد الانتقاص من قدْرِ المرأة وإنَّما هي بصدد التعريف بـالـواقـع التكويني للمرأة، فلا ضيْرَ على المرأة أنْ يكون هذا هو واقعها إذا كانت قد خُلقت وهُيئت لتشغل دوراً في عمليَّة البناء لا يُناسبُه إلا أنْ تكون بهذا الواقع الذي هي عليه فنقصُ العقل هو نتيجة حتميَّة لغلبة الملَكات المودَعة في جبلَّة المرأة المناسبة لدورها في البناء والمجافية لمقتضيات التعقُّل. فالرأفةُ والحنانُ والوداعة والرقَّةُ والخجلُ والحياءُ مشاعرُ إنسانيَّة إلا أنَّ حظَّ المرأةِ منها أكثرُ من حظِّ الرجل، فهي أعمقُ امتداداً في وجدانها منها في وجدانِ الرجل، وهذا ما يُفضي إلى أنْ تتلوَّن معظمُ مواقفِها وقراراتها بلونِ هذه السِمات.

ومعلومُ أنَّه عندما تستحكمُ هذه السِمات والمشاعر في النفس ويستوثقُ أثرُها في القلب فإنَّ مستوى من التعقُّل ينحجب عن الأفق، لأنَّ انفعال النفس بالمشاعر المذكورة يحولُ دون انبساطه، وهو ما يقلِّل من تأثيره نظراً لضيق المساحة التي سيشغلُها بعد افتراض انشغال النفس بمشاعرَ تستحوذُ على معظم مساحتها. فلأنَّ النساءَ أرهفُ شعوراً كنَّ أضعفَ تعقُّلاً، وليس في ذلك انتقاصٌ لقـدْر المرأة نظراً لحاجة البناء الاجتماعي والأسري لدورها الخطير والمُفتقر في طبيعته لهذا المستوى من الشعور.

فلئِن كانت المرأةُ أضعفَ تعقُّلاً من الرجل فالرجل أضعفُ عطفاً ورحمةً وحناناً، فكما أنَّ وصفَ الرجل بذلك لا يُعبِّر عن انتقاصٍ لقدْرِه فكذلك الحال بالنسبة للمرأة، على أنَّ الوصف بالأضعفيَّة أمرٌ نسبي، وليس معناه سلبَ التعقُل عن المرأة، كما أنَّ وصف الرجل بالأضعفية من جهة الرحمة والعطف لا يعني سلب الرحمةِ والرأفة عن قلبِه، وإنَّما يعني أنَّ الرحمة إذا أُضيفت إلى الرجل فهي أضعفُ تجذُّراً في قلبِه بالقياس للمرأة، وهكذا إذا أُضيف التعقُّل إلى المرأة فإنّ معنى ذلك أنَّ استحكامَه في قلبِها أقلُّ من استحكامِه في قلب الرجل، وكلُّ ذلك نشأ عن طبيعة الخَلْق والتكوين لكلٍّ منهما لغرض خلْق التوازن الذي هو ضرورةٌ حتميَّة في عمليَّة البناء الاجتماعي.

الفرقُ بين الذكاء والتعقل:

ثم إنّ هنا أمراً لا بدَّ من التنبيه عليه لتكون الروايات أكثر وضوحاً، وهو أنَّ المقصود مِن التعقُّل هو حسنُ التدبير ووضعُ الشيء في موضعِه، وليس المقصودُ منه الذكاء والإدراك والقدرة على استيعاب المعلومات وحفظِها وغير ذلك ممَّا يتَّصل بالفهم والاستجابة الذهنية لحلِّ المُعضِلات الرياضية مثلاً، فإنَّه ليس في ذلك تفاوتٌ يُذكر بين الرجل والمرأة.

والذي يُؤكِّد هذا الفهم هو استعمالات العرب لهذا اللفظ "العقل" فإنَّهم يستعملونه في الحِلْم، وسعةِ الصدر، والحكمةِ في مُعالجة الأمور، فالعاقلُ في استعمالاتِهم هو مَن يُعالج الأمور على أساس الحكمة، ويُوازن بين أوجُهِ المصالح والمفاسد بعيداً عن الانفعال والعاطفة. فكلُّ من يُدير شؤونه على هذا الأساس يكون عاقلاً في استعمالات العرب حتى لو لم يكنْ عالماً بل وحتى لو كان أميَّاً، وكلُّ مَن لا يُحسِنُ تدبير شؤونِه فإنَّه لا يكون عاقلاً حتى لو كان يملك قدْراً كبيراً من العلم.

فالعقلُ هو المُنتِج للرأي الصائب والسلوك السليم، وذلك لأنَّه يعتمد الحِلْمَ وسعةَ الصدرِ والهدوءَ والتأنِّي ومراجعةَ الأمور وموازنتَها وسائلَ للوصول للنتيجة بعيداً عن الهوى والانفعال، فهو مِن عقْل النفسِ وحبْسِها عن الانسياق مع الرغبةِ والهوى وإشفاء الغليل أو الخلود للراحة والدِّعة.

يقول ابنُ منظور في لسان العرب: العاقل الذي يحبس نفسه ويردُّها عن هواها، وهو مأخوذ من عقل البعير أي حبسه 5 ويقول: إنَّ العقل هو التثبُّت في الأمور، وسُمِّي العقلُ عقلاً لأنَّه يعقل صاحبَه عن التورُّط في المهالك أي يحبسُه. ويقول ابن الأنباري 6: إنَّ العاقل هو الجامع لأمرِه ورأيِه، مأخوذٌ من عقلتُ البعير إذا جمعتُ قوائمَه.

وبهذا يتَّضح أنَّ المرأة أقلُّ حظاً في ذلك من الرجل نظراً لطُغيان جانب الانفعال والعاطفة عليها، وهذا ما يُوجب صعوبة حبْس أثرِها والعجز عن استجماع الرأي واستكمال موادِّه، فعندما يُقال إن المرأة ناقصةُ عقلٍ فهو بمعنى أنَّ قُدرتَها على حبْس مشاعرها عن أنْ تؤثر في قراراتها ومواقفها أقلُّ من قدرةِ الرجل على ذلك، وهذا ما تُؤكده التجارب والدراسات العلمية التي قام بها الكثيرُ من علماء النفس حيث توصَّل الكثيرُ منهم وبعد البحث والاستقراء إلى أنَّ قرارات المرأة غالباً ما تقعُ تحت تأثير المشاعر والأحاسيس.

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ هذه الروايات تصلح جواباً عما يثار حول منشأ جعل القيمومة والطلاق للرجل، فلأنَّ القيمومة والطلاق أمران لا سبيل لإهمال تشريعهما نظراً لأثرهمِا البالغ في عمليَّة البناء، ولأنَّ الشريعة تحرصُ على أنْ يكون أداؤهما يناسبُ الغرض من جعلهما، لأنَّ الأمر كذلك كان لا بدَّ من اختيار مَن هو أكثر كفاءةً لحمل هذا العبء بعيداً عن بريق الشعارات الصاخبة التي لا جدوى منها غير أنَّها تلامس المشاعر.

فالرجلُ وبحسب استعداداته التكوينيَّة أقدرُ على جعل الأمور في نصابِها نظراً لكونه أكثر هدوءً وتأنِّياً، وأوسع صدراً وأقدر على حبسِ عواطفه وكبحِ جماح مشاعره، وهذه هي موادُّ التعقل المُفضية لاستجماع الرأي، وهو مبرِّرُ اختيار الرجل لتحمُّل مسؤولية القيمومة دون المرأة، وذلك لا يعني أنَّ المرأة غير قادرةٍ مطلقاً على حزمِ أمورها بما يُناسب مقتضى التعقُّل وإنَّما يعني أنَّ الرجلَ أقدرُ على ذلك منها، ولذلك لم تسلِب الروايات صفةَ التعقُّل عن المرأة وإنَّما وصفت تعقُّلَها بالنقص.

الهوامش: 1. صحيح البخاري ج1 / ص83، صحیح مسلم 1986 / حدیث 79، سنن ابن ماجه ج2 / ص1326 / حديث 4003، أحكام القرآن للجصاص ج2 / ص24، مسند أحمد ج3 / ص373 بتفاوت يسير في الجميع. الرواية عن النبي (ص)، وبالمضمون عن الإمام علي عل في نهج البلاغة تحقيق الصالح ص105، الوسائل ج15 / ص95 / ب 34 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح۳ (20057)، الوسائل ج 27 / ص 272 /  ب 15 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حه (33756)، الوسائل ج27 / ص335 / ب 16 من أبواب الشهادات / ح۱ (33871). صبحي. 2. ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ سورة الاسراء: 70، ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ سورة الأحزاب: 35، ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ... ﴾ سورة آل عمران / 195، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ سورة النساء/ 124، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة النحل / 97. 3. ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ... ﴾ سورة الأحزاب / 72. 4. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ سورة الحجرات / 13. 5. لسان العرب -ابن منظور- ج11 / ص458، تاج العروس -الزبيدي- ج15 / ص505. 6. لسان العرب -ابن منظور- ج11 / ص458، تاج العروس -الزبيدي- ج15 / ص505، المحيط في اللغة- الصاحب بن عباد-ج1 / ص19، تهذيب اللغة- الأزهري- ج1 / ص161.
2023/06/04

ما حقيقة كراهة «كنس البيوت» ليلاً؟!

لم نقفْ على ما يدلُّ على كراهةِ أو مرجوحيَّة كنسِ البيوت ليلًا، نعم ورد عن أهل البيت (ع) النهيُ عن تبييت القُمامة في البيوت، والأمرُ بإخراجها من البيوت نهارًا.

[اشترك]

ورد ذلك في مثلِ في حديثِ المناهي قال: قال رسولُ الله (ص): "لا تُبيِّتوا القُمامة في بيوتِكم وأخرجوها نهارًا فإنَّها مَقعدُ الشيطان"(1).

والشيطانُ في مثل المقام رمزٌ للقذارات والأسواءِ والمضار والأمراض والأوبئة.

ووردَ عن أهل البيت (ع) في رواياتٍ عديدةٍ الأمرُ بكنسِ البيوت ومقتضى اطلاقها هو محبوبيَّة الكنس في كلِّ وقتٍ يكون فيه وضعُ البيتُ مقتضيًا للكنس سواءً كان الوقتُ ليلاً أو نهارًا.

فمِّما ورد في ذلك ما رُوي عن رسولِ الله (ص) قال: "اكنسوا أفنيتَكم ولا تشبَّهوا باليهود"(2).

ومنها: ما رُوي عن الإمام الرضا (ع) قال: "كنسُ الفِناءِ يجلبُ الرزق"(3).

ومنها: ما روي عن أبي جعفر (ع): " كنسُ البيوتِ ينفي الفقر"(4).

ومنها: ما رُوي عن أبي عبدالله (ع) قال: "غسلُ الإناء وكنسُ الفِناء مجلبةٌ للرزق"(5).

فبمقتضى إطلاقِ مثل هذه الروايات هو رجحانُ الكنس في كلِّ وقتٍ كان الفناء أو البيت مقتضيًا للكنس.

بل ورد -في التهذيب للشيخ الطوسي وفي ثواب الأعمال للصدوق- ما يقتضي رجحانَ كنسِ المسجدِ في ليلةِ الجمعة عن رسول الله (ص) قال: "مَن كنسَ المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأَخرَج منه التراب ما يُذرُّ في العين غفرَ اللهُ له"(6).

ومعنى قوله (ص): "فأَخرَج من التراب ما يُذرُّ في العين" هو أنًّه أخرج بمقدارٍ يمكن أن تُذرَّ به العين، وفيما أفاده كناية عن قلَّة ما أخرجه من التراب، ورغم ذللك فإنَّ أثر كنسِه لهذا اليسير من التُراب هو غفرانُ الذنوب.

الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص318. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص317. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص317. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص317. 5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص318. 6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص238.

2023/05/31

سبب مرعب: لماذا لا أخشع في صلاتي؟!
ما هي أسباب عدم الخشوع في الصلاة؟ وهل هناك أعمال تساعد على الخشوع؟

الجواب من سماحة السيد عادل العلوي (قدس):

بسم الله الرحمن الرحیم

أسباب عدم الخشوع هو الجهل والمعاصي (إنّما يخشى الله من عباده العلماء) فكلما ازداد الإنسان علماً ازداد خشوعاً فإن ثمرة العلم الخشوع.

ومنه يعلم أن الأعمال التي تساعدنا على الخشوع والخضوع هو العلم أوّلاً، وأوّل العلم معرفة الجبّار وآخره تفويض الأمر إليه، فحاول أن تتعلم في كل يوم علماً في العقائد والأخلاق والفقه والمسائل الشرعية وتسمع وتقرأ حياة العلماء والعابدين والأولياء والصالحين، فإنّه يزيد الإنسان في القرب والتشبه بمثلهم في الخضوع والخشوع.

وأخيراً (قل ما يعبا بكم ربي لو لا دعائكم) فإن الدعاء مخ العبادة ومفتاح كل صلاح وفلاح وسلاح الأنبياء والمؤمنين، فاسأل دائماً في الليل والنهار وفي كل الساعات ان يرزقك الله الخشوع والخضوع، ولو سألت ولمدة سنة فاعلم إنك ستصل إلى مرادك بعد أن تتخلص من الذنوب والآثام والرذائل الأخلاقية، وتتحلى بالفضائل والأعمال الصالحة والايمان الكامل ومن الله التوفيق والتسديد والحمد لله أوّلاً وآخراً وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

2023/05/29

لا أستطيع مقاومة النوم.. ما الحل؟!
السؤال: أعرف جيدا قيمة الوقت، لكن لا أستطيع مقاومة النوم فما هو الحل؟

الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

ما دمت سألت عن الوقت ، وهدر العمر الذي ابتلي به الكثيرون ، فإنني افضل ان اقدم لكم ملاحظاتي في نقاط محددة ، نظرا لاهمية الامر ، فأقول مستعينا بالله تعالى :

أولا : لا بد من وقفة متأملة مع النفس في هذا المجال ، وإقناعها بأن السعادة الابدية تتحدد بساعات العمر القصيرة ، ومن المعلوم ان اللانهاية عندما تقسم على المحدود ، فإن النتيجة هي اللانهاية ايضا.. ومعنى ذلك ان كل قطعة من قطع العمر- ولو على مستوى الثانية – فإنها توازيها سعادة لا نهائية ، أو شقاوة كذلك ، أوليس الامر مخيفا بعد هذه المعادلة ؟!..

ثانيا : ضرورة برمجة الحياة في قنوات مرسومة في نهاياتها وبداياتها ، فإن الذي ليست له خارطة لعملية البناء الذاتي ، فإنه لا يقوم له بناء ابدا ، إذ أن جمع المواد الاولية على ساحة بناء من دون خارطة ومقاول ومشرف لهو امر عقيم !.. والغريب ان الناس يبرمجون حياتهم المادية أيما برمجة ، ولكن عندما يصل الامر الى شؤون النفس ، فإنهم يلقون حبلهم على غاربهم وكانهم منكرون – فى مقام العمل – حياة الروح فى افق الابد!!..

ثالثا : ان النوم مطلوب كوسيلة لتجديد النشاط اليومي ، لا كهدف يجعله الانسان في قائمة الموضوعات المستساغة لديه ، بل ان بعضهم يرى النوم هوالموت الاصغر .. وعليه ، فإن هذه الساعات التي ينام فيها العبد ساعات باطلة في حد نفسها ، إن لم تكن مقدمة للاستجمام والذي هو بدوره مقدمة لاستئناف نشاط جديد..

رابعا : من المناسب ان يسعى العبد للالتزام باداب ما قبل النوم ، وما بعده .. فإن البعض يتقلب في فراشه ، الى ان ينام ، وهو يعيش في عالم من السرحان ، والتفكير الباطل : شهويا كان او غضبيا ، مما يرسخ في عقله الباطني بعض الصور التي يمكن ان تكون اداة للفساد في اليقظة ، ولا يخفى مدى اللطف في الدعاء الذي يدعو به العبد عند الاستيقاظ حيث يقول : ( الحمد لله الذي احياني بعد اذ اماتني ، وإليه النشور .. الحمد لله الذي رد الي روحي لاحمده واعبده )..

خامسا : هنالك امور تشحذ الهمة وتقوي العزيمة ومنها : الالتزام بالنوافل ، وخاصة عند منافرة الطبع ، و قيام الليل ، والصيام ، والانفاق المالي ، وكظم الغيظ .. وإلا فإن ابتلاء الانسان بحالة من الاسترخاء ، والتثاقل الى الارض ، من موجبات حركة النفس نحو موجبات الهوى التي توافق المزاج غالبا .. ومن الملاحظ ان اغلب السالكين الى الله تعالى لهم اورادهم وعباداتهم الموزعة على الليل والنهار ، لئلا تتحقق ثغرة من الثغرات ينفذ من خلالها ابليس ..

سادسا : ان معاشرة ذوي الهمم العالية من موجبات انقداح الهمم ، وإلا فإن العيش مع البطالين يجر الانسان الى عوالمهم .. والغريب ان سرعة انتقال الخصال السيئة من ذوي المعاشرة لا تقاس بانتقال الخصال الحسنة ، فإن طبيعة النفس ميالة الى اللعب واللهو ، مملوة بالغفلة والسهو..

سابعا : لا بد من الالتفات الى ان من موجبات بعث الجدية في الحياة هو التفكير في الاجور التي لا تخطر بالبال ، وعلى رأسها الرضوان الالهي الذي يمكن الوصول اليه في الدنيا قبل الاخرة !!.. ولا شك ان التفكير في مثل هذه العطاءات مما يزيل حالة الكسل والوهن ، ومن هنا ينبغي التأمل في هذا النص المبارك المنقول عن امامنا الصادق (ع) حيث يقول : ( اذا كان الثواب من الله ، فالكسل لماذا ؟!..)

واخيرا نستعيذ بالله تعالى من ان يتحول احدنا الى : جيفة في الليل ، وبطال في النهار ، وإن كثرة النوم تدع العبد فقيرا يوم القيامة .

2023/05/27

يختلق المشاكل ويصدر الأوامر.. كيف أتعامل مع الأب القاسي؟!
ماهي حقوق والدنا علينا ، وما حقوقنا عليه؟.. علما بأنه يسكن معنا، ولكن لايجلس معنا، إلا ليعطي الأوامر ويحدث المشاكل.. أرجو المساعدة والنصيحة. الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

عليكم بتحمل الوالد قدر الإمكان ، فإن منتهى البر أن تتحمل هكذا والد له تصرفات لا تناسبكم.

إذ أن حقه عليكم هو حق الوجود، فإن الله تعالى جعله مجرى لخروجكم الى هذه الدنيا، ولا تنسوا سنوات الصغر، إذ كان يكد على تلك الأسرة التي لم تكن لتتشكل من دون جهده وسعيه، إلى أن وصلتم الى هذه المرحلة!

واعلمي أن الله تعالى أوصى ببر الوالدين الذين يجاهدان على أن تشركي بالله، فكيف بمن كان مسلما، ومواليا لاهل البيت (ع)، إلا أنه له هفواته التي لا يخلو منها غير المعصومين (ع)!

وازني دائما بين إيجابيات الشخص وسلبياته، ولا تدعي الشيطان يضخم لك الجانب السلبي لتقعين في العقوق من حيث لا تشعرين، واحترسي دائماً من الانتقاص والاحتقار القلبي للوالدين، فإن ذلك سيعود سلبا على شكل قساوة قلب معهودة في هذا المجال.

2023/05/21

ما حقيقة أن الملح وتكسير البيض يمنع الحسد؟!
1- هل الملح يمنع الحسد كما يدعي البعض؟

2- يعمل البعض على تكسير عدد من البيض، والشبة (نوع من البخور) عند شراء أي غرض جديد كالسيارة الجديدة مثلا وذلك لتفادي الحسد. هل هذا العمل جائز؟

وهل يمنع الحسد كما يدعي البعض؟   

3- يعمل البعض على وضع صدقة أسفل وسادة النوم أو في السيارة الجديدة في المساء وثم في الصباح تخرج لوضعها في الصندوق المخصص للصدقات أو تسليمها للجهات المحتاجة. هل هذا العمل جائزة ولا إشكال عليه. 

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لم نقف على ما يثبت أن لمثل هذه الممارسات أساسًا في الشريعة فهي لا تعدو كونها أوهامًا وجهالات لا ينبغي صدورها من ذوي العقل،  نعم لا إشكال في أن الصدقة تدفع البلاء كما ثبت ذلك عن الرسول وأهل بيته (ع).

2023/05/21

ما حقيقة وجود أعمال وأدعية تعجّل بـ «الزواج»؟
هل هناك أعمال أو أدعية لتوفيقي للزواج المبكر؟

[اشترك]

الجواب من سماحة السيد عادل العلوي (قدس):

بسم الله الرحمن الرحيم 

كل دعاء سواء العام أو الخاص إذا كان بمعرفة وإخلاص وبشرطه وشروطه فإنّه يستجاب لا محالة، فالدعاء والذكر معروف وقلب الإنسان ظرفه، فإذا كان الظرف وسخاً وقذراً وملّوثاً بالذنوب والسيئات من الأعمال وبالصفات الذميمية والأخلاق السيئة وبالعقائد الفاسدة، فإنّه يوجب أن يتوسخ المظروف، فلا يؤثر الذكر حينئذٍ، بل الذكر من القرآن والقرآن فيه شفاء ورحمة إلّا أنّه للمؤمنين والمؤمنات ولا يزيد الظالمين إلّا خساراً ولا حول ولا قوة إلّا بالله والله المستعان وسحراً سأدعوا لكم بالزواج المبكر والناجح إن شاء الله تعالى.

2023/05/17

كيف يخدعنا الشيطان في «ترك المستحبات»؟!
السؤال من شقين الأول: ما هو الرياء والسمعة ومتى أحكم على نفسي أني عملت رياء أو سمعة؟ والشق الثاني: هو قصتي وهي أنا أحب الاتيان المستحبات وأود أن أعملها بشكل دوري.

[اشترك]

ولكن أنا عندما أود عمل أي شي أفكر به قبل الفعل، مثلاً كأني الآن أصلي الصلاة الواجبة أمام أصحابي وأحبذ أن أصلي النوافل فقبل البداء بها تنطلق مخيلتي بالتفكير، هل إذا صليت النوافل سيراني أصحابي، وهم عادة لا يصلون النوافل، كيف ستكون نظرتهم لي؟ فيبدا الشيطان بالجواب بانهم يقولون عني مؤمن، فاضطر إلى تركها خوفا من أن أدخل على نفسي الرياء والسمعة.

وفي قصة أخرى ذهبت الى مجلس لدعاء كميل وأعرف من في المجلس أغلبهم والقائمين عليه بشكل خاص فوددت أن أساهم معهم في وجبة البركة بعد الدعاء، من خلال إعطاء المبلغ إلى أحد الذين أعرفهم فبدأت أفكر هل أعطية 100 ريال او اكثر ووصلت بالتفكير أن أعطيهم 500 ريال ومن هذا التفكير بانهم سيعرفون المبلغ وسيعرفون الدافع فانا اردت المشاركة لله وبعد التفكير كعادتي افكر فيما راودني واظهار الرياء فأعطيتهم 150 كيلا اظهر الرياء والسمعة؟

فأصبحت بعيدا عن المستحبات بمرور الوقت خوفا من الرياء وحتي في التسبيح لا أسبح إلا وانا بمفردي خوفا من هذا الرياء!

وأيضا في صلاة الليل لا أصلي الصلاة الا اذا كانت زوجتي نائمة ولا أحد يعلم عني باني أصليها وتأتي الي حالات بأني أود التهجد ولكن زوجتي تكون جالسة فلا أصليها خوفا من أن أظهر الرياء والسمعة امام زوجتي.

ارجو منكم النظر في حالتي وماذا يتوجب علي فعلة هل ترك المستحبات أمام الناس وذلك خوفا من الرياء او اظهارها حتى يتسنى لي اخذ الاجر؟

الجواب من سماحة آية الله السيد منير الخباز:

هناك فرق بين الرياء وبين العجب وبين الاستحسان والارتياح.

فالرياء هو أن يأتي بالعبادة بقصد أن يُمدح بين الناس، وأن يكون محل الثناء بينهم، أو يأتي بالعبادة لله عز وجل وبقصد أن يمدح على نحو يكون الهدف من العبادة هو مجموع الأمرين، فهذا رياء محرم شرعاً ومبطل للعمل.

وأما العجب فهو أن يأتي الإنسان بالعبادة تقرباً إلى الله تعالى، لكنه معجب بنفسه في أن الناس نيام مثلاً وهو جالس يؤدي صلاة الليل، فهذا العجب الذي يدخل على قلب المؤمن أحياناً ليس مبطلاً للعبادة ولكنه موجب لنقص الثواب، فإن إعجاب الإنسان بعبادته ما دام ليس هو الهدف من العبادة وإنما هو حالة طارئة عليه عامل موجب لنقص الثواب وليس أمراً مبطلاً كالرياء.

وأما الاستحسان والارتياح حيث ورد في النصوص الشريفة «المؤمن من ساءته سيئته وسرته حسنته» وورد أيضاً في الروايات الشريفة «المؤمن هو الذي إذا أذنب استغفر وإذا أطاع استبشر» فمن علائم الإيمان أن الإنسان إذا مارس العبادة ارتاح نفسياً انه في طريق الله عز وجل، وأنه في طريق نجاة، وأنه في طريق الإعداد للآخرة، وهذا أمر لا يتنافى مع الإيمان، ولا يوجب نقص الثواب، كما لا يوجب بطلان العبادة.

وأما أن يترك الإنسان المستحبات خوفاً من حصول الرياء فهذا من وساوس الشيطان التي على الإنسان أن يتخلص منها، فليقدم الإنسان على المستحبات ولو كان هذا أمام الناس من أجل أن يعتاد على التقرب إلى الله بها ولا يعتني بتسويلات الشيطان ووسوسته في أن هذا مثال من أمثلة الرياء والسمعة.

2023/05/16

أنا حسود وحقود.. كيف أتخلص من هذا المرض؟!
أعاني من الحسد واصبحت أكره الجميع ولا أطيق احدا ابدا، وأحقد عليهم بسبب أو من دونه، لا أعلم لماذا هذه الحالات. وكنت قد طلبت من الله أن ينجيني من ذلك، بل بدل أن أتوب من ذنوبي ازداد بها وقد ابتليت بالحسد مع أنني لم أكن كذلك، فكيف أتخلص من هذه العادة السيئة؟

[اشترك]

الجواب من سماحة السيد عادل العلوي (ره):

علمك بالمرض مقدمة للعلاج والدّواء وخير الدواء التفكر السليم بأنّه لماذا الحسد وكلّه من الله سبحانه، فحسدي بمنزلة اعتراض على قضاء الله وقدره. وعليكم بالصلوات النوافل ولا سيما صلاة الليل وكذلك كثرة تلاوة القرآن الكريم والصوم المستحب ومعاشرة الطيّبين وخدمة الوالدين والأقرباء والجيران والأصدقاء والناس جميعاً كالشمس للبّر والفاجر والله المستعان عليكم بكتب الأخلاق كجامع السعادات والمحجة البيضاء.

2023/05/11

كيف تتخلص من إدمان «المواقع الإباحية»؟
السؤال: أستخدم النت بكثرة، ولكني لا أستفيد منه حيث أني كثيرا ما أجد نفسي متصفحا المواقع التي يشيب لها الرأس (المواقع الإباحية) وكلما أبتعد عن هذه المواقع أجد نفسي مرة أخرى متصفحا هذه المواقع.. فما الحل برأيكم ؟! علما بأني شخص انطوائي، لكني أحب قرائة الكتب بأنواعها وخاصة الدينية والعلمية.

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي: 

ما ذكرت من المشكلة هى مشكلة العصر، حتى إننا نرجح فى بعض الحالات عدم تشجيع البعض دخول زوايا هذه الشبكة العنكبوتية على ما فيها من مزايا ايجابية، وذلك خوفا من التزحلق الى عالم الرذيلة من دون التفات.. ومما يعزز هذه المقولة ما قاله العلماء : ( من ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة ).
إننا ندعو كل من يريد أن يضع يده على لوحة المفاتيح أن يتذكر أن مثله كمثل من يريد أن يبحر بسفينة متواضعة فى محيط مواج – بل يغلب فيه الألغام البحرية – فيا ترى ماذا سيكون حاله فى هذه الحالة ؟!.. وهل يفضل البقاء على البر أو الدخول فى البحر، مجازفا على أمل الحصول على شيئ من الكنوز ؟!.
والحديث الوعظى قد لا ينفع كثيرا فى هذا المجال وخاصة لمن هو فاقد لعنصر العزم والارادة .. ولكن إجمال النصيحة العملية فى نقاط:

  • حاول أن لا تختلي مع الجهاز وخاصة فى جوف الليل حيث غياب الرقيب.
  • لا تجعل الاحداث ممن حولك يدخلون هذه الشبكة من دون مراقبة دقيقة.
  • لا تجلس على الجهاز فى حالة الإثارة الناتجة من النظر الى ما لا يحل النظر اليه.
  • عاقب نفسك بعد كل زله وذلك بحرمان نفسك من الدخول على الجهاز.
  • من الأفضل فى حالات الضعف الجلوس على الجهاز مع الغير إلا اذا كان ذلك الغير مثلك فى الضعف.
  • حاول أن تغادر الجهاز عند أول زله لئلا يستدرجك الشيطان من دون حسبان.
  • حاول أن تستمع إلى تسجيل مذكر من القران أو الدعاء أو العزاء لتعيش جو الذكر المانع من استرخاص الحرام.
  • حاول أن تستفتح دخول الجهاز بالبسملة والاستعاذة، ومن الممكن أن يبتكر العبد الكثير من المذكرات والمحصنات فى هذا المجال بفضل من الله تعالى وتسديد . ومنها التحذير الموجود على الشبكة لكل مستخدم للإنترنت فنرجو منكم المراجعة.
2023/05/10

كيف تتعامل مع إيحاءات الشيطان خلال الصلاة؟
السؤال: ما حكم من تراوده أفكار ووسواس شيطانية يقبح ذكرها ولا تأتي هذه الافكار إلا وقت الصلاة؟ فهل تبطل الصلاة؟ مع العلم انها تكون ضد رغبتي؟

[اشترك]

وتكون مجرد أفكار تمر وأستعيذ لها من الشيطان الرجيم. وأقوم بإعادة الصلاة مرة أخرى، وهذا متعب جدا لي نفسياً فلا تنفك هذه الوساوس تتربص في وقت الصلاة فقط. مع العلم انني كتيرة الشك.

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

مثل هذه الأفكار لا تبطل الصلاة ولا يترتب عليها إثم وهي من إيحاءات الشيطان ليصرف الانسان عن عبادته فعلى المؤمن أن يطرد هذه الافكار عن ذهنه ونفسه وان لا ينساق معها بل كلما وقعت في النفس طردها ويحسن بالمؤمن أن يكثر من قول "لاحول ولا قوة إلا بالله". 

2023/05/09

تزريق هادئ للثقافات الفاسدة عبر «المسلسلات».. هل يجوز متابعتها؟!
سؤال: ما حكم متابعة المسلسلات والقصص في التلفاز والتي تكون فيها الممثلات غير محجبات؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ محمد الصنقور:

لا ينبغي للمؤمن العكوف على مطالعة ما تبثُّه الفضائيات من مسلسلات وذلك للأثر النفسي والتربوي السيئ الذي يترتب على ذلك، فمثل هذه المسلسلات تستهدف خلق ثقافات وأعراف فاسدة ولكن بنحو التزريق الهادئ المنتج للإدمان أولاً والانقلاب في الفكر والثقافة والسلوك ثانياً.

2023/05/09

هل الوحي خاص بـ ’الأنبياء’ فقط؟!
الوحي عند العلماء في الجملة، على ثلاثة أقسام:

[اشترك]

الأول: وحي التشريع

وهذا خص بالأنبياء فقط لا غير، وقد انقطع عن أمة محمد بموت النبي محمد صلى الله عليه وآله؛ فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه كذلك إلى يوم القيامة.

الثاني: وحي التأييد والتأكيد

وهذا لا مانع من أن ينزل على مطلق المعصومين غير النبي، كما نزلت الملائكة على فاطمة، وعلى أم موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)

كل الأوصياء، ومنهم أئمتنا عليهم السلام، يوحى لهم هذا القسم من الوحي، وأصله في القرآن: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا).

الثالث: وحي التسديد

وهذا لا مانع من أن ينزل حتى على البشر العادي من طريق الإلهام، إذا استنجد بالله تعالى، كما في قولنا: استخر الله خيرة في عافية؛ فالله يلهمه (يوحي له) الصواب.

2023/03/20

وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم: هل يتوقّف حسابنا يوم القيامة على أهل البيت (ع)؟
ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة لفظ : (وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم) وقد تساءل البعض عن معنى ذلك!!

[اشترك] 

قلنا: الزيارة أخرجها الشيخ الصدوق في كتابيه الفقيه([1]) والمعاني([2])، والشيخ الطوسي في التهذيب([3])، قد نوقش فيها سنداً ودلالةً ؛ فأمّا سنداً ، فلأنّ فيها موسى بن عبد الله النخعي ، وهو مجهول..

ويرد عليه لا عبرة بذلك ؛ إذ قد أخرجها القدماء ، كالصدوق والطوسي في كتبهم ، التي عليها المدار، وأفتوا بمضمونها ، بلا أدنى طعن أو تليين أو رد ، وإنّما طعن في صدورها من طعن ؛ لاعتياص فقرة (وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم) لا أكثر ولا أقل .

والطعن فيها لذلك، جهد عاجز ؛ لمجموع أمور ..

الأوّل : لكثرة شواهدها ، وسيعرض المقال لبعضها على ما سيأتي .

الثاني : لا ضير في معناها إجمالاً

اتفق أصحابنا رضي الله عنهم ، أنّ أهل البيت عليهم السلام ، ميزان دخول الجنّة أو النّار ؛ فمن أحبّهم ووالاهم دخل الجنّة ، ومن بغضهم وعاداهم دخل النّار ، على ما قضى الله تعالى، وفي هذا أخبار قطعيّة متواترة ، قرآناً وسنّة ، معلومة ضرورة لكلّ مسلم ؛ كآيتي المودة والتطهير من الرجس ، المفسرتين بهم عليهم السلام بالإجماع المركب بين الفريقين سنة وشيعة ، فلا إشكال .

قال الصدوق (381هـ) مثلاً : وإنّما صار عليه السلام قسيم الجنّة والنّار ؛ لأنّ قسمة الجنة والنار ، إنّما هي على الإيمان والكفر، وقد قال له النبي صلى الله عليه واله: ( يا علي ، حبك إيمان ، وبغضك نفاق وكفر) فهو عليه السلام ، بهذا الوجه ، قسيم الجنّة والنّار([4]).اهـ.

وقال الشيخ المفيد رضي الله عنه (413هـ): قال أبو جعفر : اعتقادنا في الصراط أنه حق ، وأنه جسر؛ الصراط في اللغة هو الطريق ؛ فلذلك سمّي الدين صراطاً ؛ لأنّه طريق إلى الصواب ، وله سمي الولاء لأمير المؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام صراطاً . ومن معناه قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا صراط الله المستقيم ، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها . يعني : أنّ معرفته والتمسك به طريق إلى الله سبحانه .

وقد جاء الخبر بأنّ الطريق يوم القيامة إلى الجنّة ، كالجسر يمر به الناس ، وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن شماله أمير المؤمنين عليه السلام ، ويأتيهما النداء من قبل الله تعالى : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ). وجاء الخبر أنّه لا يعبر الصراط يوم القيامة إلاّ من كان معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام من النار  ([5]).

وقال المجلسي الثاني (1111هـ): (وإياب الخلق إليكم ...) الإياب بالكسر: الرجوع، أي : رجوع الخلق في الدنيا ، لجميع أمورهم ، إليهم ، وإلى كلامهم ، وإلى مشاهدهم ، أو في القيامة للحساب ، وهو أظهر ؛ فالمراد بقوله تعالى : (إنّ إلينا إيابهم) أي : إلى أوليائنا، كما دلّت عليه أخبار كثيرة ([6]). اهـ.

الثالث : هل تجب معرفة تفاصيل هذه العقيدة !!

قلنا -بلا خلاف أعلمه-: معرفة هذه التفاصيل غير واجبة على المسلم؛ فيكفي الاعتقاد أنّه لا نجاة في الدنيا والآخرة إلاّ بمولاة محمد وآل محمد ، وإنّما خاض بعض الأساطين فيما عدا ذلك ؛ لمزيد بيان وإيضاح ؛ إذ الأخبار في ذلك كثيرة جدّاً ، بل متواترة .

وأيّاً كان، تساءل البعض عن هذه التفاصيل ؛ أي: عن كيفيّة إياب الخلق إليهم، وتفاصيل حسابهم عليهم صلوات الله عليهم؟!!!.

قال المجلسي الأوّل محمد تقي (1070هـ) :

(وإياب الخلق إليكم) أي : رجوعهم في الدنيا لأخذ المسائل والزيارات ، وفي الآخرة ، لأجل الحساب ، كما روي عنهم عليهم السلام أنّهم الميزان ، أي: الحقيقي والواقعي.

أو في الآخرة ، بقرينة : (وحسابهم عليكم) كما قال تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا) أي إلى أوليائنا بقرينة الجمع (إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) وروي في الأخبار الكثيرة أنّ حساب الخلائق يوم القيمة إليهم ، ولا استبعاد في ذلك ، كما أنّ الله تعالى قرر الشهود عليهم من الملائكة والأنبياء والأوصياء والجوارح ، مع أنّه قال تعالى : (وَكَفى بِالله شَهِيداً) وهو القادر الديان يوم القيمة ، ويمكن أن يكون مجازاً باعتبار حضورهم مع الأنبياء عند محاسبة الله تعالى إياهم ([7]).

قال حبيب الله الخوئي (1324هـ): ما ذكره أولاً هو الأظهر ؛ إذ المصير إلى المجاز ، إنّما هو مع تعذّر إرادة المعنى الحقيقي ، وأمّا مع الامكان فلا ، وقد دلَّت الأخبار الكثيرة كما اعترف رحمه الله به أيضاً ، على أنّ المحاسب هم عليهم السّلام فيتعيّن إرادة الحقيقة([8]).اهـ.

الرابع : الشواهد المعتبرة الكثيرة

عقد الحر العاملي رضي الله عنه باباً ، تحت عنوان : إنّ حساب جميع الخلق يوم القيامة إلى الأئمة عليهم السلام، سرد فيه روايتان ، رواها الكليني رضي الله عنه في الكافي ، أحدهما : رواية سماعة عن الكاظم عليه السلام ، والثانية رواية جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام....، ثمّ ختم قائلاً : أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة([9]).اهـ.

رواية سماعة!!

روى الكليني ، بإسناد مختلف فيه (صحيح على بعض المباني) ، عن سماعة قال : قال أبو الحسن الأول عليه السلام : فقال يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق و علينا حسابهم ؛ فما كان لهم من ذنب بينهم و بين الله عز و جل ، حتّمنا على الله في تركه لنا ، فأجابنا إلى ذلك ، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم ، وأجابوا إلى ذلك ، وعوضهم الله عز و جل([10]).

رواية جابر الجعفي!!

روى الكليني ، بإسناد مضعف بعمر بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : قال الباقر عليه السلام: (يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الأولين و الآخرين لفصل الخطاب....، ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس فنحن و الله ندخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار...) ([11]).

رواية عبد الله بن سنان!!

روى الطوسي (460هـ) بإسناده عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال : «إذا كان يوم القيامة وكلنا الله بحساب شيعتنا، فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا فهو لهم، و ما كان لنا فهو لهم» ثمّ قرأ أبو عبد الله عليه السلام : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ([12]).

قال المازندراني رضي الله عنه (1081هـ) شارحاً :

(فنحن والله ندخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار) لأنّهم قوام الله تعالى على خلقه ، وعرفاؤه على عباده ، لايدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرهم وأنكروه) ([13]).اهـ.

وقال السيد عبد الله شبر (1220هـ):

( وإياب ) بكسر الهمزة أي رجوع ( الخلق ) في الدنيا لأمور دينهم ودنياهم وأحكام شرائعهم وإصلاح معادهم ومعاشهم ، أو في القيامة لأجل الحساب والشفاعة ( إليكم ) أو إلى كلامكم ، أو إلى مشاهدكم.

( وحسابهم عليكم) فقوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) أي إلى أوليائهم، كما يشعر به صيغة الجمع ، ولا استبعاد في ذلك ، فقد وكلّ تعالى بالعذاب والحساب والكتاب جمعاً من الملائكة ، وهم أفضل من الملائكة ( عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام...)  وساق حديث جابر الجعفي أعلاه. (وعن سماعة) وساق حديثه كما هو أعلاه([14]) .اهـ.

وقال السيد شرف الدين الأستر آبادي (حوالي : 965هـ) :  

قوله : (وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم) ومعنى هذا التأويل : الظاهر : أن الضمير في (إلينا) و: (علينا) راجع إلى الله تعالى .

وأما الباطن : فإنه راجع إليهم ، صلوات الله عليهم ، وذلك لأنّهم ولاة أمره ونهيه في الدنيا والآخرة ، والأمر كله لله ، فلمن شاء من خلقه جعله إليه ، ولا شك أن رجوع الخلق يوم القيامة إليهم ، وحسابهم عليهم ، فيدخلون وليهم الجنة ، وعدوهم النار ، كما ورد في كثير من الاخبار ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام : (قسيم الجنة والنار) ([15]). اهـ.

الخامس : من الشواهد الصحيحة

أخرج القمي في تفسيره حدثنا فرات بن ابراهيم قال حدثنا محمد بن احمد بن حسان قال حدثنا محمد بن مروان عن عبيد بن يحيى عن محمد بن الحسين ابن علي بن الحسين عن ابيه عن جده عن علي بن ابي طالب عليه وعليهم السلام في قوله : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ؟!.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنّ الله تبارك وتعالى ، إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، كنت أنا وانت يومئذ عن يمين العرش، ثم يقول الله تبارك وتعالى لي ولك: قوما فألقيا من ابغضكما وكذبكما في النار).

قلت: إسناده صحيح على الأظهر، ورواه الشيح الطوسي في الأمالي بأكثر من طريق .

وأخرج القمي (في تفسير وألقيا في جهنم) قال : حدثني أبي ، عن عبدالله بن المغيرة الخزاز ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول...: (أنا مالك خازن النار أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح النار، فأقول: قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما أنعم به علي ، وفضلني به ، إدفعها إلى أخي علي ابن ابي طالب، فيدفعها اليه، ثم يرجع مالك فيقبل علي عليه السلام ، ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، حتى يقف على شفير جهنم ، ويأخذ زمامها بيده ، وقد علا زفيرها،  واشتد حرها وكثر شررها، فتنادي جهنم يا علي جزني ، قد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي عليه السلام: قرّى يا جهنم ، ذري هذا وليي ، وخذي هذا عدوي، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه؛ فإنّ شاء يذهب به يمنة ، وإن شاء يذهب به يسرة، ولجهنم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق، وذلك أنّ علياً عليه السلام ، يومئذ قسيم الجنة والنار).

قلت: إسناده صحيح ، والروايات في كونه قسيم الجنّة والنّار كثيرة .

وأخرجه الصدوق في علل الشرائع قال : حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة الخزاز، عن أبي حفص العبدي ، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ...، وساق مثله .

وإسناده صحيح بلفظه أو معناه ؛ فعبد الله بن المغيرة رضي الله عنه من أصحاب الإجماع .

والأخبار في ذلك كثيرة جدّاً ، كحديث الغدير والثقلين ونحوهما؛ ففي الجميع دلالة أنّ محبتهم ومولاتهم ميزان الله تعالى في دخول الجنة أو النار .

الخلاصة، في أمور:

الأول : معنى : (إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم) أنّ أهل البيت عليهم السلام ، هم ميزان دخول الجنة أو النار ؛ فمن اتبعهم وأحبّهم وولاهم فهو في الجنّة ، ومن بغضهم وعاداهم ، ووالى أعدائهم ، فهو في جهنّم ، وهذا معلوم ضرورة يشهد له القرآن في آيتي المودة والتطهير من الرجس، المفسران بأهل الكساء ، بالإجماع المركب بين السنة والشيعة ، وإن اختلفوا في سعة  أو ضيق مفهوم أهل البيت .

الثاني : دعوى الغلاة لعنهم الله تعالى ، أنّ الله ترك حساب الخلق إلى أهل البيت عليهم السلام ، وأنهم مستقلون في ذلك ، شركٌ صريحٌ ، إجماعاً وضرورة ؛ للزوم القول بالشريك .

الثالث : لا مانع عقلاً وشرعاً ، أن يقضي سبحانه بأن يكون بعض عباده متصرفاً بإذنه على التبع ، كما قال المجلسي الأول والسيد عبد الله شبّر وغيرهما ضي الله عنهم ، واللفظ للثاني : (ولا استبعاد في ذلك ، فقد وكلّ تعالى بالعذاب والحساب والكتاب جمعاً من الملائكة ، وهم أفضل من الملائكة).

الرابع: لكن ربما يقال على قواعد الحكمة المتعالية ، بوجوب الواسطة ، بيان ذلك ..

لا ينبغي الريب أنّ أهل البيت عليهم السلام ، واسطة فيض وإيجاد ، على ما قضى الله تعالى ، كما أنّ أغلب العباد ذاتاً ، لا أهليّة لهم لدخول الجنّة ، بلا واسطة فيض دائمة (كالشفاعة) ؛ بداهة أنّ القدرة لا تتعلق بالممتنع ذاتاً ، كما في قضية جبرائيل يوم الإسراء (لو تقدمت أنملة لاحترقت) فتعين القول بلزوم الواسطة في الفيض لدخول الجنّة ، ولا واسطة أشرف من محمد وآل محمد صلوات الله عليهم .

وأمّا أهل النار ؛ فكذلك عكساً ؛ فيكفي سد باب الفيض عنهم ليركسوا في جهنم.

وربما ناقشه المشهور ، بأنّ القول بوجوب الواسطة على الله مشكل ، والأمر لا يسعه ما نحن فيه .

 

الهوامش:
([1] ) من لا يحضره الفقيه 2: 612. رقم : 3213. باب زيارة جامعة لجميع الأئمة عليهم السلام. ([2] ) عيون أحبار الرضا 2: 307. زيارة أخرى للرضا عليه السلام جامعة. ([3] ) التهذيب 6: 97. رقم: 177. باب زيارة جامعة لسائر المشاهد على أصحابها السلام. ([4] ) معاني الأخبار : 206 . باب معنى قول النبي : (يا علي لك في الجنة كنز) ([5] ) تصحيح اعتقادات الإماميّة : 108. ([6] ) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار9: 262 . والبحار 99: 139. ([7] ) روضة المتقين للمجلسي الأول5: 478. ([8] ) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 3: 214. ([9] ) الفصول المهمة في أصول الأئمة 1: 447. ([10] ) الكافي (ت: علي غفاري) 8: 162. رقم: 167. حديث الناس يوم القيامة. دار الكتب الإسلامية ، طهران. ([11] ) الكافي (ت: علي غفاري) 8: 159. رقم: 154. حديث الناس يوم القيامة. دار الكتب الإسلامية ، طهران. ([12] ) الأمالي للطوسي : 406.رقم: 911. ([13] ) شرح أصول الكافي للمازندراني 12: 180. ([14] ) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة للسيد عبد الله شبر : 136. ([15] ) تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة 3: 789.
2022/12/04

حب النساء كمال: لماذا يتزوج المعصوم (ع) بأكثر من امرأة؟!
هل كثرة زواج المعصوم (عليه السلام) تدلّ على أنّه شهوانيّ، وبالتالي لا يصلح أن يكون قدوة للآخرين؟

[اشترك]

أوّلاً: ينبغي التفريق بين تعدّد الزوجات، وبين كثرة الزوجات، فإنّ تعدّد الزوجات لا يعني بالضرورة الكثرة، فإنّ التعدّد يصدق على الزوجتين فصاعداً، بينما الكثرة يصدق على الثلاثة فصاعداً.

والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) وإن كان بعضُهم قد تزوّج بأكثر من زوجة في بعض مراحل عمرهم حسب ما اقتضه ظروفهم، إلّا أنّه لم يصل إلى حدّ الكثرة. فالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ مثلاً ـ لم يتزوّج في حياة السيّدة خديجة (رضوان الله عليها) بزوجة أخرى، وهي فترة امتدّت لخمس وعشرين سنة تقريباً، وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يتزوّج في حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بزوجة أخرى، وهي فترة امتدّت لخمس سنوات تقريباً. وليس من الواضح أنّ جميعَ الأئمّة (عليهم السلام) عدّدوا الزوجات، بأن تزوّجوا اثنتين أو ثلاث أو أربع، فهذا شيء يحتاج لسبر تاريخيّ دقيق، وليس من السهل إثباته.

ثمّ إنّ تعدّد الزوجات في أيّام زمانهم كانت ظاهرة طبيعيّة، وحالة عامّة، ليس بها نقيصة ولا استهجان، ومن المعلوم أنّه لا يمكن أن ندرس مثل هذه الظاهرة دون دراسة ظروفها المحيطة بها وملابساتها التي تكتنفها، فلا بدّ أن نلاحظ الزمان والمكان والظروف ونحوها ممّا لها دخالة في الحكم على أنّها حالة طبيعيّة أو لا، فلا يمكن أن ندرس الحالة بتلك الحقبة على أساس الظروف التي نعيشها الآن.

ثمّ إنّ التعدّد ليس ملازماً للكثرة كما ذكرنا سابقاً، فضلاً عن الكثرة الخارجة عن الحدّ المألوف في تلك الحقبة الزمنيّة. وما يُذكر في بعض كتب التاريخ والسيرة من أرقام لعدد زوجات بعض الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ـ مع عدم ثبوت بعضها ـ هي أعمّ من الزوجات وأمّهات الأولاد، وأعمّ من الزوجات اللاتي بقين على عصمة الزوجيّة إلى زمان شهادة المعصوم (عليه السلام) واللاتي بُنّ عن الزوجيّة بالطلاق أو الموت.

ثانياً: ذكرنا في جوابٍ سابق: أنّ طبيعةَ الإنسانِ مُركّبةٌ مِن قوىً عديدةٍ، منها قوّةُ الشّهوةِ، فيميلُ الرّجالُ للنّساءِ والنّساءُ للرّجالِ، والنبيّ الأكرمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإنْ كانَ نبيّاً ورسولاً ويُوحى إليهِ فإنّه بشرٌ، قالَ اللهُ تعالى: {قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثلُكُم يُوحَىٰ إِلَيَّ} [سورة الكهفُ: 110]، فالجنبةُ البشريّةُ ليسَت منفيّةً عنِ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله).

ومنَ المعلومِ أنّ حبَّ الرّجلِ للنّساءِ كمالٌ يُمتدَحُ عليه الرّجلُ عندَ أصحابِ الفِطرِ السّليمةِ والطّباعِ المُعتدلةِ، فلا مجالَ لأن يكونَ ذلكَ نقصاً، بلِ النّقصُ في عدمِ حبّ الرّجلِ للنّساءِ وعدمِ ميلِه لهنَّ ـ لأنّهُ خلافُ الطبيعةِ التي جُبلَ عليها ـ، والنبيّ الأكرمُ رغمَ إشتغالِه بالعبادةِ والهدايةِ والإرشادِ كانَ يُراعي حقوقَ نسائِه وجانبَه البشريَّ، وهذا يدلُّ على اعتدالِ مزاجِه وتكاملِ قوّتِه الجسديّةِ والنفسيّة. 

ثمّ لا يصحّ التّعبيرُ عَن ذلكَ بكلمةِ «الشهوانيّ»؛ لأنّها تعني شدّة الرغبة في الملذّات الماديّة الدنيويّة، وطبيعةَ هذهِ الكلمةِ فيها شائبةُ تنقيصٍ؛ باعتبارِ أنّها توحي بطغيانِ جانبِ الشّهوةِ على جانبِ التعقّلِ، وبعدمِ اتّزانِ القوى لدى صاحبِها، ومنَ الواضحِ أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) وإنْ كانَ مُحبّاً للنّساءِ فقد كانَ أعقلَ النّاسِ وأعبدَ النّاسِ وأزهدَ النّاس، وبهذا يظهرُ أنّه لا يصحُّ توصيفهُ بذلكَ لأنّ الكلمةَ تحملُ طابعَ التّنقيصِ مِن جانبهِ الأقدسِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). والكلام نفسه يجري بالنسبة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

وقد ذكر المحقّق النراقيّ في [جامع السعادات ج2 ص250] وجهاً لطيفاً بقوله: « ولا تغرّنك كثرة نكاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنّه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا، وكان استغراقه في حبّ الله بحيث يخشى احتراق قلبه والسراية منه إلى قالبه، فكان (صلى الله عليه وآله) يكثر من النسوان، ويشغل نفسه الشريفة بهنّ، ليبقى له نوع التفات إلى الدنيا، ولا يؤدّي به كثرة الاستغراق إلى مفارقة الروح عن البدن... ثمّ لمّا كانت جبلته الأنس بالله، وكان أنسه بالخلق عارضاً يتكلّفه رفقاً ببدنه، فإذا طالت مجالسته معهم لم يطق الصبر معهم وضاق صدره، فيقول: (أرحنا يا بلال)، حتّى يعود إلى ما هو قرّة عينه، فالضعيف إذا لاحظ أحواله فهو معذور؛ لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله ».

2022/08/01

نحوسة شهر صفر.. حقيقة أم وهم؟!
من جملة المسائل التي يرمى الدينُ من خلالها بالخرافة: مسألة نحوسة الأيام، حيث يشتهر على ألسنة المتدينين وجود أيام نحسات، فيتجنبون الزواج والسكنى وممارسة بعض الأعمال فيها، وهذا ما يدعونا للوقوف عند حقيقة نحوسة الأيام عمومًا، وتحقيق نحوسة شهر صفر خصوصًا، وذلك من خلال ثلاثة محاور:

المحور الأول: حقيقة نحوسة الأيام.

ومطرح البحث هنا هو: أنَّ النحوسة التي توصف بها بعضُ الأيام هل لها حقيقةٌ ذاتيةٌ، أم لا؟

وللإجابة عن هذا التساؤل توجد ثلاث نظريات:

النظرية الأولى: النظرية الإيحائية.

ويرى أصحاب هذه النظرية: أنَّ نحوسة الأيام والأوقات مجرد وهم، فليس هنالك وقتٌ يكون لخصوصيةٍ فيه نحسًا، ووقتٌ يكونُ لخصوصيةٍ فيه مباركًا، بل الأيام والأوقات كلها متساوية من هذه الناحية، وما النحوسة سوى وهم توحي به بعض الحوادث المأساوية التي تقع في بعض الأيام، كما أنَّ البركة مجرد وهم توحي به المناسبات السعيدة التي تحدث في الأيام الأخرى.

النظرية الثانية: النظرية الاقترانية.

ويرى أصحاب هذه النظرية: أنَّ الأوقات والآنات الزمانية في حد ذاتها لا نحوسة فيها ولا بركة لها، ولكنَّ اقترانها بحدث معين يُضفي عليها ثوب النحوسة أو البركة، فمثلًا: يوم عاشوراء في حد نفسه لا نحوسة فيه، فقد كان يومًا عاديًا قبل أن يُقْتَل فيه سيد الشهداء (عليه السلام)، ولكنه عندما اقترن بفاجعة الطف تسبّب هذا الاقتران في صيرورته نحسًا.

وقد يُستشهد لذلك بما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام): “من ترك السعي في قضاء حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر فيه شيئًا لم يبارَك له فيما ادخر فيه، وحشره الله مع يزيد وابن زياد وعمر بن سعد في الدرك الأسفل من النار”[1]، والحاصل: فإنَّ يوم عاشوراء وإن كان في حد ذاته لا نحوسة فيه، إلا أنه لمّا اقترن بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) اتّسم بالنحوسة [2].

النظرية الثالثة: النظرية الذاتية.

ويرى أصحاب هذه النظرية: أنَّ النحوسة والبركة للأوقات أمران ذاتيان، بمعنى أنَّ القطعة الزمانية الموصوفة بالبركة أو النحوسة قد جعلها الله تعالى ذات خصائص تكوينية معينة، وهذه الخصائص التكوينية قد أوجبت نحوستها أو بركتها.

وبعبارة أخرى: إنَّ الزمان قطع متعددة وآنات متراكمة، فكلُّ يوم من الأيام قطعة من الآنات يُعبّر عنها بـ(الزمان)، وحيث أنَّ الله تعالى قد جعل بعض هذه القطع ذات خصائص تكوينية معينة، فإنَّ هذه الخصائص قد تجعل تلك القطعة موجبةً للنحوسة وقد تجعلها موجبةً للبركة، وهذا معنى أنَّ البركة والنحوسة أمران ذاتيان.

ومن الواضح أنَّ جميع هذه النظريات الثلاث ممكنةٌ بحسب مقام الثبوت، وبالتالي فمن أجل ترجيح إحداهن على الأخريتَيْن لا بُدَّ من الرجوع إلى لسان الأدلة والنصوص الشرعية قرآنًا وسنةً.

ونلتقي – حينئذ – بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[3]، وقوله أيضًا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}[4]، وقوله تعالى أيضًا: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}[5]، وفي تفسير هذه الآيةِ وردَ عن الإمام الباقر (عليه السلام): “الصرصر: الريح الباردة، في أيام نحسات: أيام مشائيم”[6].

وهذا المقدار من النصوص يكفي لاستبعاد النظرية الأولى؛ إذ أنها ظاهرةٌ جدًا في أنَّ مسألة النحوسة والبركة في الأوقات ليست مجرد إيحاء ووهم، بل هي ذات بُعْدٍ واقعي.

وعلى ضوء ذلك يدور أمر هذه الواقعية بين كونها على نحو الاقتران، كما هو مفاد النظرية الثانية، وبين كونها أمرًا ذاتيًا، كما هو مفاد النظرية الثالثة.

والظاهر من الأدلة المذكورة – حيث وصفت الأيام والليالي بالنحوسة تارة والبركة تارة أخرى – هو أنَّ النحوسة والبركة أمران ذاتيان مُكوّنان ضمن الخصائص التكوينية للأزمان الموصوفة بالنحوسة والبركة، لا أنَّ الأزمان بسبب اقترانها بحوادث معينة قد أصبحت مباركة أو نحسة؛ إذ الظاهر من توصيف الشيء بوصفٍ معيّن أنَّ الوصف وصف له بحال نفسه لا بحال غيره [7].

اللهمّ إلا أن يُقال: إنَّ الاقتران بالنحس والبركة قد يولّد نحوسة وبركة في نفس الأوقات، فلا تأبى الأدلة المذكورة حينئذ عن حملها على النظرية الاقترانية بهذا التفسير الجديد؛ لوضوح أنَّ وصف الوقت بالبركة أو النحوسة – على ضوء هذا التفسير لنظرية الاقتران – يكون من باب وصف الشيء بحال نفسه أيضًا، وإن لم يكن اتصافه به من ذاتياته، بل هو طارئ وعارض عليه.

وقد يحاول البعض استظهار ذلك من بعض النصوص الشريفة، كالخبر المشهور عن الإمام الصادق (عليه السلام): “مَن سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم يرَ الحسنى”[8]، بدعوى: أنَّ هذا الخبر – والذي يفتي الفقهاء على ضوئه بكراهة إنشاء عقد الزواج والدخول بالزوجة حين يكون القمر في برج العقرب – ظاهرٌ في أنَّ الوقت المذكور– بسبب اقترانه بكينونة القمر في برج العقرب – له خصائص تكوينية تمنع من حدوث البركة، مما يعني عدم كون النحوسة من الذاتيات، وإنما هي من العوارض الطارئة [9].

وعلى ذلك؛ فالنحوسة – وكذلك البركة – ليست مجرد أمر وهمي إيحائي، بل الصحيح أنها ذات بعد واقعي، إلا أنها قد تكون ذاتية لبعض الأوقات، واقترانية لبعضها الآخر [10].

المحور الثاني: تأثير الأيام في النحوسة بين الاقتضاء والفعلية.

بعد أن ثبت لدينا: أنَّ لبعض الأيام تأثيرًا واقعيًا في النحوسة، يقع الكلام هنا حول أنَّ هذا التأثير هل هو على نحو الاقتضاء؟ أم هو على نحو العلية التامة؟

وحتى يتضح المقصود جيّدًا نقول: لقد ثبت لدينا – من خلال المحور السابق – أنَّ الأيام تؤثر وتوجب النحوسة أو البركة، وهذا يعني أنَّ هناك مؤثرًا – وهو القطعة الزمانية المعينة – وأثرًا يترتب عليه، وهو النحوسة أو البركة، فمثلًا: عندما يريد الإنسان أنْ يُوقِع عقد زواجه والقمر في العقرب، فإنَّ المؤثر هو القطعة الزمنية التي يكون فيها القمر في العقرب، والأثر المترتب على ذلك هو عدم الحسنى، أي: عدم العاقبة الحسنة، وحينها يأتي السؤال المتقدم حول كيفية هذا التأثير، وأنه على نحو الاقتضاء؟ أم على نحو العلية التامة؟

وهنا يوجد عندنا احتمالان:

الاحتمال الأول: أنَّ المؤثر المذكور بمجرد أن يتحقق يتحقق أثره من غير أن يمنعه مانع، وهذا ما يُعَبَّر عنه بالتأثير على نحو العلية التامة.

الاحتمال الثاني: أنَّ المؤثر المذكور لو تُرِكَ كما هو لأثّر أثره، ولكنه متى ابتُلي بالمانع فإنه يحول بينه وبين تأثيره ذلك الأثر، وهذا ما يُعَبَّر عنه بالتأثير على نحو الاقتضاء.

وحتى تتضح الفكرة جيّدًا نضرب مثالًا، فنقول: إننا حين نصف النار بأنها محرقةٌ، فهذا لا يعني أنَّ أثرها – وهو الإحراق – يتحقق فورًا بمجرد تحققها، إذ أنَّ الإنسان لو أشعلَ نارًا ولكنه لم يضع بجانبها شيئًا فلن يتحقق الإحراق، وكذا لو وضع بقربها جسمًا مبللًا فإنَّ النتيجة هي عدم تحقق الإحراق أيضًا، مما يعني أنَّ النار لها اقتضاء الإحراق، بمعنى أنها بمجرد تحققها لا يتحقق الأثر، بل لا بُدَّ من تحقق الشرط من ناحية، وهو اقتراب الجسم المحترق منها، وارتفاع المانع من ناحية أخرى، وهو البلل والماء، وأما لو كانت الرطوبة موجودة فإنها تمنع من تأثير النار، ولذلك نقول: النار ليست علة تامة للإحراق، وإنما لها اقتضاء الإحراق.

وإذا اتضح الفرق بين التأثيرين فإننا نقول: إنَّ تأثير الأيام في النحوسة تأثير اقتضائي، وليس على نحو العلية التامة، وهذا يعني أنها تؤثر أثرها إذا لم يتحقق المانع، وأما متى ما تحقق المانع فإنها لا تؤثر أثرها، ولكن ما هو هذا المانع الأقوى تأثيرًا منها؟

وللإجابة عن ذلك يُقال: كما أنَّ نحوسة وبركة الأيام مما لا سبيل لاستكشافه إلا بتنصيص المحيط بالمصالح والمفاسد الواقعية، كذلك الموانع عنها لا يمكن استكشافها إلا بالرجوع إليه.

وعند الرجوع للنصوص الشريفة نلتقي بعدةٍ من الموانع، ومن أهمها الصدقة، فقد نصّت الروايات الشريفة على أنَّ الصدقة تحول دون تأثير الأوقات، كالرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام): “من تصدق حين يصبح بصدقة أذهب الله عنه نحس ذلك اليوم” [11].

وعنه عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إذا أصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة”[12].

ومن هنا فإنَّ من المستحسن للمؤمن أن يلتزم بالصدقة بشكلٍ يومي ولو بمقدار بسيط جدًا، بأن يجعل له صندوقًا يضع فيه ولو مقدارًا ضئيلًا من الصدقة كلَّ يوم؛ لدفع نحوسته.

وكيف كان، فمما ذكرناه يتضح أنَّ تأثير الأوقات في النحوسة تأثير اقتضائي، وليس على نحو العلية التامة، وهذا يعني أنَّ الأوقات وإن كانت مؤثرة في النحوسة إلا أنَّ هنالك ما هو أقوى منها تأثيرًا، وإذا حصل ما هو الأقوى تأثيرًا – وهو الصدقة، كما مرّ – فإنَّ الأضعف تأثيرًا لا يؤثر أثره.

ولك أن تقول: النحوسة والصدقة من قبيل النار والماء، فإنهما معًا مؤثران، ولكنَّ أحدهما أقوى تأثيرًا من الآخر، ولذا عندما يجتمعان تكون الغلبة للأقوى، وهذا الأقوى الذي يلغي تأثير المؤثِّر الآخر عند التزاحم هو ما يُعبّر عنه – في الاصطلاح – بـ(المانع)، وبما أنَّ الصدقة علة للتأثير، والأيام النحسة علة للتأثير أيضًا، إلا أنَّ الصدقة هي الأقوى تأثيرًا، لذلك يمكن حيلولتها دون تأثير الأيام في النحوسة.

المحور الثالث: حقيقة نحوسة شهر صفر.

يشتهر في الألسنة: أنَّ شهر صفر شهر نحس، وقد يتداول بعض الناس أعمالًا وأورادًا وصلواتٍ ينسبونها للمشرِّع، ويزعمون أنَّ الهدف من تشريعها هو دفع نحوسة شهر صفر، ومنها الصلاة المتداولة المعروفة عند الناس بصلاة آخر أربعاء من شهر صفر، والتي يُقال: إنَّ أداءها موجب لدفع نحوسة ما بقي من شهر صفر إلى شهر صفر المقبل.

فالكلام يدور حول أنَّ نحوسة شهر صفر هل هي ثابتةٌ فعلًا، أم لا؟

وهنا ربّما يُقال: إنَّ نحوسة شهر صفر أمرٌ ثابتٌ، والدليل على ذلك هو كلام شيخ المحدّثين، العلامة التقي، الشيخ عبّاس القمي (رحمه الله)، حيث قال في كتابه الشهير (مفاتيح الجنان): “اعلم أنَّ هذا الشهر معروفٌ بالنحوسة، ولا شيء أجدى لرفع النحوسة من الصدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة، مَن أراد أن يصان مما ينزل في هذا الشهر من البَلاءِ فليقل كل يوم عشر مرّات – كما روى المحدث الفيض وغيره –: [يا شَدِيدُ القُوى وَيا شَدِيدَ المِحالِ، يا عَزِيزُ يا عَزِيزُ يا عَزِيزُ، ذَلَّتْ بِعَظَمَتِكَ جَمِيعُ خَلْقِكَ، فَاكْفِنِي شَرَّ خَلْقِكَ، يا مُحْسِنُ يا مُجْمِلُ، يا مُنْعِمُ يا مُفَضِّلُ، يا لا إلهَ إِلاّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَيْناهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ، وَصَلّى الله عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرينَ]” [13].

ولنا حول هذا الكلام ثلاثة تعاليق:

التعليق الأول: عدم وجود نص شرعي يثبت النحوسة.

إنَّ النحوسة والبركة – كما مرَّ – إنما تثبت للأزمنة بنصِّ المُشرِّع المحيط بالمصالح والمفاسد الواقعية، وبالتالي فإذا كان هنالك نصٌّ شرعيٌّ يؤكّد على ثبوت النحوسة أو البركة فبها ونعمت، وإلا فإنَّ ذلك مما لا موجب للالتزام به، وعند الرجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لا نجد ولا رواية واحدة – ولو كانت ضعيفة – تدلُّ على أنَّ شهر صفر له خصوصية النحوسة [14].

ونفس الشيخ الفيض الكاشاني (طاب ثراه) لم ينسب ما ذكره إلى أحد المعصومين (عليهم السلام)، بل اكتفى بقول: “لأيام صفر: «يا شديد القوى يا شديد المحال، يا عزيز يا عزيز، ذلّت بعزّتك جميع‏ خلقك‏، فاكفني شرّ خلقك، يا مجمل يا منعم يا مفضل، يا لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين» كل يوم عشر مرّات للحفظ من البلايا النازلة فيه‏”[15].

نعم، هنالك رواية عامية نبوية تقول: “من بشّرني بخروج شهر صفر بشّرته بالجنة”، ولكنَّ هذه الرواية ليست واردة من طريقنا، كما أنَّ نفس علماء العامة يصرّحون بوضعها [16].

مضافًا إلى قصور دلالتها عن إثبات ذلك، لاحتمال أن يكون التبشير فيها بلحاظ جهة أخرى غير جهة النحوسة، كما ويُحتمل – على فرض صدورها – أن يكون المراد بشهر صفر فيها شهر صفر خاص كان النبي (صلى الله عليه وآله) يترقب تصرّمه.

ومما يجدر ذكره هنا: أنَّ الأعمال والأدعية والآداب والسنن كثيرةٌ جدًا، ولكنَّ الشيخ القمي – جزاه الله خير الجزاء – قد اختصرها في كتاب واحد، وذلك عندما رأى الناس يميلون إلى الدعة والكسل، حيث ارتأى أن يحافظ على هذا المقدار المتبقي عند الناس من الهمّة، فاختصر لهم كتابًا في الأعمال والسنن سمّاه (مفاتيح الجنان)، ومن جهة تنظيمه واختصاره – مضافًا لقوة إخلاص كاتبه – حظي بشهرةٍ كبيرة، وإلا فإنَّ كتب الأدعية القديمة كثيرة جدًا.

وعند الرجوع إلى هذه الكتب – ككتاب “مصباح المتهجد” للشيخ الطوسي، وكتاب “المصباح” للشيخ الكفعمي، وكتاب “إقبال الأعمال” للسيد ابن طاووس (رحمه الله) – فإنَّنا لا نجد فيها إشارة إلى نحوسة شهر صفر أبدًا، بل إنَّ ديدن علمائنا ومراجعنا وفقهائنا على التعبير عن شهر صفر في كلماتهم الشريفة بـ(صفر الخير) [17].

التعليق الثاني: منشأ معروفية شهر صفر بالنحوسة والشؤم.

بما أنّ شيخ المحدثين وثقتهم الشيخ عباس القمي (رحمه الله) قد ذكرَ أنَّ شهر صفر معروف بالنحوسة، ومثله لا يلقي الكلام على عواهنه، فلا بدّ أن يكون هنالك منشأ لهذه المعروفية.

وبدوًا قد يتوهّم بعضهم أنَّ كلام الشيخ القمي ينبئ عن وجود دليل شرعي يدل على هذه المعروفية، ولكن قد اتضح عدم وجوده، فيتعيّن أن يكون منشأ المعروفية شيئًا آخر، وهذا الشيء الآخر قد أفصحَ عنه نفس المحدّث القمي (طاب ثراه) في كتابه (وقائع الأيام)، فإنه عندما وصل به الكلام إلى شهر صفر احتمل سببَيْن لمعروفيته بالشؤم:

  • أولهما: وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وهجرته عن هذا العالم.
  • وثانيهما: سببٌ تحليليٌ لطيفٌ، وهو: أنَّ شهر صفر قد وقع بعد الأشهر الحرم الأربعة؛ إذ كان العرب أيام الجاهلية يتوقفون عن الحروب والقتال والمعارك طوال الأشهر الأربعة، وبمجرد أن ينتهي شهر محرم تبدأ الحروب مجددًا، فكان العرب يتشاءمون من شهر صفر؛ لأنه شهر الحروب والمعارك وسفك الدماء [18].

ولا يخفى ما في هذين السببين من التأمل، أما الأول: فلأنه لو كان شهر صفر مشومًا لأجل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فيه، لكان شهر رمضان نحسًا لأجل مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه، ولكان شهر جمادى الأولى نحسًا أيضًا لقتل الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) فيه.

اللهم إلا أن يُقال: إنَّ مصائب المعصومين (عليهم السلام) وإن جلّت إلا أنها لا تقاس بمصيبة شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) – كما هو صريح النصوص الشريفة [19] – فمن الممكن أن تكون لها خصوصية تكوينية ليست لغيرها.

وهذا وإن كان تامًا ثبوتًا، وممكنًا في حدّ نفسه، إلا أنَّ الأدلة قاصرة عنه إثباتًا، فلا سبيل لاعتماده.

وأما الثاني: فلأنَّ الوجه المذكور لا يفيد أكثر من النحوسة الوهمية الإيحائية، وقد ظهر لنا – من خلال المحور الأول – أنَّ أدلة نحوسة الأيام تأبى الحمل عليها.

وبذلك ظهر: أنَّ معروفية شهر صفر بالشؤم والنحوسة ليست نابعةً عن دليل شرعي، وإنما هي نابعةٌ – على ضوء الاحتمال الأخير – عن الواقع الحياتي الذي كان يعيشه العرب آنذاك، ثمَّ توارث أبناؤهم منهم هذا الموروثَ الثقافي جيلًا بعد جيل، إلى يوم الناس هذا.

التعليق الثالث: الوجه في الحثّ على بعض الأعمال في شهر صفر.

قال ثقةُ الإسلام القمي (رحمه الله) في كلامه المتقدم: “ولا شيء أجدى لرفع النحوسة من الصدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة”، والذي يجدر الالتفات إليه: أنَّ هذا ليس من باب ورود الدليل الخاص، وإنما هو من باب التمسّك بالعمومات، بتقريب: أنَّ لدينا كبرى وصغرى.

  • أما الكبرى فهي: أنَّ الصدقة تدفع البلاء، وهذه مستفادة من لسان الشارع المقدس.
  • وأما الصغرى فهي: أنَّ شهر صفر شهر شؤم وبلاء ونحوسة، وهذه مستفادة مما تعارف عليه الناس.

وحينئذ فلسنا نحتاج لورود دليل خاص لإثبات استحباب الصدقة في شهر صفر، بل يكفينا – بعد احتمال نحوسة صفر وبلائه – أن نتمسك بعموم ما دلّ على أنّ الصدقة تدفع البلاء؛ لإثبات رجحانها في شهر صفر، بعد تحقق موضوعها، كما هو ظاهر.

وهكذا يُقال بالنسبة لقراءة بعض الأدعية والعوذات، فإنها مما دلّت الأدلة العامة على استحباب قراءتها عند نزول البلاء أو احتمال نزوله [20]، وبما أنَّ شهر صفر يُحتمل فيه ذلك، فترجح قراءتها فيه، وإن لم يصلنا دليل خاص يدل على استحباب القراءة في خصوص شهر صفر.


الهوامش: [1] وسائل الشيعة: 14 / 504. [2] وهذا ما اختاره العلامة الطباطبائي (طاب ثراه) في تفسيره الشريف (الميزان) 19 / 74 حيث قال: “فتبين مما تقدم على طوله: أن الأخبار الواردة في سعادة الأيام ونحوستها لا تدل على أزيد من ابتنائهما على حوادث مرتبطة بالدين توجب حسنًا وقبحًا بحسب الذوق الديني أو بحسب تأثير النفوس، وأما اتصاف اليوم أو أي قطعة من الزمان بصفة الميمنة أو المشأمة واختصاصه بخواص تكوينية عن علل وأسباب طبيعية تكوينية فلا”. [3] سورة الدخان، الآية: 3. [4] سورة القمر، الآية: 19. [5] سورة فصلت، الآية: 16. [6] بحار الأنوار: 11 / 354. [7] ولعلَّ المتتبع للنصوص الشريفة التي تناولت خصائص الأيام يستقرب أنَّ لها خصائص تكوينية ذاتية مؤثرة، من قبيل ما ورد عن رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله): “مَن قلَّم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله من أنامله الداء، وأدخل فيه الدواء”. بحار الأنوار: 56 / 33. ومثله ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): “الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلُّ الداء سلًا من البدن”. بحار الأنوار: 56 / 38. [8] الكافي: 8 / 275 ح416. [9] ولكن الحق أنّ الحديث كما يُحتمل ما أُفيد، كذلك يحتمل أن يكون ناظرًا إلى الوضع، لا إلى المتى، وبالتالي فالتأثير فيه لا يعود للزمان المقترن بكون القمر في العقرب، وإنما يعود للوضع الخاص، وهو كون القمر في العقرب، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأقرب، وهذا نظير ما رواه الشيخ (قده) في التهذيب 7 / 411 قال: “لقد بات رسول الله صلى الله عليه وآله عند بعض النساء، فانكسف القمر في تلك الليلة، فلم يكن منه فيها شيء، فقالت له زوجته: يا رسول الله بأبي أنت وأمي كل هذا للبغض؟ فقال: ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت ان أتلذذ فأدخل في شيء”. [10] مما لا يخفى أنَّ الفلاسفة قد اختلفوا اختلافًا شديدًا في تحديد حقيقة (الزمان)، ففي الوقت الذي يراه فيه بعضهم من الأمور المتوهمة، يراه البعض الآخر منهم – وكذا بعض المتكلمين – من الأمور الواقعية، وهؤلاء أيضًا اختلفوا في كونه مجردًّا أم ماديًا، ومَن يرونه ماديًا اختلفوا أيضًا في كونه من الجواهر أم الأعراض. ومن الواضح أنَّ النزاع الذي عرضناه في تصوير حقيقة نحوسة الأيام إنما يُتصور على القول بكون الزمان موجودًا واقعيًّا درّاكًا – كما هو مفاد النصوص الشريفة – وإن لم نهتدِ لحقيقته تفصيلًا. [11] بحار الأنوار: 93 / 176. [12] بحار الأنوار: 93 / 176. [13] مفاتيح الجنان: 379. [14] قال العارف المتأله آية الحق الميرزا جواد الملكي التبريزي (طاب ثراه) في (المراقبات) 37: “المعروف أنّ شهر صفر فيه نحوسة لا سيّما يوم أربعائه الآخرة، ولم يرد فيه شيء مخصوص من الروايات، إلا أن يكون ذلك لأجل أنّ فيه وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وآله”. [15] خلاصة الأذكار: 304. [16] تذكرة الموضوعات، للفتني: 116، والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 324. [17] منهم: المحقق الكركي (قده)، كما في بحار الأنوار: 105 / 59، والسيد الأمين العاملي (قده) في أعيان الشيعة: 2 / 626، والمحقق السيد الخوئي (قده) في دراسات في علم الأصول: 1 / 3، والشيخ الميرزا جواد التبريزي (قده) في صراط النجاة: 3 / 3، والشيخ بهجت (قده) في جامع المسائل: 2 / 75، وغيرهم في غيرها. [18] وقائع الأيام: 185. [19] ورد في (قرب الإسناد: 94): “قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب”. [20] ومن تلك الأدلة العامة: ما رواه العلامة المجلسي (طاب ثراه) – في بحار الأنوار: 56 / 25 – عن الإمام العسكري عليه السلام: “فإذا أردت التوجه في يوم قد حذرت فيه فقدم أمام توجهك: الحمد لله رب العالمين والمعوذتين، وآية الكرسي، وسورة القدر، وآخر آية في سورة آل عمران، وقل: اللهم بك يصول الصائل، وبقدرتك يطول الطائل، ولا حول لكل ذي حول إلا بك، ولا قوة يمتارها ذو قوة إلا منك، بصفوتك من خلقك وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام صل عليهم، واكفني شر هذا اليوم وضرره، وارزقني خيره ويمنه، واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة وبلوغ المحبة، والظفر بالأمنية وكفاية الطاغية الغوية، وكل ذي قدرة لي على أذية، حتى أكون في جنة وعصمة، من كل بلاء ونقمة، وأبدلني من المخاوف أمنًا، ومن العوائق فيه يسرًا، حتى لا يصدني صاد عن المراد، ولا يحل بي طارق من أذى العباد، إنك على كل شيء قدير، والأمور إليك تصير، يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”.

 

2021/09/18