صاحب أشهر كتاب فقهي.. ماذا تعرف عن «السيد اليزدي»؟

مرَّ الفقه الشيعيُّ بأدوارٍ كثيرة، ومضت عليه عهودٌ طويلة تناوب فيها على سدَّة المرجعية العظمى بعد وقوع الغيبة الكبرى علماء كثيرون، وكذلك - من جهةٍ أخرى- مرَّت على تلك الحوزات العلمية متونٌ فقهيةٌ كثيرة، كانت مدار الدرس والتدريس، ومحور المناقشة والمباحثة.

وكان منذ نحو مئة عام كتاب "العروة الوثقى فيما تعم به البلوى" محوراً للأبحاث المُتخصصة في الفقه تدور على مسائله رحى الأنظار العاليَّة، ومورد النظر لتعليقات العلماء تجوس بين ثنايا تفرّعاته عيون أقلامهم البارعة،  ذلك السفر العلميُّ النفيس  الذي دبجته يراعة سماحة اية الله العظمى السيد اليزدي.

فمن هو السيد اليزدي؟

ذلك ما سنتعرف عليه - مختصراً - في السطور الاتية.

حياته ونشأته:

هو آية الله العظمى سماحة السيد محمد كاظم اليزدي بن السيد عبد العظيم الطباطبائي، ابصر النور في قرية نائية تغفو بين مروج الطبيعة الساحرة في ( كسنوية ) من قرى يزد حدود سنة 1247 ه‍ ،حيث اناسها الوادعون الذين يمتهنون الزراعة حرفة، وبيع المحصولات الزراعية عملا.

وهنا لا نجد التاريخ يحدّثنا قليلاً أو كثيراً عما كان في مطلع صباه الباكر أو طفولته الأولى غير ان والده قام بحثِّه في تلك السن المبكرة على الدرس في كتاتيب تلك القرية الصغيرة.

نشأته العلمية:

شرع في طلب العلم، وبدأ تحصيله على أيدي معلمي تلك القرية  بحثٍّ من والده - قدس سره – فقرأ الأدبيات والمقدمات الحوزوية على المرحوم ملا محمد إبراهيم الأردكاني والمرحوم

الآخوند زين العابدين العقدائي ، والسطوح الأعلى على المرحوم الآخوند الملا هادي في يزد .

ولكن همته لم تقف عند هذا الحدِّ، ولم تنتهِ عند هذه النقطة، فطالب العلم منهوم لا يشبع، وعطشان الى المعرفة لا يرتوي، وحيث ان امكانيات يزد ومعلميها لم تعد تلبي طموحات سيدنا المترجم فانه قرَّر أن يشد الرحال الى مشهد حيث مربض الامام على الرضا صلوات الله وسلامه عليه لينال بغيته من العلم، ويظفر بحظه من المعرفة.

 وفعلاً، سافر إلى مشهد المقدسة، يحدوه الامل بالتفقه في الدين، ويسوقه الرَّجاء لترويج شريعة سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله- وهناك واصل دراسته فيها ، فقرأ علوم الهيئة والرياضيات ، ولما نال منهما وطره، وقضى من دروسهما حاجته  توجه إلى أصفهان حيث اراد التزود من العلم قدر مايستطيع، فالتحق بعد وروده مباشرةً بدروس

1- العلامة المرحوم الشيخ محمد باقر النجفي ابن الشيخ محمد تقي " صاحب هداية المسترشدين "

2- واستفاد من محضر " صاحب روضات الجنات " المرحوم السيد محمد باقر الموسوي الخوانساري المتوفى سنة 1313 ه‍

3- كما درس عند اية الله الحاج ميرزا محمد هاشم چهارسوقي " صاحب مباني الأصول " .

4-ودرس عند آية الله المرحوم الشيخ محمد جعفر آبادي .

الهجرة الى النجف الاشرف

ولكن عين عزمه كانت تطمح الى سماء الاجتهاد، وبصر همَّته كان يرنو إلى أفق الفقاهة، وليس يلقى بغيته إلاَّ في رحاب بلدة باب مدينة العلم - النجف الاشرف-  فعزم على المهاجرة إلى بلد الفقاهة والعلم .

هاجر إلى النجف الأشرف في السنة التي توفي فيها الشيخ المرتضى الأنصاري سنة 1281 ه‍ ، فلم يحظَ بشرف التلمذة عليه، والدراسة عنده ،وكان الشيخ الانصاري آنذاك ممن القيت اليه وسادة الفقاهة، وانتهت اليه الرياسة العامة للتشيع، فحضر بحوث الآيات العظام

1- المرحوم الميرزا الشيرازي،

2-والمرحوم الشيخ راضي ابن الشيخ محمد الجعفري ( فقيه العراق ) ،

3-والمرحوم الشيخ مهدي الجعفري

4-والمرحوم الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء، ونهل من نمير علومهم رضوان الله

عليهم أجمعين .

السيد اليزدي مدرسا:

بعد هجرة الميرزا الشيرازي إلى سامراء- وكان زعيم الحوزة النجفيَّة، وخَلَفَ الشيخ الانصاري، ورائد مدرسته، وربيب حوزته- شكَّل السيد اليزدي حلقةً دراسيَّةً لتدريس العلوم الفقهية، والقاء ابحاثه الأصولية وفق أحدث ما توصل اليه هذا العلم، وأرقى ما تمخضت عنه ابحاثه في عصر السيد -قدس سره-

وسريعاً ما تحولت تلك الحلقة الصغيرة إلى حوزةٍ دراسيةٍ كبيرةٍ، مشحونةٍ بأولي الفضل من الحضور، و مترعةٍ بأهل التحصيل من الطلبة، ونظراً لدقة تحقيقاته، وعمق تدقيقاته، كان عدد الطلاب الحضور في تزايدٍ مستمر ، حتى قال صاحب أحسن الوديعة في وصف حوزته رضوان الله تعالى عليه : " وكانت حوزته الباهرة في هذه الأواخر أجمع وأوسع وأسد وأنفع من أكثر مدارس فقهاء عصره وفضلاء مصره . . . "

وهي شهادة عالم معروفٍ بالتتبع، في حق عالمٍ معروفٍ بالفقاهة.