لماذا يبكي الشيعة إمامهم الحسين (ع)؟

أيّها الإخوة والأخوات ما زلنا في الخطبة الأولى في بيان فلسفة وحكمة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، وسبق أن بيّنّا أنّ هناك روايات كثيرة قد اهتمّت وحثّت حثّاً شديداً على البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) بالخصوص، ووعدت على ذلك الأجر العظيم والمنزلة الجليلة والعطايا في الدنيا والآخرة، فما هو السرّ في التأكيد والحثّ الشديد من الأئمّة (عليهم السلام) على البكاء؟! هل يريدون منّا هذا البكاء العاطفي البحت أم أنّ هناك سرّاً عظيماً أراده الأئمّة (عليهم السلام) من وراء هذا البكاء؟ وأرادوا منه أن تبقى مبادئ وقيم النهضة الحسينيّة فاعلة مؤثّرة نجسّدها في حياتنا الى يوم القيامة.

ولا بأس أيّها الإخوة والأخوات من باب التحفيز وبيان جزء من تلك المنزلة، ما ورد في بعض الأحاديث عن الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) في بيان فضيلة البكاء، وسأبيّن ما بعد ذلك ما هي تلك الأسرار الكامنة وراء ذلك، ورد عن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) قوله: (أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين -عليه السلام- حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّيه فيما مسّنا من أذىً من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله منزل صدقٍ) ثمّ في حديثٍ آخر عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: (من دمعت عينه فينا دمعةً لدمٍ سُفك لنا أو حقٍّ لنا نقصناه أو عرضٍ انتُهك لنا أو لأحد ٍمن شيعتنا، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة حقباً)، ثمّ أيضاً يقول الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه حينما بيّن هذا الصحابيّ أنّه يستذكر مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام) ويستعبر، حتّى يصل به الحال أنّه يمتنع عن الطعام لعظم مصابه، فقال له: (رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا...) لاحظوا إخواني ليس الثواب هذا فقط في الجنّة، وإنّما معطيات هذا البكاء في الدنيا وعند الموت وما بعد الموت، لاحظوا كما في هذا الحديث (...أما إنّك -لجزعك هذا على مصائبنا- سترى عند موتك حضور آبائي لك...) الإمام الصادق(عليه السلام) يخاطب أحد صحابته (...ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملكُ الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمةً لك...) هذا إنّما جاء ثواباً ومنزلةً للبكاء والعبرة على الإمام الحسين(عليه السلام) والأئمّة الأطهار (...ولملكُ الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمةً لك من الأمّ الشفيقة على ولدها).

نأتي الآن ونبيّن هذه النقطة المهمّة التي من خلالها كيف نصل الى البكاء الذي أراده الأئمّة (عليهم السلام) وننال به هذه المنازل العظيمة، هل للبكاء تأثيرٌ عاطفيّ بحت لا تُعدّ له قيمةٌ مبدئيّة لها تأثير في الإسلام؟ أم أنّ هذا البكاء الذي أراده الأئمّة (عليهم السلام) له أبعادٌ عقائديّة تربويّة روحيّة تُساعد وتساهم في حفظ الإسلام ومبادئ الإسلام؟ وتحافظ على مبادئ النهضة الحسينيّة حيّةً في الفرد والأمّة الإسلاميّة الى يوم القيامة، بحيث يبقى هذا المجتمع مجسّداً لنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) بالوقوف في وجه الظالمين والمستبدّين والطواغيت والانحراف والضلال، بحيث يكون دائماً هذا البكاء يؤثّر هذا التأثير، أن تبقى هذه المبادئ حيّة، الضمير حيّ، الإرادة فاعلة لدى الفرد والأمة، أن يجسّد مبادئ النهضة الحسينيّة التي من أجلها ثار الإمامُ الحسين(عليه السلام).

تعالوا معي إخوتي لنعرف كيف نصل الى هذا البكاء، وعلينا أن نراجع بعض الشيء القرآن الكريم، هل نجد لهذا البكاء أصلاً في القرآن الكريم أم لا؟ وهل أنّ هذا البكاء الذي نجسّده نحن على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام) فقط من خلال الروايات التي جاءت من المعصومين(عليهم السلام) وإن كانت هي مأخوذة من النهج القرآني، أم أنّ لهذا البكاء أصلاً في القرآن الكريم وهو وسيلةٌ سماويّة وإنسانيّة اتّخذها الأنبياء للحفاظ على نهجهم؟ حينما نتأمّل في بعض قصص الأنبياء التي سردها القرآن الكريم نجد أنّ البكاء وسيلةٌ قرآنيّة وإنسانيّة وولائيّة جسّدها الأنبياء (عليهم السلام).

لاحظوا في قصّة يعقوب (عليه السلام) ما الذي أراده القرآن الكريم أن يبيّنه حينما يذكر أنّ يعقوب(على نبيّنا وآله وعليه أفضل الصلاة والتحيّة والسلام) بكى على يوسف(عليه السلام) بكاءً شديداً حتّى ابيضّت عيناه وفقد بصره من البكاء، هل يريد أن يبيّن أنّ هنالك أباً حنوناً أباً عطوفاً على ولده، فقَدَ ولده وبكى عليه بكاءً شديداً حتّى ابيضّت عيناه من الحزن على فَقْد ولده، هل هذا هو المعنى الذي يريدُ أن يوصله القرآن الكريم؟ لا.. فهذا لا يتناسب مع عظم الدور الذي أُريد للأنبياء (عليهم السلام).

التفتوا الى هذا المعنى، أراد يعقوب (عليه السلام) أن يبيّن من خلال حزنه الشديد تفاعله العاطفيّ والعقائديّ والروحي مع مصيبة فَقْد ولده، ليس من باب عاطفة الأبوّة بل لأنّه حزنٌ على شخص يوسف الذي يمثّل خليفة الله في الأرض، وحجّة الله في الأرض، أنّ هناك شخصاً هو حجّة الله في الأرض وغُيّب عن الساحة الإنسانيّة، وهذا التغييب بسبب الحسد من قبل إخوته كان يمثّل خسارةً للأمّة للمؤمنين للدين في ذلك الوقت، أراد أن تبقى هذه المصيبة وتفاعل الأمّة المؤمنة في ذلك الوقت مع هذه المصيبة، لأنّ ذلك كان يمثّل حزناً على إنسانٍ ليس عاديّاً بل هو خليفةُ الله في الأرض، وحجّة الله في الأرض، يُراد منه هداية المجتمع وصلاح الأمّة، وغيّب عن الساحة الإنسانيّة، تغييبه بسبب تلك الأمور أدّى الى أنّه تكون هناك خسارة في الدين وخسارة في تغييب هذا الإنسان، لذلك القضيّة مرتبطة بتغييب إنسان يمثّل أحد قادة الإصلاح، إنسان يُراد منه أن يهدي المجتمع، غيّب عن ساحة المجتمع، ذلك يمثّل خسارة للدين وخسارة للأمّة المؤمنة، أراد أن ينشر هذه المصيبة وأراد أن يُبقي هذه المصيبة على الدّين حيّةً في نفوس الأمّة المؤمنة، هذا أوّلاً.

الشيء الآخر كما في سيرة المعصومين (عليهم السلام)، فاطمة الزهراء (عليها السلام) عندما بكت ذاك البكاء الشديد على فقد أبيها، والإمام السجاد(عليه السلام) حينما بكى طوال عمره الى آخر أيّام حياته على مصيبة أبيه، ما الذي كان في ذلك الحزن أو البكاء للإمام؟ هل هو بكاء فقد الابن لأبيه؟ عاطفة البنوّة، هناك عاطفة الأبوّة، هنا عاطفة البنوّة هي التي تدفع تجاه هذا البكاء الشديد؟ كلّا.. بل أنّه أراد أن يقول للأمّة إنّ هناك مصيبة أصابت الأمّة الإسلاميّة، هناك الإمام الحسين حجّة الله في الأرض قُتل بهذه القتلة هو وأولاده وذرّيته لأنّه نهض ضدّ الانحراف والظلم والفساد وأراد أن يُصلح هذه الأمّة، فهو يبكي على مصيبة الدين أنْ فقَدَ الدين هذا الإنسان العظيم، وأراد أن تُنشر هذه المظلوميّة بين الناس ويتحسّس الناس بها وتبقى حيّةً خالدة في ضمير الأمّة، حتى تبقى الأمّة تتفاعل مع مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك هذه القضيّة مرتبطة بالمعصومين (عليهم السلام) على مرّ التاريخ.

نأتي الآن بعد ذكر هذه الأمور المرتبطة ببكاء المعصومين، ما هي الحِكم المتوخّاة من وراء البكاء؟ وعلينا أن نعمل على تحقيقها حتى نصل الى الأهداف ونصل الى النتيجة، وهي أن يبوّأ الإنسانُ مبوّأ صدقٍ وأن يكون في الجنّة أحقاباً وأن يكتب له الفوز بالنعيم الدائم، واحدةٌ من الحكم أنّ مسألة البكاء الشديد والدائم مرتبطٌ بالطبيعة الإنسانيّة كنوعٍ من التعظيم والتكريم للشخصيّة التي يُبكى عليها والإشادة بدورها والثناء على جهدها وجهادها، أنتم حينما تفقدون إنساناً عظيماً مهمّاً في حياتكم تبكون عليه بكاءً شديداً، حتّى تُشعروا الآخرين بالتعظيم والتكريم والإشادة بدور هذا الرجل، حتّى يبقى المجتمع مرتبطاً به، أمّا الإنسان الذي ليست له قيمة في المجتمع وهو مصدرُ شرّ وضرّ وأذى للآخرين لا يُبكى عليه، وهذا نوع من التحقير والتوهين حتى يبتعد المجتمعُ عن مثل هؤلاء الأشخاص، فالبكاء إشعارٌ بعظمة ومكانة هذا الإنسان الذي يُبكى عليه خصوصاً مع شدّة هذا البكاء ودوامه، يرتبط بحسب الطبيعة الإنسانيّة، أنّ المجتمع يشيد ويثني على جهاد وجهود هذا الإنسان الذي بذل حياته ونفسه في سبيل حفظ مبادئ المجتمع، هذا يجعل الناس يرتبطون بصورةٍ غير مباشرة بمبادئ ذلك الرجل العظيم وبالتالي له تأثير في حفظ مبادئ الإسلام.

أيضاً من الحِكم المهمّة بالنسبة للبكاء هو أنّ البكاء أحدُ الأسباب المهمّة في حفظ مبادئ النهضة الحسينيّة، كيف ذلك إخواني؟ في الواقع نحن حينما نبكي على الإمام الحسين(عليه السلام) نعبّر عن تعاطفنا القلبيّ والروحيّ والولائي، ثلاثة أمور: تعاطف ولائي يعني عقائديّ وتعاطف قلبي وروحي، هذا يعني نحن نتعاطف مع المبادئ التي من أجلها ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه، وفي نفس الوقت نعبّر عن استنكارنا للجريمة التي ارتكبها الظالمون والمستبدّون، وهذا يمثّل نوعاً من النفور عن هؤلاء الظلمة والمستبدّين والنفور عن مبادئهم، لاحظوا كيف تُحفظ المبادئ حينما أتعاطف مع الإمام الحسين (عليه السلام) هو في الواقع تعاطفٌ مع تلك المبادئ والقيم التي نهض من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام)، وبالتالي تبقى هذه المبادئ حيّةً، وفي نفس الوقت يعتبر هذا البكاء تعبيراً عاطفيّاً عن التجاوب والتضامن مع صاحب القضيّة، وفي نفس الوقت هو تعبيرٌ عن الرفض والاستنكار، شيئان في نفس الوقت من التعاطف أرفض وأستنكر هذه الجريمة التي ارتُكِبت من هؤلاء الطواغيت والظلمة، بمعنى آخر يولّد نفوراً في النفوس من أخلاق ومبادئ أعداء الحسين(عليه السلام)، وبالتالي يمثّل أيضاً تفاعلاً وتجاوباً مع الذين يمثّلون امتداداً لمبادئ الإمام الحسين(عليه السلام).

أيضاً من جملة الأمور المهمّة أنّ البكاء يمثّل وسيلةً سلميّة وهادئة للتعبير عن التعاطف، حينما يستعمل الطغاة وسائل التنكيل والبطش والترهيب لأتباع هذه العقيدة الحقّة، أحياناً الأمّة الإسلاميّة المؤمنة حينما تريد أن تُعبّر عن ولائها بوسائل متعدّدة لكن تُواجَه على مرّ الأزمنة والعصور تُواجه بوسائل من البطش والسجن والترهيب لهؤلاء الأتباع حينما يعبّرون بوسائل متعدّدة عن تضامنهم مع مبادئ الإمام الحسين(عليه السلام)، يأتي البكاء وسيلةً لا يستطيع الظالمون والمستبدّون أن يواجهوها، ماذا يقولون؟! الأمّة وجدت أمام بطش وظُلم وتنكيل الظالمين أنّ الوسائل الأخرى ستؤدّي الى تقتيلهم وتشريدهم لا يجدون إلّا وسيلة البكاء؟! لا يستطيع هؤلاء الطواغيت أن يواجهوا الناس لماذا تبكون على الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وبهذه الوسيلة يحفظون تعاطفهم مع قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) ويُبقون ذكرى هذه المظلومية حيّةً، لاحظوا إخواني هؤلاء الطواغيت يُحاولون أن يجعلوا المجتمع ينسى قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) بكلّ وسائل البطش والتنكيل، الأئمّة(عليهم السلام) أرادوا أن يُبقوا هذه القضيّة حيّةً في نفوس الأمّة، ما هي الوسيلة التي تبقى؟ هي وسيلة البكاء، فلا أحد من الظالمين والطواغيت يستطيع أن يواجه الناس ويقول لهم: أمنعكم من البكاء. فهي وسيلةٌ سلميّة وهادئة يستطيع من خلالها المجتمع الإسلاميّ أن يبقى متفاعلاً على مرّ الأزمنة والعصور مع قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، لتبقى هذه المظلوميّة حيّةً في ضمائر الأمّة وتبقى تبعاً لذلك هذه المبادئ أيضاً.

من الحِكم التي هي مهمّة ونلتفت اليها، لنرى هل أنّ بكاءنا على الإمام الحسين(عليه السلام) يولّد فينا هذه الحكمة ألا وهي التربية الروحيّة وتزكية النفوس؟ إخواني وأخواتي من الأمور المهمّة والأساسيّة في الصفات القلبيّة للمؤمن هي رقّة القلب ورحمة القلب، إذا فقد الإنسان رقّة القلب واتّصف بقسوة القلب ولم يعد يتفاعل ويتعاطف مع آلام المستضعفين وآهات المظلومين ولا يتفاعل مع معاناة الفقراء والمساكين، فليرجع هذا الإنسان الى نفسه، فسيجد ركناً أساسيّاً من أركان الإيمان قد فُقِد منه لأسبابٍ منها: كثرة الذنوب والمعاصي والتعلّق بالدنيا وأكل المال الحرام التي تؤدّي الى هذه الصفة، تؤدّي الى قسوة القلب، أريد من البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) أن يرقّق قلب المؤمن وينزع منه هذه القسوة، ثم ماذا بعد ذلك؟ هل فقط أن يكون لديّ قلب رقيق رحيم؟ لا.. بل أريد من هذه الرقّة والرحمة في القلب أن أتعاطف وأن أتحسّس آلام الآخرين، وأن أتحسّس آلام مجتمعي وأن أتحسّس معاناة المظلومين ضدّ الظالمين، وأن أتحسّس آلام ومعاناة الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وأتحرّك وفق ما تقتضيه هذه الرحمة.

البكاء يراد منه أن نصل الى هذه التربية الروحيّة والقلبيّة، فإذا ما وجد أحدكم أنّ البكاء على الحسين(عليه السلام) لا يوصله الى هذه المرحلة والاتّصاف برقّة القلب ورحمته وتعاطفه وتحنّنه وتحسّسه بآلام الآخرين، فليعلم أنّ هناك ذنوباً ومعاصي يرتكبها تمنعه وتحول بينه وبين تأثير البكاء في رقّة قلبه، أو أنّ هناك مالاً حراماً أو هناك طعاماً حراماً أو أنّ هناك ظلماً يظلم به الآخرين أو ذنوباً ومعاصي هو مصرٌّ عليها، تحول بينه وبين تأثير البكاء في الوصول الى هذه الحالة، من المهمّ في الصفات القلبيّة للمؤمن أن يكون لديه قلبٌ رقيقٌ رحيم عطوف حنون وتنتج منه الآثار التي ذكرناها، لذلك إخواني علينا -وأنا أختم هذه الخطبة- أن نتأمّل في هذا السرّ، ما السبب في أنّ الأئمّة(عليهم السلام) في كثيرٍ من الروايات اهتمّوا اهتماماً شديداً بالبكاء، هل أنّ الروايات التي بيّنت وعدّت المؤمن أنّه إذا بكى وتباكى على الإمام الحسين(عليه السلام) كان الضمان له الجنّة، هل يكفي هذا البكاء العاطفيّ أم أُريد منه البكاء الذي يجعل منه ضميري حيّاً ويجعل لي الإرادة الفاعلة، وأتحسّس ما يمرّ به مجتمعي من مخاطر فأتحرّك لأنقذ مجتمعي، وأتعامل مع مجتمعي من ما يحصل من حالات فساد وانحراف كما تعامل الإمام الحسين(عليه السلام)؟ هذا هو البكاء الذي وُعد عليه المؤمن بالجنّة في أحاديث الأئمّة(عليهم السلام)، أنا ذكرت بعض الحِكم وإلّا إذا أردنا أن نذكرها كلّها فسيستغرق ذلك خطباً متعدّدة، إذا استطاع المؤمن الحسينيّ الصادق على الإمام الحسين(عليه السلام) الى تحقيق هذه الحِكم والفلسفة حينئذٍ تكون الجنّة مضمونة له، وإلّا ما الفائدة من البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)، أنا أبكي على الحسين (عليه السلام) لأنّه حجّة الله في الأرض وهو قائد الإصلاح قائد الدين، خرج لإصلاح أمّته وأراد أن يُبقي مبادئ الإسلام حيّةً فواجه تلك الجريمة البشعة، أبكي على قتل الدّين ونحر الدين، لذلك عليّ أن أحافظ على الدين حتى يكون بكائي صادقاً، فعلينا أن نختبر أنفسنا ونحاول الوصول -وهذا بإمكاننا- نحاول الوصول الى أسرار وحِكمة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) التي تُبقي مبادئه حيّةً في نفوس أفرادنا ومجتمعنا، ونجد أنّ المجتمع هو مجتمع حسينيّ صادق في ولائه للإمام الحسين(عليه السلام)، حينئذٍ يكون بكاؤنا صادقاً ويحبّه الأئمّة (عليهم السلام) الذين وعدوا من خلال رواياتهم أن يدخل به الإنسانُ المؤمن الحسينيّ الجنّة.

*النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة (28/9/2018)