لكل سؤال جواب
أمك ماتت.. اكتشف سر بكاء وضحك الطفل في مهده!

السؤال: نرى الأطفال يضحكون ويبكون في المهد وهم نائمون ولا ندري ما السبب، فتعتقد بعض النساء بأن هذا (اوخية او غزيل) يقول للطفل أمك ماتت يضحك ويقول له أبوك مات فيبكي، فما قصة بكاء الأطفال وضحكهم؟ لأني أعتقد بأنهم يرون حياتهم فيرون أشياء تبكيهم وأشياء تضحكهم، هل هذا صحيح؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

الطفل له مشاعر وأحاسيس ومستوى من الإدراك، فإذا شعر بالضيق عبَّر عنه بالبكاء، وإذا شعر بالارتياح عبَّر عنه بالابتسام أو الضحك ولا معنى لما ذكرتموه، فهو من حديث الخرافة.

2024/12/25

يفك طلاسم الغيب: ما حقيقة ما يعرف بـ «علم الجفر»؟!

ليس لما يُسمَّى بعلم الجفر اعتبارٌ ولا يصحُّ ترتيب الأثر على نتائجه، ودعوى انتسابِه للإمام عليٍّ (ع) أو للإمام الصادق (ع) لم تثبت.

[اشترك]

الجفر الوارد أنَّه من مواريث النبوَّة:

نعم ورد في مصادرنا أنَّ من مواريث النبوَّة كتاب الجفر وهو من مختصَّات النبيِّ الكريم (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) لا يعلمُ بمضامينه غيرُهم.

فممَّا ورد في ذلك ما رواه الكليني بسندٍ صحيح عن أَبِي بَصِيرٍ عن أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): ".. قَالَ: وإِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ ومَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ قَالَ: قُلْتُ: ومَا الْجَفْرُ؟ قَالَ: وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ، فِيه عِلْمُ النَّبِيِّينَ والْوَصِيِّينَ وعِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل .."(1).

ومن ذلك: ما رواه الكليني بسندٍ موثَّق عن نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) أَنَّه قَالَ: إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي، وأَبَرُّهُمْ عِنْدِي وأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وهُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ، ولَمْ يَنْظُرْ فِيه إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ"(2).

ومنه: ما رواه الكليني أيضاً بسندٍ صحيح أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ فَقَالَ: هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً، قَالَ لَه: فَالْجَامِعَةُ؟ قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْه، ولَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وهِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ"(3).

ومنه: ما رواه الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه وكتاب الخصال بسندٍ معتبر عن عليِّ بن الحسن بن فضَّال عن أبيه عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) قال: للإمام علاماتٌ، يكونُ أعلمَ الناس، وأحكمَ الناس، وأتقى الناس .. ويكونُ عنده الجامعةُ، وهي صحيفةٌ طولُها سبعون ذراعاً فيها جميعُ ما يحتاجُ إليه ولدُ آدم، ويكونُ عنده الجفرُ الأكبرُ والأصغرُ، إهابُ ماعزٍ، وإهاب كبشٍ، فيهما جميعُ العلوم حتى أرشِ الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحفُ فاطمةَ (عليه السّلام)"(4).

ومنه: ما رواه الكليني بسندٍ صحيح عن الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: إِنَّ عِنْدِي الْجَفْرَ الأَبْيَضَ قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْءٍ فِيه قَالَ: زَبُورُ دَاوُدَ وتَوْرَاةُ مُوسَى وإِنْجِيلُ عِيسَى وصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ (ع) والْحَلَالُ والْحَرَامُ .. وعِنْدِي الْجَفْرَ الأَحْمَرَ قَالَ: قُلْتُ: وأَيُّ شَيْءٍ فِي الْجَفْرِ الأَحْمَرِ قَالَ: السِّلَاحُ .."(5).

ومنه: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده عن سدير الصيرفي قال: دخلتُ أنا والمفضَّل بن عمر، وداود بن كثير الرقي، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا الصادق (عليه السلام) قال: "إنِّي نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصَّ اللهُ (تقدَّس اسمُه) به محمَّداً والأئمةَ مِن بعدِه (عليهم السلام) .."(6).

المستظهر من الروايات:

فالذي يظهرُ من هذه الروايات أنَّ الجفر وعاءٌ من أَدَم يعني من جلد، وفي هذا الوعاء كتبٌ مشتملةٌ على علوم النبيِّين والأوصياء، ومنها صُحُفُ إبراهيم (ع)، ومنها والتوراة التي أُنزلت على موسى (ع) والإنجيلُ الذي أُنزل على عيسى (ع) وزبورُ داود (ع)، وكذلك هو مشتملٌ على كتاب يحتوي على علوم الشريعة من الحلال والحرام، ومشتملٌ على علم البلايا والمنايا، وعلم ما كان وما يكون.

والواضحُ من هذه الروايات أنَّ الجفر ليس علماً بحدِّ ذاته وإنَّما هو وِعاءٌ أو كتابٌ فيه علومٌ متلقَّاة بواسطة الرسول الكريم (ص) عن الأنبياء والأوصياء الذين سبقوه، وبعضُها متلقَّى عن الرسول (ص) كعلوم الشريعة الإسلاميَّة، نعم لم تتصدَّ هذه الروايات لبيان كيفيَّة ضبط وكتابة هذه العلوم، فلعلَّ بعضَها مضبوطٌ بنحو الترميز. إلا أنَّ الواضح من الروايات أنَّ الجفر -بما يشتملُ عليه من علوم وبقطع النظر عن طريقة ضبطِها وتدوينها- هو مِن مواريث النبوَّة التي اختصَّ اللهُ تعالى بها نبيَّه (ص) والأئمةَ (ع) من بعده، فليس في أيدي الناس شيءٌ من هذه العلوم كما هو صريحُ رواية سدير وكما هو المستظهَر من قوله في موثقة نعيم القابوسي عن الإمام موسى بن جعفر(ع): "ولَمْ يَنْظُرْ فِيه إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ" وكذلك هو المستظهَر من صحيحة أَبِي بَصِيرٍ عن أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): "وإِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ ومَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ" وثمة روايات أخرى عديدة تشتمل على ما يقربُ من هذه المضامين.

لا يصحُّ التعويلُ على ما يُسمَّى بعلم الجفر:

والمتحصَّل أنَّ ما يُسمَّى بعلم الجفر الذي يتداولُه بعضُ الناس ويزعمون أنَّه مأثورٌ عن أمير المؤمنين (ع) وعن الإمام الصادق (ع) هو شيءٌ آخر غيرُ الجفر الذي نصَّت الرواياتُ على أنَّه من مواريث النبوَّة، نعم قد يكونُ لبعض قواعد ما يُسمَّى بعلم الجفر أصلاً يرجعُ إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) أو الإمام الصادق (ع) ويكونُ البعضُ الآخر من قواعده قد تمَّ الاختراعُ لها وابتداعُها من قِبَلِ بعض المشتغلين بمثل هذه العلوم الغريبة ثم إنَّهم أو غيرهم قد نسبوا قواعد علم الجفر بتمامِها إلى أحدِ الإمامين (ع) فالأمرُ لا يعدو الاحتمال الذي لا يُغني من الحقِّ شيئاً، ولهذا لا يصحُّ التعويل على شيءٍ ممَّا يُسمَّى بعلم الجفر لعدم إمكان التثبُّت من المقدار الذي كان قد صدرَ عن أحد الإمامين (ع) هذا لو كان قد صدر واقعاً، كيف والحال أنَّ أصل الصدور عنهما حتى لبعض هذه القواعد أمرٌ لا طريق إلى إثباته.

==============

الهوامش:

1- الكافي -الكليني- ج1 / ص239.

2- الكافي -الكليني- ج1 / ص311.

3- الكافي -الكليني-ج1 / ص241. الأديم الجلد، والفالج هو الجمل الضخم، ذو السنامين، يُحمل من بلاد السند، فمعنى الفقر هو أن عرض الصحيفة هو عرض فخذ الجمل الضخم.

4- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج4 / ص419، الخصال -الصدوق- ص528، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص193. الإهاب هو الجلد، وأرش الخدش معناه عوض الخدشة والذي هو الجرح الصغير والسطحي.

5- الكافي -الكليني- ج1 / ص240. والجفر الأحمر وعاءٌ فيه سلاح رسول الله (ص) كدرعه وكسيف ذي الفقار.

6- الغيبة- الطوسي- ص169.

2024/12/07

ما هي شروط «تعدد الزوجات».. وهل فيه ظلم للمرأة؟!

لدي عدة أسئلة في موضوع تعدد الزوجات:

1- هل لتعدد الزوجات شروط أم أن الرجل يستطيع أن يتزوج بالثانية والثالثة والرابعة متى ما أراد حتى لو كان لمجرد شهوته الجنسية؟

[اشترك]

2- هل تستطيع أن تمنع الزوجة زوجها من الزواج بالثانية أو تمنعه من نفسها إذا تزوج، أو تُغيِّر معاملتها الأخلاقية معه؟

3- إذا كان الإسلام يسمح للرجل أن يتزوج بالثانية حتى مع عدم وجود نقص في الأولى، ألا يعد ذلك ظلما لها؟

4- النساء يعترضن على زواج الرجل من غيرهن، ويدخل على قلبهن الأذى لذلك، فهل هذا يعتبر من نقص الإيمان لأنها لم تسلم لحكم الله في هذا التشريع؟

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

1- ليس لتعدُّد الزوجات شروط، فيجوز للرجل أنْ يتزوَّج بأكثر من زوجةٍ مطلقاً ولكنَّه إذا تزوَّج لزمه شرعاً أداء حقِّ مَن تزوجها كاملاً من النفقة والبيتوتة والعدل في المعاملة.

2- لا يجوز لها ذلك بل يجب عليها أداء حقوقه كاملةً سواءً تزوَّج عليها بزوجةٍ ثانية أو ثالثة كما يجب على الزوج الالتزام بحقوق كلِّ زوجةٍ يتزوَّجها، ولا يجوز له التفريط بشيءٍ من حقوق كلِّ زوجةٍ يتزوَّجها ولا أنْ يفضِّل واحدةً على الأخرى في المعاملة. ولو فعل ذلك كان لها حقُّ الاعتراض بل والمقاضاة.

3- إنَّ الله تعالى لا يُبيح الظلم، فلو كان التعدُّد ظلماً للزوجة السابقة لما أباحته الشريعة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(1) وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾(2) فالتعدُّد ليس ظلماً لكنَّ المرأة التي ترى أنَّ الاختصاص بزوجها حقٌّ خالصٌ لها تعتبر أنَّ زواج زوجها من الثانية تعدٍّ على حقِّها، ولو أنَّها أذعنت أنَّ الاختصاص ليس من حقوقها لما شعرت بالظلم ولا بالغبن عندما يتزوَّج زوجُها بأخرى مع اِلتزامه بحقوقها المشروعة.

فشأنُ المرأة في ذلك شأنُ كلِّ أحدٍ يرى لنفسه حقاً ليس له، فهو حين لا يُعطى هذا الشيء يرى أنَّه قد مُنع من حقِّه فينتفض ويرى نفسه مظلوماً، ولو أنَّه أنصف وتحقَّق من مقدار حقوقه لطابت نفسُه ولم يطلب شيئاً ليس له، ولو طلبه كان ذلك من طلب التفضُّل وليس من طلب الحق.

4- نعم هو من نقص الإيمان وضعف التسليم بشرع الله تعالى.

==============

الهوامش:

1- سورة يونس / 44.

2- سورة الحج / 10.

2024/11/28

لماذا سميت فاطمة (ع) بالزهراء؟

لماذا سميت فاطمة (ع) بالزهراء؟

[اشترك]

1- لأن بنورها زهرت السماوات السبع.

روى المجلسي بحار الأنوار ج43/ ص17 عن إرشاد القلوب مرفوعاً إلى سلمان الفارسي في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) مخاطباً عمه العباس بن عبد المطلب في فضل أهل البيت (عليهم السلام) وفيه: (فلما أراد الله تعالى يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها... فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي إلى أن قال:  فخلق نور فاطمة الزهراء يومئذٍ كالقنديل..

2- لأنها كانت تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام).

 رواه الصدوق في العلل بسنده عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله يا بن رسول الله لم سميت الزهراء (عليها السلام) زهراء؟ فقال: (لأنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام)  في انها ثلاث مرات بالنور....)

3- لأنها كانت تزهر لأهل السماء .

وفي (المعاني) بسنده عن جعفر بن محمد بن عماره عن أبيه قال سألت أبا عبد الله عن فاطمة (عليها السلام) لم سميت الزهراء؟ فقال لأنها إذا قامت في محرابها زهر نورها لا هل السماء كما يزهر .

نور الكواكب لأهل الارض... (مناقب آل ابي طالب ح3 ص330).

4- لأن الله خلقها من نور عظمته.

 قال الطبري وروي (انها (عليها السلام) سميت الزهراء لأن الله عزوجل خلقها من نور عظمته).دلائل الإمام ص54).

5- لأن لها قبة تزهر في أفق السماء.

فعن الحسن بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله لم سيمت فاطمة الزهراء، قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوته حمراء ارتفاعها في الهواء... (مناقب آل أبي طالب ح3 ص330).

نقلاً عن مركز الأبحاث العقائدية

2024/11/13

لماذا خلق الله الحشرات؟

الله تعالى لم يخلق شيء من دون فائدة، فما هي فوائد الحشرات ولماذا خلقها الله؟

[اشترك]

إنّ الجواب عن الفوائد التفصيليّة للحشرات موكول إلى علم الأحياء وغيرها من العلوم المختصة، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال أنّها تشكّل غذاءً لغيرها من الحيوانات المنتسبة الى دورة الحياة الطبيعية والتي تعود بالنفع على عالم الطبيعة ككل وعلى الانسان بشكل أساس.

وما يهمّنا من وجهة نظر دينية أن نقول إنّ الله تعالى بعلمه وحكمته وقدرته لم يوجد شيئا عبثًا أو بهدف الاضرار بل إنّ كل ما أوجده الله تعالى إنما أريد به أولا وبالذات الخير الكثير الذي فيه وإن لازمه بعض الشر.

المصدر: الأسئلة الدينية

2024/11/12

أنهار وفاكهة وأزواج: هل بالغ القرآن الكريم في وصف الجنّة؟!

الشيخ إبراهيم البصري: اعلم - رعاك الله - أنَّ الآيات التي صوّرت نعيم الجنّة في القرآن الكريم على قسمين:

الأوّل: فيه آيات تشير الى الأمور المادّية مثل أصناف الفواكه والحور العين ونحو ذلك، كما في قوله تعالى: {وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الدخان: 22].

وقوله تعالى: {لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ} [يس: 57].

وقوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يشاؤون كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 31]، وغيرها من آيات الذكر الحكيم.

والقسم الآخر: فيه آيات تشير الى الأمور المعنويّة، وهي رضوان من الله تعالى ورحمة منه، كما في قوله تعالى: {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} [آل عمران: 15].

وقوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة:21]، ونحوهما من الآيات القرآنيّة الكريمة، التي تشير الى اختلاف درجات الجنّة، وفقاً لطبقات المؤمنين، كما في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: « أمّا الجنان المذكورة في الكتاب فإنّهنّ جنّة عدن، وجنّة الفردوس، وجنّة النعيم، وجنّة المأوى » [الكافي ج8 ص100].

فإذا عرفت ذلك، فاعلم أنَّ المتتبّع لآيات الذكر الحكيم يرى أنّ كلّاً من الجنّة والنار قد وصفتا بكلا الوصفين، أيْ الأوصاف المادّية والمعنويّة معاً، وأمّا لماذا كان التركيز كثيراً على النعم المادّية؟ فمردّه إلى أنّ الذهن البشريّ يستأنس بذلك؛ إذْ من الصعب على أكثر الناس أنْ يحصلوا على المعرفة من خلال الأمور الروحانيّة والمعنويّة، فلذا يعجز الذهن البشريّ في كثير من الأحيان عن فهم وإدراك المقامات والمفاهيم المعنويّة السامية للجنّة، كما قال تعالى في كتابه الكريم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِي لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْينٍ} [السجدة: 17]، كذلك ورد في الحديث النبويّ أَنَّهُ قَالَ: « إنّ الله يقول: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر » [بحار الأنوار ج8 ص92].

فلـمّا صَعُب على البشر تصوّر النعم الروحانيّة والمعنويّة للجنّة، اعتمد الوصف القرآنيّ أسلوب التقريب من خلال الإشارة إلى النعم المادّية التي يستأنس بها الذهن البشريّ، ويفهمها كثيرٌ من الناس، وقلّل الحديث عن النعم المعنويّة والروحانيّة.

هذا، وإنّ وصف الله تعالى للجنّة في الآيات السابقة وإنْ كان لتقريب المعاني الإلهّية للنعيم والعطاء، لكنْ مع الأخذ بعين الاعتبار أنّها - أيْ الجنّة - أساساً عَرْضُها عرض السماوات والأرض؛ كما قال تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 18]، وقال تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]. وأنّ نعيمها لا يمكن للعقول إدراك وصفه، ويؤيّد ذلك ما نقله الشيخ المفيد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): « بشّر أولياءك ومحبّيك من النعم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر » [المزار ص244]، ومثله في [تفسير فرات الكوفي ص415]، وهكذا في [تفسير القميّ ج2 ص414]، ونقله ابن طاووس في [إقبال الأعمال ج3 ص231]، وغيرها من الروايات الكثيرة التي هي بهذا الصدد.

المقال رداً على سؤال: السؤال: أفرط الدينُ الإسلاميّ في التصوير الحسّي للجنّةِ والنار، وهو ممّا أدّى الى إغواء المستمعين، هكذا أشار المستشرق "نيكولاس ومفر بالنيه"، وجاء في دائرة المعارف الإسلاميّة: "إنَّ فكرة محمّد عن الجنّة مادّية حسيّة، يعني لا نعيم معنوي في الجنة".

2024/10/06

ما المقصود بقائد الغرّ المحجّلين؟
السؤال: يكثر وصف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقائد الغرّ المحجّلين ، فما المقصود بذلك ؟

الجواب من السيد محمد صادق الروحاني [طاب ثراه]:

باسمه جلت أسماؤه : التحجيل بياض يكون في قوائم الفرس ، والغرّ جمع الأغرّ من الغرّة ، وهي بياض الوجه ، ومنه قول النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « أُمّتي الغرّ المحجّلون » ، أي بيض مواضع وضوئهم من الأيدي والأقدام ، وقد استعار نور الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه .

وبذلك يظهر أنّ المراد من الوصف المذكور : أنّ عليّاً ( عليه السلام ) قائد للجماعة التي تكون مواضع الوضوء منهم - إذا دُعوا على رؤوس الأشهاد أو إلى الجنّة - شديدة البياض لإشعاعها بالنور .

المصدر أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق ، ج - نقلاً عن رياض العلماء 
2024/06/24

هل سند دعاء كميل مُعتبر أم ضعيف؟
هل هناك سند معتبر لدعاء كميل، أم وصلت إلينا بسند ضعيف؟

[اشترك]

الجواب:

دعاء كميل من الأدعية المعتبرَّة وقد رواه شيخ الطائفة الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد وقد تلقاه العلماء المتقدمون منهم والمتأخرون بالقبول وهو أحد موجبات الاعتبار للرواية كما هو المعروف عند علماء الرجال والدراية.

2024/06/13

ما المقصود بيوم «دحو الأرض»؟
قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ 1
قال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) : أي بسطها و مهدها بحيث تصبح صالحة للسكن و السير ، و في كتاب محاولة لفهم عصري للقرآن ما نصه :

[اشترك]

" دحاها " أي جعلها كالدحية " البيضة " و هو ما يوافق أحدث الآراء الفلكية عن شكل الأرض .. و لفظة دحا تعني أيضا البسط ، و هي اللفظة العربية الوحيدة التي تشتمل على البسط و التكوير في ذات الوقت ، فتكون أولى الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكورة في الحقيقة .. و هذا منتهى الإحكام و الخفاء في اختيار اللفظ الدقيق المبين 2 .
يوم دحو الأرض:
يوم دحو الأرض هو الخامس و العشرون من شهر ذي القعدة ، و هو يوم مبارك و يُستحب فيه الصوم ، فعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي وَ أَنَا غُلَامٌ فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) لَيْلَةَ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ .
فَقَالَ لَهُ : " لَيْلَةُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ ( عليه السَّلام ) ، وَ وُلِدَ فِيهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَ فِيهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَمَنْ صَامَ سِتِّينَ شَهْراً " 3 .
وَ رُوِيَ عَنْ الإمام مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ : " فِي خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَفَّارَةَ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَ هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ أُنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى آدَمَ ( عليه السَّلام ) " 4 .
وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْقَلِ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ ـ يَعْنِي الرِّضَا ( عليه السَّلام ) ـ فِي يَوْمِ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَقَالَ : " صُومُوا ، فَإِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِماً " .
قُلْنَا : جُعِلْنَا فِدَاكَ ، أَيُّ يَوْمٍ هُوَ ؟
قَالَ : " يَوْمٌ نُشِرَتْ فِيهِ‏ الرَّحْمَةُ ، وَ دُحِيَتْ فِيهِ الْأَرْضُ ، وَ نُصِبَتْ فِيهِ الْكَعْبَةُ ، وَ هَبَطَ فِيهِ آدَمُ ( عليه السَّلام ) " 4 .
وَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) قَالَ : " أَوَّلُ رَحْمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَ قَامَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَلَهُ عِبَادَةُ مِائَةِ سَنَةٍ صَامَ نَهَارَهَا وَ قَامَ لَيْلَهَا " 5 .
هذا و قد ذكر في بعض كتب الأدعية و أعمال الأيام أنّ زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام ) في يوم دحو الأرض من أفضل الأعمال المستحبّة .
دعاء يوم دحو الأرض :

وَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَا فِي هَذَا الْيَوْمِ بِهَذَا الدُّعَاءِ:

"اللَّهُمَّ دَاحِيَ‏ الْكَعْبَةِ، وَ فَالِقَ الْحَبَّةِ، وَ صَارِفَ اللَّزْبَةِ، وَ كَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَسْأَلُكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِكَ الَّتِي أَعْظَمْتَ حَقَّهَا، وَ قَدَّمْتَ سَبْقَهَا، وَ جَعَلْتَهَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَدِيعَةً وَ إِلَيْكَ ذَرِيعَةً، وَ بِرَحْمَتِكَ الْوَسِيعَةِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ فِي الْمِيثَاقِ، الْقَرِيبِ يَوْمَ التَّلَاقِ، فَاتَّقِ ‏كُلَّ رَتْقٍ، وَ دَاعٍ إِلَى كُلِّ حَقٍّ، وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَطْهَارِ، الْهُدَاةِ الْمَنَارِ، دَعَائِمِ الْجَبَّارِ، وَ وُلَاةِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ أَعْطِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا مِنْ عَطَائِكَ الْمَخْزُونِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ وَ لَا مَمْنُونٍ، تَجْمَعُ لَنَا التَّوْبَةَ وَ حُسْنَ الْأَوْبَةِ، يَا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَ أَكْرَمَ مَرْجُوٍّ، يَا كَفِيُّ يَا وَفِيُّ، يَا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ الْطُفْ لِي بِلُطْفِكَ، وَ أَسْعِدْنِي بِعَفْوِكَ، وَ أَيِّدْنِي بِنَصْرِكَ، وَ لَا تُنْسِنِي كَرِيمَ ذِكْرِكَ بِوُلَاةِ أَمْرِكَ وَ حَفَظَةِ سِرِّكَ، وَ احْفَظْنِي مِنْ شَوَائِبِ الدَّهْرِ إِلَى يَوْمِ الْحَشْرِ وَ النَّشْرِ، وَ أَشْهِدْنِي أَوْلِيَاءَكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِي وَ حُلُولِ رَمْسِي وَ انْقِطَاعِ عَمَلِي وَ انْقِضَاءِ أَجَلِي.

اللَّهُمَّ وَ اذْكُرْنِي عَلَى طُولِ الْبِلَى إِذَا حَلَلْتُ بَيْنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى وَ نَسِيَنِي النَّاسُونَ مِنَ الْوَرَى، وَ أَحْلِلْنِي دَارَ الْمُقَامَةِ وَ بَوِّئْنِي مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ مُرَافِقِي أَوْلِيَائِكَ وَ أَهْلِ اجْتِبَائِكَ وَ أَصْفِيَائِكَ، وَ بَارِكْ لِي فِي لِقَائِكَ، وَ ارْزُقْنِي حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بَرِيئاً مِنَ الزَّلَلِ وَ سُوءِ الحطل [الْخَطَلِ‏].

اللَّهُمَّ وَ أَوْرِدْنِي حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ اسْقِنِي مَشْرَباً رَوِيّاً سَائِغاً هَنِيئاً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ، وَ لَا أُخَلَّا وِرْدَهُ وَ لَا عَنْهُ أُذَادُ، وَ اجْعَلْهُ لِي خَيْرَ زَادٍ وَ أَوْفَى مِيعَادٍ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.

اللَّهُمَّ وَ الْعَنْ جَبَابِرَةَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لِحُقُوقِ أَوْلِيَائِكَ الْمُسْتَأْثِرِينَ.

اللَّهُمَّ وَ اقْصِمْ دَعَائِمَهُمْ، وَ أَهْلِكْ أَشْيَاعَهُمْ، وَ عَامِلَهُمْ [عَالِمَهُمْ‏]، وَ عَجِّلْ مَهَالِكَهُمْ، وَ اسْلُبْهُمْ مَمَالِكَهُمْ، وَ ضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسَالِكَهُمْ، وَ الْعَنْ مَسَاهِمَهُمْ [مُسَاهِمَهُمْ‏] وَ مَشَارِكَهُمْ [مُشَارِكَهُمْ‏].

اللَّهُمَّ وَ عَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيَائِكَ، وَ ارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظَالِمَهُمْ، وَ أَظْهِرْ بِالْحَقِّ قَائِمَهُمْ، وَ اجْعَلْهُ لِدِينِكَ مُنْتَصِراً وَ بِأَمْرِكَ فِي أَعْدَائِكَ مُؤْتَمِراً.

اللَّهُمَّ احْفَظْهُ [احففه‏] بِمَلَائِكَةِ النَّصْرِ، وَ بِمَا أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْتَقِماً لَكَ حَتَّى تَرْضَى، وَ يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَ عَلَى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً، وَ يُمَحِّصَ الْحَقَّ مَحْصاً، وَ يَرْفَضَ الْبَاطِلَ رَفْضاً.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ وَ اجْعَلْنَا مِنْ صَحْبِهِ وَ أُسْرَتِهِ، وَ ابْعَثْنَا فِي كَرَّتِهِ حَتَّى نَكُونَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْوَانِهِ.

اللَّهُمَّ أَدْرِكْ بِنَا قِيَامَهُ، وَ أَشْهِدْنَا أَيَّامَهُ، وَ صَلِّ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَ ارْدُدْ إِلَيْنَا سَلَامَهُ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ" 6 .

الهوامش: *         1. القران الكريم : سورة النازعات ( 79 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 584 . *         2. تفسير الكاشف : 7 / 510 . *         3. وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 10 / 449 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران . *         4. a. b. وسائل الشيعة : 10 / 450 . *         5. وسائل الشيعة : 10 / 451 . *         6. إقبال الأعمال ( الإقبال بالأعمال الحسنة ) : 312 ، للسيد رضي الدين بن طاووس ، المولود بالحلة / العراق في 15 / محرم / 589 هجرية ، و المتوفى ببغداد سنة : 664 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، طهران / إيران ، سنة : 1367 هجرية شمسية .
البلد الأمين و الدرع الحصين : 243 ، الطبعة الحجرية ، للشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي ، المولود سنة : 840 هجرية بقرية كفر عيما من قرى جبل عامل ، و المتوفى بها سنة 905 هجرية ، و دفن بها .
المصباح ( مصباح الكفعمي ) : 658 ، الطبعة الثانية سنة : 1405 هجرية / انتشارات رضي ، قم / إيران ، للشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي ، المولود سنة : 840 هجرية بقرية كفر عيما من قرى جبل عامل ، و المتوفى بها سنة 905 هجرية ، و دفن بها .
مصباح المتهجد : 669 ، طبعة مؤسسة فقه الشيعة ، بيروت / لبنان ، سنة : 1411 هجرية ، للشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية .
2024/06/03

المعصومون 14.. لماذا سمّيت فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) بـ «المعصومة»؟!
من المعلوم أن المعصومين هم أربعة عشر بدءاً من الرسول صلى الله عليه وآله وختاماً بالإمام المنتظر عجل الله فرجه فما هو تفسير تسميتها بالمعصومة؟

[اشترك] 
لا شك في أن المعصومين في عقيدتنا هم أربعة عشر وهناك كلام بالنسبة إلى السيدة زينب عليها السلام كما يقول المامقاني بأنه من رأى شأنها وجلالتها وعظمتها ثم ادعى عصمتها فليس ببعيد أما بالنسبة إلى فاطمة المعصومة فإن عصمتها ليست بهذا المعنى، نعم هي من الطيبات والعالمات والمحدثات اللواتي اختصت وخصّها اللَّه بملكة العقل والرشاد والإيمان والثبات إلى جانب العزيمة والتضحية. مودعاً فيها العفة والطهارة وبواعث الكمال والغلبة والحق... مع تجنبها عوامل الذل والخوف والاستسلام والانحراف إضافة إلى اشتهارها بمقامات معنوية جليلة فلعله من هذا الباب وصفها العلماء بوصف من أوصاف الصديقة الزهراء الطاهرة وإن لم أعثر لقلة تحقيقاتي في هذا الموضوع على هذا الوصف مع أنه مشهور لكن صاحب رياحين الشريعة ينسب كلمة معصومة إلى الإمام الرضا عليه السلام والذي يقول: "من زار المعصومة في قم فقد زارني". هذا ولم يبلغ الزهراء أحد من نساء العالمين بل هي سيدة نساء العالمين كما في روايات الخاص والعام وهي المعصومة بضرورة المذهب على ما صرح بذلك الإمام الخوئي في المعجم.

مقتطف من حوار أجرته مجلة بقية الله مع سماحة العلامة المحقق الشيخ نجم الدين الطبسي 
2024/05/10

هل أنا على صواب أم على خطأ؟!
هل هذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾ توجب اليأس؟

هل هذا استفهام استنكاري، يستنكر فيه الخالق جل وعلا ما يتوهمه البعض من غفران الذنوب جميعها، وجعل حياتهم سهلة لا نكد فيها؟.. فقد ارتكبت ما ارتكبت وتبت وحججت بيت الله الحرام، ومنذ ذلك الحين وأنا قد انتقلت إلى الضفة الأخرى البيضاء، وأعيش عالما مختلفا عما كنت فيه.. ولكن قراءة هذه الآية يؤرقني ويعذبني ويبكيني.. فهل أنا على صواب أم على خطأ؟


الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

أولا اعلموا أن اليأس من رحمة الله تعالى من الكبائر، فيكفي أن يعيش العبد حالة الندامة، ليغفر الله تعالى ذنوبه جميعا.
وأما الآية فمعناها: استنكار أن تكون حياة المؤمنين ومماتهم كحياة الفاسقين ومماتهم، فكما أنهم يعيشون حالة الاطمئنان في الحياة الدنيا والرضوان الإلهي يوم القيامة، فإن الذين خرجوا من طاعة الله تعالى-بالعكس منهم- يعيشون معيشة الضنك كما ذكرها القرآن في الدنيا، والخزي والعذاب في الآخرة.
وأما البكاء والتضرع من خشية الله تعالى، فهو مطلوب دائما، بشرط أن لا يكون مصحوبا بالوسوسة واليأس من رحمة الله تعالى، فإن الشيطان قد يبالغ للإنسان سوء حاله، ليقع فيما هو أعظم من الذنب، ألا وهو البقاء على الخطيئة رافعا شعار: أنا الغريق فما خوفي من البلل!.. ولا تنسوا قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ .

2024/04/28

هل ما تقوله «أبراج الحظ» حقيقي؟!
ما حكم الشرع في ما ينشر بالصحف من الأبراج (أبراج الحظ) التي يعتقد بها بعض الناس .. هل الاستدلال بمواقع النجوم والأبراج على معرفة الحظ والأمور المغيبة جائز؟ الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لا اعتبار لها ولا تعدو عن كونها من الرجم بالغيب، فلا يصح ترتيب الأثر عليها.

على ان ما يُنشر في الصحافة والمواقع الالكترونية فيما يتصل بما يسمى بأبراج الحظ ليس عفوياً وإنما يستهدف المروجون لذلك تزريق مفاهيم وسلوكيات واقعة في سياق العمل على تغيير البنية الثقافية والنفسية في المجتمعات العربية والإسلامية.

2024/04/18

ما حقيقة ما يعرف بـ «طبّ الأئمة»؟وهل كانوا يصفون العلاجات لأمراض أتباعهم؟
الإمامُ هو من ينوبُ عن رسول الله في كلّ مهامّهِ ماعدا الوحي، وليس من مهام رسولِ الله التصدّي لمداواة الناس وعلاج مرضاهم، إلا أنّ ذلك لا ينفي اهتمامَ الإسلام بالأبدان مضافاً لاهتمامه بالأرواح، فتعاليمُ الإسلام وآدابه كما توفرُ بيئةً روحيةً توفر أيضاً بيئةً صحيةً.

ومن المؤكد أنّ رسول الله والأئمة من أهل البيت لهم علمٌ تكويني كما لهم علمٌ تشريعي، وبذلك يعرفون خواصّ الأشياء وآثارها على بدن الإنسان وصحته، ومن هذا الباب كانت لهم نصوصٌ ارشادية فيما يخصّ صحة الأبدان، فبعض هذه النصوص لها علاقة بالوقاية من الأمراض وبعضها وصفات علاجية، وقد اهتمّ المسلمونَ في طول تاريخهم بهذه الآثار في علاج أمراضهم، وهناك الكثيرُ من الكتب التي جمعت وشرحت كيفية الاستفادة العلاجية من هذه النصوص، ولتأكيد ذلك نشيرُ إلى بعض النصوص التي تدلّ على الاهتمام بالصحةِ دون الإشارة للنصوص التي تحتوي على وصفاتٍ علاجية. ففي الخصال للصدوق أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لولده الحسن (عليه السلام): ألا اُعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب؟ فقال: بلى يا أميرَ المؤمنين، قال (عليه السلام): «لا تجلس على الطعام إلاّ وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلاّ وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمتَ فأعرض نفسكَ على الخلاء، فإذا استعملتَ هذا استغنيتَ عن الطب». وقال (عليه السلام) أيضاً: «إنّ في القرآن لآية تجمعُ الطبّ كلّه (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)».وفي الدعوات للرواندي قال زرّ بن حبيش: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أربع كلمات في الطبّ لو قالها بقراط وجالينوس لقدّم أمامها مائة ورقة ثمّ زيّنها بهذه الكلمات وهي قوله: توقوا البردَ في أوّله، وتلقوهُ في آخره، فانّه يفعلُ في الأبدان كفعله بالأشجار، أوّلهُ يحرق، وآخرهُ يورق». وقال (عليه السلام): «لا صحّة مع النهم».وفي البحار عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لو اقتصدَ الناس في المطعم لاستقامت أبدانهم». وقال الامام الرضا (عليه السلام): «اجتنب الدواءَ ما احتملَ بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء».وفي الكافي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفعَ الداءُ عنكم، فإنّه بمنزلة البناء قليلهُ يجرّ إلى كثيره». وقال أيضاً (عليه السلام): «الحمية رأسُ الدواء والمعدة بيت الداء وعوِّد بدناً ما تعوّد». وقال أبو الحسن (عليه السلام): «ليس من دواء إلاّ ويهيجُ داءاً، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك البدن إلاّ عمّا يحتاج إليه» وغير ذلك من النصوص التي تبينُ كيفية الوقاية من الأمراض، أمّا التعاملُ مع النصوصِ التي فيها وصفات علاجية فتحتاج إلى أهل الخبرة والاختصاص ولا يجوز التعاملُ معها بشكلٍ مباشر، يقول الشيخ الصدوق في كتابه اعتقاداتُ الصدوق: (اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ انّها على وجوه:منها: ما قيلَ على هواء مكّة والمدينة ولا يجوزُ استعمالهُ على سائر الأهوية.ومنها: ما أخبرَ به العالم ـ الإمام ـ على ما عرف من طبع السائلِ ولم يعتبر بوصفهِ إذا كان أعرفَ بطبعه منه.ومنها: ما دلّسهُ المخالفونَ في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.ومنها: ما وقعَ فيه سهوٌ من ناقليه.ومنها: ما حفظ بعضهُ ونسي بعضه.وما رويَ في العسل أنّه شفاءٌ من كلّ داءٍ فهو صحيحٌ ومعناه شفاء من كلّ داءٍ بارد.وما وردَ في الاستنجاء بالماءِ البارد لصاحبِ البواسير، فإنّ ذلك إذا كان بواسيرهُ من الحرارة...الخ.

2024/03/09

هل يحاسب الله الحيوانات يوم القيامة؟
ما من شك أنّ الشّرط الاوّل للمحاسبة والجزاء هو «العقل والإدراك» ويستتبعهما (التكليف والمسؤولية).

[اشترك]

يقول أصحاب هذا الرأي: إنّ لديهم ما يثبت أن للحيوانات إدراكا وفهما بمقدار ما تطيق، ومن ذلك أن حياة كثير من الحيوانات تجري وفق نظام دقيق ومثير للعجب، ويدلّ على ارتفاع مستوى إدراكها وفهمها، فمن ذا الذي لم يسمع بالنمل والنحل وتمدّنها العجيب ونظامها المحير في بناء بيوتها وخلاياها، ولم يستحسن فهمها وإدراكها؟ فعلى الرغم من أنّ بعضهم يعزوا ذلك كله إلى نوع من الإلهام الغريزي، فليس ثمّة دليل على أنّ هذه الأعمال تجري بصورة غريزية لا عقلية.

ما الدليل على أنّ هذه الأعمال ـ حسبما يدل ظاهرها ـ ليست ناشئة عن تعقل وإدراك؟ كثيرا ما يحدث أنّ الحيوان يبتكر ـ استجابة لظرف من الظروف ـ شيئا لم يسبق له أن مرّ به وجربه، فالشاة التي لم يسبق لها أن رأت ذئبا في حياتها تفزع منه أوّل ما تراه وتدرك خطره عليها، وتتوسل بكل حيلة لدرء خطره عنها.

إن العلاقة التي تتكون بين الحيوان وصاحبه تدريجيا دليل آخر على هذا الأمر، فكثير من الكلاب المفترسة الخطرة تعامل أصحابها ـ بل وحتى أطفالهم ـ كما يعاملهم الخادم العطوف.

ويحكى الكثير عن وفاء الحيوانات وعن تقديمها كثيرا من الخدمات الإنسانية ولا شك أنّ هذه أمور ليس من السهل اعتبارها ناشئة بدافع الغريزة، إذ إنّ الغريزة تنشأ عنها أعمال رتيبة من طراز واحد باستمرار، أمّا الأعمال التي تقع في ظروف خاصّة كردود فعل لحوادث طارئة غير متوقعة، فهذه تكون إلى التعقل والإدراك أقرب منها إلى الغريزة.

نشاهد اليوم أنّ حيوانات مختلفة يجري تدريبها لأغراض متنوعة، فالكلاب البوليسية تدرب للقبض على المجرمين، والحمام الزاجل لنقل الرسائل، وحيوانات أخرى ترسل لابتياع بعض الحوائج من السوق، وحيوانات أخرى للصيد، وهي كلها تؤدي مهماتها بكل دقة وإتقان (حتى أنّهم افتتحوا مؤخرا مدارس خاصّة لتعليم مختلف الحيوانات)!

فضلا عن ذلك كلّه، فإنّ هناك بعض الآيات التي تدل ـ بوضوح ـ على أنّ للحيوانات فهما وإدراكا، من ذلك حكاية هروب النمل من أمام جيش سليمان، وحكاية ذهاب الهدهد إلى منطقة سبأ باليمن ورجوعه بأخبار مثيرة لسليمان.

ثمّة أحاديث إسلامية كثيرة حول بعث الحيوانات، من ذلك ما روي عن أبي ذر قال: بيّنا أنا عند رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم «أتدرون فيما انتطحتا؟» فقالوا: لا ندري، قال: «ولكن الله يدري وسيقضي بينهما»(١.

وفي رواية بطرق أهل السنة عن رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم في تفسير هذه الآية أنّه قال: «إنّه يحشر هذه الأمم يوم القيامة ويقتص من بعضها لبعض حتى يقتص للجماء من القرناء»(٢).

وفي الآية (٥) من سورة التكوير يقول سبحانه: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) وهي دليل آخر على ذلك.

الحشر والتكليف

تطرح هنا مسألة يتوقف فهم الآية عليها، وهي هل أن مقولة تكليف الحيوانات معقولة، مع أنّ من شروط التكليف العقل، ولهذا لا يكون الطفل والمجنون مكلّفين؟ فهل للحيوانات ذلك العقل الذي يؤهلها للتكليف؟ وهل يمكن أن نعتبر الحيوان أكثر عقلا وإدراكا من الصبي غير البالغ ومن الجنون؟ فإذا لم يكن له مثل هذا العقل والإدراك، فكيف يجوز أن يكلّف، وبأي تكليف؟

للجواب على هذه السؤال نقول: إنّ للتكليف مراحل ودرجات، وكل مرحلة تناسب درجة معينة من العقل والإدراك، وانّ التكاليف الكثيرة المفروضة في القوانين الإسلامية على الإنسان تتطلب مستوى رفيعا من العقل والإدراك لإنجازها، ولا يمكن أن نفرض مثل تلك التكاليف على الحيوانات طبعا، لأنّ الشرط المطلوب لإنجازها غير متوفر في الحيوانات، إلّا أنّ مرحلة من التكاليف البسيطة التي يكفي لها ما يناسبها من الفهم والإدراك يمكن تصورها وقبولها في الحيوان ولا يمكن إنكارها، بل من الصعب أن نرفض كل تكليف بشأن الأطفال والمجانين القادرين على فهم بعض المسائل، فالصبي الذي لم يبلغ سن الرشد ـ كأن يكون عمره ١٤ ـ سنة مثلا ـ لو ارتكب جريمة قتل، وهو عالم بكل أضرار هذا العمل، فلا يمكن اعتباره بريئا، والقوانين الجزائية في العالم تضع عقوبات على بعض جرائم الأطفال غير البالغين، وإن كانت العقوبات أخف طبعا.

وعليه، فإنّ البلوغ واكتمال العقل من شروط التكليف في المراحل العليا المتكاملة، أمّا في المراحل الأدنى، أي في الذنوب التي لا يخفى قبحها حتى على من هم أدنى مرتبة، فان البلوغ والتكامل العقلي ليسا شرطا لازما.

فإذا أخذنا اختلاف مراحل التكليف واختلاف مراتب العقل بنظر الاعتبار، يمكن حل قضية الحيوانات أيضا بهذا الشأن.

*مقتطف من تفسير الأمثل

الهوامش: (١) تفسير مجمع البيان، ونور الثقلين في تفسير الآية المذكورة. (٢) تفسير المنار، ذيل الآية، والجماء عكس القرناء: الحيوان الفاقد للقرن.
2024/01/07

لماذا نقلّد المرجع الأعلم؟
السؤال: إنَّ أمر رجوع الجاهل للعالم أمرٌ مفروغٌ منه، لكن إذا ضربنا المثال بالطبيب مثلًا فإنَّ كُلَّ طبيبٍ يُلجأُ إليه في مرضٍ مُعيَّن، فإنَّ طبيب القلب مثلًا لا يمتلك تشخيص طبيب العين وعلى ذلك فقس، فكيف أنَّ الشّرع ألزمنا بالرّجوع إلى مرجعٍ واحدٍ فقط؟

[اشترك]

الجواب من سماحة السيد ضياء الخباز:

الإلزام بالرجوع لمرجع واحد إنما هو في صورة العلم بتقدمه على غيره في نفس التخصص ، فيكون مثاله الصحيح : أن لو كان لنا عشرة من أطباء القلب مثلاً ، وكان أحدهم أعلم من البقية ، فإن الارتكاز العقلائي يقضي بالرجوع إليه دونهم ، وأما المثال المذكور في السؤال فهو خاطئ وأجنبي عن المسألة .

2024/01/02

ما الفرق بين الروح والنفس؟
ما الفرق بين الروح والنفس؟

[اشترك]

لكلّ من النفس والروح معانٍ مختلفة وقد يتلاقيان في بعض المعاني ، فالنفس تطلق في اللغة والعرف على المعاني التالية :

۱. ذات الشيء ، كما تقول : « جاء زيد نفسه » أو « هذا نفس الشيء » أيّ ذاته.

۲. الدمّ السائل الخارج من العروق ، فتقول : « كلّ ما كانت له نفس سائلة فحكمه كذا ».

۳. الهوى وميل الطبع ، وشاهده قوله تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) [ يوسف : ٥۳ ].

٤. جوهر لطيف نوراني مدرك للجزئيّات والكلّيات له تعلّق بالبدن ، تعلّق التدبير والتّصرف والموت إنمّا هو قطع هذا التعلّق.

وبهذا المعنى يتّفق مع الروح ، ولذا قال الصدوق في رسالة العقائد : « اعتقادنا في النفوس أنّها الأرواح التي بها الحياة ، وأنّها الخلق الأوّل لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ أوّل ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس مقدّسة مطهّرة فأنطقها بتوحيده ، ثمّ خلق بعد ذلك سائر خلقه » ». [ بحار الأنوار / المجلّد : ٦ / الصفحة : ۲٤۹ / الناشر : مؤسسة الوفاء ]

ثمّ إنّ الروح أيضاً تستعمل في معان مختلفة :

۱. الحياة ، وهو واضح.

۲. القرآن ، لقوله : ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا )[ الشورى : ٥۲ ].

۳. ملك من ملائكة الله أعظم من جبرئيل مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة عليهم السّلام يسدّدهم. قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ ) [ النبأ : ۳۸ ].

٤. جبرئيل ، قال الله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ النحل : ۱۰۲ ] يعني جبرئيل.

2024/01/01

هل كثرة الكفار تدل على فشل الإسلام؟!
هناك سؤال عقائدي مطروح من قبل البعض، مفاده: لو جاء أحد وبنى مشروعًا تعليميًا وتدريبيًا (جامعة) لتهيئة عمالة ذات كفاءة لعمارة البلد، فإذا تبين أن 80% من الطلبة لم يتخرجوا من هذه الجامعة، ألا ترى أن هناك خللًا فيها سواء من المدرسين أو النظام التعليمي أو غير ذلك؟ وهذا يعني أن مثل هذا المشروع فاشل من نظرة علمية وعقلائية.

[اشترك]

السؤال: إذا كان الهدف من خلق البشر هو عبادة الله عز وجل -كما هو مفاد قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}- فلم نرى أكثرهم لا يبلغ هدفه؟ بل نرى في عدة آيات ذم الخالق تعالى للكثرة في القرآن، من قبيل:

﴿وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ﴾
﴿فَأَعرَضَ أَكثَرُهُم فَهُم لَا يَسمَعُونَ﴾
﴿وَلَـكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤمِنُونَ﴾
﴿وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِينَ﴾
 ﴿فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً﴾

فهذا يعني هناك خلل إما في نظام الخلق أو في الإنسان أو في التبليغ والرسالة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

الجواب: حاصل ما يمكن أن يقال في الجواب عن الإشكال المذكور: إن الغاية المذكورة في الآية الشريفة (إلا ليعبدون) لا يوجد في الآية – أو خارجها – ما يدل على أنها غاية خلق الأفراد، بل الظاهر من لسان الآية أنها غاية خلق النوع، وبهذا يندفع الإشكال من أساسه؛ إذ أنه يبتني على أن الغاية من خلق كل فرد فرد بنحو العموم الاستغراقي هي العبادة، فينتقض ذلك بأن أكثر الخلق لا يعبدون، ولكن إذا بنينا على أن العبادة هي غاية خلق النوع بنحو العموم المجموعي، فهي متحققة ولو بعبادة البعض، من غير أن يكون هنالك خلل في النظام أو واضعه أو كيفية تبليغه.

2023/11/14

هل يقبض ملك الموت الأرواح بمفرده؟!
عملية قبض الأرواح عملية غيبية لا نعرف عنها سوى ما ذكرها الله عَزَّ و جَلَّ في كتابه الكريم ، و سوى ما أشار اليها النبي محمد صلى الله عليه و آله و الأئمة من آله عليهم السلام فيما رُوِيَ عنهم.

[اشترك]

قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : " قِيلَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ عليه السلام : كَيْفَ تَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ وَ بَعْضُهَا فِي الْمَغْرِبِ وَ بَعْضُهَا فِي الْمَشْرِقِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ؟

فَقَالَ : أَدْعُوهَا فَتُجِيبُنِي .

قَالَ : فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام : إِنَّ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيَّ كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ يَتَنَاوَلُ مِنْهَا مَا شَاءَ ، وَ الدُّنْيَا عِنْدِي كَالدِّرْهَمِ فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ "1.

أعوان ملك الموت:

ثم إن لمَلَك الموت أعوان من الملائكة يعينونه في قبض الارواح ، فقد سُئِلَ الامام جعفر الصَّادِقُ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ : ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ... ﴾ 2، وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ : ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ... ﴾ 3، وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ... ﴾ 4 و ﴿ ... الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 5 ، وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ ... تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ... ﴾ 6 ، وَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ... ﴾ 7 ، وَ قَدْ يَمُوتُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَكَيْفَ هَذَا ؟

فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى جَعَلَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَعْوَاناً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَقْبِضُونَ الْأَرْوَاحَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لَهُ أَعْوَانٌ مِنَ الْإِنْسِ يَبْعَثُهُمْ فِي حَوَائِجِهِ فَتَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَ يَتَوَفَّاهُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ مَا يَقْبِضُ هُوَ وَ يَتَوَفَّاهَا " 8 .

الهوامش:

1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 134 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
2. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 42، الصفحة: 463.
3. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 11، الصفحة: 415.
4. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 32، الصفحة: 270.
5. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 97، الصفحة: 94.
6. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 61، الصفحة: 135.
7. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 50، الصفحة: 183.
8. من لا يحضره الفقيه : 1 / 136 .

2023/11/11

متى ارتدين نساء النبي وبناته الحجاب؟

 

هل كان نساء النبي (ص) وبناته يتحجبن قبل نزول آيات الحجاب؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

الحجاب قبل نزول آيات الحجاب وإنْ لم يكن مفروضاً ولكنَّه كان مناسباً لمقتضيات الحِشمة والعفاف والإلزام به من قِبَل الآباء والأزواج مناسبٌ لمقتضيات المروءة، لذلك فنساءُ النبيِّ (ص) وبناته وكذلك الكثير غيرهن ملتزِماتٌ بالستر والحجاب قبل فرضِه على المسلمين، تماماً كاِلتزام الكثير من الرجال من ذوي المروءة والسُؤدد بعدم شرب الخمر قبل تحريمه، والتزام الكثير من العقلاء بعدم اللَّعب بالقمار قبل تحريمه.

2023/11/04

كيف أقاوم وساوس الشيطان والشهوات؟!
الى سماحة السيد حفظه الله... ابعث برسالتي إليك أيها المربي الفاضل وأنا من المتابعين لكم وقد ارتأيت أن أبعث إليك بالخصوص لأني على ثقة بكم أن تدلني على ما ينير بصيرتي في سبيل الطريق إلى الله فأنا طالبة علم ومنيتي أن أرتقي بالنفس إلا أنني في كل مرة أخفق ويغلبني هواي.. لقد يئست من نفسي ولا أدري إلى ما يكون مصيري.. أرشدني بما يداوي قلبي المغلوب لعل الله يفتح لي نور البصيرة.

[اشترك] 

الجواب من سماحة آية الله السيد منير الخباز:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ المداومة على صلاة الفجر، والتسبيح والدعاء بعدها، وقراءة أدعية الصحيفة السجادية، خصوصا المناجاة الخامسة عشرة، والتَّدبُّر في القرآن الكريم، خصوصاً في آيات الموت والعذاب وأوصاف الآخرة؛ كفيلٌ بأن يعطي الإنسان رصيداً روحياً يقاوم به وساوس الشيطان، وتأثير الأهواء والشهوات على نفسه.

2023/10/25

ما حقيقة أن «الجرجير» من نبات جهنم؟
لم أقفْ على روايةٍ في طرقِنا مفادها أنَّ الجرجير أصلُه في جهنم وإنَّما وردت رواياتٌ عديدة بألسنةٍ مختلفة مفادُها أنَّ الجرجير سوف يكونُ من الزروع التي تنبتُ في جهنَّم.

[اشترك]

الرواية الأولى: رواها البرقي في المحاسن عن محمد بن عليٍّ عن عيسى بن عبد الله العلويِّ عن أبيه عن جدِّه قال: نظر رسولُ الله (ص) إلى الجرجير فقال: "كأنِّي انظرُ إلى منبتِه في النار"(1).

وظاهرُ الرواية أنَّ الجرجير سوف يكون من نبات جهنَّم، فقولُه: "كأنِّي أنظر إلى منبتِه في النار" معناه كأنِّي أرى الموقع الذي سوف يكون محلاً لنبات هذه البقلة في النار، فمساقُ هذا التعبير هو التأكيد على أنَّ الجرجير من الزروع التي سوف تنبتُ في النار.

الرواية الثانية: رواها البرقي أيضًا بسندٍ إلى أبي جعفر(ع) قال: "شجرةُ الجرجير على بابِ النار"(2).

الرواية الثالثة: رواها البرقي أيضًا بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: "كأنِّي أنظر إلى الجرجير يهتزُّ في النار"(3).

الرواية الرابعة: رواها البرقي بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) قال: إنَّ رسولَ الله قال: "أكرهُ الجرجير وكأنِّي أنظر إلى شجرتِها نابتة في جهنَّم"(4).

الرواية الخامسة: رواها القطب الرواندي في الدعوات عن النبيِّ (ص) قال: "مَن أكلَ الجرجير ثم نام يُنازعُه عرقُ الجذام في أنفِه"، وقال (ص): "رأيتُها في النار"(5).

هذه هي الروايات التي وقفتُ عليها في طرقِنا وأكثرُها ضعيفُ السند، فالأولى مشتملةٌ على عيسى بن عبد الله العلوي وهو من المجاهيل، والثانيةُ مشتملةٌ على أبي جميلة وهو الفضل بن صالح وهو ضعيفٌ جدًا، وضعْفه متسالمٌ عليه بين الرجاليِّين بل إنَّ بعضَهم نسب إليه تعمُّدَ الوضع للحديث، والرابعةُ ضعيفةُ السند أيضًا لاشتمالِها على قتيبة بن مهران وهو مهمل وحمَّاد بن زكريا وهو مهمل أيضاً، وأمَّا الروايةُ الخامسة المرويَّة في الدعوات للقطب الراوندي فهي ضعيفة أيضًا لأنَّها مرسلة أي أنَّ الراوندي (رحمه الله) لم يذكر سندَه للرواية. فلم يبقَ إلا رواية واحدة وهي الرواية الثالثة التي ذكر لها البرقي طريقين فإنَّ الظاهرَ هو اعتبار سنديها.

وفي مقابل هذه الروايات تُوجد روايةٌ -إلا أنَّ في سندها ضعفًا- مرويَّةٌ عن موفَّق مولى أبي الحسن(ع) قال: كان إذا أمر بشيءٍ من البقل يأمرُ بالإكثار من الجرجير فيُشترى له، وكان يقول: ما أحمق بعض الناس يقولون: إنَّه ينبتُ في وادي جهنَّم، واللهُ تبارك وتعالى يقول: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ﴾(6) فكيف ينبتُ البقل(7).

هذا وقد أفاد صاحبُ البحار العلامة المجلسي رحمه الله: إنَّ من المحتمل صدور الأخبار المثبِتة لنبات الجرجير في جهنم تقيةً، أي إنِّها كانت قد صدرت لغرض المجاراة لأخبار العامَّة وليس لغرض الإخبار عن الواقع.

فلأنَّه وردت في طرق العامَّة رواياتٌ مفادها إنَّ الجرجير ينبت في جهنَّم، لذلك كان من المحتمل صدور ما ورد من طرقِنا مدارةً لهم لاقتضاء ظروف الصدور لذلك، ولهذا لا يمكن الاطمئنان بصحَّة ما اشتملت عليه هذه الروايات من مضمون خصوصاً بعد الالتفات إلى أمرين:

الأول: أنَّ أكثرها ضعيفُ السند.

والثاني: هو غرابة المضمون الذي اشتملت عليه، وذلك يقتضي لكي يتمَّ الاطمئنان بصدقِه أنْ تتراكم القرائن على الصدق بمستوىً يتناسب مع غرابةِ هذا المضمون.

فالعقلاءُ قد يطمئنون إلى صدق خبرٍ لمجرَّد كون الجائي به ثقة، وذلك لأنَّ مضمون الخبر الذي جاء به كان مألوفاً أو متوقعاً، أمَّا لو كان الخبرُ غريباً فإنَّ العقلاء لا يكتفون في مثلِه بخبر الواحد وإنْ كان ثقةً، فما لم يتعزَّز الخبرُ ذو المضمون الغريب بإخباراتٍ أخرى وقرائن تُساهم في تضعيف احتمال الكذب والاشتباه وتُساهم في مضاعفة احتمال الصدق إلى أنْ ترقى به إلى مستوى الاطمئنان بالصدق فإنَّ مثل هذا الخبر لا يكون معوَّلاً عليه عقلائيًا وكذلك يكون ساقطًا عن الحجيَّة شرعًا إمَّا لأنَّ حجيَّة الطرق والأمارات لم تكن تأسيسيَّة وإنَّما هي إمضاءٌ لما عليه العقلاء، وقد قلنا إنَّ العقلاء لا يُعوِّلون على مثل هذه الأخبار ما لم تكن معتضدة بقرائن موجبة للاطمئنان بالصدق، وإمَّا لأنَّ حجيَّة خبر الثقة تعبُّدًا ثابتة لخصوص الروايات المتضمِّنة لبيان حكم شرعيٍّ أو نفي حكمٍ شرعي أو بيان مضمونٍ ذي أثرٍ شرعي، ومثل هذه المضامين ليست كذلك، فلا هي بيانٌ لحكمٍ شرعي ولا هي نفيٌ لحكمٍ شرعي ولا هي بيانٌ لمضمونٍ ذي أثرٍ شرعي. لذلك لا تكونُ مشمولةً لأدلة حجيَّة خبر الواحد الثقة.

كلُّ ذلك مبنيٌّ على القبول بغرابة المضمون الّذي اشتملت عليه الروايات المذكورة، وأمَّا بناءً على انتفاء الغرابة وذلك لأنَّ منشأ الإستغراب ليس تاماً فحينئذٍ لا يكون ثمَّة مانع من اعتماد هذه الروايات خصوصاً وأنَّها متعدِّدة وفيها ما هو معتبرٌ سندًا فلا بدَّ إذن من ملاحظة منشأ الغرابة في المضمون الذي اشتملت عليه هذه الروايات.

والظاهر أنَّ منشأ الغرابة والاستيحاش هو أمور ثلاثة مجتمعة:

الأوّل: هو عدم قابليّة الجرجير وغيرِه من الزروع لأنْ ينبتَ في وسط النّار خصوصاً نار جهنّم التي وصفها القرآنُ الكريم بقولِه: ﴿إِذَا أُلقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ / تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ...﴾(8)، وقوله: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى﴾(9)، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ / نَارٌ حَامِيَةٌ﴾(10)، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ / نَارُ اللَّهِ المُوقَدَةُ / الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ / إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ / فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾(11).

فإذا كانت النّار كما وصفها القرآن الكريم كيف يُتَعقَّل أن ينبتَ فيها مثلُ الجرجير والّذي هو من أضعف الزروع ساقاً وأقلّها تجذّراً.

الثّاني: إنَّ كلَّ ما في جهنَّم هُيِّئَ ليكون وسيلةً لتعذيب أهل النّار، وليس في الجرجير ما يقتضي ذاك، فليس هو من قبيل الأشواك كما إنَّه ليس مرَّ المذاق، وليس هو من قبيل الأطعمة السامَّة والّتي يترتَّب على تناولها آلامٌ وأسقام، فلو كان للجرجير واحد من هذه الخصوصيَّات وأمثالها لأمكن القول بأنَّ اللهَ سيُعذِّب الكافرين بهذه النبتة إلا أنَّ الأمر ليس كذلك.

الثالث: إنَّ الجرجير من البقول التي يرغبُ النّاس في تناولِها، فهي مستساغةُ الطعم وهي في الوقت نفسه ذاتُ قيمةٍ غذائيَّة، وحينئذٍ لا تكونُ صالحةً لأنْ يُخوَّف بها العصاة والكافرين. فهي ليست من قبيل الضريع الّذي هو غير مستساغِ الطعم عند الإنسان بل وربَّما الحيوان أيضًا.

هذه الأمور الثلاثة لعلَّها هي منشأ الاستيحاش والاستغراب من مفاد الروايات المذكورة إلا أنَّه وبالتأمّل اليسير يتَّضحُ عدم اقتضائها جميعاً للاستغراب.

أمَّا الأمر الأوَّل: فلأنَّ من المقطوع به أنَّ الجرجير إذا كان سوف ينبتُ في جهنَّم فإنَّه سيكون واجدًا لخصوصيَّاتٍ تقتضي أهليَّته التكوينيّة للإنبات في وسط جهنَّم، فليس من الصحيح افتراض نباتِه في جهنَّم مع الالتزام ببقائه على ما هو عليه من خصوصيَّات في هذه الحياة. فإنَّ فساد ذلك أوضح من أنْ يخفى على أحد.

ولهذا لم يطرأ في ذهن متوهِّم ٍأو لا ينبغي أنْ يطرأ وهمٌ في أنَّ نبتةَ الضريع المعهودة هي بعينِها وبتمام خصوصيَّاتها سوف تكون طعامًا لسكَّان جهنّم، إذ من غير المعقول أن يتصوَّر أحدٌ قابليَّة هذه النبتة مهما كانت صلابتها لمقاومة نار جهنَّم، وهذا هو ما يلزم افتراضه لنبتة الجرجير لو كانت ستنبتُ في جهنَّم.

وعليه لا يصحُّ اعتبار الأمر الأوّل منشاً للاستغراب بعد أنْ كان اختلاف الخصوصيَّات في النشأتين أمراً مفروغاً عنه.

ويمكنُ تأكيد ذلك بملاحظة الكثير من الآيات التّي لا مصحِّح للقبول بمضامينها إلا الالتزام بالاختلاف في بعض الخصوصيَّات بين النشأتين.

ونذكر لذلك نماذج من هذه الآيات:

النموذج الأوّل: قوله تعالى: ﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ / يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾(12).

فرغم أنَّ أسباب الموت تنتابُه مجتمعةً ومتوالية إلا أنَّه ليس بميِّت، فهل يصحُّ قبول هذا المعنى لولا الإيمانُ بأنَّ ثمَّة خصوصيَّةً لتلك النشأة منتفية عن هذه النشأة.

النموذج الثاني: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الحَمِيمُ / يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ / وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ / كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾(13).

فالثياب من نار والغَسول حميم وأثرُه انصهار الأحشاء وما بطَن وظهر ثمَّ إنَّهم لا يموتون بل كلَّما خرجوا من عذابٍ أُعيدوا فيه، فأيُّ روح هذه التي تستقرُّ في بدنٍ رغم كلِّ هذا العذاب لولا أنَّ الله تعالى أراد لها الاستقرار على خلاف ما تقتضيه طبيعة النشأة الأولى.

النموذج الثالث: قوله تعالى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ / إِنَّا جَعَلنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ / إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ / طَلعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾(14).

﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ / لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ / فَمَالِؤُونَ مِنْهَا البُطُونَ / فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ﴾(15)، فالزقوم شجرةٌ تنبتُ في أصل الجحيم، والظاهر أنَّها ليست شجرةً واحدة بل إنَّ ثمَّة أشجار زقّومٍ كثُر كما هو المُستظهَر من قوله تعالى: ﴿لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾(16).

فهذه الشجرة إمَّا أن تكون مسانخة في حقيقتِها وخصوصيَّاتها مع شجر الدنيا، وإمَّا أنْ تكون مباينة لها في حقيقتِها وتمام خصوصيَّاتها.

فالاحتمال الأوّل ممتنعٌ لافتراض امتناع أنْ تنشأ شجرةٌ بالخصوصيَّات المعهودة في أصل الجحيم.

والاحتمال الثّاني وهو أنَّ شجرة الزقُّوم ليست شجرةً أصلاً وإنَّما هي حقيقةٌ أخرى أُطلق عليها اسم الشجرة، هذا الاحتمال خلاف الظاهر فلا يُصار إليه دون قرينة، فإنَّ لفظ الشجرة ظاهرٌ عرفًا ولغةً في المعنى المعهود للشجرة.

فيتعيّن احتمالٌ ثالث وهو أنَّ شجرةَ الزقُوم مسانخة في حقيقتِها للشجر المعهود في هذه النشأة، غايتُه أنَّها تختلف عنها في بعض الخصوصيَّات المناسبة لتلك النشأة.

هذه ثلاثةُ نماذج من آيات القرآن الكريم، وثمة نماذجُ أخرى كثيرة أعرضنا عن ذكرها لكفاية ما ذكرناه ورعايةً لعدم الإطالة.

هذا مضاف إلى ما ورد في السنَّة الشريفة من رواياتٍ كثيرة يصعب تأويلُها أو التنكُّر لصدورها، فهي متواترةٌ إجمالاً أو مستفيضة، ومفادها إنَّ الله تعالى سيعذِّب أقوامًا في النار بالحيَّات والعقارب، فإذا كان استيحاشٌ من نبات بعض الزروع في جهنَّم فليكن استيحاشٌ من وجود الحيَّات والعقارب في جهنم، إذ كيف يتمُّ القبول بإمكانيَّة بقائها حيةً في وسط الجحيم لولا القبول بمنحِها خصوصيَّاتٍ تُؤهلُها لذلك.

إذن فالأمر الأول لا يصحُّ اعتباره مبرَّرًا للاستيحاش والاستغراب من مفاد الروايات المتضمِّنة لنبات الجرجير في النار.

وأما الأمر الثاني والثالث: فكذلك لا يصلحان لتبرير الاستيحاش والاستغراب من الروايات المذكورة، وذلك لأنَّه لم يثبت أن كلَّ ما في جهنم سيكون مادَّةً لتعذيب العصاة من أهل النار، ولو تمَّ القبول بذلك فما المانع من إيداع هذه البقلة بعض الخصوصيَّات فتكون بذلك واحدًا من وسائل التعذيب لسُكان أهل النار بأن يُصبح الجرجير بقلةً شديدة النتَن يتأذَّى من رائحتها سكانُ جهنم أو يكون ذلك هو أثرها بعد الأكل، فهي مقتضية له في الدنيا فيكون مضاعفًا في الآخرة خصوصاً لو لم يكن في جوف مَن تناولها غيرها وكان ما تناولُه كثيرًا فإنَّ أثرها حينئذٍ لا يُطاق، فهي عذاب للمتملِّي منها قسرًا وعذاب لمتلقِّي أثرها، فالأول ينتابه الخزي والعار، والثاني ينتابه الغثيان، أو لا تكون كذلك ولكنَّها تكون طعاماً لذوي العز والكبرياء فيشعرون بالصغار والمذلَّة، فبعد صنوف الطعام وأجوده والذي كان يُحمل إليهم على أطباق الذهب والفضَّة ويحوطُهم الخدم والجواري ينتظرون أمراً ليسارعوا في إمضائه فإذا هم يقتاتون بقلةً ليست بذي بالٍ عند فقراء الدنيا فضلاً عن كبرائهم، فهم يحرصون على تحصيلِها وتناولِها لما المَّ بهم من جوعٍ فيجدونها كما وصف الله تعالى الضريع بقوله: ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾(17)، وقد يجدونها ملوَّثةً بصديد القروح ومٌلطَّخة بالدماء النازفة من حروق العصاة، فأيُّ مهانةٍ ومذَّلة أقسى على قلب العزيز من ذلك، فحتى لو كانت هذه البقلة مُستساغة في نفسِها فإنَّها لن تكون مُستساغة في هذه الأجواء الملبَّدة بألوان المهانة وصنوف التحقير، فكأنَّه معنيٌّ هو الآخر بقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾(18).

ثم إنَّه ما مِن شيءٍ إلا ويصلحُ أنْ يكونَ مادَّةً للتعذيب، فالجبابرةُ والطغاة قد يُعذِّبون أسراهم بشربِ الماء أو بتناول البطيخ، وقد ورد أنَّ الله تعالى يُعذِّب بعض العصاة بالثلج.

وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ روايات الجرجير التي أفادت أنَّه من زروع الجحيم ليس فيها ما يقتضي تكذيبَها أو استبعادَ صدورها.

وأما أنَّ الجرجير بقلةٌ لبني أمية

قد وقفنا في ذلك على أربعِ روايات:

الرواية الأولى: رواها الكليني في الكافي بسندٍ له إلى أبي بصير قال: سأل رجلٌ أبا عبد الله (ع) عن البقل الهندباء والباذروج والجرجير فقال: إنَّ الهندباء والباذروج لنا والجرجير لبني أمية(19).

الرواية الثانية: رواها البرقي في المحاسن بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) انه قال: "إنَّ لبني أميَّةَ من البقول الجرجير"(20).

والرواية الثالثة: رواها في المستدرَك عن دعائم الإسلام عن رسول الله (ص) انَّه قال: "الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة"(21).

الرواية الرابعة: رواها في المستدرَك أيضًا عن ابن بسطام في طبِّ الأئمة (ع) عن الرضا (ع) انه قال: "الباذروج لنا والجرجيرُ لبني أميَّة"(22).

والظاهرُ أنَّها جميعًا ضعيفةُ الإسناد.

أما الرواية الأولى فيكفي لإسقاطها سندًا اشتماله على أحمد بن سليمان، وأما الثانية فيكفي لسقوط سندها اشتماله على عليِّ بن أبي حمزة البطائني رأس الوقف والمفتري على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) وأمَّا الرواية الثالثة والرابعة فضعيفتان بالإرسال.

وأما ما هو المراد من هذه الروايات فله أكثر من احتمال:

الاحتمال الأول: إنَّ المراد من التعبير بأنَّ الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة هو أنَّ الهندباء محبوب لنا والجرجير محبوب لبني أميَّة.

الاحتمال الثاني: إن المراد هو أنَّه ينبغي أن يكون الهندباء مختصاً بنا وأن يكون الجرجير مختصَّاً ببني أميَّة.

الاحتمال الثالث: انَّ النسبة سيقت لغرض التعبير عن محبوبيَّة أكل الهندباء ومرجوحيَّة أكلِ الجرجير.

وثمة احتمالات أخرى استبعدناها فلم نذكرها. والاحتمالات الثلاثة تشترك جميعًا في إفادة المفاضلة بين الهندباء والجرجير وأنَّ الأول خيرٌ من الثاني، إما لأن الهندباء محبوبٌ لأهل البيت (ع) ولن يكون ذلك إلا لخصوصيَّة امتاز بها عن الجرجير أوجبت محبوبيَّته، وهذه الخصوصية إما أن تكون من قبيل القيمة الغذائيَّة وإما لكونه من زروع الجنَّة والجرجير من زروع الجحيم كما ورد في الروايات، وكذلك يقتضي الاحتمال الثاني تفضيل الهندباء على الجرجير، إذ أنَّه لن يكون ممَّا ينبغي اختصاصه بأهل البيت (ع) إلا لمزيَّةٍ فيه اقتضت الطلب للانتساب التشريفي لأهل البيت (ع) كما أن هذا الاحتمال يقتضي أنْ يكون الجرجير من السوء بحيث يكون المناسب لشأنه هو الانتساب لبني أميَّة.

ولعل المنشأ لتشريف الأول بالانتساب لأهل البيت (ع) هو قيمتُه الغذائية أو الأثر النفسي والذهني الذي يترتَّب على تناوله أو لأنَّه من زروع الجنَّة أو لتمام هذه المناشىء كما أنَّ من المحتمل كون المنشأ للانتساب التوهيني للجرجير هو ما يقتضيه من أثرٍ سيئ على مَن تملَّى منه ليلاً حيث أفادت العديدُ من الروايات أنَّ مَن ملأ منه بطنَه ليلاً بات على خطر الجذام أو البرص كما في رواية. كما أنَّ من المحتمل كون المنشأ لطلب الانتساب التوهيني هو أنَّه من زروع الجحيم.

وهكذا الحال بالنسبة للاحتمال الثالث فإنَّه يقتضي تميُّز الهندباء على الجرجير، فإنَّه لن تكون المحبوبيَّة لتناول الهندباء جزافيَّة كما أن المرجوحيَّة لتناول الجرجير لن تكون جزافيَّة.

وأمَّا ما هو المستظهَر من الاحتمالات الثلاثة فالظاهر أنَّه الاحتمال الثالث، فإنَّ الاحتمال الأول مستبعدٌ لأنَّه يقتضي أن يكون الإخبار عن محبوبيَّة الهندباء إخبارًا عن هوىً شخصي للهندباء وهو مخالفٌ لظاهر حال الإمام والذي كان بصدد الجواب عن سؤال السائل، والسائل لم يكن يسأل عن ما كان يهواه قلبُ الإمام شخصيَّاً وإنَّما كان يسأل عن حكم الشريعة في الهندباء والجرجير نظراً لكون الإمام ممثلاً للشريعة أو أنه يسأل عن طبيعة الهندباء والجرجير لاعتقاده بأنَّ الإمام (ع) مطّلعٌ على الخصائص التكوينيَّة للأشياء.

وأما الاحتمال الثاني فاستبعادُه ينشأ من اقتضائه لعدم فعليَّة انتساب الهندباء لأهل البيت (ع) والجرجير لبني أميَّة في حين أن الظاهر من قوله (ع): "الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة" هو فعلية انتساب كلٍّ منهما لكلِّ منهما.

فيتعيَّن الاحتمال الثالث وهو إنَّ النسبة سِيقت لغرض التعبير عن محبوبيَّة تناول الهندباء ومرجوحيَّة تناول الجرجير فإنَّ الإمام (ع) إما أن يكون بصدد بيان الحكم الشرعي لتناول البقلتين.

وإمَّا أنْ يكون بصدد بيان طبيعة البقلتين التكوينيَّة وأنَّ الأولى تقتضي تكويناً رجحان تناولها والثانية تقتضي تكويناً مرجوحيَّة تناولها.

وعلى كلا التقديرين تكون النسبة فعليَّة فإنَّ أهل البيت (ع) أولى بما هو محبوب شرعًا وهو ما يصحِّح نسبة كلِّ محبوبٍ شرعيٍّ لهم كما إنَّ أهل البيت (ع) سادة العقلاء فشأنُهم الفعل والأمر بكلِّ ما هو راجح عقلاً وذلك هو ما صحَّح انتساب التناول للهندباء لهم، فهم مَن حثَّ على تناولِه، وهم من كشفَ عن طبيعة آثاره.

كما أنَّ بني أمية والذين هم رمز الشر والسوء شأنُهم أن يُنسب لهم كلُّ مرجوحٍ شرعاً أو عقلاً، فالمصحِّح لنسبة بقلة الجرجير لهم هو أنها سيئة الأثر تكويناً أو أنَّها مرغوب عن تناولِها شرعًا لسوء أثرِها تكويناً أو لأنَّها من زروع الجحيم.

والذي يؤكد ما استظهرناه هو تصدِّي الروايات للحثِّ على تناول البقول التي نسبَها أهلُ البيت (ع) لأنفسِهم وبيان آثارها وفوائدها وتأكيد ذلك بالإخبار عن أنَّها ستكونُ من زروع الجنة، فإن ذلك يُعزِّز استبعاد الاحتمال الأول وترجُّح الاحتمال الثالث.

كما أنَّ الرويات التي حثَّت على عدم تناول الجرجير ليلاً وعدم التملِّي منه تُؤكد ما استظهرناه من أن نسبتَه لبني أميَّة إنَّما هو لغرض التعبير عن مرجوحيَّة تناوله، لأنَّ شأنَهم أن يُنسب لهم كلُّ ما هو مرجوح.

مقال رداً على سؤال: ما مدى صحَّة سند ودلالة الحديث الوارد عن المعصومين (ع) في شأن الجرجير أنَّ أصله في جهنَّم وهو طعام بني أميَّة؟ الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص198. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص197. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص198. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص187. 5- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج16 / ص422. 6- سورة البقرة / 24. 7- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج8 / ص306. 8- سورة الملك / 7-8. 9- سورة الأعلى / 12. 10- سورة القارعة / 10. 11- سورة الهمزة / 5. 12- سورة إبراهيم / 16-17. 13- سورة الحج / 19-22. 14- سورة الصافات / 62-65. 15- سورة الواقعة / 51-54. 16- المصدر نفسه. 17- سورة الغاشية / 7. 18- سورة الدخان / 49. 19- الكافي -الشيخ الكليني- ج6 / ص368. 20- المحاسن -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ج2 / ص518. 21- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج16 / ص422. 22- المصدر نفسه.
2023/10/24

هل يحاسبنا الله على الأخطاء البسيطة في العبادات؟
يبدو أن السائل يقصد الأخطاء التي تقع سهواً أو جهلاً ولا يقصد الأخطاء التي يتعمد المكلف احداثها؛ وذلك لأن كل خلل في أي جزء من أجزاء العبادة عمداً مبطلاً لها بالضرورة، فمثلاً من يزيد أو ينقص جزء من الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته، وهذا ما جاء في جواب السيد السيستاني على السؤال: "هل تبطل صلاة من يخلّ بجزءٍ من أجزاءها عامداً؟

الجواب: من أخل بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته ولو كان بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر، وكذا من زاد فيها جزءاً عمداً قولاً أو فعلاً، من غير فرق في ذلك كله بين الركن وغيره، ولا بين أن يكون ناوياً ذلك في الابتداء أو في الأثناء"

أما الخلل الذي يكون عن جهل أو سهو فهناك تفصيل بحسب المسائل والموارد، ففي المبدأ يفرق الفقهاء بين الخطأ الذي يحدث سهواً وبين الخطأ الذي يحدث جهلاً، كما يفرقون بين الجهل الناتج عن التقصير والجهل الناتج عن قصور، وعليه يجب على المكلف الرجوع إلى فتاوي الفقهاء ليقف على حكم الخلل الذي احدثه.

ومثال على ذلك جاء في مناهج الصالحين للسيد السيستاني في مسألة الجهر والاخفات في الصلاة قوله: "إذا جهر في موضع الاخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت صلاته على الأحوط، وإذا كان ناسياً أو جاهلاً بالحكم من أصله أو بمعنى الجهر والاخفات صحت صلاته"

وإليك مثال في التفريق بين الجاهل المقصر والجاهل القاصر في فتاوي الفقهاء، في سؤال وجه للسيد السيستاني جاء فيه: "ما حكم صلاة من كان يترك التسبيحات الاربع في الركعتين الثالثة والرابعة في صلاة الجماعة، متصوراً ان الامام يتحملها من المأموم كما يتحمل عنه قراءة الحمد والسورة في الركعتين الاوليين؟

الجواب: إذا كان جاهلاً قاصراً فلا شيء عليه وإذا كان مقصراً لزمته الاعادة ومع مضي الوقت يجب القضاء"

وقد وجه لسماحة السيد السيستاني سؤال عن الضابطة العامة في هذه المسائل جاء فيه: "هل توجد ضابطة كلية يمكن الاعتماد عليها في مقام الاخلال بالواجبات غير الركنية بحيث يمكننا من خلال تطبيقها الحكم بصحة الصلاة او فسادها؟

الجواب: الاخلال بالشروط والاجزاء غير الركنية عن عذر ـ كالنسيان والجهل القصوري ـ لا يوجب البطلان، بخلاف غيره كالجهل التقصيري فانه يوجبه. نعم الاخلال بالجهر والاخفات (ولو عن جهل تقصيري) لا يضر بالصحة"

أما الأدلة على ذلك فقد جاء في وسائل الشيعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)

فأفعال العباد لا تخلو من حالين: فإما أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف فيكون عمداً يحاسب عليه صاحبه، قال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما)

وإما لا يكون عن قصد واختيار مثل الاكراه والنسيان والخطأ القصوري، فإن الله بكرمه يسامح العباد عليه، وهذا ما يشير إليه حديث الإمام الصادق المتقدم وغيره من الأحاديث الأخرى.

وفي المحصلة يجب الوقوف على حكم الخلل البسيط الذي يحدثه المكلف في عباداته، فإن كان مبطلاً للعبادة بحسب فتاوى الفقهاء فهو مسؤول ومحاسب عليه، وإن لم يكن مبطلاً للعبادة بحسب فتاوى الفقهاء فهو غير محاسب عليه.

هامش: المقال رداً على سؤال: هل يحاسبنا الله على الأخطاء البسيطة كالتي تحدث في الوضوء أو الصلاة أو الصوم.. الخ؟؟ مع ذكر الأدلة..
2023/10/17

كيف نتجنّب العين والحسد؟
ما الفرق بين العين والحسد في روايات أهل البيت وهل للعين اثار كما يتناقل تمرض و تقتل وتفقر الخ..؟ الجواب من سماحة الشيخ عبد الله الدقاق:

الحسد هو تمني نعمة الغير مع تمني زوالها عنه، بخلاف الغبطة فهي تمني الحصول على مثل نعمة الغير مع تمني بقائها له.

وقيل: حد الحسد أن تغتاظ مما رزق به غيرك وتود أن يزول عنه، بخلاف الغبطة فلاتغتاظ ولاتتمنى زوال النعمة من الغير، بل تتمنى ثبوتها لك، مع تمتع الآخرين بها.

وأما العين فهي عبارة عن نظرة وقوة مؤثرة بالشر لدى بعض الناس تحصل حال التعجب من شيء أو صفة، والعين قد تحصل من المحب والصديق وقد تحصل من العدو؛ لذلك اذا تعجبت من شيء فقل: اللهم صل على محمد وآل محمد لدفع العين، والعين مؤثرة جداً، فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: ( إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر)، وينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى نفسه إذا تعجب حتى لاتصدر منه عين فيقول ثلاثا كما عن الامام الصادق(ع): ما شاء الله، لاقوة الا بالله العلي العظيم، كما ينبغي أن يبتعد المؤمن عن مواطن لفت الانتباه والتعجب حتى لايصاب بالعين.

اذن الحسد والعين مختلفان لغة، لكن جرى العرف العام على إطلاق الحسد على الاصابة بالعين، فيقال فلان محسود ومصاب بالعين، فصار الحسد والعين مترادفان بنظر العرف، وان كان معناهما مختلف حسب اللغة العربية، والله العالم.

2023/10/10

الإنسان المسلم طاهر.. لماذا يصبح نجساً بعد الموت؟!
في الفقه يطلق كلمة نجسعلى عين النجاسة ومتنجس على الأعيان التي طرأت عليها النجاسة.. الإنسان طاهر لماذا عندما يطرأ عليه الموت يكون نجس ولا يكون متنجساً؟ الجواب من سماحة الشيخ عبد الله الدقاق:

الانسان المسلم الحي طاهر، فإذا خرجت روحه تغير الموضوع وصار له حكم آخر، وهو النجاسة، فموضوع الطهارة هو المسلم الحي، وموضوع النجاسة هو الانسان الميت، والميتة من النجاسات، فيجب غسل اليد لو لمس الميت برطوبة، وهذا للطهارة من النجاسة الخبثية، كما يجب عليه غسل مس الميت اذا لمسه ولو بغير رطوبة بعد برده وقبل تغسيله وهذا للطهارة الحدثية، والله العالم.

2023/10/10

2023/10/08

العقيدة أم الفقه: ما الذي يجب علينا تعلّمه في الدين؟!
أول ما نزل من القرآن بحسب أكثر المفسرين هو قول الله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»، ويدل ذلك على أن الإسلام أقام قواعده من البداية على العلم والقلم، حيث جاءت معظم نصوصه تحض على طلب العلم إلى درجة يفهم منها الوجوب والإلزام.

وقد اتفقت الأمة على أن العلم الواجب على جميع المكلفين هو معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وكل ما يتعلق بأصول الدين والاعتقاد، مضافاً إلى العلم بالأحكام التي يلتزم بها المكلف في عباداته ومعاملاته والتي يصطلح عليها بفروع الدين، وكلٌ منهما ينقسم إلى فرض عينٍ وفرض كفاية، فهذه أربعة أقسام وبيانها بنحو الاختصار كما يلي:

1- الواجب العيني من أصول الدين: معرفة الله وصفاته وأفعاله بنحو يحصل له الاطمئنان بها وتسكن نفسه لصحّتها وإن لم يتمكّن من ردّ الشبهات والإشكالات لعدم معرفته باصطلاحات العلماء.

2- الواجب الكفائي من أصول الدين: معرفة ذلك بمستوى ردّ الشبهات وحلّ الإشكالات ودفع المغالطات.

3- الواجب العيني من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل -من العبادات والمعاملات- التي يكون في معرض الابتلاء بها والحاجة لها.

4- الواجب الكفائي من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل بأدلتها التفصيلية وهو المصطلح عليه بالاجتهاد.

وقد أشارت رواية الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى ما يجب على المكلف العلم به، حيث قال: (وجدت علم الناس في أربع:

أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف.

وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة.

وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب.

ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه) (كشف الغمة، 2، ص255)

وقد وردت بعض الروايات التي تحمل الناس على طلب العلم بحيث لا يكون لهم من الأمر سعة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: (لا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى‏ يَسْأَلُوا، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ...) (الكافي، ج‏1، ص97). بمعنى لا يسع الناس نسبة اعتقاداتهم وأعمالهم إلى الدين إلا إذا تفقهوا وتعلّموا.

وفي حديث آخر سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: (لا) (الكافي، ج‏1، ص73).

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ والْعَمَلُ بِهِ، أَلا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ) (الكافي، ج‏1، ص73)

وقد يفهم من هذه الروايات أن وجوب طلب العلم الذي يزيد على حد الوجوب العيني يراد به تحقيق تمام الدين وكماله على النحو التالي:

1- تدين المؤمن لا يكتمل إلا بطلب العلم والعمل به، فالعلم الذي يزيد على ما يحتاجه من تحقيق ما كلف به يكون من باب تحقيق التمام والكمال في التدين، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (عليه السلام) قَالَ: (الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ...) (الكافي، ج‏1، ص77)

2- صيغة التفضيل (أوجب) في رواية امير المؤمنين السابقة، تفيد أنّ طلب المال واجب وطلب العلم اوجب منه؛ وذلك باعتبار أن الغاية من العلم مقدمة على الغاية من طلب المال، وبما أن وجوب طلب المال في حدود الحاجة المعيشية، فإن طلب العلم أوجب أيضاً بمقدار ما يتوقف عليه اعتقاده وعمله، وما يزيد على ذلك فهو من باب تحقيق الكمال. كما يمكن تأويله على أن طلب العلم أوجب لأنه لا يتحصل إلا بالطلب بخلاف طلب المال الذي تكفل به المولى تعالى.

3- لا تعارض بين طلب المال وطلب العلم، بل قد يكون المال عوناً لطلب العلم، أما إذا كان طلب المال يمنع من تحصيل العلم الواجب، حينها يتعين تركه من اجل تحصيل العلم الواجب، وهذا في العادة غير متصور فبإمكان الإنسان تعلم ما هو واجب عليه من أمور الدين في كل ظروف العمل.

4- منظور الروايات في طلب العلم هو تحقيق البصيرة في الدين وهو أمر واجب لا يسع المكلف الاستغناء عنه، وليست ناظرة لتحصيل العلم التفصيلي بكل ما فيه، نقل عن الشيخ البهائي أنّه قال: "ليس‏ المراد بالفقه‏ الفهم‏ ولا العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة فإنّه معنى مستحدث بل المراد به البصيرة في أمر الدّين والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى والفقيه هو صاحب هذه البصيرة" (المازندراني ج2، ص33)، وتحقيق البصيرة موقوف على الاعتقادات الحقة والإتيان بالتكاليف الشرعية، وهذا هو المقدار الواجب تعلمه على كل مكلف.

المقال رداً على سؤال: هل يجب عليه التعمق في الدين ودراسة العقائد والفقه والتاريخ وغير ذلك من الامور المهمة؟ وجنابكم تعلمون أن دراسة ذلك يستغرق العمر بأكمله، وفي المقابل الحياة محدودة وامام الإنسان مسؤوليات أخرى تتعلق بأمر معاشه، فكيف يمكنه الموازنة بين هموم الحياة وبين طلب العلم الديني؟ ولكم جزيل الشكر.
2023/09/24

ما الدليل على أن القرآن لم يتعرّض للتحريف؟!
يجب الالتفات بداية الى أن نغمة تحريف القرآن الكريم يعزفها اليهود والنصارى دائماً؛ لأن التاريخ يثبت تعرض كتابيهما الى التحريف وفقدانهما القيمة المتوخاة منهما.

وانطلاقاً من ذلك فهؤلاء يعمدون الى إلصاق تهمة التحريف بالقرآن الكريم لكيلا يشكل عليهما بتحريف التوراة والانجيل.

إن التاريخ يثبت بالأدلة والأرقام أن نسخ التوراة تعرضت مراراً للتلف والإندراس نتيجة للحوادث التاريخية المختلفة، خاصة أثناء هجوم بخت النصر على اليهود، ثم قام بعض علمائهم بإعادة كتابتها لاحقاً[1] .

كما أن التاريخ يشهد على أن الانجيل الرباعي إنما دوّنه عدد من أتباع النبي عيسى (ع) بعد وفاته بمدة من الزمن؛ وعلى هذا الأساس، لا أثر للكتاب الواحد الذي نزل على المسيح (ع) [2].

ومن أسس كافة معارفه وأصوله الدينية على أساس هذه الكتب المحرفة التي فقدت قيمتها واعتبارها يرغب بإلحاق المصير نفسه بالقرآن الكريم ليستطيع القول: إن هذا الكتاب أيضاً طاله التحريف ولا يمكن الاعتماد عليه.

هذا في حين أن طريقة جمع القرآن الكريم في جميع المراحل التاريخية تختلف تماماً عن طريقة جمع التوراة والانجيل في الديانتين اليهودية والمسيحية.

إن التاريخ يؤكد على أنه لا وجود للإبهام والغموض في كافة مراحل جمع القرآن الكريم. وفي هذا الإطار لا بدّ من الالتفات الى موضوعين هامين؛ إذ يتضح من خلالهما الاجابة عن كثير من الأسئلة، وهما:

1- إن القرآن الكريم عبارة عن كتاب أحدث انقلاباً عظيماً في كافة شؤون الحياة الاجتماعية للمسلمين؛ فنسف ماضيهم وصنع لهم حياة جديدة متقومة بالإيمان والمبادئ الانسانية. بناء على ذلك، فالقرآن الكريم كان له صلة بأهم شؤون حياة المسلمين؛ إذ كانوا يستمدون من هذا الكتاب السماوي سياستهم واقتصادهم وقوانينهم الأخلاقية، بل حتى آداب ورسوم المعاشرة الصحيحة في الأسرة. ويرتبطون به خمس مرات يومياً في صلواتهم؛ ومن هنا فهم يرجعون في كافة شؤون حياتهم اليومية الى القرآن الكريم أولاً ثم السنة النبوية ثانياً.

وفي هذه الحالة كيف يطال التحريف كتاباً امتزج بحياة الناس الى هذا المقدار وكان المعول والمستند لهم في كل شاردة وواردة، ومع هذا لم يلتفت العوام أو الخواص الى هذا التحريف؟

فاحتمال وقوع التحريف في القرآن الكريم دون علم أحد بذلك بمثابة احتمال أن يطال التحريف دستور أمة كبيرة وعظيمة دون أن يشعر أحد من أفرادها بذلك؛ فهل من الممكن أن يطال التحريف دستور أمة ما من دون أن يفهم أبناؤها بوقوعه وترتفع أصواتهم بالاستنكار والتنديد؟

إن دور القرآن الكريم في الحياة الاجتماعية للمسلمين يفوق بكثير الدور الذي يلعبه القانون الأساسي في حياة الشعوب المعاصرة؛ وعليه فإن الأنظار كانت وما زالت متجهة إليه، وما إن يحدث فيه شيء من التحريف حتى تتعالى الأصوات وتبدأ ردود الأفعال المختلفة والاعتراضات المتوالية من كل حدب وصوب.

2- إن تاريخ جمع القرآن الكريم، سواء في حياة النبي الأكرم (ص) أم في الفترة التي تلته، والاهتمام الكبير الذي كان النبي (ص) والمسلمون يبدونه تجاه حفظ وكتابة القرآن، كل ذلك يثبت أنه لا مجال لنقصان كلمة واحدة من كتاب الله المجيد.

وقد ذكر في التاريخ أن هناك علماء مسلمين يصل عددهم الى ثلاثة وأربعين شخصاً [3] كانوا متواجدين زمن النبي (ص) وقد أمرهم بكتابة كل آية أو سورة بمجرد نزولها عليه، ومن ثم حظيت تلك الكتابات باهتمام المسلمين من بعده وحفظت على أكمل وجه ممكن.

وأشهر هؤلاء الذين أبدوا اهتماماً منقطع النظير بتدوين القرآن الكريم علي بن أبي طالب (ع) وزيد بن ثابت؛ فكان المسلمون يحتفظون بنسخ عديدة من تلك المدونات حيث كانت تمثل لهم مرجعاً في القراءة والاستفادة من كتاب الله المقدس.

وفضلاً عن هاتين النقطتين، كان غالبية المسلمين يحفظون آيات وسور القرآن في قلوبهم، وكانوا يتوخون منتهى الدقة في الحفظ حتى لا يفرطون بكلمة واحدة منه. وكانت هذه الثلة من المسلمين الذين يطلق عليهم اسم "القراء" مرجعاً لآحاد المسلمين في القراءة والتلاوة.

إن موضوع الاهتمام بحفظ القرآن الكريم وصيانته من التحريف كان على قدر كبير من الأهمية بين أوساط المسلمين، حتى أنه لما قتل عدد كبير من القراء في وقعة اليمامة في عهد أبي بكر عزم المسلمون على إبداء مزيد من الاهتمام بهذا الموضوع؛ ولأجل ذلك جمعوا كافة النسخ القرآنية الموجودة وأبرزوا عدم ارتياحهم من وجود تفاوت بينها، فقاموا بتوحيدها.

وفي عهد عثمان بن عفان جرى توحيد جميع نسخ القرآن الكريم ونسخت منه أربع نسخ أخرى وأرسلت الى المدن الكبيرة وأمر الناس بتوحيد مصاحفهم على ضوء هذه النسخ الأربع وجعلها اساساً في القراءة.

وبلغ اهتمام المسلمين والقراء على وجه الخصوص بحفظ وصيانة كتاب الله المجيد من التحريف الى درجة أنه نشب خلاف بين أبي بن كعب وعثمان بن عفان (خليفة المسلمين آنذاك)، بشأن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(التوبة: 34)، فقال الخليفة: إن الوحي الالهي النازل هو "الذين" بدون واو؛ فيجب حذف الواو من جميع نسخ القرآن. لكن أبي بن كعب أصرّ على أن القرآن الذين سمعناه من رسول الله (ص) هو ما موجود بين دفتي الكتاب. ثم اشتدت حدة النزاع بينهما؛ فنهض أبيّ حاملاً سيفه على عاتقه وهو يصيح: من أراد حذف هذا الحرف من كتاب الله فاني أخمد سيفي هذا في صدره وأريق دمه. فأدت شجاعة أبي بن كعب الى تراجع الخليفة عن كلامه.

ولما يفضي الاختلاف على حرف واحد إلى هكذا نزاع عنيف، أيمكن الادعاء بأن القرآن الكريم طاله التحريف وحذفت منه بضعة آيات؟

وبالإضافة الى ما قيل آنفاً حول عدم إمكان تحريف القرآن، فانه قد صرح القرآن نفسه في عدة موارد منه بعدم التحريف وأن كتاب الله سيصان من التغيير والتلاعب؛ إذ قال عزّ من قائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، كما أجمع علماء الاسلام في كتب التفسير على أنه لم يجر على القرآن الكريم أي لون من ألوان التحريف.

واذا ما وجد أحد علماء الاسلام قد ذهب الى تحريف كلام الله تعالى فذلك ناتج عن بعض الأحاديث الموضوعة التي دسها بعض المغرضين في كتب الحديث؛ وإلا فلا قرينة في القرآن نفسه على زعم هؤلاء. وبدهي أن هذا الصنف من الأخبار ساقط عن الاعتبار، أو إن هذه الشبهة نتجت عن أخبار لم يستطيعوا كشف مرادها الواقعي.

وعلى كل حال، فقد ألّف عدد من كبار علمائنا كتباً حول هذا الموضوع أثبتوا فيها بما لا يقبل الشك عدم إمكان طرو التغيير والتحريف على القرآن الكريم، فمن يرغب بمطالعة الأدلة التي تثبت استحالة التحريف بوسعه مراجعة الكتب الكثيرة المدونة في هذا المجال.

وأخيراً فإن الأخبار التي تدل على وجود قرآن لدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يختلف عن كافة النسخ القرآنية الأخرى، لا تتناقض مع أخبار ومبدأ عدم التحريف؛ لأن القرآن المذكور كما صرح العلماء الأعلام بذلك يشتمل على شرح لنزول الآيات وتفسيرها المنقول عن رسول الله (ص)؛ فالفارق بينه وبين سائر النسخ القرآنية الأخرى من هذه الناحية فقط لا في أصل النصّ القرآني الموجود في الجميع.

 المقال رداً على سؤال: هل أن القرآن الكريم نزل على النبي (ص) بصورته الفعلية الموجودة حالياً؟ وما الدليل على صيانته من التحريف؟

الهوامش: [1] ) انظر كتاب: "القاموس المقدس" و "الهدى الى دين المصطفى". [2] ) انظر: المصدرين السابقين. [3] ) تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني.
2023/09/20

أهلي يجبرونني على لبس «النقاب».. ماذا أفعل؟
أهلي يجبرونني على ستر وجهي فماذا أفعل؟ الجواب من سماحة السيد ضياء الخبّاز:

غطاء الوجه -ابنتي العزيزة- هو ما كانت عليه سيرة مولاتنا الزهراء وسيدتنا زينب ونساء أهل البيت (عليهنَّ السلام).

وأعتقد أنَّ أهلك لحبهم الخير لك في الدنيا والآخرة قد أمروك بذلك، أما في الآخرة فلأن الاقتداء بأهل البيت هو طريق الوصول إلى الجنة، وأما في الدنيا فلأن نضارة وجهك المشرق بنور الإيمان أغلى عند أهلك من أن يراه الأجانب، ويمتعون أنظارهم بالنظر المحرم إليه.

2023/09/10

كيف تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟!
يجب الالتفات – أساساً – الى أن العامل الرئيسي لصدّ الانسان عن المعاصي هو الايمان وذكر الله تعالى؛ فالإنسان الغافل عن ذكر الله لا يفكر بعاقبة أعماله وأفعاله، ولا يؤمن بوجود حدّ لإشباع رغباته وغرائزه الجامحة.

وعلى العكس من ذلك، فان ذكر الله – الله الذي يعلم بكافة أعمالنا صغيرها وكبيرها، الله الذي يعلم بما يدور في خواطرنا – يصدنا عن الاستبداد واتباع الأهواء وتجاوز الحدود.

إن الطريق الطبيعي والمؤثر والدائم للحدّ من غرائزنا ورغباتنا اللا مشروعة هو ذكر الله، وذكر مقام أولياء الله، وذكر جزاء المسيئين وثواب المحسنين.

القرآن الكريم عرف المؤمنين بالشكل التالي: «رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكاة» [2]، وجدير بالذكر أن الغفلة عن الله والابتعاد عنه يفضي الى خمول العقل وكدورته واضمحلال إشعاع نور الوجدان.

لقد أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر الله أهمية خاصة فقال بهذا الخصوص: (إن الله جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة) [3].

اعتبر الإمام علي (عليه السلام) الغفلة في الحديث المذكور نوعاً من الصمم والعمى للقلوب، يؤدي الى عصيان ومعاندة وعداء الانسان للحق والحقيقة، وفي إزاء ذلك يعتبر ذكر الله مدعاة للإصغاء وتنوير القلوب، ويحدّ من جموح الغرائز، ويجنبها مجافاة الحقيقة.

بناء على هذا البيان، يعدّ الفرد الغافل عن الله وثوابه وعقابه كفرد أعمى وأصم راكب على جواد جامح، فمما لا شك فيه أن هذا الجواد سيضرب به الحجر والمدر ويلقيه في غياهب الأودية؛ لكن من يمتلكون قلوباً يقظة ومولعة بذكر الله يشاهدون نتائج أعمالهم عن كثب، ويصغون الى كلام الحق، ويحكمون سيطرتهم على نفوسهم الامارة بالسوء عبر ذكر الله.

قال الإمام الباقر (عليه السلام) موصياً أحد محبيه: «ذكر الله على كل حال، وهو أن يذكر الله عند المعصية، يهمّ بها فيحول ذكر الله بينه وبين المعصية» [4].

وقال الأصبغ بن نباتة: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «اذكر الله في حالتين: الأولى عند المصيبة، والثانية حينما تذنب، والثانية خير من الأولى؛ لأن ذكر الله يحول بين المرء وارتكاب الذنب».

بدهي أن للتوجه الى الله مراتب، لا تتساوى بتاتاً، وقد تصل – أحياناً – الى مرتبة يُعصم فيها المرء عن اقتراف الذنب فيصبح محالاً عادياً بالنسبة له، أولئك أفراد ينعمون بقلوب مطمئنة وأرواح متيقظة وأبصار متوهجة وأسماع صاغية ونفوس مطيعة.

أغلب الناس يذكرون الله بدرجة متوسطة، فعلى سبيل المثال هناك أشخاص يرتكبون بعض المعاصي والآثام، لكنهم في الوقت ذاته غير مستعدين – أبداً – لإراقة دم انسان، أو أكل مال اليتيم، أو الاعتداء على ناموس شخص آخر؛ لأنهم يعلمون يقيناً أن العقاب الالهي في هذه الموارد شديد جداً، فيبدي وجدانهم مقاومة إزاء اقتراف هذه الذنوب.

وأحياناً يضعف ذكر الله لدى البعض بحيث يظهر بصورة أرضية للإقلاع عن الذنوب، ولربما وجدت عوامل قوية أدت الى إلغاء أثر هذه الأرضية، لكن كلما استطاع الانسان أن يذكر الله بهذا الشكل الضعيف وكما يصطلح عليه بالعلة الناقصة، استطاع أن يعزف عن الكثير من الذنوب.

الصلاة وسيلة لذكر الله:

أحد أهم أسرار الصلاة هو أنها تذكر الانسان بالله تعالى؛ فالقرآن الكريم ذكر أن فلسفة الصلاة هي ذكر الله إذ قال: «أقم الصلاة لذكري» [5]، ومن الجلي أن الصلاة - بما أنها عبادة ويجب أداؤها بقصد القربة-  توجب ذكر الله.

وبغض النظر عن هذا، فان المصلي في صلاته يتلفظ بأذكار وجمل تبعث جميعها على ذكر الله والتوجه إليه؛ فعلى سبيل المثال سورة الحمد التي نقرأها في الصلاة تتضمن الثناء على الله وبيان صفاته وأفعاله، ومن ثم طلبات العباد المختلفة منه تعالى وبقية الأذكار تصب جميعاً في هذا المضمار.

إن وقع الصلاة علينا يتمثل بتعزيز روح الايمان والتوجه نحوه جل وعلا، وهذا التوجه – كما قلنا آنفاً – له درجات ومراتب، والأفراد الذين لا يتورعون عن ارتكاب الآثام لا يكون ذكر الله بالنسبة لهم سوى أرضية للانطلاق وليس علة تامة.

وبعبارة أخرى: «إن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي الى الله سبحانه، وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة، فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر» [6].

وبإيجاز، إن كانت الصلاة صلاة واقعية ستترك أثرها حيال الذنوب لدى كل شخص؛ فتارة يكون هذا التأثير قوياً وتارة يكون أضعف، فشدته وضعفه تختلف باختلاف الذنوب والصلاة نفسها ، فكلما كانت الصلاة أعمق وأكمل كان أثرها التربوي في تفادي الوقوع في الحرام أشد وأكبر.

وبالتغاضي عن كل ذلك، فان صلاة المصلين تحول دون ارتكابهم الكثير من الذنوب عملياً، وفي الوقت ذاته تمهد لترك بقية الذنوب؛ لأن المصلي مضطر لترك الكثير من الذنوب في سبيل قبول صلاته، فمثلاً أحد شروط قبول الصلاة مشروعية وإباحة جميع ما يستعمل في الصلاة ومقدماتها كماء الوضوء والغسل والمكان ولباس المصلي؛ وهذا الموضوع من شأنه أن يؤدي الى ترك أغلب الذنوب وتجنب التكسب بكل أنواع الحرام؛ لأن من العسير جداً أن يلتزم الشخص بحلية وإباحة ما يتعلق بالصلاة فحسب وعدم الورع إزاء بقية الموارد.

والشاهد على هذا الكلام هو: «اذا تأملت حال بعض من تسمى بالإسلام من الناس وهو تارك الصلاة، وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية، ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام، فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء، ثم اذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف، وجدته مرتدعاً عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به، ثم اذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعاً منه، وعلى هذا القياس» [7].

والخلاصة: تترك الصلاة نوعاً من الأثر التربوي على المصلين قاطبة –سواء كان هذا التأثير شديداً أو ضعيفاً – فشدته وضعفه يعتمد على كيفية إقامة الصلاة وآدابها وروحها.

*المقال رداً على سؤال: أحد آثار الصلاة – حسب وجهة نظر القرآن الكريم – هو حيلولتها دون ارتكاب الانسان للفحشاء والمنكر , حيث قال جل وعلا :" وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكرِ" [1] , ومع هذا يلاحظ أن الكثير من المصلين يرتكبون المعاصي والمنكرات , ولم تترك الصلاة أثرها في أقوالهم وأفعالهم , ففي هذه الحالة ما معنى الآية المذكورة آنفاً؟ الهوامش: [1]. سورة العنكبوت، الآية 45. [2]. سورة النور، الآية 37. [3]. نهج البلاغة (عبدة)، الخطبة 220. [4]. سفينة البحار، ج1، ص486. [5]. سورة طه، الآية 14. [6]. الميزان، ج16، ص141. [7]. نفس المصدر.
2023/09/05

لماذا حرّم الله أكل لحم الخنزير؟!
هناك حقيقة أضحت اليوم ثابتة، وهي أن تناول لحم الخنزير أخطر مما نتصور بكثير؛ فثمة مخاطر جمة تحيط بمستخدميه من الناحية الاخلاقية (عن طريق الهرمونات) ومن الناحية الصحية أيضاً.

سنشير هنا الى أحد الأضرار المترتبة على تناول لحم الخنزير فقط، وهو أحد الأمراض الخاصة المسمى ﺒ «تريشينوزيس» أو «مرض دودة الخنزير» والطريف أن ما ستقرؤنه ذيلاً ترجمة لمقالة من أحد المصادر العلمية الأمريكية قام الدكتور محمد غفراني بإرسالها إلينا.

مرض خطير ناتج عن لحم الخنزير:

استلمت أغلب المنظمات الصحية تقارير من الأطباء تتحدث عن مرضى مصابين بما يسمى بمرض «تريشينوزيس» وتنقل هذه التقارير أن هذا المرض أخذ طابعاً وبائياً الى حد ما؛ أي أنه منتشر في المجتمع على مدى واسع يفوق الحد المتعارف.

«تريشينوزيس» أو مرض دودة الخنزير هو مرض طفيلي ناشيء عن دودة صغيرة ذات شكل شعري من صنف الديدان المستديرة؛ تقضي هذه الدودة فترة حياتها في بدن الخنزير وبعض الحيوانات الأخرى، وعلى الرغم من أن جميع الثدييات يمكن أن تبتلى بهذا المرض حينما تتناول لحم الخنزير الحاوي لتلك الديدان، لكن حساسية الانسان في هذا المجال أكثر من غيره بكثير، فعلى سبيل المثال عندما يتناول الدب أجزاء من بدن الخنزير نظير الأمعاء يصاب بالمرض بكل سهولة، ولو أكل الانسان لحم هذا الدب لابتلي بدوره بهذا المرض أيضاً.

يصاب الانسان بهذا المرض عادة من جراء تناول لحم الخنزير غير المطهو بشكل كامل، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن لحم الخنزير الذي يتناوله مطهو بشكل كامل؛ لأننا نلاحظ موارد عديدة من الاصابة بهذا المرض ناشئة من تناول لحم الخنزير الذي سبق وأن طهي بأدوات حديثة بشكل يورث الاطمئنان ظاهراً، وقد أشار كاتب المقال في ختام مقاله الى هذا الموضوع. (تنويه للمترجم )

تشير الدراسات الى أن عدداً قليلاً من مجموع 25 مليون شخص نشأت هذه الديدان في بدنه تظهر عليه أعراض المرض بشكل بارز وسريري، وثمة آلاف الاصابات الأخرى ظلت خافية عن أعين الأطباء!

كما يتوقع أن 16000 شخص فقط من مجموع 25 مليون آخر ثبتت إصابته استناداً الى ظهور هذه الديدان في عضلات بدنه وخاصة في الحجاب الحاجز اكتشفت إصابته بشكل محدد في المستشفيات، وقد توفي 5 % من هؤلاء نتيجة شدة الاصابة.

2023/09/03

هل يصح للناس نقد مراجع الدين؟!
كلُّ شخص غير معصوم لا يمتنع نقده، بشرط أن يكون النقد نقداً موضوعياً، وبما أنَّ المرجع الديني ليس معصوماً، فإنَّ نقده مما لا سبيل إلى منعه، ولكنَّ الصحيح أنَّ المرجع الديني بما أنه يمثّل قامة من قامات العلم والإيمان، فإنَّ نقده لا يصح إلا مع تحقق شروط، أهمها ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون النقد نابعاً من رؤية شرعية، لا من رؤية ذوقية استحسانية، وإلا فإنه لا قيمة له، نظير من ينتقد بعض المراجع العظام في عدم ظهوره على القنوات الفضائية، معتبراً ذلك مظهراً من مظاهر العزلة عن الأمة، فإنَّ هذا لا يعدو كونه استحساناً ذوقياً ليس إلا؛ ضرورةَ أنَّ ما يقتضيه الدليل الشرعي ليس إلا كون المرجع الديني مشرفاً على شؤون الشيعة، وقائماً بأمورهم، ومعالجاً لقضاياهم، وهذا مما يتحقق حتى وإن لم يتصدر المرجع الديني القنوات الفضائية، وقد جالسنا بعض المراجع الكبار ممن تدين لهم منطقتنا الحبيبة ( القطيف ) بالتقليد، فوجدناهم أكثر إحاطة بأوضاع المنطقة وأحداثها منّا نحن الذين ننتمي إليها ونعيش بين جنابتها، مع أنهم ممن لا يتصدرون القنوات الفضائية ولا يظهرون عليها.

الشرط الثاني: الأهلية والكفاءة العلمية للكينونة بمستوى نقد المرجعية؛ إذ من غير الصحيح إطلاقاً أن يحمل شخصٌ راية نقد المرجعية الدينية مع أنه على جهلٍ تام بالحجج والأدلة الشرعية – بل والفتاوى – التي تتحرك المرجعية على ضوئها، نظير مَن ينتقد المرجع الديني في عدم قيامه ببعض المشاريع الاستثمارية للحقوق الشرعية، للاستفادة منها بصورة أكبر وأكثر، مع أنَّ ذلك مما يمنع منه مجموعة من المراجع العظام؛ نظراً لاستلزامه تعطيل الحقوق الشرعية، والحيلولة بينها وبين مستحقيها، وهو غير جائز شرعاً بنظرهم، ولكنَّ الجاهل بهذا الحكم الشرعي ينطلق في نقده للمرجعية المباركة من منطلق جهله، مما يجعل نقده نقداً لا قيمة له.

الشرط الثالث: توجيهُ النقد للأداء لا للفتوى؛ إذ الفتوى منطقة محظورة، ولا يصح نقدها إلا للفقيه المتخصص فقط؛ لقول الإمام الصادق ( عليه السلام ): "فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حدِّ الشرك".

هامش: المقال رداً على سؤال: لماذا نرى علماء الدين -والذين يعبر عنهم البعض بحواشي المراجع- يرفضون نقد أي تصرف من تصرفات المراجع؟! أليس من حق المجتمع الشيعي أن ينقد أفعال قادته خدمةً للمذهب من أجل الوصول إلى مستوى ثقافي ومعرفي واجتماعي وأخلاقي أفضل؟! ألا يعد هذا النقد كاشفًا عن وعي المجتمع وعدم تقليده الأعمى لكل من طرح مرجعيته على فرض عدم استحقاقه للمرجعية؟!
2023/08/21

حقيقة أم خرافة: هل تحضر السيدة الزهراء (ع) المجالس الحسينية؟!
هل يوجد دليل على حضور مولاتنا الزهراء عليها السلام في مجالس ولدها سيّد الشهداء عليه السلام، أم هذه العقيدة مجرّد خرافة تروّج لها بعض المنابر لتجذب بسطاء الشيعة؟ الجواب من سماحة السيد ضياء الخبّاز:

الذي يبدو لي في مسألة (حضور سيدتنا الصديقة عليها السلام في مآتم سيد الشهداء عليه السلام) أن محورها الرئيس هو تحديد المقصود من الحضور، فإذا حملناه على (الحضور الإشرافي) – بمعنى أنها ”عليها السلام” تشرف على المجالس الشريفة، وتحيط خبراً بجزئياتها – سهل إثبات ذلك.

ويكفينا لإثباته قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) بضميمة ما ورد في تفسير (المؤمنون) بالعترة الطاهرة عليهم السلام؛ فإن هذا وحده كافٍ لإثبات الحضور الإشرافي للصديقة الطاهرة ” عليها السلام ” في المجالس الحسينية المباركة.

ويمكن أن يُستأنس لذلك بما ورد في أكثر من خبر من كون البكاء على سيد الشهداء ” عليه السلام ” إسعاداً لأمه الصديقة ” عليها السلام ”، نظير خبر كامل الزيارات عن الإمام الصادق ” عليه السلام ” قال: (وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة ” عليها السلام ” وأسعدها عليه) بتقريب: أنّ إسعاد المُسعِد لا يتم إلا مع علم المُسعَد واطّلاعه.

أضف إلى ذلك، فإنّ هناك خبراً – أو خبرين – قد ورد في بعض كتب المقاتل المتأخرة، ومنها: (ثمرات الأعواد) للعلامة الخطيب السيد علي الهاشمي رحمه الله، حيث قال في الصفحة 31: (رُوي: أن فضيل صنع مأتماً للحسين ” عليه السلام ” ولم يخبر إمامنا الصادق ” عليه السلام ” فلما كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه فقال له: يا فضيل أين كنت البارحة ؟ قال: سيدي كنت في شغل عاقني، فقال: يا فضيل لا تخفي علَيّ، أما صنعت مأتماً وأقمت بدارك العزاء في مصاب جدي الحسين ؟ فقال: بلى سيدي، فقال ” عليه السلام ”: وأنا كنت حاضراً، فقال: سيدي ما رأيتك، أين كنت جالساً ؟ فقال: لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب ؟ قلت: بلى سيدي، قال: أنا كنت جالساً هناك، فقلت: ولم سيدي جلست بالباب، وما تصدرت المجلس ؟ فقال: كانت جدتي فاطمة عليها السلام جالسة بصدر المجلس، فما تصدرت إجلالاً لها).

وتُحمل مثل هذه الأخبار على حضورها (عليها السلام) بوجودها النوري، وهو مما لا يتمانع مع حضورها الإشرافي كما هو ظاهر.

2023/08/20