وكيل السيد السيستاني يحذر من انتشار الفوضى في المجتمع ويحمّل الجميع مسؤولية إيجاد الحلول

إخوتي أخواتي..

قد تقدّم فيما مضى وذكرنا بعض المشاكل الاجتماعيّة التي بدأت تضرب بلدنا ومجتمعنا بقوّة، وصنّفنا الأدوار التي يُمكن أن ينهض بها المجتمع، وقلنا نبدأ من الأسرة وبيّنّا بعض ما يتعلّق بالأسرة بشكلٍ موجزٍ وسريع، ثمّ ذكرنا أيضاً المدرسة وما يتعلّق بالجانب التربويّ، ثمّ ذكرنا الجوّ العامّ الذي يتحوّل من حالة حرّية الى حالة فوضى، والآثار السلبيّة المترتّبة على ذلك.

قبل أن أشرع بخدمتكم إتماماً للموضوع أحبّ أن أنوّه الى أنّ هذه الأمور التي ذكرناها ما هي إلّا بداية لمشروعٍ يُفترض أن يكون مشروعاً طويلاً وشائكاً، لأنّ هذه الأدواء عندما تدخل الى مجتمعٍ قطعاً تحتاج الى جهدٍ كبير وواسع من أجل الحصول على حالةٍ مجتمعيّة راقية، ومن حقّنا أن نطمح الى ذلك ونحاول أن نوجد هذه الحالة المجتمعيّة التي نريدها، باعتبار أنّ الأثر السلبيّ سيكون على الجميع، وكلّنا سنُعاني من هذه المشاكل، الأسرة تُعاني والمدرسة تُعاني -كما قلنا- والجوّ العام يُعاني، لكن عندما نحمّل المسؤوليّة للجميع ولا يُعفى أحدٌ من المسؤوليّة وعندما نستشعر هذه المسؤوليّة سنبدأ نبحث عن الحلّ، أمّا إذا كنّا لا نستشعر المسؤوليّة بل لعلّ البعض منّا لا يستشعر المشكلة -وهذا أخطر-، فإذا لم نستشعر المشكلة ولم نستشعر المسؤوليّة فلا شكّ أنّ الحلّ سيبقى بلا قائم به، أي يبقى الحلّ مركوناً وينتظر من يسعى له.

نحن في الواقع نؤمن بأنّ بعض القضايا تحتاج الى تكاتفٍ مستمرّ، وعندما نذكر بعض المشاكل لا نُريد أن نذكر المشكلة بما هي مشكلة، وإنّما نريد أن نشخّصها بدءً لحلّها، وقطعاً الكلام الذي تقدّمَ يحتاج بعد ذلك الى أكثر ممّا ذكرنا بلا شكٍّ ولا ريب، ليست في مسألة خطبة بل لابُدّ أن تكون هناك حالةٌ من الجوّ العامّ لحلّ هذه المشاكل، هل توجد حلول لبعض مشاكلنا؟ نعم.. توجد حلول، غالباً كلّ مشكلةٍ لها حلّ، لكن هناك حلول تحتاج -كما قلت- الى نهضةٍ من الجميع، تارةً نعالج شخصاً مريضاً فيبقى المرض بحدوده، وتارةً نعالج اثنين أيضاً يبقى بحدودهما، لكن عندما تتفشّى القضيّة ونُعاني -واقعاً- من مشاكل كثيرة زحفت إلينا وبدأت تضرب مجتمعنا بقسوة، والاستسلام لهذه المشاكل نحن من سيدفع الثمن، بدأت هذه المشاكل تضرب الأسرة وتضرب الشارع وتضرب السوق، بدأت تفتّت هذا البناء المهمّ الذي تسعى اليه جميع المجتمعات البشريّة.

بعض المشاكل بدأت تفتّت هذا الوجود المبارك وهو الوجود الأُسريّ، بعض الأشياء بدأت تفتّت هذا الوجود المقدّس وهو الوجود التعليميّ، هذه الحرمة -حرمة التعليم- بدأت تفقد بعض الآثار، الجوّ العامّ بدأ لا يُراعي كبيراً أو صغيراً، أن لا يُراعي هناك مسائل لا ينبغي أن تظهر الى الشارع، كلّ هذه الأشياء أن تُصبح مباحة بدأنا في حالة الفوضى، والفوضى إذا بدأت لا تنتهي إلّا بتقنين والتقنين يحتاج الى جهد، لعلّه هناك نقطة مهمّة هي قضيّة الإدراك والوعي، هذا الوعي والإدراك حقيقةً يحتاج الى تنمية، ليس كلّ شخصٍ يقول أنا أمتلك الوعي يعني فعلاً هو واعي، معنى الوعي هو إدراكُ الظرف الذي نحن نعيش به، الإنسان الملتفت الى خطورة بعض الأشياء أو ليس ملتفتاً، الإنسان مدرك حجم التداعيات الاجتماعيّة أو غير مدرك، الإنسان الواعي قد يكون ليست له علاقة في بعض الأحيان حتّى بالشهادة الأكاديميّة، الوعي حالةٌ من الإدراك وحالةٌ من التحضّر، حالةٌ من أنّ الإنسان يفهم كيف يعالج المشاكل الاجتماعيّة قبل أن تنفتح بشكلٍ مرعب.

عندما نقول (الوعي) هذا وراءه شيء وهو أنّ الإنسان مدرك، ثمّ هذا الإدراك يحتاج الى عمل، ليس الجانب الثقافيّ أن يكون جزءً من المشكلة، بعض الحالات هناك ثقافة هي جزءٌ من المشكلة، نعم من حقّ الإنسان أن يبيّن ومن حقّ الإنسان أن يشارك، لكن في نفس الوقت هناك مسائل فيها خطر، والمجتمع هو عبارة عن مكوّن لابُدّ أن يحرص الجميع عليه، من المسؤول عن ذلك؟! طبعاً -إخواني لاحظوا- لابُدّ من وجود رادعيّة لأيّ فوضى لابُدّ من وجود رادعيّة، في بعض الحالات رادعيّة الإنسان لذاته، الآن الابن لا يجرؤ أن يتكلّم مع أبيه كلاماً سيّئاً لماذا؟ لوجود رادعيّة، يرى أنّ مقام الأب لابُدّ أن يحظى باحترام، ومقام المعلّم لابُدّ أن يحظى باحترام ، والأخ الأكبر لابُدّ أن يحظى باحترام، الأمّ لابُدّ أن تحظى باحترام، هذه رادعيّة أنّ الشخص لا يتجرّأ أن يتكلّم مع أبيه مع أمّه مع أخيه مع معلّمه بكلامٍ قد يتكلّمه -مثلاً- مع صديقه، ما الذي يمنعه من ذلك؟ تمنعه هذه الرادعيّة، وهذه الرادعيّة تارةً تكون رادعيّة دينيّة وتارةً تكون رادعيّة قانونيّة وتارةً تكون رادعيّة عرفيّة.

هناك حالةٌ من الوضع العام، ولذلك هناك مصطلحاتٌ يعبّرون عنها بالآداب العامّة، ما معنى الآداب العامّة؟ أنّ المجتمع لا يرغب ولا يُريد ويعترض إذا وجد سلوكاً يمكن أن يكون في البيت وهذا السلوك يخرج من البيت الى عامّة الناس، أمام مرأى ومسمع الناس يقولون هذا سلوكٌ مخالف للآداب العامّة، المجتمعاتُ لا ترضى تقول بعض السلوكيّات لها زمانٌ ولها مكان -معنى الكلام-، عندما نجرّد المكان من هذا السلوك وعندما نجرّد الزمان من هذا السلوك تحدث الفوضى، أن الإنسان في البيت له حرّية، هذه الحريّة لا يمكن بنفسها أن يمارسها في الشارع، هذا لا أقوله أنا بل كلّ المجتمعات تقوله، ولذلك الآداب العامّة إذا لم نحافظ عليها هذا الكلام الذي قلناه هو عبارة عن فوضى، الرادعيّة تارةً رادعيّة دينيّة، الإنسان المتربّي دينيّاً يعرف ما له وما عليه، يعرف الحقوق التي له ويعرف الواجبات التي عليه، وهذا لا يُمكن أن يخالف معتقده الدينيّ، نعم.. هذه رادعيّة دينيّة وهذه من أفضل وأقوى الرادعيّة لو الإنسان يتديّن بها، دينُه لا يسمح أن يتجاوز على الجار، دينُه لا يسمح أن يتصرّف تصرّفاً فيه شائبة أمام الآخرين لأنّ عنده حياءً، وتارةً هناك رادعيّة قانونيّة، القانون لا يسمح، والمقنّن رأى أنّ بعض التصرّفات إذا لم تقنّن تتحوّل الحرّية الى فوضى فعليه أن يقنّن، وهناك رادعيّة قانونيّة القانون لا يسمح أن تتجاوز وأن تأخذ المال كيف شئت، أن تعتدي على الآخرين القانون لا يسمح، وهذا عموم العقلاء تبانوا فيما بينهم أن يضعوا حدوداً لا يسمحون بالتجاوز عليها، وهناك رادعيّة عرفيّة، أنّ الإنسان عرفُهُ العامّ يقول هذا أمرٌ معيب، -ليس أمراً دينيّاً- لكن يقول هذا أمرٌ معيب أن أتصرّف به، أنا أتصرّف مع أخي في البيت شيء لكن هذا التصرّف أمام الآخرين عيب.

تعال الى ما نحن فيه الآن، نحن أناسٌ أهلُ دين أناسٌ أهلُ قانون أناسٌ أهلُ عُرْف، نتحدّث عن واقعنا التاريخيّ هل يستطيع أحدٌ الآن أن يعترض ويقول أنتم لستم أهل دين؟! ولستم أهل قانون؟! ولستم أهل عُرْف؟! إذن ما الذي حصل؟ هذه الأمور عندنا موجودة، الإنسان يتخلّى عن دينه ويضرب القانون عرض الحائط والعرف بدأ يستهين به، ماذا تكون النتيجة؟ النتيجة ضياع وفوضى، إخواني أرجو أن تتقبّلوا كلامي، القانون عندما يغيب تبدأ الفوضى، كلامٌ عامّ أنا أتحدّث، إذا كانت شخصيّة قانونيّة تخالف القانون، وإذا كانت شخصيّة عرفيّة تخالف العُرف، أو شخصيّة دينيّة تخالف الدين فهذا غير صحيح، -التفتوا إخواني- كلّ مجتمعٍ لابُدّ أن تكون له حاضنة تمنع تدهور المجتمع، لا نستطيع أن ندخل في عمق الأشياء -والله- بعض الشواهد لو يستعين بها الإنسان لا أعتقد أنّها ستكون مناسبة، والكثير من هذه الشواهد غير غائبة عنكم، لكن أقول هذه المسؤوليّة جميعُنا يتحمّلها، لابُدّ أن نتماسك -إخواني- لابُدّ أن نجعل المجتمع متماسكاً، لابُدّ أن نرجع الى القيم، لا يوجد لنا حلّ إلّا أن نرجع الى القيم، القيم الدينيّة والقيم القانونيّة والقيم العرفيّة بمقدار لا تتعارض فيما بينها، أمّا أن نتخلّى عن كلّ شيء فهذا يُعطي نتائج في منتهى الخطورة، والنتائج لا ننتظرها في المستقبل بل الآن النتائج بائنة، العرف -مثلاً- الآن لا نمسك شيئاً من العرف، أيّهما عيب؟ أيّهما لا يجوز؟ المسألة تتداخل، ما الشيء المباح؟ ما الشيء غير المباح؟ أين القانون في مسائل أحوج ما يكون لها القانون؟ سلطةُ القانون غائبة، فماذا يحصل؟.

الحالةُ الاجتماعيّة -إخواني- تستأهل من الجميع أن يتعب من أجلها، قطعاً أنا قلت لا نكتفي بخطبةٍ ولا بخطبتين، والخطبة الواحدة قد لا تُصلح الأشياء وإنّما نحتاج الى تظافر، أنا أنبّه فقط، المسألة مسألة خطرة والمجتمع وفدت اليه أشياء في منتهى الغرابة وفي منتهى الخطورة، وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤوليّته كاملةً في سبيل الحفاظ على المجتمع، وكان الله يحبّ المحسنين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سائلاً الله تبارك وتعالى بمن نحن بجواره أن يرينا في بلدنا كلّ خير، وأن يحفظكم جميعاً في أهلكم ومتعلّقيكم، وأن نرى هذا البلد دائماً -بلد القيم- نراه دائماً ينبض بالقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

- النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة يوم (16جمادى الآخرة 1440هـ) الموافق لـ(22 شباط 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر