حوارات

العباس مع زينب في الشام: تعرّف على قصة نقل ’شباك السيدة زينب’ إلى سوريا (حوار)
أعلنت فرقة العباس القتالية، أمس الأربعاء، نجاح واجب نقل شباك الضريح المقدس لمرقد السيدة زينب عليها السلام والذي أنجزته العتبة العباسية المقدسة.

[اشترك]

لا يمكن وصف هذا الحدث بأقل من أنه تاريخي، إذ حلق بذاكرتنا إلى رحلة الشام حيث سارت مولاتنا زينب (ع) مع ما تبقى من أهلها وكثير من آلامها وأحزانها إلى قصر أمارة الدولة الأموية.

الصورة الرئيسية

يقول قائد فرقة العباس القتالية، ومعاون الأمين العام للعتبة العباسية الشيخ ميثم الزيدي لموقع الأئمة الاثني عشر: إن "المشهد أكبر من الكلمات" في إشارة منه إلى الأجواء الروحانية التي عاشها وهو يحمل أجزاء الشباك الجديد إلى مرقد أمير الشام.

للوقوف على أهم تفاصيل هذا الحدث التاريخي، أجرى "موقع الأئمة الاثني عشر" حواراً مع قائد فرقة العباس القتالية الشيخ ميثم الزيدي، وهذا نصه:

- سماحة الشيخ، ما هو انطباعكم وأنتم في مهمة فيها فعل "حماية" مرتبط بالسيدة زينب (ع) والمرسِل هو العباس (ع)؟

الشيخ ميثم الزيدي: حقيقة الكلمات عند عتبة هذه العظمة قاصرة والعبارات عاجزة أن تعطي صورة الإحساس واكتفي بأن أصفه بـ "الرائع" بالدرجة التي لا يمكن وصفه إلا أن تعيش هذا الإحساس بنفسك.. المشهد كان أكبر من الكلمات.

الصورة الرئيسية

- كيف تقيمون اهتمام الجهات المعنية في سوريا بمرقد السيدة زينب (ع)، وكيف استقبلوا مبادرة العتبة العباسية وفرقة العباس القتالية تحديداً؟

الشيخ ميثم الزيدي: من المؤكد أن المرقد يحتاج لاهتمام أكبر ورعاية أكثر مما موجود والجهات المعنية سواء الحكومية أو الموجودة في الحضرة الزينبية وحتى أهالي منطقة السيدة استقبلت الشباك بحفاوة كبيرة، وسرور غامر، ووصفوا من قامت به العتبة العباسية بأنه تأريخي وفريدٌ، أما أطفال المنطقة فقد سرقوا قلوبنا باستقبالهم ووصفوا أن الحاضر هو "العباس لأخته".

الصورة الرئيسية

- كيف انقدحت فكرة إهداء شباك جديد لضريحها المقدّس؟

الشيخ ميثم الزيدي: الفكرة جاءت من قبل الإدارة الشرعية للعتبة العباسية المقدسة والتي اهتمت منذ البداية بدعم وإسناد تطوير الحضرة الزينبية وقد تطورت بعد أن انبرى أحد الخيرين العراقيين متبرعا بكلفة المواد الأولية المكونة للشباك الشريف.

الصورة الرئيسية

- هل هذا هو الواجب الأول لفرقة العباس القتالية خارج الحدود العراقية؟

الشيخ ميثم الزيدي: نعم هذا أول واجب رسمي للفرقة خارج حدود الوطن والذي كان بتوجيه شرعي من وكيل المرجع الأعلى ورسمي من ﻭﺯﺍﺭﺓ رئيس وزراء جمهورية العراق.

- ما طبيعة التنسيق الحكومي لإنجاز هذا الواجب؟

الشيخ ميثم الزيدي: التنسيق كان ممتازا وبأعلى المستويات وكان بشكل مباشر مع دولة رئيس الوزراء وبالتعاون من سكرتيره الشخصي وكذلك مسؤول مراسيمه بالإضافة إلى معالي رئيس جهاز الأمن الوطني الذي تولى استحصال الموافقات الرسمية والدبلوماسية بالإضافة إلى وزارة الدفاع التي أبدت تعاونا كبيراً ودعما منقطع النظير ووزارتي الثقافة والمالية اللتين أمنتا الموافقات الرسمية والتوثيق لهذا الحدث المهم فضلا عن السيد محافظ كربلاء الذي آلا إلا أن يشارك الوفد في النقل وتحمل متاعب الطريق.

الصورة الرئيسية

الصورة الرئيسية

2022/09/29
كواليس القرارات في العتبة الحسينية.. كيف تُدار وهل تخضع مشاريعها لـ ’رقابة مالية’؟ (حوار)

يخضع العمل في العتبة الحسينية المقدسة الى ضوابط صارمة فهي بالإضافة الى كونها مؤسسة رسمية ولها نظام إداري وقانوني، فهي محكومة أيضاً بجانب شرعي كونها تعتبر من الأوقاف الدينية التي تنطبق عليها الاحكام الشرعية الخاصة بالأوقاف.

[اشترك]

لبيان ضوابط وآليات العمل الإداري في العتبة الحسينية المقدسة أجرى موقع "الائمة الإثني عشر" الحوار التالي مع رئيس قسم الشؤون الإدارية في العتبة الحسينية الأستاذ هاشم هيكل:

 

- ما هي أهمية قسم الشؤون الإدارية مقارنة بباقي أقسام العتبة الحسينية من حيث دوره، والمهام الموكلة اليه، والعقبات التي تواجه العمل فيه؟

قسم الشؤون الإدارية في العتبة الحسينية يعنى بالخدمات الشخصية للمنتسبين والموارد البشرية في العتبة المقدسة، فكل ما يتعلق بالمنتسب من الإجازات والإيفادات والمخصصات بأنواعها هي من مسؤولية القسم، فالمنتسب مسؤولاً كان أو غير مسؤول عمله وخدماته وكل ما يتعلق بانتسابه للعتبة الحسينية موثق لدى قسم الشؤون الإدارية، وفيما يتعلق بالعقبات فنحن نذلل كل العقبات التي تواجه حصول المنتسب على حقوقه بعد استحصاله الموافقات الرسمية.

أنتم خلف الكواليس لكن بصمتكم واضحة في أقسام العتبة المطهرة، سيما وأن جميع الإجراءات الإدارية المستمرة والمكثفة تقع على عاتق قسمكم، كيف تتعاملون مع هذا الكم الهائل من الكتب الرسمية والطلبات؟ وكيف تتداركون الأخطاء في زحمة عملكم؟

بركات وأنفاس سيد الشهداء (عليه السلام) تغطي على كل هذه الأمور، اما الأعداد الكبيرة من الكتب والطلبات فالتطور التقني قد سهل كثيراً من عمل القسم، ونحن في قسم الشؤون الإدارية نمتلك برمجيات وحاسبات لتسهيل العمل الإداري، وبالتالي تمكننا من إعطاء المنتسب حقه واستحقاقه.

يقال إن النظام الإداري في العتبة الحسينية صارم جداً لدرجة تصل الى تقييد استخدام الورقة والقلم في وقت الدوام حصراً، ما حقيقة ذلك؟

كل ممتلكات العتبة الحسينية لا يجوز التصرف بها إلا من خلال الموافقات الرسمية وأثناء الدوام حصراً، ولا يسمح بالتصرف بها خارج وقت الدوام، وهذا يشمل جميع المواد من الابرة الى السيارة، فكل الأجهزة والمواد العائدة الى العتبة يسمح باستخدامها من قبل المنتسب أثناء الدوام، أما خارج الدوام فيكون في استخدامها إشكال شرعي وقانوني، وهذا ما يجري العمل عليه في العتبة الحسينية منذ عام 2003 وحتى اللحظة، ولا يمكن التصرف بشيء ما إلا بالموافقات الأصولية الشرعية والقانونية وحسب الصلاحيات إذا كانت من صلاحيات معاون الأمين العام، او نائب الأمين العام، او الأمين العام، فضلاً عن الموافقات الشرعية الي تنحصر بسماحة المتولي الشرعي للعتبة المطهرة، فالمنتسب أثناء الدوام ملزم ومحكوم بعمل ويستخدم لذلك ما توفره إدارة العتبة لضمان اداء العمل، أما خارج وقت الدوام فلا يجوز استخدامه وهذا امر بديهي، وحتى أثناء الدوام الاستخدام ينحصر بالعمل فقط.

هل يواكب قسم الشؤون الإدارية التطورات الحاصلة في مجال الحوكمة والأرشفة الرقمية؟

العتبة الحسينية شكلت لجنة لدارسة موضوع الحوكمة الإدارية، ونحن في قسم الشؤون الإدارية لدينا نوافذ الكترونية أشبه بالحوكمة الالكترونية، فكل واحد من موظفي القسم له نافذة يشترك بها مع القسم وينفذ من خلالها العمل المناط اليه، ولدى مكتب الأمين العام للعتبة الحسينية الحوكمة الالكترونية لكل أقسام العتبة ويعمل على تنشيطها وتطويرها لكنها لم تكتمل حتى اللحظة، وهي مسؤولة عن المخاطبات وما شابه، أما الحوكمة الخاصة بمتابعة حضور وغياب الأفراد وعملهم والمخاطبات فهي وظيفة قسم الشؤون الإدارية من خلال أجهزة البصمة الالكترونية ويشترك بها معنا قسم الاتصالات في العتبة الحسينية.

من يقوم بتدقيق إجراءات التعيين والاوامر الادارية والشراء في العتبة الحسينية؟

هناك لجنة خاصة بالمشتريات في العتبة الحسينية مسؤول عنها نائب الأمين العام للعتبة، وهناك ايضاً لجنة تقدير الحاجة، فالمنتسب يقدم طلب الى مسؤوله لشراء حاجة معينة، المسؤول بدوره يرفعها الى نائب الأمين العام للموافقة، النائب يوعز الى لجنة تقدير الحاجة لبيان الحاجة من عدمه، الحاجة فنية أو غير فنية ومن خلال هذه اللجنة سيكون الشراء من عدمه، أما الأوامر الإدارية الخاصة بالتعيين فقبل إصدارها هناك لجنة الهيكلية والملاكات تعنى بدراسة طلبات التعيين، وبعد أن تتم كل الموافقات والإجراءات يأتي دور قسم الشؤون الإدارية لإصدار الامر الاداري الخاص بالتعيين، ويقوم القسم بتوجيه نسخة من الأمر الإداري الى لجنة الملاكات لكي نبلغهم بإتمام عملهم وإجراءاتهم.

من هي الجهة الرقابية العليا في العتبة الحسينية؟

يوجد في العتبة الحسينية قسم التدقيق والرقابة الداخلية ويعمل على مدار الساعة، وعمله تقويمي، فعندما يكون هناك خلل في كتاب او مسألة معينة فقسم التدقيق يشير اليها فنقوم بالتصحيح اذا كان هنالك خطأ او اشتباه.

هل هنالك دور رقابي يقوم به رئيس القسم والمسؤولين الاعلى كالنائب والمعاون والامين العام فضلاً عن المتولي الشرعي ومجلس الإدارة؟

نعم، يوجد دور رقابي، فمثلاً أتجول انا كرئيس قسم في القسم المسؤول عنه، واذا كان ثمة خلل اقوم بتصحيحه وتقويم الاخطاء، كذلك نائب الامين العام يقوم بجولات في الأقسام والمشاريع وايضاً من خلال متابعة بريده يصحح الأخطاء إن وجدت ويصلح ويعاقب ويكافئ، وهامشه نعمل عليه بالحرف الواحد، لكن اذا جاء هامش المتولي الشرعي فإنه يغطي على جميع هوامش المسؤولين في العتبة المطهرة، ونتخذ الإجراءات من الأمور الإدارية المرتبطة بنا وننفذها.

ما هي المعايير التي يخضع لها المتقدم للتعيين في العتبة الحسينية؟

الحاجة الإنسانية للمتقدم هي المعيار الأساس والأول، ومن بعدها الشهادة فكلما تكون الشهادة أعلى يُقدَّم المتقدم للتعيين حسب الحاجة، لكن في بداية تأسيس إدارة العتبات في عام 2003 لم تكن حاجة العتبة الحسينية للأفراد بهذا العدد، ومشاريع العتبة الحسينية التي انتشرت في أرجاء المعمورة تحتاج المهندس والحارس والخدمي والفني وغيرها من الاختصاصات، وهذه الحاجة تفرض نفسها في التعيين، فمثلاً المفكر نحتاج إليه في مشاريعنا الفكرية والثقافية، فعلى سبيل المثال أحد المسؤولين في هذه الشعبة او تلك قدح في ذهنه مشروع ما ونال استحسان المتولي الشرعي وحصل على الموافقة، فتقوم العتبة الحسينية بتوفير كل ما يخدم المشروع من كادر ومعدات وأجهزة لإنجاح العمل.

كم هو عدد الشباب الخريجين العاملين في العتبة الحسينية؟ وما عدد حملة الشهادات العليا من بينهم؟

يعمل في العتبة الحسينية الكثير من حملة الشهادات العليا من الدكتوراه والماجستير والدبلوم العالي وصولاً الى البكالوريوس والدبلوم والاعدادية والمتوسطة والابتدائية ويقرأ ويكتب، ولدينا مشروع لمحو الامية في صفوف المنتسبين، لكن الفئة الاكبر بينهم هي حملة شهادة البكالوريوس ومن بعدها حملة الدبلوم، ثم الشهادات المتبقية.

كم هي نسبة حملة الشهادات العليا من بين المسؤولين الذين يشغلون مناصب متقدمة في العتبة الحسينية؟

أكثر المسؤولين في العتبة الحسينية هم من حملة شهادات البكالوريوس فما فوق، فالتطور التقني والتكنولوجي يحتاج الى مسؤول بمؤهلات لمواكبة هذا التطور على الأقل أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس حتى يتمكن على الأقل من مواكبة التطور، لكن على سبيل المثال هناك مسؤول لقسم معين لديه خبرة في مجال قسمه واختصاصه ليس بالضرورة أن يكون حاملاً للبكالوريوس، لكن اذا كان يجمع بين الخبرة والشهادة فسيكون أفضل بكثير.

ما هي معايير اختيار المسؤولين في العتبة الحسينية المقدسة؟

الخبرة والكفاءة والنزاهة والاختصاص في العمل، لكن الحركة الإدارية هي التي تُميّز الكفوء ومن يستحق موقعه، ومن خلال الحركة الإدارية التي تصلني بشكل يومي من المسؤولين أستطيع أن أجزم أن 99% من المسؤولين في العتبة الحسينية هم من أصحاب الكفاءة والنزاهة.

ما هي آليات الضبط الاداري للعاملين في العتبة الحسينية من حيث الدوام الفعلي والحضور، وسجلات الذمة، وصيانة المعدات والممتلكات؟

ما يميز العتبة الحسينية عن باقي المؤسسات في العراق هو ضبط الحركة الإدارية، فنحن أول العتبات التي شكلت ملاكات وعناوين وظيفية، وهذا ما يمكن لأي أحد استنتاجه من خلال أعداد الزائرين الكبيرة فهذا التحدي يقابله تحدي تقديم الخدمات لهذه الأعداد، وبالتالي هذا غير ممكن في ظل عدم وجود حركة إدارية ، فالأقسام الامنية والخدمية التي تخدم الزائرين تحتاج الى تنظيم عملها ووجودها، وبنفس الوقت هذه الاعداد من منتسبي هذه الاقسام يجب ان تكون ادارة العتبة الحسينية محافظة على حقوقهم وامتيازاتهم، فهذا المنتسب عندما يعمل وهو يعلم ان حقه مضمون سوف يبدع في تقديم العمل والخدمة المناطة به ويتميز بها، أما صيانة المعدات والممتلكات  فتكون حسب نوع المادة، فأجهزة الكومبيوتر يتولى قسم الشؤون الإدارية صيانتها، فيما يتولى مرآب العطاء الفني صيانة السيارات والآليات والمكائن وفيه كوادر فنية متخصصة وخبيرة بمجال عملها ومستمرة بالعمل على مدار الساعة، وقسم الصيانة ايضاً يتولى صيانة بعض الممتلكات الخاصة بالعتبة الحسينية ويعمل ايضاً على مدار الساعة.

هل هناك هيئة رقابية من ديوان الرقابة المالية الاتحادي او غيره في العتبة الحسينية؟

نعم هناك ارتباط بين العتبة الحسينية وديوان الرقابة المالية الإتحادي في بغداد وفرعه في كربلاء، ومشاريع العتبة الحسينية وأعمالها تذهب الى ديوان الرقابة المالية ويتم تدقيقها هناك وتحصل على الموافقات اللازمة من الديوان، كما أن هناك اتصال مباشر بين العتبة المقدسة والديوان من خلال الخطابات الرسمية، فمشاريع العتبة الحسينية جميعها مخططة ومدققة وحاصلة على موافقات الجهات الرسمية المختصة، وموافقات الصرف المالي، وإلى اليوم لم يصلنا كتاب واحد يدين العتبة الحسينية بوجود اشكالية رقابية او خلل معين منذ 2003 وحتى الآن، كما ان المتولي الشرعي للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي لا يقبل بأي تقصير قد يحصل.

كلمة أخيرة للمنتسبين في العتبة الحسينية والعتبات المقدسة الاخرى؟

أتمنى من الجميع أن يخلصوا في خدمتهم لسيد الشهداء (عليه السلام) وخدمة العتبة المكلفين بها، لان أصل وجودنا من خدمة سيد الشهداء وائمة اهل البيت (عليهم السلام)، وأدعو الجميع أن يكونوا كفريق عمل واحد دون أن يكون هناك أعلى وأقل، مع مراعاة المراتب الإدارية، فإذا كان الجميع كفريق عمل واحد ومتعاون حتماً سيتمكنون من النهوض بهذا البلد الى ما يحبه الله ويرضاه، وإن كان ذلك متحقق في كثير من الأماكن، فبدون التعاون ونكران الذات لن نحقق التقدم المرجو.

 

2021/09/13
استفهامات: متى يحين نهوض التعليم في العراق؟.. حوار مع السيد محمد علي بحر العلوم

ينشر موقع الأئمة الاثني عشر حواراً لسماحة السيد محمد علي بحر العلوم سلّط فيه الضوء على ملف التعليم في العراق وسبل تطويره.

[اشترك]

فيما يلي نص الحوار:

 

▪️ من يتحمل سوء إدارة الملف التعليمي، وغياب التخطيط الاستشرافي؟

كلا السؤالين يتحمل مسئوليتها الدولة من خلال غياب الرؤية الحقيقية الفاعلة في إدارة الملف الاقتصادي وغياب التخطيط الاستشرافي للملف التعليمي، وبقاء كوادر ترفض التغيير والانفتاح والخروج عما اعتادته طيلة عقود من الزمان أدى الى ضياع العديد من الفرص ومرور الزمان من دون الاستفادة منه بشكل جيد.

▪️ كيف تقيمون تجربة التعليم الإلكتروني، وهل تعتقدون انها ستعتمد مستقبلاً، ولماذا نجحت في دول وفشلت بأخرى؟

الطرق والاليات التعليمية فيها ثغرات وعيوب، وفيها إيجابيات ونقاط مضيئة،  وتعتمد بالأساس على مدى جدية الأستاذ وحرصه على إعطاء المادة العلمية حقها، ومع ان المشافهة والحضور لها دور مهم واثار حقيقية في طلب العلم والمعرفة، فإن التواصل مع الكفاءات العلمية في مختلف البلاد وذلك من خلال التعليم الالكتروني يمكن ان يضفي قيمة علمية على الدراسات في يومنا هذا، والنجاح والفشل يعتمد على مدى توافر الوسائل المناسبة والدعم اللوجستي لتحقيق هذا الأمر وانجاحه، وتحتل طريقة الدراسة عن بعد رواجا كبيرا في العالم لما تهيئه من فرصة للعديد من الطلبة الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات أو منعتهم الظروف من السفر الى الجامعات العالمية، وبذلك انفتحت امامهم افاقا جديدة تساهم بجد في تحسين مستواهم العلمي وادائهم الوظيفي.

 

▪️ هناك دعوات لإلغاء مادة التربية الدينية في المؤسسات الاكاديمية، كيف تنظرون لهذه الدعوات، وهل تعتقدون ان هناك ضرورة لإبقاء التربية الدينية؟ واذا كنتم مع ضرورة بقاءها كيف يمكن لها ان تقدم؟

كانت لنا محاولة بلورة رؤية حول هذا الموضوع من خلال عقد عدد من الورش الخاصة بهذا الامر خلال الأعوام السابقة، وتم عقد ورشتين شارك فيها العديد من ذوي الاختصاص من مختلف الأديان والمذاهب في العراق، والامر الذي يكاد ان يتفق عليه الجميع هو ضرورة بقاء هذه المادة في ضمن المراحل التعليمية المختلفة. مع بقاء المناطق المختلفة او المدارس المختلفة بخصوصيات الدينية الخاصة بعد التعريف بالإطار العام.

▪️ كيف يمكن النأي بمنهج التربية الدينية عن سياسات الحكومات المتعاقبة، وهل يندرج هذا التدخل في تسيس الدين لمصالح حزبية؟

إن المشكلة التي تواجهنا اليوم في النظام التعليمي هي غياب الرؤية الواضحة لما يمكن ان يكون عليه التعليم في العراق، وما هي الأسس التي يراد لهذا النظام ان يغذيها للطالب في المراحل المختلفة، وقد يكون ذلك ناشئا من بناء النظام التعليمي على أسس أيديولوجية خاصة طيلة العقود السابقة إبان النظام السابق، وبعد التغيير لم تكن هناك أيديولوجية خاصة يراد توجيه المجتمع اليها، مما أدى الى غياب النظر العامة الكلية التي توجه النظام التعليمي، فكانت نتيجته بقاء التوجهات السابقة وضياع البوصلة في هداية المجتمع نحو الأفضل والأحسن، وهذه نقطة مهمة غفل عنها القائمون على شئون التعليم في الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد التغيير. ومادة التربية الدينية هي أحد النماذج لغياب تلك الرؤية العامة.

 

▪️ يرى البعض ان الدراسات العليا اصبحت عبئا على المجتمع بسبب غياب الاستثمار الحقيقي لتلك الطاقات؟

الاستثمار الحقيقي يتحقق من خلال البرامج والتوجهات العامة التي تؤسس لها الدولة ويتحقق ذلك من خلال تقوية واسناد مراكز الأبحاث والدراسات التي ترفد مؤسسات الدولة بما تحتاجه من دراسات ورؤى مستقبلية، والدراسات العليا مراحل دراسية متقدمة توفر أدوات متقدمة للباحثين في سبيل تحقيق نتائج ونظريات ورؤى جديدة للمجتمع. وهو امر لابد منه وحجره على فئات معينة وشروط صعبة يمنع من تطوير الكفاءات والخبرات.

تجربتنا في معهد العلمين للدراسات العليا وهو اول معهد اهلي متخصص في مرحلة الدراسات العليا في قسمي القانون والعلوم السياسية اثبتت الحاجة الماسة والتعطش الذي لدى الخريجين من اجل اكمال دراستهم في هذا المضمار، وخصوصا عند ملاحظة عدم اتاحة الفرصة للعديد من الخريجين في العقود الماضية ولذا كان الاقبال كبيرا جدا في السنوات الأولى خصوصا مع عدم اشتراط السن، وهذا يدل على الحاجة في هذا المجال. وهنا نلاحظ ان الارتقاء الوظيفي يتم من خلال فسح المجال للموظفين ان يكملوا هذه الدراسات التي سوف تؤثر في مستوى أدائهم الإداري.

واعتقد انه جزء من تطوير الدراسات العليا هي تغيير الرؤية الحكومية للتعليم الأهلي خصوصا في هذه المرحلة المهمة، و قد يكون تلك الرؤية لها علاقة بمجمل النظر الى القطاع الخاص الذي يعاني من نقص في القوانين التي تحميه وتنهض به، وإن كان على مستوى التعليم العالي كانت هناك نهضة قوية في تأسيس الجامعات والكليات الاهلية على مستوى العراق، ولكن الامر بحاجة الى استراتيجية واضحة تعطيها نحوا من الحرية لوضع برامج علمية وبحثية تنهض بالواقع العلمي بشكل افضل.

 

ومن باب المثال حاولنا ان نخلق أفقا جديدا من خلال فسح المجال امام تغير التخصصات وقبول خريجي فروع علمية أخرى لأجل اكمال دراستهم في العلوم السياسية بعد ان يقضوا سنة تأهيلية يدرسون فيها المواد التي يحتاجونها في ذلك، وقد لاقت تجاوبا واسعا وتم رصد تفوق العديد من الذين أتوا من اختصاصات أخرى للتخصص في العلوم السياسية،  ولكن هذه التجربة واجهت العديد من الصعوبات الإدارية والقانونية، ولم يكتب لها الاستمرار، مع ان مسالة تغيير الاختصاص الى فروع أخرى في مراحل الدراسة العليا امر متبع في العديد من دول العالم إلا ان العراق ما يزال يحتاج الى تشريعات وقناعات في ذلك.

▪️ هل يمكن ان يساهم الباحث العراقي في معالجة الواقع المحلي ومواجهة التطرف الديني والارهاب؟

الباحث العراقي بشكل عام نشط ومبدع، ونجاح الكفاءات العراقية في الكثير من البلدان العربية والأجنبية دليل على ذلك، وعدم اتاحة الفرصة لظهور مثل هذه الكفاءات أدى الى هجرة العديد منها الى الخارج، كما أن المجتمع الذي اكتوى بنار التطرف والإرهاب يمكن ان يخلق الأجواء الصحية لمحاربتهما بشرط وجود رؤية وتخطيط من قبل الدولة لذلك.

المصدر: شفقنا

2021/08/31
هل يسعى الشيعة إلى التوسّع سياسياً؟.. حوار ساخن مع الشيخ أحمد سلمان (فيديو)

ينشر «موقع الأئمة الاثني عشر» حواراً اجراه سماحة الشيخ أحمد سلمان مع برنامج للتاريخ الذي يعرض على القناة التاسعة التونسية ورد من خلاله على شبهات سياسية وعقائدية وتاريخية مُثارة حول التشيّع في المنطقة وفي تونس على وجه الخصوص.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

نتابع الحوار:

 

2021/03/15
انسحاب ألوية العتبات جاء بعلم «المرجعية».. لماذا لم تصرّح بذلك؟!

الآراء الواردة في الحوار لا يتبناها «موقع الأئمة الاثني عشر»

ينشر موقع الأئمة الاثني عشر حواراً أجري مع الناشط والكاتب «إيليا إمامي» سلط الضوء من خلاله على "الملف العراقي الإيراني" عبر إجابات جريئة تتعلق بانسحاب ألوية العتبات من هيئة الحشد الشعبي، وبنظام ولاية الفقيه، وفيما يلي نص الحوار كاملاً:

الملف العراقي الإيراني

من الألف الى الياء

إنفصال ألوية العتبات ، لماذا لا تتدخل المرجعية

 ولاية الفقيه ومعناها ، التوازن بين الوطن والعقيدة

ومسائل أخرى بلغة مبسطة للشباب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل ( إقرأ ) على صفيه والصلاة والسلام على محمد نبيه وبضعته وأله من وصيه الى سميه .

تكررت علي الكثير من الأسئلة حول علاقة إيران بالعراق ، وتضاعفت بشكل كبير بعد انفصال ألوية العتبات المقدسة عن إدارة هيئة الحشد الشعبي ، حتى باتت هذه الأسئلة تشكل نسبة 70% مما يردني ، ولم يعد بالإمكان اعتبارها مسألة ثانوية .

وقد لاحظت أنه مامن سؤال يصلني إلا وفيه طرف من شبهة أو أكذوبة تاريخية ، تتعلق بموضوع ولاية الفقيه تارة ،  أو بموقف السيد الخميني أخرى ، أو بموقف السيد الخوئي ثالثة .

ولست أستغرب ذلك ، مع وجود جهات سياسية معينة في سدة الحكومة ، حيث تسالمت على تشويه حقيقة الخط العلمائي والحوزي ، ومهاجمته بأقلامها المعسولة يوم كانت خارج دائرة السلطة ، فكيف وقد أمسكت بزمامها ؟!

جهات نزع عنها كرسي الحكم ورقة التوت ، ثم أغلق المرجع الأعلى بابه في وجهها ، فراحت تكافح بقوة ، ليس ضد صدام هذه المرة ، بل ضد حوزة محمد باقر الصدر الذي قال لهم يوماً ( هل عرضت علينا دنيا هارون ولم نقتل موسى بن جعفر ؟ )

ويبدو الأمر كما قال ذلك العبقري .. فقد تلاشت شعاراتهم الرنانة ، عند أول جرعة من كأس الملك .

وقد جمعت هذه الأسئلة .. ورتبتها وعدّلت عليها لتبدو كحوار متسلسل مكون من 25 سؤال وجواب .

أرجو من الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد القليل وينفع به الشباب المهتمين .

الأحد 9  / شهر رمضان المبارك / 1441 هـ

الموافق 3 / 5 / 2020 م 

س 1 : ما تعليقك على انفصال ألوية العتبات عن هيئة الحشد الشعبي ؟

ج : أمر طبيعي .

س 2 : كيف يكون طبيعياً والبلد كله في بلبلة حول الموضوع !!

ج : هذه البلبلة سببها عدم فهم جذور المسألة مضافاً للدور الإعلامي المشبوه .. وإلا فالأمر سهل  جدا ً..  وكان متوقعاً منذ مدة طويلة .

س 3 : هل ينفعنا فهم جذور المسألة التي جعلتها طبيعية ومتوقعة  ؟!!​

ج :   بالتأكيد .. الكلام عن الجذور يحتاج الى التذكير بثلاث نقاط :

أولاً : العتبات مؤسسات دينية .. شغلها الأساسي تهيئة المكان المقدس للزوار الكرام من النواحي الخدمية و التنظيمية والإرشادية .

لكن .. حيث يمر البلد بظروف عصيبة .. بسبب الفشل الإداري الكبير .. فقد تطلب ذلك  جهود ( حالة طوارئ ) .

لذلك عملت العتبات على مشاريع كثيرة .. وتوجد الآن بحمد الله عشرات المشاريع الناجحة لشغيل آلاف الشباب أصحاب العوائل .. ولتوفير عوائد مادية تساعد على الإدامة والتوسعة في نفس العتبة .

ثانياً : بعد النكبة الحكومية الكبرى بدخول داعش .. واضطرار المرجعية الدينية لإصدار فتوى الدفاع المباركة .. وجدت العتبات نفسها أمام خطر وجودي يستهدفها بالذات .. فقامت بفتح باب التطوع .. وشكلت ألويتها للدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته .

ثالثاً : وحيث أن العتبات مرتبطة بالمرجعية ( شرعياً ) وبالدولة العراقية ( إدارياً ) فقد امتثلت لتوجيه الاثنين معاً .. وهذا التوجيه تمثل بالانضواء تحت القيادات العسكرية للقوات المسلحة العراقية  وتنفيذ أوامرها .

والآن .. دقق معي في هذه الأمور الثلاثة .. ستجد أن فلسفة وجود ألوية العتبات تنحصر في أنها قوة ساندة للجيش بالأساس .. وهذا يقتضي منها الالتزام بثوابت الجيش .. .. وأبرز هذه الثوابت ثلاثة :

A. عدم الدخول في المعترك السياسي .

B . عدم خروج سلاحها عن سيطرة الدولة .

C . الالتزام بقواعد الاشتباك الخاصة بالجيش العراقي .. وعدم تبني أي قواعد اشتباك تخالف تعليماته واتفاقياته العسكرية .

وهذا .. مختلف تماماً _ بل معاكس _ لفلسفة وجود فصائل المقاومة .. التي بيدها تقرير سياسات هيئة الحشد .. لذا فإن الانفصال كان واقعاً لا محالة .

س 4 : هل يمكن تحديد وجه الاختلاف بالضبط ؟

ج : وجه الاختلاف واضح جداً .. وهو :

A . فصائل المقاومة شُكلت بالأساس لمقاومة الاحتلال الأمريكي في داخل العراق .. وحيث كانت الجمهورية الإسلامية هي الداعم الأبرز .. فقد ارتبطت هذه الفصائل بمحور المقاومة أيديولوجياً ولوجستياً .. كجزء من مواجهة شاملة لأمريكا وإسرائيل في كل المنطقة .

B . نتيجةً لهذا الارتباط العضوي .. فإن سلاح الفصائل غير خاضع للدولة ولا مرتبط بها .. وكل ما قيل بعد انتصار الموصل سنة 2017 عن تسليم هذا السلاح للدولة لم .. ولن يتحقق .. ليس لأنهم يريدون دولة في داخل الدولة .. بل لأن فلسفة وجودهم وعقيدتهم القتالية مبنية على استخدام هذا السلاح  وفق أسس مختلفة عن أسس الجيش وعقيدته القتالية .

C . بناء عليه .. فإن فصائل المقاومة ملتزمة بقواعد اشتباك مختلفة عما يصدره الجيش العراقي . والقصف المتبادل مع القوات الأمريكية .. والقتال في سوريا .. من أبسط الأمثلة .

بل تؤكد..  الفصائل  في أدبياتها على أن الأمن الاستراتيجي للعراق مرتبط بالأمن الإقليمي .. والمواجهة تمتد من خليج عدن جنوباً الى حلب وسواحل اللاذقية شمالاً .. ومن مزار شريف شرقاً الى صحراء سيناء غرباً .

والعدو الاستراتيجي  هو أمريكا وتابعتها إسرائيل .. ويجب أن ترحل من كل المنطقة بشكل أفقي .. كما عبر سماحة السيد حسن نصرالله .. وهذه مسألة عقائدية بالنسبة لهم.. حتى لو كانت تعني وضع العراق في دائرة استنزاف واستهداف مستمر .

والخلاصة .. أن التباين في أهداف التأسيس والعمل .. لايسمح ببقاء الألوية المنفصلة خاضعة لسياسات الهيئة الحالية .. وليس الموضوع مرتبطاً بخلافات على المناصب فهذا تسخيف للمسألة عملت عليه الجيوش الإلكترونية للأحزاب السياسية .

س 5 : لماذا لانفصل بين عمل الهيئة كتشكيل خاضع للدولة العراقية ومصالحها .. وبين النشاطات الأخرى لفصائل المقاومة .. خصوصاً وبعض هذه الفصائل غير تابع للهيئة من الأساس ؟  

ج : هذا غير ممكن للأسباب الأيديولوجية التي ذكرتها .. فلايمكن للشخص أن يفكر بعقلين أو يشعر بقلبين  (( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ))

والأحداث شاهدة على أن مقولة الفصل هي مجرد تنظير .. وآخرها التي أدت الى ذلك اليوم المشؤوم حيث فقدنا قادة النصر على داعش في جريمة ارتكبتها أمريكا بشكل علني ودم بارد .. كانت كلها مبنية على التعاطي مع الأمريكان بعقلية المحور لابعقلية الدولة .

والتدخل السياسي في انتخابات 2018 رغم تحذيرات المرجعية .. فهل يخفى على أحد أن المشاركين في الانتخابات لهم نفوذهم داخل الهيئة ؟

ولا يوجد على وجه الأرض حزب سياسي تعف نفسه عن استخدام كل الأوراق المتاحة له لتحقيق المكاسب .. فما حصل في الانتخابات وصل الى حد استخدام الأرشيف الإعلامي للهيئة في الحملات الدعائية لقوائم هؤلاء النافذين .

ورغم .. الظلم والافتراء في الكثير من الاتهات التي يتعرضون لها بقتل المتظاهرين .. لكن الذي فتح الباب لهذه الاتهامات يعود في نسبة كبيرة منه الى هذا التدخل السياسي وأن النافذين في الهيئة ( رجل في الميدان ورجل في البرلمان ) .

س 6 : هل الحل في ( حل ) هيئة الحشد الشعبي ؟

ج : كلا .. هذه الخطوة خطيرة على أمن البلاد .. وستبعث رسالة خاطئة للمتربصين .

حتى ألوية العتبات لم تدع إلى ذلك ولم تتكلم عنه بحرف .. لأنها تعلم بمن يتحين الفرص من الدواعش و( غيرهم ) .. وستكون خطوة سلبية كافية لإحباط معنويات العراقيين الذين أحبوا هذا الاسم .

ولا تفهم كلامي متناقضاً .. فعندما أقول أن هذه السياسات تضع العراق في دائرة استنزاف .. لايعني أن حل الهيئة يخرج العراق  من دائرة الخطر .. بل يدفعه إليها .

س 7 : إذن هل الحل في تسليم الهيئة الى ألوية العتبات ؟

ج : هذا مستحيل و لن يتحقق .. فقد ذكرت لك أن العقلية عقلية سياسية لاعسكرية .. ولا أحد بهذه العقلية يسلم مقدراته  للآخرين .

س 8 :  كيف سيكون المشهد القادم ؟ هل سيكون لدينا حشدان حشد المرجعية وحشد إيران ؟

ج : بداية أنا أتحفظ على هذه التسميات .. فالحشد كله حشد المرجعية .. وهي أب للجميع وليس لألوية العتبات فقط .

أتفق أن ألوية العتبات هي الأكثر استجابة لتوصيات المرجعية والتزاماً بها .. من حيث التابعية للقوات المسلحة وعدم التدخل في السياسة .. بطبيعة أهداف والمنطلقات .

ولكن هذا لايعني أن الآخرين ليسوا أبناء المرجعية .. وليس من حق أحد أن يقسم الجمهور حصصاً ويسميها كيفما يشاء .

كما أن تسمية حشد إيران غير مبررة حتى لو كان انتماؤهم للولي الفقيه .. فشهداء هذه الفصائل لم يسقطوا في تبريز أو أصفهان بل في تكريت وسامراء وجرف الصخر .

إن .. علاقتهم بإيران لاتنكر .. ولكن ذلك لايسلخ عنهم هويتهم العراقية التي يجب أن يتم ( احترامها ) كبداية لحل الخلافات بهدوء .

س 9 : لكن هذا لا يغير السؤال : هل تتوقع حشدين  ؟

ج : فليكن حشد .. وحشدان .. وخمسون حشداً .. أين المشكلة ؟ بالنتيجة هي تشكيلات تابعة للدولة سواء قلت أو كثرت .. وأكرر أن المشكلة في السياسات وليس في الأشكال التنظيمية .

وأما سؤالك عن الأزمة .. فالذي يسببها هم الجهلة وليس العقلاء .. ورغم رحيل واحد من أعقل العقلاء ( الشهيد المهندس ) .. ولكن نعول على الآخرين لتجاوز هذا الموضوع والتنسيق للمستقبل بعون الله .

وشئت أم أبيت .. لاتستطيع شطبهم من المعادلة وإلغاء وجودهم .. بل نعتز بهذا الوجود لأننا إخوة ونحتاج بعضنا في أفراحنا وأحزاننا وقتالنا ومواسمنا وشعائرنا الحسينية .. ونحن منهم وهم منا .

لذلك لاحل أمامنا سوى التفاهم ( كيف نجنب العراق المزيد من الإرهاق ). 

س 10 : يعني أنك تستبعد حصول أزمة  شبيهة بصراع حزب الله مع حركة أمل في لبنان مطلع التسعينات ؟

ج : كلا .. كن مطمئناً من هذه الناحية .. وهناك عدة ضمانات ومنها :

A . مادام العقلاء من الطرفين يحترمون مرجعية النجف التي تضع دفن الخلافات الداخلية على أول أولوياتها وأقدس مقدساتها .. فلا خوف .

فرغم وضوح أن سماحة السيد السيستاني لم يكن مع الأساليب العسكرية في مواجهة الاحتلال الأمريكي منذ 2003  .. ولكن أحداً من الناس لم يسجل أي تصريح فيه خدش أو مساس بهذه الفصائل  .. رغم الأسئلة الملغومة التي كانت توجهها الوكالات الأجنبية الى المراجع الكرام .

 و لاحظتم كيف تعامل الوكلاء الكرام الكربلائي والصافي بروح أبوية مع المعترضين على الانفصال .. رغم الكم الهائل من الافتراء الذي طالهم شخصياً .

وقد نقلت .. شخصياً عن سماحة السيد الصافي رسالته الى الناس  .. التي أكد فيها رفضه لهذا السجال .. وأن من يريد الأجوبة فأبوابنا مفتوحة  لبيان الحقائق من دون المساس بإخوتنا .. على الطريقة الحوزوية النجفية الهادئة في التعاطي مع الأمور .

B . إن الأغلبية من جنود هذه الفصائل هم أبناء مرجعية النجف .. الذين انضموا لهذه التشكيلات عند صدور الفتوى لعدم قدرة معسكرات التطوع للجيش على استيعابهم .. أو عدم تمكينها من ذلك .

و قادة الفصائل رغم انتسابهم الى مرجعية السيد الخامنئي .. ولكنهم كخط ديني وكعراقيين .. يحترمون المرجعية النجفية .. ويفهمون هذا الولاء للنجف في صفوف جنودهم .. ويبنون على أساسه .

وقد أستغربت من تخوفات بعض المحللين .. وقوله بأن هذه الصمام الذي تمثله المرجعية النجفية  سينتهي برحيل سماحة السيد السيستاني أدام الله ظله وأطال في عمره .

هذه التخوفات لا تبتعد كثيراً عن البروباغندا التي تمارسها قناة الحرة وأمثالها ممن يكتبون تقارير غير دقيقة .. فيقيسون الحوزة العلمية ومكانتها بحساباتهم الخاصة .. بعيداً عن واقع المرجعية الشيعية وتاريخها مع العراقيين .. وواقع العراقيين وتاريخهم معها .

C . إن فتوى الدفاع الكفائي .. أثبتت أن الجميع على قدر المسؤولية .. وقادرين على التعاضد و الاستمرار بالعمل في اتجاه واحد رغم كل ما حصل من تقاطعات ومشاكل أيام التحرير .

س 11 : ألا يبدو حديثك عن الاحترام والتعاون مجرد أمنيات وردية .. مقارنة بهذه الضجة الإعلامية المليئة بالتعصب على مواقع التواصل ؟

ج : الضجة حصلت من ثلاثة أطراف .. لثلاثة أسباب :

الأول : إنفعال الشباب والمحبين قليلي الخبرة .. بعضهم فسر الخطوة كشق لعصا المجاهدين .. والآخر فسرها بالعكس .. كنصرة لتوجهات المرجعية النجفية .. وهكذا اختلفوا .

ولكنهم جميعاً كانوا على قلب رجل واحد عندما حصل تعرض مكيشيفة .. وشهدنا ليلة مواجهات مع الدواعش ( وقت كتابة هذه الملف ) مما يؤكد ما ذكرناه أعلاه .

الثاني : أجندات داخلية وخارجية لاتريد للخط الديني أي وجود في العراق .. وتنتهز أي فرصة لتقف مثل مروان بن الحكم في معركة الجمل .. وترمي السهام في كل الاتجاهات وتقول ( أينما أصابت فتحٌ )  .

وقد أحصى بعض الأصدقاء شطراً من هذه الحملات التي  تضخ خطاباً إعلامياً يستهدف هذا الطرف بأقذر الأساليب .. وتعود لتضخ خطاباً معاكساً يستهدف الطرف الآخر . 

الثالث : جيش الأحزاب السياسية المتجحفل إلكترونياً والمنتفعين سياسياً .. وهو الاخطر . 

س 12 : لماذا هم الأخطر ؟

ج : لأن هذه الجيوش الالكترونية تمرست في عملها و نشطت في تثبيت جذورها أبان حكومة نوري المالكي وتطورت اليوم بشكل كبير .

هذا المتكلم أمامك .. لو أرادوا إقناعك بأنه صهيوني يستطيعون ذلك .. ولو أرادوا إقناعك بأنه ماسوني يستطيعون أيضاً .. لأنهم تمرسوا بشكل كبير على اللعب بعقول الجماهير .

هل تتخيل أن مجاهداً من إحدى الفصائل قدم نفسه للموت بناء على فتوى نقلها الشيخ الكربلائي .. يشكك اليوم في علاقة الشيخ بالمرجعية ؟

كلا بالتأكيد .. هذه فكرة شخص لم يفارق أجهزة التبريد وشاشات الأنترنيت ويهون عليه مثل هذا الكلام .

أستحضر هنا حديثاً للإمام الصادق .. يجعلك تقف متوازناً ولا تهرول خلف حملاتهم الإعلامية بمجرد أن يقولوا ( الشيعة في خطر .. حرب على المذهب ) ويظهروا أمامكم بمظهر الحريص على التشيع .

يقول عليه السلام (( إن فيمن ينتحل هذا الأمر _ أي التشيع _ لمن يكذب حتى يحتاج الشيطان إلى كذبه )) .

الأحزاب بطبيعتها السيكولوجية  تنتهج مبدأ فرق تسد .. لأنه يصعب جر أذرع المتعاضدين .

الأحزاب لاتعبأ بالانشقاق الاجتماعي .. عندما تكذب أو تكتب عن أي شيئ ..لأن

علم السياسة يقول : كلما صدرت منك مواقف أكثر حدة وتطرفاً كلما استقطبت المزيد من الجماهير واشتد تمسكهم بك .

على عكس الحالة العلمائية التي تأخذ الحسابات الشرعية كأولوية ولا تقول ما يسبب اقتتال الناس أو نزاعهم .. ولو كان فيه أعظم المكاسب لها خاصة .

لعلك تتذكر  .. تلك المقابلة التي أجرتها  قناة فرانس 24 مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي .. وكان ذلك قبيل انتخابات 2014  .. عندما شن هجوماً عنيفاً وصادماً على السيد مقتدى الصدر واصفاً إياه بالجاهل الذي لايفهم شيئاً عن السياسة وما يصدر عنه لا يستحق الرد !!

وكان هذا أعنف تصريح يصدر بحق زعيم التيار الصدري حتى ذلك الحين .

يومها ضحكت وأنا أتابع المقابلة وقلت في نفسي : إن الفريق الذي يدير الحملة الانتخابية للمالكي في غاية الذكاء .

لأنهم لا يهتمون بما يمكن أن يسببه كلام المالكي من أزمة أو احتقان .. بل حسبوها بحساب المقاعد الانتخابية .

يعرفون أن موجة ردود الأفعال ستحدث استقطاباً يجرف المحايدين .. ومن لديهم ضغائن مع التيار الصدري .. وتصور المالكي كرجل قوي في وجه الجميع .. وبالفعل حصل ذلك الاستقطاب الذي خططوا له .

هذه طبيعة تفكير الأحزاب .. فرق تسد .. وأما الصدق والأمانة والدقة في النقل .. فهي عندهم حيلة العاجز .

وبحكم متابعتي من أين تظهر الأكاذيب .. فانهم قد تحولوا في الأسبوع الماضي الى ما يشبه هوليود .. وأصدروا أفلاماً خيالية عن الوضع  بشكل غريب .

هم من روج لفكرة : صرنا حشد المرجعية وحشد إيران ( نكاية بالعتبات ) .

وهم من روج لفكرة المرجعية مرجعيتان .. السيستاني و الحكيم .. وأحمد الصافي تابع للحكيم فقط . 

وهم من روج لفكرة الوكلاء مختلفون .. والكربلائي ضد الصافي .

وهم من تلاعبوا بقصد الأستاذ الشيخ حامد خفاف مدير مكتب المرجعية الدينية في بيروت .. عندما صرح بالقول أن المرجعية لاعلاقة لها بعمل العتبات إلا اختيار المتولين الشرعيين .. وبقية الأمور متروكة لهم بالاستقلال .

والحقيقة أنهم قصدوا الذم فمدحوا مدحاً كبيراً   .. ولكن يأخذك العجب لبساطة تفكير من يقتنعون بهذه المغالطة رغم التناقض الواضح فيها .

وعتبي على من يصدقهم والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله يقول (( حسبك من الكذب أن تحدث بكل ما سمعت ))  

س 13: هل نفهم من كلامك أن خطوة الانفصال جاءت بعلم المرجعية ؟ 

ج : لاشك في ذلك .. ولم يقل أحد أنها جاءت ( بتوجيه ) من المرجعية .. بل قلنا أنها جاءت ( بعلم ) من المرجعية .

ومن البلاهة الرد على مقولة ( المرجعية لم تكن تعلم ) وهي لا تستحق الوقوف عندها .

ولكن دعني أذكر لك شاهدين .. لتفهم طبيعة علاقة السيد الصافي والشيخ الكربلائي بالمرجعية :

الأول : إلتقيت بالسيد الصافي في إحدى المناسبات العامة في نهاية العام 2018 بعد رجوعه من الواجب الذي كلفه به سماحة السيد السيستاني في مدينة البصرة وألححت عليه أن يذكر  لي المبلغ الذي أنفقته المرجعية على محطات  تحلية الماء هناك .. و يشهد الله أنه رفض ذكر المبلغ أشد الرفض وكرر أكثر من مرة أنه غير مخول بذلك .. ولم أعرف مقدار المبلغ حتى الآن .

الثاني : إلتقيت بالشيخ الكربلائي مرة وطلبت منه أن يحدثني عن اللحظات التي قرأ فيها فتوى الدفاع الكفائي وكيف كان تواصله مع المرجعية  في وقتها .. فرفض وقال بالحرف الواحد ( لا أصرح بشيئ حتى أراجع سماحة السيد )

فيا سائلي .. أليس من الخيال أن خطوة كبيرة كانفصال أربعة ألوية تمثل نصف الحشد جائت بدون علم سماحة المرجع الأعلى !!

س 14 : دعني أسالك مادمنا وصلنا الى هنا لماذا يستقبلون المسؤولين الحكوميين في العتبة بينما تقاطعهم المرجعية في بيتها ؟

ج : كنت أتسائل دوماً .. عندما أسمع هذا السؤال .. هل حقاً يعجز السائل عن فهم الأمور الى هذا الحد ؟

ألا يعرف السائل  ؟! أن الوصف الدستوري للعتبة المقدسة هو أنها عمارة تابعة لدائرة قانونية مرتبطة بالدولة العراقية ؟ وليست مستقلة من ناحية التمويل و الرقابة .. ولا بد من التواصل مع مسؤولي الدولة  مادامت هذه الدائرة مرتبطة بالدولة .

بينما المرجعية لاترتبط بدائرة قانونية ولا هم يحزنون .. وهي بهذه المقاطعة تعبر عن احتجاجها الشخصي على الأداء الحكومي .. وليس لديها شيئ من أمور الحوزة مرتبطٌ بالدولة لتتواصل مع المسؤولين .

وأنظر للأحزاب .. كيف تنسيك جيوشها الالكترونية حجم المأساة والفظاعة في أن يكون المرجع الأعلى ( زعلان ) .. وبدل أن نغضب لغضبه .. يلهوننا بهذه الأسئلة  !!

س 15 : نعود لموضوع الانفصال .. لو كانت المرجعية لاتمانع من ذلك فلماذا لاتصرح وتقطع النزاع ؟ 

ج : النزاع سينقطع خلال أيام فلا تخف من هذه الناحية .

ولكن لاحظ معي .. نفترض أن المرجعية صرحت وقالت : مادام العمل المشترك صعباً والانفصال لن يضر بقوتكم .. فلا مانع عندي .

بماذا سيفسر الاعلام المغرض هذه الكلمة رغم شدة وضوحها ؟  وكيف سيكون تسويقها للناس ؟ سيكون هكذا :

المرجعية تأمر فلان وفلان بالانفصال .

المرجعية تقاطع الفصائل التابعة لإيران .

المرجعية تتبرأ من جماعة إيران .

السيستاني يقصف خامنئي .

الى آخره من العناوين المتفجرة .. التي لاتخطر على بالك .

وستجد شبابك يومها بين محبط من شماتة الخصوم .. وحائر ومصدوم .

المرجعية التي لم تشهر طيلة حياتها بسياسي فاسد .. أو شخص مسيئ .. أو جاهل يشتم .. كيف لها أن تصب الزيت على النار .. وتكون سبباً في المزيد من التشهير الإعلامي الموبوء .. بقادة فصائل لم يبرد سلاحها بعد من نيران معركة الفتوى ؟!

س  16 : ماذا عن اشتباكهم مع الأمريكان في العراق بدون فتوى من المرجعية ؟

ج : منذ سقوط صدام كنا نحاول شرح موقف المرجعية العليا بشكل مبسط ولماذا اختارت المقاومة السياسية .. وماذا يعني تحويل العراق الى مسرح مواجهة مع أمريكا .

ولكن الانفعالات كانت تسود تفكير هؤلاء الشباب ولا ألومهم لغيرتهم .. ولكني ألومهم على لغة التخوين والاتهام بالجبن والعمالة وو .. التي ظهر لهم عدم صحتها عام 2014

كانوا دائماً يستشهدون بمواقف الإمام الخميني التي تصدرها لهم بعض وسائل الإعلام والكتب من إيران ولبنان .. وكنت أقول لبعضهم إن هؤلاء يجعلونكم تعرفون عن الخميني ما ينفعهم فقط .. وهناك الكثير مما لاتعرفونه .

سأكتفي هنا بقصتين تعرف من خلالهما كيف كان السيد ينظر للعراق بشكل مختلف ويراعي تعقيداته ووضعه الاستثنائي :

الأولى : يروي الشيخ عباس الزنجاني في مقال له نشرته مجلة ( بيام إنقلاب ) في عددها 161 يقول :

بعد مجيئ الإمام الخميني الى النجف الأشرف عام 1965 زرناه الى بيته وقلنا له : سيدنا إنكم لم تكملوا بحث المكاسب (  كتاب فقهي للشيخ مرتضى الأنصاري ) في حوزة قم .. فأكلموا بحثكم هنا في النجف .

فقال الإمام : أنا طالب علم في النجف .. وواجبي هنا يختلف عن واجبي عندما كنت في إيران  .

ولم يعد الى تدريس البحث الخارج ( كمرجع ) إلا بعد فترة حدد خلالها كيف سيكون وجوده في حوزة النجف بشكل لايثير النظام العراقي ضد طلبتها .

الثانية : في كتاب ( پا به پای آفتاب ) لأمير رضا ستوده ج 3 ص 265 ينقل  قصة عن حجة الإسلام الشيخ نصر الله الشاه آبادي .

وقصة الشيخ الشاه آبادي تحتاج مني مقدمة سريعة :

في سنة 1969 اتهم النظام البعثي السيد مهدي الحكيم نجل الامام السيد محسن الحكيم بالعمالة لبريطانيا .. وهو موقف واضح الدوافع .. جاء كضربة إستباقية من السلطة لأي فتوى تعرقل توسعهم الدكتاتوري .. كفتواه بحرمة مقاتلة الأكراد قبل ذلك بأربع سنوات 1965.

على أثر اتهام السيد مهدي _ وكان السيد محسن الحكيم يومها في بغداد _ قامت مظاهرات ساخطة في العراق .

 ولكن الإمام الحكيم خشي من سفك الدماء بلا جدوى .. فرجع من بغداد اعتكف في بيته في الكوفة .

يقول الشاه آبادي : ذهبت منفعلاً الى السيد الخميني وطلبت منه زيارة السيد الحكيم تضامناً معه .. فأجابني قائلاً :

إنني أقرأ كل يوم  دعاء لسلامة وحفظ السيد الحكيم .. ولكن ماذا أصنع ؟ وليس بيدي شيئ لو ذهبت إليه واعتقلوني فلن أحقق أي هدف للإسلام ولن يعرف أحد أين أنا .. إن الأوضاع هنا تختلف عن الأوضاع في إيران .

ولم يذهب سماحته حتى خفت الضغوطات وزالت الخطورة .

أكتفي بهذا القدر .

س 17 : ولكن هذه المواقف كانت في زمن الحكم البائد . فهل الظروف العراقية والإقليمية تغيرت  ؟

ج : لو كانت قد تغيرت .. فلماذا يقال بأن البعثيين يحاولون العودة الى السلطة وأن هناك مساع حثيثة للالتفاف على الحكم الحالي بوصفه حكم الأغلبية الشيعية ؟!

برأيي أن العراق كان يختلف عن إيران .. وما زال يختلف عن إيران .

يبقى الخطر من عودة الدكتاتورية .. هو الذي يدفعنا دوماً لحساب خطواتنا وسط هذا الحقل الملغوم .. وقد  عبرت عنه المرجعية العليا في خطبة الجمعة يوم  29 / 11  /  2019  محذرةً المتظاهرين الشرفاء من عدم تمييز صفوفهم بقولها :

  (( إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك ))

نحن ضد حالة التردد والتنازل عن الحقوق .. بل نريد المزيد من تمكين وجودنا في هذا البلد وضمان مستقبل أبنائنا.

ولكن لله ننصح .. قبل الاغترار ببعض القوة ( التي يريدك الآخر أن تغتر بها ) والتصرف في البلد وكأن مصيره هو مصير محور المقاومة .. فكروا كما كان العلماء يفكرون .. ويدركون أن المسألة أعمق من مجرد الإطاحة بشخص واحد كصدام .. وأن ظروف العراق المميزة لن تنتهي برحيل صدام .. فهل من قارئ للتاريخ متعظ ؟!! 

إفهموا الفرصة التاريخية التي تمر على شيعة العراق .. إجعلوا العراق أولويتكم في الخطاب والتخطيط والتعامل مع بقية المكونات .. قبل أن يضيع عليكم سلم الأولويات من أساسه .

قوتكم كأسياد مجمع عليهم وطنياً في العراق هي قوة لإيران .. وضعفكم في العراق هو ضعف لإيران حتى لو وصلت جيوشكم الى  سواحل المتوسط .

س 18 : هل ينسجم هذا الطرح مع روح الإسلام وتعاليمه ؟ وهل تحول الحدود الجغرافية دون الدفاع عن العقيدة ؟

ج : أنا أحترم صدق هؤلاء الإخوة في الاهتمام بالقضايا الكبرى للاسلام والوقوف بوجه الاستبكار أينما كان بدون حساب للحدود الجغرافية المصطنعة !!

ولن أخصص وقتاً للحديث عن نسبة من الانتهازيين الذين  يعتاشون بهذه الشعارات ويبحثون عن مواقع قيادية ..  وليكن كلامي فقط مع المؤمنين بها صدقاً.. وقد رأيناهم كيف يبذلون أرواحهم بشجاعة في مختلف الميادين .

أقول : إذا كنت تريد إغلاق فمي بقراءة  الروايات فقط .. فالحق معك و مبادئ الإسلام واضحة في تقديم العقيدة على القومية .. وعدم  اعتبار المكان والزمان في نصرة الحق والجهاد في سبيله .

ولكن.. التفقه في الروايات يعطيك فهماً أوضح .

أي فقيه _ سواء أكان يؤمن بولاية الفقيه العامة أو الخاصة _  سيقول لك أن للأحكام الشرعية عناوين أولية وأخرى ثانوية .. وأن التكاليف منوطة بالقدرة والاستطاعة .. وأن التزاحم بين المهم والأهم يقتضي تقديم الأهم .

وأنا أتجنب الخوض في المباني الأصولية والفقهية .. وأدلتها من سيرة المعصومين عليهم السلام  .

وسأكتفي .. بحديث التاريخ والشواهد .. التي تدلك بأن أكابر المنظرين لفلسفة محور المقاومة ..لا يشطبون حسابات دولهم وظروفها الداخلية وحدودها الجغرافية  :

1. شواهد من إيران : 

دعني أبدأ من السيد الخميني قدس سره .. فانه لا يخفى على أحد .. ذلك الكم الهائل من خطاباته الاسلامية الرائعة .. التي تدين الاستكبار العالمي .. و تحاكي وجدان المستضعفين في كل العالم .. ولكنه _ وهو العارف بالله _ في طريق التعبئة للثورة تعامل بواقعية مع المنطق الوطني .. لأنه يدرك أن الوضع يتطلب خطاباً يمكنه حشد الجماهير من مختلف الاتجاهات حول قضية واحدة .. وهذا لا يقلل من أهمية الخطاب الإسلامي طبعاً .

وإليك ثلاثة شواهد من حياته الشريفة بحسب التسلسل الزمني :

A.  في كتاب ( بررسى وتحليلى از نهضت امام خمينى ) للسيد حميد روحاني  ج 1 ص 744  يقول ما مضمونه :

((  بينما كانت الطائرة متجهةً بالإمام الخميني الى منفاه الأول في تركيا بعد أحداث النصف من خرداد ( نيمه خرداد ) سنة 1963 وكان معه ضابط في السافاك مكلف بإيصاله الى تركيا يسمى ( أفضلي ) .. فالتفت إليه السيد الخميني قائلاً :

 (( أنت تعلم يا أفضلي أني نفيت لدفاعي عن هيبة الجيش واستقلال وطني )) . 

B. في موسوعة ( وقائع خاصة من حياة الإمام الخميني ) ج 2 ص 144  وتحت عنوان ( فصل سوم : خاطرات آیت الله سید عباس خاتم یزدى ) ما ملخصه :

 ( وركز معي على هذه القصة لأني سأحتاجها مرتين )

عندما بدأ النظام البعثي حملته الاولى عام 1971 ضد الحوزة العلمية لإفراغها من طاقاتها .. كانت خطوته رقم واحد .. تسفير الطلبة إلإيرانيين .. وكان يعطي للطالب مهلة 6 أيام ليترك العراق .. وأغلبهم من أصحاب العوائل ومضت عليهم عشرات السنين في العراق .

فاحتج السيد الخميني _ المقيم في النجف حينها _  وقال : ( سأخرج مع أبناء وطني )

 وعندما جائه وفد من الحكومة ليتفاوض معه .. قاله لهم :

( كانت الحكومات السابقة في العراق عندما تريد تسفير اليهود الى إسرائيل تمنحهم 6 أشهر ليرتبوا أوضاعهم .. وأنتم تمنحون إخوانكم المسلمين 6 أيام فقط ؟! ) .

وفي ذلك الوقت كان السيد الخوئي _ وهو إيراني آذري أيضاً _ يتكلم باسم الحوزة ومكانتها والطائفة الشيعية .. ويتفاوض على هذا الأساس .. لأن وضعه كان مختلفاً عن وضع السيد الخميني .. الذي كان مضطراً للحديث بمنطق ( أبناء وطني ) .

C. في 1 / 2 / 1979 اليوم الأول من الأيام الحاسمة ( عشرة الفجر ) التي انتهت بانتصار الثورة الإسلامية .. حين ألقى السيد خطابه الشهير في مقبرة ( بهشت زهرا ) .. فقد كان الخطاب بنسبة 100% يركز على الوضع الاقتصادي والسياسي الايراني .. ولم ينطق بكلمة واحدة عن المشروع الإسلامي للمنطقة ككل .

كان يستثير الروح الوطنية للجيش كي ينحاز الى الثورة .. لأن الثورات مع الجيش كقاب قوسين .. وبدونه كبعد المشرقين .. فقال يخاطبه :

(( أننا نريد أن تكونوا مستقلين ، نحن نتحمل المصاعب ونريق دماءنا ونبذل ماء الوجه ويعذَّب مشايخنا ويُسجنون، لأننا نريد أن يكون الجيش مستقلاً، يا أيها المشير ألا تريد ذلك ؟! أتريد أن تكون عميلاً ؟! أنصحكم بالعودة إلى أحضان الشعب )).

وشخص عبقري كالسيد الخميني لا تفوته هذه الامور عند تعبئة الجماهير التي لها ألف اتجاه وتيار فكري .. فقال للمترددين وتو يضع الإسلام والوطن في دائرة واحدة :

(( ونقول للذين لم يلتحقوا، التحقوا بالشعب ! إن الإسلام أفضل لكم من الكفر، وإن الشعب أحسن لكم من الأجنبي . إننا نريد أن تكون البلاد قوية وذات نظام مقتدر. إننا لا نريد الإخلال بالنظام، ولكننا نريد نظاماً منبثقاً من الشعب وفي خدمة الشعب ، لا نظاماً يرأسه الآخرون ويصدرون له الأوامر! )) .

فالسيد كان عارفاً بزمانه .. وليس الأمر كالعقلية الرعناء للدواعش .. الذين يحلمون بدولة إسلامية على أسس غير واقعية .. ومزقوا جوازاتهم ليدغدغوا مشاعر المسلمين بحلم الخلافة والقضاء على حدود سايكسبيكو .. ولكن أين انتهى مشروعهم رغم كل الدعم الذي حصلوا عليه ؟

لا أشك ..  أبداً في صدق النوايا الإيرانية عندما تدعم حركات المقاومة في المنطقة .. ولا أشك أنها تحملت الكثير من الضغوط العالمية جزاء مساعدتها للآخرين في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني .

ولكن .. هل تظنون إيران بنفس الرعونة الداعشية ؟ وأنها تندفع بكل قوتها لمجرد سماع آية أو رواية أو صرخات مرأة مظلومة في غزة .. لتقول لشعبها أن اللبناني والغزاوي بنفس أهميتك يا شعب إيران ؟

أم لديهم حسابات تحددها المصلحة الداخلية ؟

 أحد أصدقائي في إيران قال لي مرة ( امنیت ما از امنیت عراق )  بمعنى أن أمننا من أمن العراق .. يعني إذا كنتم بخير فنحن بخير .. وفي الوقت الذي يعبر هذا الخطاب عن محبة وأخوة لا أنساها .. كما لا يجب أن ننسى دماء وتضحيات الشهيد الإيراني حميد تقوي  ورفاقه التي روت أرض سامراء ..

ولكن القيادة الإيرانية حريصة على إقناع الشعب الإيراني بأن ماتفعله يعزز أمنها القومي .. وتركز على قول أن قوتنا خارج إيران تمنع الأعداء من التفكير في استهدافنا العسكري في الداخل مباشرة .

لقد.. كانت الصواريخ والعبوات الإيرانية طيلة سنوات .. تنفجر على رؤوس الأمريكان والصهاينة بسواعد اللبنانيين والفلسطينيين و العراقيين .. ولم تطلق إيران صاروخاً واحداً من الداخل .. لكي لا يُستهدف هذا الداخل الذي أكدوا لشعبهم أنه أعظم المحرمات وقدس المقدسات .

وعندما انتهكت طائرة استطلاع أمريكية أجواء إيران في العام الماضي أسقطوها  بلا تردد .. وعندما خسروا سرداد سليماني في العراق .. ويالها من خسارة .. استهدفوا القاتل في نفس الجغرافيا .. وقصفوا قاعدة عين الأسد بلا تردد .. في مشهد لم تره أمريكا يحصل مع قواتها منذ الحرب العالمية الثانية .

هل تلاحظ .. الفرق أيها القارئ الكريم .. بين ردات الفعل حين تعرض الداخل للخطر .. وحين تعرض بقية أطراف المحور ؟

أليس ذلك لعلمهم بان شعار (  جنگ جنگ تا پيروزي ) لم يعد يؤثر في الجيل الجديد وسط الحالة المعيشية الخانقة .. كما كان يؤثر في جيل عشاق السيد الخميني قدس سره الشريف .

هذا كله ..  ولم أفتح ملف تصريحات المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم سماحة السيد الخامنئي نفسه .. وتمجيدهم لفكرة ( إيران أولاً ) لا أحد يلومهم لأن الواقع صعب جداً .

2 . شواهد من لبنان :

أنا وبصراحة كنت ولا أزال .. من عشاق خطابات السيد حسن نصر الله .. بما آتاه الله من موهبة وتأثير .

وقبل سقوط صدام .. كنا نتسلل للبساتين _ كوني من أبناء الريف _ مصطحبين معنا جهاز عرض CD تم تهريبه إلينا من قبل أولاد العم والأصدقاء المسافرين للعمل في الأردن .

و كان شغفنا استماع خطابات الشيخ راغب حرب و السيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله من إصدار ( الغالبون ) وغيره من الإصدارات .

ولا أتذكر أنه قد فاتني خطاب للسيد نصر الله منذ السقوط وحتى الآن .. وفي حرب تموز 2006 كنت ملتصقاً بالتلفاز وأتابع الأحداث ليل نهار .

الشاهد .. أن السيد في حرب تموز سنة  2006  طرح معادلة مشهورة .. وخاطب الإسرائيليين قائلاً ( إذا قصفتم عاصمتنا سنقصف عاصمتكم .. إذا ضربتم بيروت سنضرب تل أبيب ) . 

هل تدرك معي أيها القارئ معنى هذا الكلام ؟ في حين كانت الضاحية الجنوبية والتي هي معقل المقاومة وجمهورها .. تسوى بالأرض تماماً .. وتضرب كل عشر عمارات دفعة واحدة .. ويشرد أهلها الذين قال عنهم السيد نفسه ( يا أشرف الناس ) .

فلماذا لم يقل السيد إذا ضربتم الضاحية سنضرب حيفا أو نابلس ؟ .. بل كرس هذه المعادلة لبيروت بالذات !

هذا لأنه  يثق بجمهور المقاومة .. وانهم سيتحملون .. بينما لن يتحمل أهل العاصمة وهي من عدة مكونات .. ولن يصبروا على استمرار الحزب في القتال .. وستبدأ الضغوط عليه بشكل لا يطيقه وهو في حالة حرب .

وسمعت بعضهم يومها يقول ( إنت عم تقتل حالك شو خصنا نحنا ؟ ) .

من هنا أراد الحزب إقناع اللبنانيين بأن سلاحه الذي يطالب بعضهم بتسليمه هو قوة الردع التي يمتلكونها.

فهل هذه ..  حسابات الإسلام بدون حدود ومقيدات .. أم هناك اعتبارات للمكونات الأخرى وردود فعلها .. لابد من أخذها بعين الاعتبار ؟

ومنذ عام 2011 حيث بدأت أحداث سوريا .. ولم يعلن حزب الله تدخله إلا عام 2013 في معركة القصير .. وأعلن ذلك باعتبارها منطقة حدودية مع لبنان وتشكل خطراً عليه .

ومن حينها لا يظهر السيد نصر الله في خطاب .. إلا ويعيد التأكيد على أن سبب دخول المعركة هو حماية لبنان وأمنه .. في مواجهة المشروع التكفيري ومن ورائه الصهيوني .

وعندما.. استشهد السيد مصطفى بدر الدين القائد الكبير في الحزب سنة 2016  .. أعاد السيد نصر الله التذكير بأن  الخطر يداهم لبنان في منطقة راس بعلبك وجرود عرسال .

س 19 : إذا كان أقطاب محور المقاومة هكذا فلماذا يختلف الحال في العراق ولا يتصرفون بهذه الطريقة ؟

ج : ربما المتصدون للعمل السياسي و التعبوي هنا في العراق ليسوا بالمستوى الكافي من الدراية  ليختاروا أساليب أدق .

وربما بعضهم يفهم العلاقة مع إيران بأن تكون ملكياً أكثر من الملك !!

فيستنسخ الخطاب الإيراني ( الذي تصدره إيران للخارج ) من دون مراعاة ظروف العراق الخاصة .. ومن دون حساب أن العراق هو الآخر يحتاج خطاباً داخلياً وآخر خارجي .

في نهاية المطاف .. من يتصور أن بإمكانه تعبئة العراقيين بالخطابات الإسلامية الثورية فقط .. مع بعض الديكورات والموسيقى الحماسية .. والسفرات السعيدة الى بلد الجمال إيران .. بعيداً عن موازنة الأمور وفهم طبيعة العراق وتركيبته الاجتماعية .. فإنه يخسر أوراقه بالتدريج .

العراقيون الذين سطروا ملحمة خالدة بتلبية فتوى رجل لم يسمع صوته أو يشاهده أغلبهم .. هم نفسهم الذين لاتحركهم كل الحماسيات قيد أنملة مالم يكن لها وزن اجتماعي يقتنعون به .. أما توزيع الاتهامات بالخضوع للأمريكي والجهل العقائدي  وغيرها من السهام الجاهزة .. فتزيد الطين بلة .

حتى أمريكا.. لاتتصوروا أبداً .. أنها نجحت في اختراق الثقافة العراقية بسبب خطابها الاعلامي الموجه للعراق وسفراتها للشباب وبرنامج القادة  lYLEP وغيرها من المشاريع .. بل نجحت في التأثير _ المحدود _ بقوتها الاقتصادية وسيادتها للعالم .

س 20 : لماذا لانقول بصراحة أن هذه الفصائل والأحزاب مقيدة بأوامر إيران ؟ وأن التفاهم يجب أن يتم في طهران ؟

ج : أنا لا أنكر تدخل الجمهورية الإسلامية في العراق لحماية نفسها .. ولا أنكر سعي الأمريكان لأذيتها من خلال العراق .. ولا أنكر أن الانسحاب من أي طرف منهم رأفة بالعراق يعتبر حماقة سياسة . 

لاتوجد دولة على وجه الأرض تزهد بموقعها الاستراتيجي في دولة أخرى .. خصوصاً عندما يكون عدوها اللدود _ أمريكا _  موجوداً في تلك الدولة المتاخمة على مسافة 1450 كم . 

ولكن أين نحن من هذا الصراع ؟

لعلك أيها القارئ الكريم تابعت الصراع على الكمامات والمستلزمات الطبية بين ألمانيا وأمريكا وغيرها من الدول قبل شهر من الآن ..  وكل دولة تريد إنقاذ شعبها وليذهب الآخرون الى جهنم كورونا.

هذا المنطق لايختلف بالنسبة  للوجود العسكري .. فإذا كان هناك من يعزز قوتي الاستراتيجية بتطويق القواعد الأمريكية في العراق فلماذا أرفض ؟ وما شأني بما يسببه ذلك للعراقيين ؟ .. حتى لو كنت أحب العراق ولكن هناك أولويات .

أمريكا كذلك .. إذا وجدت من تدعمه من  المندسين في المظاهرات وغيرها فلماذا ترفض ؟ وما شأنها بما يفعلون ؟ وهي أساساً لاتكن أي ود للعراق . 

والسعودية كذلك .. تبحث عن مواقعها في المكون السني ولو على ظهر المفخخات

وتركيا تعزز نفوذها المستمر وسط المكون التركماني .. ولا أعرف هل طلبت منهم مواجهة الأكراد حتى الآن أم لا !

أنت بواب بيتك .. وبيدك إدخال من تشاء وإخراج من تشاء .. و كن واثقاً أن الجميع متى ما تركوا مصالحهم الشخصية .. و لغة التخوين و ( التسقيط ) مثل المجانين .. وتفاهموا وخرجوا بموقف موحد مبني على الاستقلال في القرار والنظر باخلاص الى مصالح البلد .. فلن تستطيع طهران إجبارهم على شيئ .. ولن تجد أمريكا بداً من الرضوخ .

لا تقل .. لدولة بعينها لاتتدخلي .. ولكن إملأ الكأس بقرارك المستقل .. ولن يجد قرار غيرك مكانا.

الشيعة.. ليسوا اصحاب مواقف وطنية .. هذا التعبير لا أتفق معه .

بل الشيعة أصحاب تضحيات وطنية .. وكان حبر أول توقيع لتأسيس دولة العراق ممزوجاً بدمائهم .

فيجب على عقلاء هذا الوجود العريق .. أن لا ينشغلوا بتوافه الخلافات كالأطفال .. و أن يفهموا سنة السياسة كما فهمها الخوئي و الخميني والسيستاني .. ويعرفوا الزمان وأهله .. ويخرسوا بمواقفهم المستقلة ألسنة التخوين التي تطعن في وطنية الشيعة .

وبرأيي أن الوقت حرج جداً .. وما كنت أتصور بعد كل ما مرت به الطائفة من تجارب ومخاضات أن يكون الأداء بهذه السذاجة !!

إن أصحاب القرار لا يقرؤون ولا ثقافة لديهم ليفهموا تجارب التاريخ .. وأيام الله التي تمر عليهم يبددونها بين عزيمة هنا .. ومناسبة اجتماعية هناك .. وبين سفرة وإيفاد كالذين يتخبطه كرسي الحكم من المس .

س 21 : نريد السؤال حول أثر ولاية الفقيه في الشأن العراقي .. فهل يمكن أولاً شرح معناها بشكل مختصر ؟ 

ج : ضع أمامك أربع نقاط :

A. بعد غيبة الإمام صاحب الزمان لابد من رعاية شؤون الناس في مجالات عديدة  .

B . الإمام المعصوم أرشد المجتمع الى اتباع الفقهاء لتحقيق هذه الرعاية والإشراف .

C. ممارسة الفقهاء لدورهم بحاجة الى صلاحية شرعية و ولاية على الناس.

D. الإمام المعصوم منحهم هذه الصلاحية والولاية  .

 وقد وقع الإختلاف الفقهي بين العلماء في النقطة الأخيرة .. أي في حدود هذه الولاية وليس في أصل وجودها .

بمعنى : ليس من الصحيح أن نسأل .. هل المرجع الفلاني يؤمن بولاية الفقيه أم لا ؟

لإن فقهاء الشيعة جميعاً يقولون بـ ( ولاية الفقيه )  أو ( ولاية الحاكم الشرعي ) ولكن اختلافهم كان في حدود هذه الولاية .

الأغلبية منهم تقول بأنها محدودة جداً .. و لايثبت شيئ من مقامات المعصوم وصلاحياته لغير المعصوم .. فأي صلاحية خاصة للمعصوم تحتاج الى دليل لإثباتها لغيره .. ولم يثبت عندنا أكثر من صلاحية القضاء والإفتاء وتسيير بعض الأمور المالية .. وتسمى الولاية بهذه الحدود ( ولاية خاصة ) أو ( الولاية الحسبية ).

مجموعة من الفقهاء ترى عكس ذلك .. وتقول أن جميع صلاحيات المعصوم وولايته على الناس ثابتة للمرجع .. مالولاية على الأنفس والأموال وغير ذلك . ولا يستثنى إلا ما يختص بالمعصوم من حيث عصمته .

بعبارة أشمل : فقهاء الشيعة بين رأيين في المسألة .. رأي يقول (  لاشيئ من ولاية المعصوم يثبت للفقيه إلا ما دخل بدليل ) ورأي يقول ( لاشيئ من ولاية المعصوم يُنفى عن الفقيه إلا ما خرج بدليل ) .

فالخلاصة أن الولاية العامة .. بمعنى أحقية المعصوم عليه السلام بتسيير أمور المجتمع كيفما شاء ( بمقتضى علمه وعصمته ) غير ثابتة لأي إنسان إلا المعصوم نفسه .. وغاية ما يمكن للفقيه إدارته هي الأمر الحسبية ( تسيير الشؤون المالية والاجتماعية بحدود ).

هذا في النظر الفقهي لدى الأغلبية .. ومن أبرزهم السيد الخوئي والسيد السيستاني .

وأما في النظر الفقهي لمجموعة أخرى  _ ومن أبرزهم السيد الخميني _ فهي ثابتة ومن حقه التصرف في أمر المجتمع .. إذا قبل منه المجتمع ذلك .

وأستعرض هنا جواب سماحة السيد السيستاني دام ظله رداً على سؤال بهذا الخصوص :

السؤال: ما هو تعريفكم لولاية الفقيه ؟

الجواب: الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالامور الحسبية تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد ، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين .

 وقد حاول .. الشيخ جوادي آملي أن يرجع مسألة ولاية الفقيه الى باب العقائد ويناقشها كمسألة عقائدية لا فقهية ليعطيها زخماً أكبر .. ولكنه رأي سماحته المنفرد ولم يوافقه كبار الفقهاء . 

س 22 : هل تعتقد أن العراق بحاجة الى ولاية الفقيه العامة التي يراها السيد الخميني ؟ 

ج : أنها مسألة فقهية .. لاتأثير لها في الشأن السياسي مطلقاً .. وما حصل في إيران من انتصار للثورة حصل بسبب الجهاد المستمر والظروف المواتية لمرجع _ صادف _ أنه يقول بالولاية العامة .. وليست الولاية نفسها من أنجحت مشروعه .

إن انتصار الثورة الإسلامية كانت له ظروف دقيقة ومختلفة .. ومن السذاجة والقصور أن ينظر الانسان الى المشهد بشكل عام ثم يقول ( ولي فقيه نجح في إيران .. إذن العراق بحاجة الى ولي فقيه ) !!

 أقول دوماً لبعض الأصدقاء في مجالسنا النقاشية ( إذا جئتموني بحالة واحدة في العراق .. لو تعامل معها فقيه يقول بالولاية العامة .. كانت ستختلف عما لو تعامل معها فقيه يقول بالولاية الحسبية .. فلكم الحق وسأصمت للأبد )

 

أقول ذلك .. لأن الولاية الخاصة ( الحسبية )  ليست قاصرة عن استيعاب مشاكل العراق وغير العراق .. فالمرجع يمكنه القضاء .. وحل المنازعات ..  وإصدار أي حكم بعنوان ( حفظ النظام ) ورعاية المصالح العامة للمجتمع في جميع شؤونه .

وعليه فمن حق الفقيه التدخل والافتاء في كل الأمور .. من حفظ الثروات الاستراتيجية ومنح الإذن الشرعي للجيوش بالقتال .. وللدولة بالتملك .. وجواز إسقاط الحاكم غير العادل ..  وصولاً الى أبسط القوانين كمنع ربط الكهرباء بدون ميزانية .. أو عبور الشارع خلافاً لقانون المرور .. أو التأخر خمس دقائق عن الدوام .

كلا سيدي .. وضع العراق .. وبلواه العظيمة بهؤلاء المتسترين بالدين و لاعلاقة له بالعلماء ولا باختلاف المباني الفقهية للمراجع .

نقلت لك قبل قليل أن السيد الخميني صرح سنة 1971  بأنه سيغادر العراق لو استمر تهجير الطلبة .

نفس هذا الموقف كان قد فعله السيد الخوئي قبله بأيام .. حيث أرسل الشيخ محمد حسين الصغير والسيد محمد صالح الخرسان .. مبعوثين عنه الى مدير أمن النجف ( إبراهيم خلف ) حاملين جوازات سفر السيد وعائلته .. ليهدد بالخروج من العراق .

ولأن العراق كان في منافسة مع إيران على عدة ملفات .. فقد قررت حكومة البكر ونائبه صدام .. أن وجود مرجعين بهذا النفوذ الشعبي الواسع .. يمثل ورقة قوة  للعراق لايمكن التخلي عنها .. وأوقفوا التهجير الى عقد كامل منذ ذلك الحين  ( راجع كتاب دوحة من جنة الغري لضياء الخباز  ص 301 ) .

فهل ترى التطابق في الموقف رغم اختلاف المباني الفقهية بينهما حول ولاية الفقيه ؟

لم نسمع من احدهما أي كلمة حول ( الثورة على الطاغية )  .. ولم يقم أحدهما بأي خطوة في هذا الصدد .. رغم أن الخميني فقد ولده مصطفى .. والخوئي فقد الكثير من طلبته وأولاده .. لكن وضع العراق لم يكن نسخة من الوضع الإيراني لنقول .. ثورة هنا وثورة هناك .

س 23 : هل تعني أن مواقف السيدين الخوئي والخميني لم تكن تختلف أو تتفق بسبب ولاية الفقيه بل بحسب الظروف ؟ 

ج : لاشك في ذلك .. فوارق الظروف كانت شاسعة جداً .. بينما الاختلاف الفقهي كان في هامش بسيط لايكاد يذكر .

هناك نسبة من السطحية يعاني منها بعض الشباب .. عندما يرى الثورة الإسلامية في إيران فيتسائل ( لماذا لم يفعلها السيد الخوئي في العراق ) وينتظر استنساخ التجربة متجاهلاً الفروق الجوهرية بين البلدين .

ولا أعرف ما سيقوله هؤلاء .. لو رجعنا بهم الى بداية عقد الستينات ..  وكيف كان السيد الخوئي ( الذي لايقول بالولاية العامة ) يرسل الخطابات النارية في وجه شاه إيران محمد رضا بهلوي ..احتجاجاً على إيذاء العلماء .. والقوانين الدستورية المخالفة للإسلام فيما يعرف بـ ( مشروع الثورة البيضاء ) .. و تحذيراته المستمرة من تمكين الحركات اليهودية البهائية من مقدرات إيران .

 وفي نفس التوقيت بدأ السيد الخميني حركته السياسية .. بينما كان قبلها منصرفاً الى دراسة العلوم الدينية معتزلاً النشاط السياسي بشكل كامل ويقول بالنص ( أنا طلبة وأدرس ماذا تريدون مني ؟  )  هذا وهو ( القائل بولاية الفقيه ) .

رغم أن إيران كانت تسبح على بحر من الأحداث .. كثورة محمد مصدق على الشاه ثم الانقلاب على مصدق في عملية أجاكس الأمريكية ونشاطات السيد حسن المدرس والعمل المسلح للشهيد نواب صفوي وغيرها من الأحداث .

راجع في ذلك مانقله تلميذه الشهيد فضل الله المحلاتي ( مجلة ١٥خرداد العدد ١٠٠ ) .

كن واثقاً أن الفقيه الذي درس في حوزة أهل البيت .. سيمتلك من الحكمة ما يجعله يختار اللحظة المناسبة للحركة بحسب ما يقتضيه تكليفه الشرعي .

ولم يُعرف الخميني كقائد ثوري بشكل بارز إلا قبيل أحداث خرداد ( نيمه خرداد ) 1963 وأما بعدها فقد أصبح الخميني الذي سجله التاريخ .

وكان أول من أرسل خطاباً تضامنياً الى السيد الخميني عندما وقعت أحداث خرداد الدامية هو السيد الخوئي .. حيث كتب :

(( بسم الله الرحمن الرحيم _ قم _ حضرة آية الله الخميني دامت بركاته : جناية الجائرين على الحوزة العلمية أوجعت قلوبنا وعامة المسلمين ( فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ))

وبعد 15 سنة من ذلك تحقق وعد الآية الكريمة التي اختارها السيد الخوئي .. وانتصرت الثورة الاسلامية .. بينما بقي الخوئي نفسه يكابد مرارة ظروف العراق .. لا هدف له إلا حفظ قلب التشيع ( حوزة النجف ) من الفناء الى الأبد على يد أعتى زمرة عرفها التاريخ .. وسط محيط عربي وعالمي اتفقت كلمته على دعم هذه الزمرة بشكل لم يشهد مثيلاً في العلاقات الدولية .

إنها الظروف والأزمنة والأمكنة .. وليس موضوع ولاية الفقيه على الإطلاق .. وهذا ما يميز علماء الشيعة .. ودرايتهم بالزمان وما يحتاجه .

س 24 : هل تعتقد أن المفاهيم المتعلقة بولاية الفقيه والثورة الاسلامية يتم ترويجها في العراق بصورة صحيحة ؟

ج : هذا ما يحز في النفس.

يؤسفني .. أن جيلاً كاملاً من شباب العراق أصبح يتملكه شعور سلبي تجاه الإمام الخميني عندما يسمع بأنه صاحب ولاية الفقيه .. لأنه لا يعرف السيد بوصفه ثائراً يدعو للاستقلال وعزة الأوطان .. ولا يدري أن خطاباته في هذا الصدد فاقت جيفارا وأمثاله عشرات المرات كماً وتأثيراً .

بل كل ما يسمعونه من المتكلمين عندنا هنا في العراق .. يصور لهم أن ولاية الفقية حوتٌ يبتلع الحدود الوطنية للدول .. وأن المؤمن بها يجب أن يثور على فكرة القومية .. ويخجل من التفكير بأبناء جلدته أولاً .

وتتعمق قناعة الشاب المسكين عندما يسمع تصريحات مستفزة من بعض سذج السياسة في إيران ، وهم أيضاً محسوبون _ لا أدري كيف _ على الإمام الخميني .

الكارثة .. أن هذا الجيل لم يعد يفرق بين الإمام الخميني وخطه العلمائي الحوزوي ومسلكه العرفاني .. وبين جماعات فلان وعلان _ في العراق وإيران _ ممن ينسبون أنفسهم اليه ويتكلمون عنه بلا فهم ولا علم .

بل رأيت في بعض مواقع التواصل من المحسوبين على هذه الجهات .. يتلاقفون الفيديوهات التي تصورها بعض النساء غير الملتزمات .. ويتداولونها بالنشر والكثيف للتشهير بهن بدون رادع من شرع أو حياء .. وكل ذلك لإسقاط التظاهرات من عيون الناس .

فيالله .. هل يُحسب هؤلاء على فكر الخميني صاحب ( الأربعون حديثاً في الأخلاق ) ؟

وماذا سيقول لهم لو عاد الى دار الدنيا ؟ أدعوكم لقراءة هذا الكتاب .. وستعرفون ماذا سيقول لهم .

س 25 : هل هناك شيئ أخير تريد قوله ؟

ج : أنصح شبابنا بأن يفكروا جيداً من أين يستقون معلوماتهم وكيف يحددون مواقفهم .. فالزمان زمان فتنة عمياء صماء

أمريكا تشعر بالضغط من التقدم الصيني في العالم .. مما يجعلها عدوانية جداً .

وإيران  تشعر بالضغط الشديد من جهة أمريكا مما يجعلها تستخدم كل أوراقها.

والسعودية تشعر بالضغط من إيران وتركيا وقطر وتخاف من فقد دورها الريادي .

والكيان الإسرائيلي يريد صب الزيت على النار وإشعال المنطقة لتبقى مشغولة بنفسها.

وفي الداخل العراقي .. كل الملفات أعلاه قد تنعكس علينا .. وقد نصبح ساحة لتصفية الحسابات والتآكل فيما بيننا على شرف مائدة الآخرين .

وبقدر ما تختلط الملفات وتتعقد الأمور .. يصعب أن نجعلها في قواعد واضحة تعطينا رؤية مستقبلية .. حتى كأني أستذكر عبارة ( كقطع الليل المظلم ) في كل حدث يجري .

ولو بحثت عن عبارة تختصر هذا الجواب .. بل تختصر كل الـ 25 سؤال وجواب التي طرحت .. فسأقول : تمسكوا بالنجف .

2020/05/10
مدير مكتبه: «السيد السيستاني» يتابع كل ما يجري بدقة متناهية

أجرت وكالة “شفقنا” في بيروت حواراً مع مدير مكتب سماحة السيد السيستاني “دام ظله” في لبنان الحاج حامد الخفاف، تناول فيه دور المرجعية الدينية في المشهد السياسي وملامح منهجها، ومواردها المالية، وكيفية صرفها، وآلية كتابة خطبة جمعة كربلاء، وتطرق إلى علاقة المرجعية بمشاريع العتبات المقدسة ونشاطاتها الاستثمارية، وطبيعة مفهوم المتولي الشرعي. وعن مستقبل المرجعية الدينية بعد مرحلة السيد السيستاني أدام الله بقاءه.

وفي الموضوع السياسي أجاب عما اذا كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء، وعن سبب إغلاق السيد السيستاني دام ظله بابه أمام الساسة العراقيين، وعما ينسب لسماحته من قبل زائريه. كما أوضح رؤية المرجعية حول مستقبل “الحشد الشعبي”.

الخفاف:

• السيد السيستاني دام ظله يتابع كل ما يجري بدقة متناهية.

• المرجعية امتنعت عن تلقي أي دعم حكومي مباشر أو غير مباشر.

• تسنم طبقة من (المتدينين) المواقع التنفيذية واخفاقهم في تلبية طموحات الشعب أثر سلباً على موقع الدين في نفوس شرائح من الناس.

• كافة مشاريع العتبات المقدسة هي تحت سقف ما أقره قانونها ويطبق عليها كل مقتضيات الرقابة المالية.

• موقع المتولي الشرعي للعتبتين الحسينية والعباسية ليس لإدارة العتبتين وإنما لمجرد تأمين الجانب الشرعي فيما يجري فيهما.

• لم يكن د. عادل عبد المهدي مرشح المرجعية، ولكنها لم تعترض عليه.

• المرجعية تنتظر تطبيق قانون الحشد الشعبي وتنفيذ الأمر الديواني…

• ديمومة المرجعية الشيعية قوية ومؤثرة رهن بإبعادها عن شبهة التوريث…

• أسس السيد السيستاني لنمط من التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية يصعب تجاوزه في المستقبل.

وفيما يلي نص الحوار:

1. ما هو دور المرجعية في المشهد السياسي، وما هي حدود تدخلها وتوقيته؟

كان للمرجعية العليا أدوار مختلفة منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ولحد الآن، فقد أخذت بزمام المبادرة بإصدارها الفتوى الدستورية الشهيرة التي أسست لبناء الدولة العراقية الحديثة وفق نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، وحثت العراقيين على الاشتراك في الانتخابات لتقرير مصيرهم بأيديهم، وعلى احترام القانون والحفاظ على المال العام، وعدم الثأر والانتقام.

وتدخلت المرجعية العليا غير مرة لإيقاف التدهور الأمني في أكثر من منطقة، مستخدمة قوتها المعنوية، بتقديم حلول سياسية تارة، وبالتدخل المباشر تارة أخرى، كما حدث في أزمة النجف الكبرى آب 2004.

كما أجهضت كثيراً من المشاريع الأجنبية المشبوهة التي حاولت الالتفاف على المطالب المحقة للشعب العراقي في السيادة والاستقلال وأخمدت الفتنة الطائفية بالحكمة والصبر. وواجهت الارهاب بكافة صوره وأشكاله، وكان من أهمها الهجوم الهمجي الذي تعرض له العراق من قبل عصابات داعش، حيث أصدرت فتوى الدفاع الكفائي، ما أدى إلى تغيير موازين القوى بشكل جذري وإحباط مؤامرة كبرى حيكت للعراق والعراقيين.

وواكبت المرجعية العليا الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد المالي والاداري ودعمته بخطبها ومطالباتها ومواقفها، ولكنه ــ وللأسف ــ لم يسفر لحد الآن عن نتائج ملموسة.

وكانت المرجعية العليا ولا تزال تراقب العملية السياسية بدقة تامة فتتدخل متى ما استشعرت الخطر محدقاً بالعراق ومصالح شعبه، ووجدت أن تدخلها يكون مجدياً في حل الازمات المستعصية أو التخفيف منها، ولتدخل المرجعية ـــــ التي هي حريصة على أن لا تتجاوز فيه الاطر القانونية ـــ صيغ مختلفة معلنة وغير معلنة، باختلاف الظروف والحيثيات، ولكنها في كل الاحوال تكون شفافة وواضحة لذوي الشأن من مسؤولين وغيرهم، وليس من دأبها أن تتفاوت مواقفها المعلنة عما تتبناه في واقع الحال.

2. ما هي آلية المتابعة السياسية للمرجعية وكيفية اتخاذ الموقف من قبلها؟

سماحة السيد السيستاني دام ظله يتابع كل ما يجري عبر عدة آليات، منها: المتابعة المباشرة عبر وسائل الاعلام المرئي والمسموع، كما يقدم لسماحته أهم ما ينشر في الصحافة والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل مما هو محل الحاجة، وكذلك كتب وتقارير علمية في الملفات المهمة والحساسة، ويطلع على ما يصل الى مكتبه من تقارير عن احاديث وتصريحات المسؤولين في الدولة بمستويات متفاوتة تبين وجهات نظرهم في مختلف شؤون البلد. كما أن سماحته يعتمد في جزء أساسي من متابعاته على ما يستمع إليه من زائريه وهم من عموم طبقات المجتمع العراقي وغيره.

أما إصدار المواقف، فهو يبتني على دراسة دقيقة ومتأنية لكل حالة، وبعضها قد يستدعي الاستشارة من أهل الاختصاص، كما حصل في حالات عديدة، منها على سبيل المثال: رأي المرجعية العليا بإمكانية إجراء الانتخابات على أساس البطاقة التموينية، وهو رأي معمول به لحد الآن، اذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة اجراء احصاء سكاني حتى يومنا هذا.

3. ما هي الموارد المالية للمرجعية الدينية، وما هو حجم تأثيرها على الواقع، وأين تصرف؟ وهل موارد العتبات المقدسة في العراق تكون في متناول يدها وهي تتصرف فيها؟

من المعروف تاريخياً ان الحقوق الشرعية (الخمس والزكاة) وسائر ما يتبرع به المؤمنون من الخيرات والمبرات تشكّل الموارد المالية للمرجعية الدينية، وبالتأكيد ان لذلك تأثيراً واضحاً على الواقع المرجعي، ويتمثّل بالدرجة الاساس في حفظ استقلالية المؤسسة الدينية الشيعية عن السلطات الحاكمة عبر التاريخ. ومن هنا تجرى محاولات دؤوبة من جهات مختلفة لتقليص ما يصل الى المرجعية من الحقوق الشرعية ظناً منهم ان ذلك يؤثر في نشاطها ويحدّ من تأثيرها.

وأما أين تصرف الاموال؟ فالجواب واضح: إنها تصرف في مواردها المعروفة من تأمين رواتب ومخصصات اساتذة وطلاب الحوزات العلمية وتأسيس المشاريع الدينية والخيرية وديمومتها والصرف على الفقراء والمحتاجين، وما ماثل ذلك، وليس للمرجعية مبالغ كبيرة مخزنة ــــ كما يشيع البعض ــــ بل ما يصلها يصرف في مواردها خلال مدة قصيرة نسبياً.

وجدير ذكره ان سماحة السيد السيستاني دام ظله ـــ ومنذ بدايات تصديه للعمل المرجعي ــــ أجاز لعموم العراقيين من مقلديه ان يدفعوا حقوقهم الشرعية إلى الفقراء مباشرة من دون الرجوع إليه. وكان لهذه الفتوى آثار مهمة ومباركة في الشارع العراقي، كما أن سماحته ملتزم بصرف كل ما يصله من العراقيين في العراق نفسه، ويصرف فيه أيضاً الكثير مما يصله من مقلديه في سائر البلاد.

وأما الموارد المالية للعتبات المقدسة في العراق فلم يسبق للمرجعية أن تصرفت في شيء منها، كما انها امتنعت عن تلقي أي دعم مالي حكومي مباشر أو من المؤسسات الممولة من قبل الحكومة كديوان الوقف الشيعي.

أما الحديث عن امكانات مالية كبيرة للمرجعية الدينية فهو مما لا اساس له، وربما تذكر مبالغ خيالية لا عهد للمرجعية بها في كل تاريخها، ومن الغريب ما يطرحه البعض من ان المرجعية تستطيع ان تحل مشكلة الفقر هنا أو هناك فانه كلام غير علمي وغير واقعي بتاتاً. وانما حل هذه المشكلة واضرابها هو من مهام الحكومة وضمن الخطط والامكانات المتاحة لها عادة. وأما امكانات المرجعية فهي بحدود المساهمة في رفع بعض الحاجة عن الفقراء والمعوزين من خلال المساعدة المباشرة او اقامة المشاريع الخدمية. ومؤسسة العين للرعاية الاجتماعية من أهم المشاريع الخيرية للمرجعية، وهي تعنى برعاية عشرات الآلاف من الايتام والارامل وتقدم مساعدات للجرحى والمرضى لعلاجهم حتى في خارج العراق.

4. ما هي ملامح منهج السيد السيستاني؟

لتوضيح بعض ملامح منهج المرجعية العليا، يمكن الاشارة إلى ما يلي:

أ ــ إنَّ المرجعية العُليا لا تتدخل في تفاصيل العمل السياسي بل تترك المجال واسعاً للقوى السياسية للقيام بذلك، وإنما تتدخل في القضايا المصيرية التي تعجز القوى السياسية عن التعاطي معها أو تقديم حلول مركزية لها .

ب ــ إنَّها تُؤمن بالتعايش السلمي بين أبناء المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة وبينهم وبين أبناء الأديان الأخرى، وقد أصّلت ذلك بمنهج عملي يبتعد عن الشكليات غير المنتجة لحساب المضمون الذي يُكرس ثقافة التعايش والاحترام المتبادل .

ج ــ إنَّها تؤكد على احترام مؤسسات الدولة المنبثقة من خيارات الشعب التي لا بديل عنها بتاتاً لقيام وطن حر ومستقل وسيد، وهذا يسري على كافة القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها .

د ــ إنها تؤمن بضرورة اندماج الشيعة أينما وجدوا في أوطانهم وهي تترك لأهل الحل والعقد في كل بلد تدبير شؤونهم، ولا تتدخل في قضاياهم إلا إذا طُلب منها ذلك ورأت أن لتحركها ثمرة مفيدة وفق الظروف والمعطيات الموجودة.

ه ــ إنَّها تُراقب بدقة الأحداث محلياً وإقليمياً ودولياً وقد تسكت طويلاً ولكن سكوتها ليس غياباً، ولذلك فهي عندما تقول تقول وبقوة في الوقت والمكان المناسبين لتقلب الموازين أو تُغير خُططاً أو تفرض واقعاً فيه مصلحة للوطن والأمة والدلائل على ذلك كثيرة.

5. هل ان خطبة الجمعة الثانية التي تلقى في الصحن الحسيني من قبل الشيخ الكربلائي والسيد الصافي تكتب في النجف وترسل إليهما أم أنها من إعدادهما؟

كان قسم منها يعدّ في مكتب سماحة السيد (دام ظله) في النجف الاشرف بتوجيه ومراجعة سماحته ويقُرأ بالنص، وقسم آخر كان من اعداد فضيلتي الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ويتم اجراء بعض التغييرات الضرورية عليه قبل القائه، وقسم ثالث كان مما ارتجله صاحبا الفضيلة ضمن عناوين عامة متفق عليها مع مكتب سماحة السيد (دام ظله).

ولما تقرر في ربيع الاول عام 1437هـ الموافق شباط 2016م عدم التطرق اسبوعياً الى رؤى المرجعية الدينية العليا في الشأن العراقي بل حسبما تستجد من الامور اقتصر في الخطب ـــ ولا يزال ـــ على ذكر أمور اخلاقية ودينية واجتماعية عامة، وهي كلها من إعداد الشيخ الكربلائي والسيد الصافي، مع استثناءات قليلة يعدّ فيها نص الخطبة مكتوباً في النجف الاشرف فيقرأ من دون اضافة مرتجلة او تغيير ملموس، كخطبة تحرير الموصل في 19/10/1438 الموافق 14/7/2017 وخطبة الاستفتاء في اقليم كردستان -العراق- في 8/1/1439 الموافق 29/9/2017 وخطبة النصر على داعش في 26/3/1439 الموافق 15/12/2017 وخطبة الانتخابات في 17/8/1439 الموافق 4/5/2018 .

6. هل هناك تطور وتجديد في حركة المرجعية العليا على صعيد العمل الديني؟

في العصر الراهن يواجه الخطاب الديني تحديات مستجدة نتيجة لتسنم طبقة من (المتدينين) المناصب السياسية المهمة والمواقع التنفيذية العليا في البلد مدة طويلة واخفاقهم في تلبية طموحات الشعب وتحقيق تطلعاته في حياة حرة كريمة، مما أثّر سلباً على موقع الدين وقيمه العقدية وحتى الاخلاقية في نفوس شرائح من الناس، بالإضافة الى اشكاليات أخرى برزت نتيجةً لاحتدام الصراع بين منهجين يتسمان بالإفراط والتفريط يتبناهما العديد ممن يتصدون لمخاطبة الجمهور الشيعي، فأصبح من الضروري، أولاً: العمل على التفريق في أذهان الناس بين المبادئ والمُثل الدينية الحقة وما تمثل منها في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام بأبهى صورها وبين ما لوحظ من عدم تطبيقها في سلوك وسيرة كثير ممن يدعون التدين. وثانياً: الترويج أزيد من ذي قبل للخطاب المرجعي الوسطي المعتدل الذي يتبنى عدم المساس بمستلزمات العيش المشترك مع الآخرين وفي الوقت نفسه لا يتنازل عن الأسس الفكرية والعقدية التي يرى أحقيتها، والمرجعية الدينية تعمل في كلا الاتجاهين، وهناك مسارات أخرى لنشاطها:

منها: توفير الظروف الملائمة للارتقاء بالمستوى العلمي لطلاب الحوزات العلمية، من خلال حثّ الاساتذة والطلاب على التعمق في العلوم الاسلامية وما يمهد لها من علوم أخرى، والابتعاد عن السطحية والتسرع في طي المراحل الدراسية من دون اعطاء كل مرحلة حقها من الضبط والاتقان، ولهذا الغرض أيضاً تم تشييد العديد من المدارس المخصصة للطلاب الجدد من الاذكياء والنابهين للسير بهم وفق مناهج دراسية مناسبة بمباشرة واشراف اساتذة كفوئين، مع تأمين كامل مستلزماتهم المعيشية.

ومنها: توجيه الخطباء والمبلغين بالعمل على زيادة الوعي الديني للمستمعين من خلال شرح حقائق الدين ومعالم مذهب اهل البيت عليهم السلام بالمنطق العلمي الرصين المبني على الادلة المحكمة والثابتة، والابتعاد عن الاساطير وما يجري مجراها، بالإضافة الى بثّ روح الألفة والمحبة بين ابناء الشعب والتجنب عما يثير الفرقة والبغضاء ويخل بالسلم المجتمعي.

ومنها: التواصل مع جيل الشباب ولا سيما في الجامعات والمعاهد من خلال استضافة مجاميع منهم في المؤسسات الحوزوية للاستماع الى اسئلتهم الفكرية والعقدية والحوار معهم بشأن الشبهات التي تثار هذه الايام ومحاولة دفعها بلغة مفهومة مواكبة لثقافة العصر.

7. هل للمرجعية الدينية اشراف على مشاريع العتبات المقدسة في العراق ونشاطاتها الاستثمارية؟

ينتظم عمل العتبات المقدسة في العراق وفق قانون ادارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (19) لسنة 2005، المشرع في مجلس النواب بتاريخ 26/12/2005.

وقد ورد في نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من هذا القانون، التأكيد على “صرف واردات (العتبات والمزارات) في مواردها وفق الضوابط الشرعية والقانونية”. وورد في الفقرة الثالثة من المادة نفسها امكانية “استثمار الاموال العائدة للعتبات والمزارات بمختلف الاوجه المتاحة والموافقة لأحكام الشرع الحنيف والقوانين النافذة”.

والحقيقة ان العتبات المقدسة وخصوصاً في كربلاء المقدسة أقامت مشاريع صحية وتربوية واجتماعية وتعليمية وخدمية غاية في الأهمية، ساهمت في تخفيف معاناة المواطنين. ولديها مشاريع استثمارية لدعم النشاطات الخيرية والتوسع فيها. وهي ليست من المؤسسات والجهات التابعة للمرجعية الدينية لتكون لها رقابة على عملها، بل تعمل باستقلالية تامة عنها، أقصى ما هناك ان الامناء العامين فيها لا يتم تعيينهم من قبل رئيس ديوان الوقف الشيعي الا بعد موافقة المرجع الاعلى بموجب تنصيص القانون عليه، ولو لم ينص القانون على ذلك لما تدخّل سماحته في الامر.

وأما حضور الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ـــ وكيلي سماحة السيد دام ظله في كربلاء المقدسة ـــ في موقع المتولي الشرعي على العتبتين الحسينية والعباسية فليس هو بمعنى نصبهما لإدارة العتبتين، بل لمجرد تأمين الجانب الشرعي فيما يجري فيهما، وإنما تتم ادارتهما من قبل مجلسي الادارة فيهما ولا مساس لحضورهما بالصلاحيات القانونية الممنوحة لمجلسي الادارة، ولا بتبعيتهما لديوان الوقف الشيعي الذي بدوره يتبع رئاسة مجلس الوزراء.

وعلى هذا الاساس يفترض ان تكون كافة المشاريع والنشاطات الخدمية والاستثمارية في العتبات المقدسة تحت سقف ما أقره قانونها. ويطبق عليها كل مقتضيات قوانين الرقابة المالية على المؤسسات والدوائر الحكومية ويفعل دورها بالحدود التي تحددها القوانين المرعية الإجراء، وهذا منهج عام لدى سماحة السيد السيستاني دام ظله بالنسبة الى كل الدوائر والمؤسسات الرسمية.

8 ــ هل كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء؟

لم يكن مرشح المرجعية العليا لرئاسة الوزراء، بل كان مرشح كتلتين كبيرتين، وحظي بقبول وطني واقليمي ودولي، فلم تعترض عليه المرجعية، ولكنها بلغت الاطراف المعنية بانها لن تؤيد الحكومة الجديدة الا اذا وجدت ملامح النجاح في عملها، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المشاكل المتوارثة من الحكومات السابقة.

علماً ان منهج المرجعية العليا منذ بدء العملية السياسية في العراق يقوم على أساس عدم التدخل بتاتاً بتسمية أو ترشيح أي مسؤول تنفيذي فضلاً عن المناصب العليا، ما عدا موقعين يتطلبان ـــ بحسب القانون ـــ موافقة المرجع الأعلى على الترشيح لهما وهما: رئيس ديوان الوقف الشيعي، والأمناء العامين للعتبات المقدسة، ولكن في الوقت نفسه لا تتدخل المرجعية في عمل الديوان والعتبات ــــ كسائر المؤسسات الرسمية ــــ الا فيما يطلب فيه رأيها الشرعي في بعض القضايا لتنصيص القانون على ان الديوان ودوائره إنما تدار وفق الفقه الشيعي.

9- متى يفتح السيد السيستاني بابه للساسة العراقيين؟

سماحة السيد السيستاني دام ظله أغلق بابه بوجه السياسيين منذ حوالي سنة 2011 ولحد الآن، لأسباب معروفة لدى القوى السياسية، فإذا زالت تلكم الأسباب تفتح الباب.

المرجعية العليا تنتظر تغييراً واضحاً في اداء من بيدهم السلطة وتقدماً ملموساً في ملفات مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة وتخفيف معاناة المواطنين، وأمور أخرى أشارت اليها في أكثر من مناسبة. هي تنتظر رؤية ملامح النجاح في هذه الملفات لتبني على الشيء مقتضاه.

 

10ــ كثر الحديث حول الحشد الشعبي الذي تشكل من عدد من الفصائل المسلحة واعداد كبيرة من المتطوعين الذين التحقوا بجبهات القتال ضد داعش بعد فتوى المرجعية الدينية العليا بوجوب الدفاع الكفائي، ما هي رؤية المرجعية حول مستقبل هذه القوة؟

هناك قانون أقر في مجلس النواب ينظم عمل هذه القوة. ينص البند خامساً من الفقرة ثانياً من المادة الاولى منه على ضرورة أن (يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الاطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه) وهناك امر ديواني صدر من السيد رئيس مجلس الوزراء بغية هيكلة هذه القوة، والمرجعية تنتظر تطبيق ذلك القانون وتنفيذ ذاك الامر الديواني، وتؤكد على موقفها المبدئي من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بامتلاك أي حزب أو مجموعة أو عشيرة او غيرها للسلاح المتوسط أو الثقيل تحت أي ذريعة أو عنوان خارج القوات المسلحة الرسمية على الارض العراقية، وترى أنه لا يمكن تطبيق القوانين وفرض هيبة الدولة ولا مكافحة الفساد بصورة شاملة ولا المحافظة على الحريات العامة والخاصة ولا غير ذلك مما يدعو اليه الدستور مع امتلاك السلاح وانتشاره خارج الاطر القانونية الرسمية.

11 ــ بعض من يلتقي بالسيد السيستاني من عراقيين أو اجانب ينشر في وسائل الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي ما يدعي انه مضمون حديث سماحة السيد اليه، متى يمكن الاعتماد على ما ينشر من هذا القبيل؟

لا يعتمد الا على ما يتم توثيقه من قبل مكتب سماحة السيد وينشر على موقعه الرسمي في شبكة الانترنيت، وقد لوحظ في حالات غير قليلة ان البعض نسبوا الى سماحته ما لم يقله خطأً منهم في الفهم والتلقي أو لمآرب معينة واغراض مسبقة.

12 ــ كيف ترى مستقبل المرجعية الدينية بعد عمر طويل للسيد السيستاني؟ وهل يكون لمكتبه دور في ذلك؟ وهل تتوقع أن يستمر منهجه السياسي مع المرجعية القادمة في العراق؟

المرجعيات الكبرى في التاريخ الشيعي لم تتشكل الا بدعم وإسناد طيف واسع من العلماء والفضلاء في الحوزات العلمية والبلدان التي تسكنها الشيعة في مختلف انحاء العالم. واعتقد أن المستقبل لن يختلف عن الماضي في هذا الشأن، ولا يسعني التنبؤ بما يستقر عليه الامر آنذاك. ولكن من المؤكد أن منهج سماحة السيد (دام ظله) ـــ الذي يسير عليه مكتبه في النجف الأشرف ـــــ بعيد تماماً عن أي فكرة باستمرار تعاطي أسرته مع الشأن المرجعي بعد غياب شخص المرجع (أطال الله عمره) ويرى أن ديمومة المرجعية الشيعية قوية ومؤثرة رهن بإبعادها عن شبهة التوريث بغض النظر عن المؤهلات العلمية والادارية للمنتسبين اليها.

وأما بشأن تعاطي المرجعية القادمة مع الشأن العراقي وفق منهج سماحة السيد فهو أمر متوقع الى حد بعيد، فقد أسس سماحته لنمط من التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية يصعب تجاوزه بعد أن أصبح واقعاً يحظى بمقبولية كبيرة لدى شرائح واسعة من الشعب العراقي ولا سيما من النخب الفكرية والثقافية والسياسية.


المصدر: وكالة شفقنا

2019/09/12
الخرسان يكشف لـ «موقع الأئمة الإثني عشر» كواليس وأسباب كسر ختم والده آية الله المرحوم السيد محمد رضا الخرسان

ينشر موقع الأئمة الإثني عشر التابع للعتبة الحسينية المقدسة حواراً أجراه مع سماحة السيد محمد صادق الخرسان، نجل آية الله المرحوم السيد محمد رضا الخرسان (ره) والذي تناول موضوعة التقليد السائد في الوسط الحوزوي بـ "كسر الختم".

وفيما يلي النص الكامل للحوار:

حاوره: جسام محمد السعيدي

موقع الأئمة الإثني عشر: ما معنى (الختم) في عرف الحوزة العلمية؟ وهل يلزم امتلاكه درجة علمية معينة؟

- يستعمل الختم لتوثيق ما يصدر عن شخص معين أو جهة معينة، ليكون هذا التوثيق بطريقة أبعد عن التزوير؛ لأن الختم عادة يحمله الشخص نفسه، ولا يعطيه لغيره. وحتى أختام الدوائر الرسمية تكون في عهدة شخص مؤتمن عليها؛ لئلا يستعملها كل أحد ويُسئ استعمالها أو يستغلها لمنافع معينة.

موقع الأئمة الإثني عشر: ما الفرق بين ختم المرجع وختم المجتهد؟

- لا يتحدد امتلاك أحد للختم بدرجة علمية معينة، بل يظهر من الوثائق العراقية وغيرها أن الختم كان يستعمله جميع فئات المجتمع ومن القديم، كما يُلحظ لدى القدماء من البابليين والآشوريين حين تراجع الآثار العراقية في المتحف العراقي وغيره، ولو لسهولة إنجاز التوثيق به؛ لأنه كالتوقيع أو البصمة الآن. ولذلك لم يستغن الناس عن الختم حتى مع وجود التوقيع، كما يحصل في توثيق الشهادات الجامعية أو ما يكتبه الأطباء وغيرهم. فالختم على الوثيقة اعتراف الشخص أو الجهة بصحة صدورها.

وعليه فالختم يستعمله المرجع والمجتهد وغيرهما من أفراد الناس.

لكن ربما يختص المرجع أو المجتهد بشيء، وهو أنه بموته يُبادر أولاده ويُسرعون إلى الإعلان عن كسره؛ لئلا يستعمله أحد فيزوّر عن والدهم شيئاً بعد موته لم يصدر منه في حياته.

فكسر الختم وعدم إبقائه في متحف خاص أو عام، يمثِّل إعلانا عن إنهاء هذا الملف تماماً، وبالتالي فهو مؤشر إيجابي على موضوعية الولد، وشفافية تعامله مع هذه القضية المهمة التي لا تحتمل التأخير.

موقع الأئمة الإثني عشر:  تناقلت صفحات التواصل مراسم كسر خاتم المجتهد المرحوم آية الله السيد محمد رضا الخرسان طاب ثراه، ماذا يعني ذلك في عرف الحوزة العلمية؟ ولماذا لم نكن نشاهده سابقاً؟

- ما تميزت به عملية كسر ختم المرحوم الوالد السيد محمد رضا الخرسان، هو تصويرها المباشر وتناقله في صفحات التواصل، مما حقق انتشاراً واسعاً بين صفوف الناس الذين لم يطلعوا على الموضوع بحكم عدم احتكاكهم، وإلا فهو ليس الأول بل يوجد الآن في النجف الأشرف علماء على قيد الحياة حفظهم الله قد حضروا مجالس كسر ختم المراجع كالسيد الخوئي والسيد السبزواري والشيخ علي الغروي وغيرهم.

كما يمكن البحث في الإنترنت عن مقاطع تعرض مثل ذلك قد حدث قريباً في مدينة قم المقدسة.

وأما المرحوم والدي رحمه الله فكان يستعمل الختم عند إعطائه وصولات قبض الحقوق الشرعية منذ أيام حياة أستاذه السيد الخوئي، ولم يحدث ذلك متأخراً، لكن ما استجدّ هو أنه كان يرى رحمه الله ضرورة صرف الشخص بنفسه لخُمسه في البلد، وعدم نقلها عنه، حتى إذا حصل اكتفاء ذاتي لفقراء البلد فيتم نقله إلى فقراء بلد آخر محتاج للدعم المالي.

وكان يُجيز الأخوة المؤمنين بذلك، وهذا هو أكثر الحالات، فلا يتسلم الحقوق ولا تجتمع عنده؛ لأنه يُعيدها بيد الشخص نفسه، أو يعطيها لبعض المؤتمنين من مختلف الشرائح، فقد كان فيهم بعض التجار وطلاب العلم والكسبة؛ فهو رحمه الله يحرص على وصول الخُمس للفقراء وعدم حصر توزيعه بأهل العلم فقط؛ لأنه مراقب وتتابعه السلطات آنذاك، حتى قد يُعتقل بعض الطلبة بسبب توزيعه المال المخصص للفقراء.

وإنما ذكرتُ ذلك لاطلاعي المباشر عليه، حيث يأمرني رحمه الله بإدارة هذا الملف وغيره مما يخصه، كملف إصدار إجازات الرواية التي تستدعي التثبت من أهلية الشخص طالبها. وهذه الإجازة أيضاً كان رحمه الله يختمها.

وبالتالي كانت عدة استعمالات للختم، كما انتفت الحاجة لاستعماله في وصولات الحقوق لمدة خمسة وعشرين سنة تقريباً، وما زلت أعرف الأشخاص وأماكنهم الذين كانوا يتسلمون منه وصولات قبض حقوقهم.

ومن الدوافع للإعلان عن كسر الختم: هو قطع الطريق أمام الذي يستغل ثقة الناس بسماحة المرحوم والدي، حيث عرفنا في حياته أن بعض الأشخاص ادعى أن والدي يشهد له بالاجتهاد، أو بالسيادة، أو أنه شهِد على وصيته مع أنه لم يحدث ذلك مطلقاً لهؤلاء المدّعين وقد كذّبنا في حينها دعاواهم.

2019/08/01
حفيد السيد محسن الحكيم: لم نعد بحاجة إلى مبلّغ «استنساخي» وإنما لمن يتفاعل مع قضايا عصره

إنها الألفية الثالثة التي تبدو فيها المعلومة متاحة أكثر من غيرها في العصور التي قد خلت، إذ يعيش المجتمع فوضى تلقي الأفكار والمعلومات من مصادر مختلفة وسط ضياع فكري بات يهدد الجميع بالانحرافات بلا استثناء. وعلى عاتق المبلغ الديني تقع مسؤولية فرز هذه الأفكار والتحذير من شوائبها، لكن وبلا شك أنه بحاجة إلى خارطة طريق توضّح له السبيل الأسلم في التعامل مع هذه المجتمعات وأي الأساليب هي الأقرب لفهمهم وإدراكهم، ولتسليط الضوء بشكل تفصيلي على كيفية توظيف قدرات المبلغ الديني في مجال الخطابة والتبليغ واستثمار الوسائل الحديثة في هذا المضمار، يستضيف «موقع الأئمة الإثني عشر» أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، السيد حسين علاء الدين الحكيم، حفيد المرجع الأعلى الراحل السيد محسن الحكيم، والذي عُرف في الأوساط العلمية والشبابية بتصديه للرد على الإشكالات العقائدية والفكرية والثقافية، وفيما يلي نص الحوار:

موقع الأئمة الإثني عشر: هل صحيح أن فترة الألفية الثالثة أصبح فيها التبليغ الديني يعيش حالة من الركود والانكماش على حساب تمدد الخطاب الأفكار المدنية والليبرالية والعلمانية في الحواضر الإسلامية؟

الحكيم: الألفية الثالثة محكومة بقواعد العولمة وثورة الاتصالات وهي في الوقت الذي تمثل فرصة لإيصال الخطاب الاسلامي الى أبعد النقاط في العالم ترفع كل الحواجز أمام الآخر فلم يعد الأن شيء اسمه (حواضر اسلامية) بالمعنى الحقيقي للكلمة وكما تصل اليَّ أصل اليك...انها (العولمة).

علينا أن نحدد زاوية الرؤية بموضوعية وحيادية دقيقة إنه عالم واحد مشرع النوافذ أمام الجميع.. فالغلبة الاعلامية لمن يمتلك التفوق التقني والمهارات الخاصة.. فيسيطر بما يُعرف في علم النفس (بالعقل الجمعي) على تفكير الناس في كل بقاع الأرض وعلى تحركاتهم في كافة الاتجاهات. فيُكبر الصغير ويُصغر الكبير ويُقبح الجميل ويُجمل القبيح وهكذا. فعلينا كمؤمنين ان نعرف قواعد اللعبة ويتحمل كل منا مسؤوليته.. فدور المبلغ لا يكتمل إلا مع اكتمال الأدوار الاخرى.

موقع الأئمة الإثني عشر: بين الآونة والأخرى نرى أن وتيرة العزف على موضوع الطائفية والخلافات المذهبية تتصاعد، بينما نلاحظ أن هناك أطرافاً أخرى وعلى رأسهم المرجعية الدينية العليا تدعو الى الهدوء ونبذ التفرقة والتعايش السلمي بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد، ما هو دور المبلغ الديني في تعزيز هذه الصورة؟

الحكيم: المبلغ الديني كي يكون دينيا حقيقيا عليه أن يلتزم بالأولويات الدينية للخطاب التي يحددها فقهاء الاسلام العارفون بظروف عصرهم وتحدياته، ومشكلة الطائفية مشكلة مزمنة في تاريخ الاسلام ولا يمكن لأي مبلغ أن يتجاهل النصوص الكثيرة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام التي تؤكد على تحصين الهوية وترسيخ التولي والتبري في الشخصية وتوجب الانفتاح على الآخر في حفظ العهود والالتزام بمكارم الاخلاق، وفي طليعتها الصدق وحفظ الأمانة وانصاف الناس والاحسان اليهم، وعلى المبلغ الديني أن يتفاعل مع قضايا عصره بما تمليه عليه قيمه الدينية وقواعدها الشرعية وبدون ذلك يكون التبليغ مجرد تكرار لبعض محفوظات السلف ويؤدي الى انحسار تأثير المبلغ اننا في عصر ثورة المعلومات لم نعد اليوم بحاجة للمبلغ الاستنساخي بل نحتاج المبلغ المتفقه في دينه والواعي لعصره.   

موقع الأئمة الإثني عشر: من المعلوم أن المنبر الحسيني هو أكثر وسيلة تبليغية تهتم بإيصال الفكر الديني لعموم المجتمع، لكن قد يعتبر البعض أن المنبر خاص بشريحة معينة وفي مواسم معينة، فهل من الممكن ابتكار وسائل تبليغية أخرى للوصول الى شرائح أخرى كالجامعات والنقابات وغيرها؟

الحكيم: من المفيد ابتكار أساليب جديدة قريبة من أنماط الخطاب العصري لكنها لا بد أن تكون ظهيرا للمنبر الحسيني تتزود منه وتتعاضد معه، ولا ينبغي أن تكون مهمتها منافسة المنبر وتقديم نفسها كبديل عنه فتلك منافسة خاسرة يرتكبها البعض بحمق بائس.

 إن المنبر الحسيني  - رغم الهنات التي يقع بها بعض القاصرين أو المغرضين من المحسوبين عليه - يقدم قضية الحسين عليه السلام التي هي خلاصة رسالة الاسلام في مواجهة التحديات، وتلك قضية ثورية حيوية في كل العصور تمنحه ديناميكية عالية في التفاعل مع الواقع، خصوصا أن المنبر يحمل زخما مشاعريا كبيرا يؤجج العاطفة الانسانية النبيلة للتعاطف مع القوي المظلوم، الأمر الذي يجعل المنبر يتوفر على عناصر جذب هائلة، ومن هنا فإن المنبر الحسيني ما زال في المقدمة وسيبقى كذلك في الافق المنظور، نعم يمكن تطوير الأداء المنبري باتجاه رصانة أكثر ومشاعر وعواطف أوفر وتشجيع البدائل على الالتزام باستراتيجيات النجاح الرئيسة التي جعلت المنبر في الصدارة.

موقع الأئمة الإثني عشر: هناك لدى المجتمعات المتعلمة اشكالية القبول بالإغراق بالغيب على حساب المعطيات المادية الملموسة ما هي رؤيتكم لذلك؟

الحكيم: لا نؤمن من الغيب الا بما يتأسس على العقل والعلم اليقيني، فلا إيمان بالغيب بلا عقلانية تستند الى المنطق والعلم، فإن بلغنا الى ذلك فإن المعطيات الغيبة التي تتفرع عليها وتنبثق منها هي معطيات علمية وعقلانية لا يسعنا ان ندير ظهرنا لها ونتعامل معها بحسية جاهلة والا فأي معنى لعلم الفلك؟! وأي معنى لعلم النانو؟! فكل معطياتها الكبيرة فوق إدراك الحواس.

 إننا إذا آمنا بالله واليوم الآخر استنادا الى العقل والعلم فلا بد أن نتعامل مع ذلك بجدية تامة حتى وان عجزت حواسنا عن ادراكها.

موقع الأئمة الإثني عشر: يغيب عن عامة الناس وجود منظومة من القواعد المحكمة يستخدمها الفقيه في فهم النص الديني الذي ينتج عنه الحكم الشرعي وحتى الموقف السياسي إن وجد، فهم لا يعرفون أن الفقيه لا ينطق بكلمة من دون دليل وحجّة شرعية وأنه لا يستند في كلماته ومواقفه إلى الانفعالات والعواطف.. هل ترون أن كشف هذه القواعد وبيانها للناس عن طريق المبلغين والخطباء والحوزات العلمية أمر ممكن؟ أم أنه ينبغي أن يكون محدداً فقط بالدرس الحوزوي؟

الحكيم _ علم الفقه ليس بدعا عن باقي العلوم كي يمكن ادراك الجمهور العام لتفاصيله ولكني لا أشك في أن  من المفيد جدا بيان المباديء العامة والمنهج الذي يعتمد فيها، وأيضا أؤكد على أن أبواب الدخول في علم الفقه مشرعة للجميع فمن أراد الفقه فليأته من أبوابه.

 أما الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة وطرحها لغير المختصين دون أن يمتلكوا الأدوات العلمية الكافية لإدراك حقائقه فهو ضرب من الاستعراض أو العبث والتلاعب بعقول الناس كثيرا ما يرتكبه انصاف الفقهاء والمتمرجعون.

موقع الأئمة الإثني عشر: هل يمكن انتاج المعرفة الدينية من خلال المنظور العلماني المتحرر من العاطفة الدينية؟

الحكيم _ لدي على صياغة السؤال عدة ملاحظات سأتجاوز الحديث عنها واركز على صياغة الرؤية التي اعتقد بها.

  إن العاطفة مهما كانت أصيلة ونبيلة ليست جديرة بأن تؤسس لمعرفة واعية كما أن اليقين المعرفي (الايمان) لا يقمع المشاعر الفطرية الطبيعية ولا يستثيرها بشكل شاذ بل إنه كما يعرف له الكون والحياة والمبدأ والمنتهى يعرّف ويحدد له موضوع التفاعل العاطفي ويحميه من الضلال المشاعري كما يحميه من الضلال المعرفي و كما يصونه من الانحراف السلوكي.

 إنه يعيد صياغة عواطف الانسان ويهبه البصيرة فيحدد له وفق معطيات الإيمان ما يحب ويكره، وما يخاف ويرجو وما يرغب به ويزهد ومن يتولى ويتبرأ منه ومن يصادقه أو يعاديه.

موقع الأئمة الإثني عشر: أليست الأخلاق أهم من الدين؟ وفي ظل الظروف التي نعيشها أليس من الواجب على العلماء والمبلغين ان يركزوا في خطابهم الإسلامي على الأخلاق أكثر من الاستغراق في الدين وتفاصيله؟

الحكيم: بعضهم يدخلون في مقارنة ومفاضلة بين الأخلاق والتدين.

لقد فاتهم أن التدين الحقيقي هو التزام أخلاقي مع الله، فمن عرف أنه عبد لله وعرف نعم ربه عليه وجب عليه اخلاقيا أن يعبد ربه وأن يشكره ومن أهم الشكر أن يرعى حق الله في خلقه. ومسؤولية الفقه أن يقدم التعريف الدقيق للدين ويبرز الخلفية الأخلاقية له. ومسؤولية التبليغ التعبير عن ذلك بشكل متناسب مع حاجات المجتمع وظروفه. ومسؤولية الفقيه والمبلغ أيضا أن يلتزم بالمبادئ التي يطرحها عملا فذلك أبلغ في التأثير.

والخلاصة: أنك لا تكون على خلق حسن الا إن كنت متدينا ولا تكون متدينا حتى تكون على خلق حسن. أما من يرائي في الأخلاق أو في التدين فهو بلا دين وبلا أخلاق ومن ههنا دهتنا الدواهي.

2019/03/23
مسؤول في العتبة الحسينية يكشف «أين تذهب أموال العتبة وكيف تُدار مشاريعها»

يثير رواد مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من التساؤلات حول الأموال التي تحصل عليها العتبات المقدسة.. ما هو مصيرها؟ وكيف تدار عملية الصرف ومن يشرف عليها؟ والسؤال الأبرز هل الحكومة هي من يشرف على المشاريع الاستثمارية للعتبات وإلى أين تذهب وارداتها؟

معاون الأمين العام وعضو مجلس إدارة العتبة الحسينية المقدسة السيد أفضل الشامي يجيب عن هذه الأسئلة وأكثر في حوار أجرته معه أسرة تحرير «موقع الأئمة الإثني عشر» التابع لشعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية:


الائمة الاثنا عشر: كيف كانت بداية العمل في العتبات المقدسة بعد سقوط النظام الصدامي عام 2003؟

الشامي: بعد سقوط النظام السابق عام 2003 اغلقت العتبات المقدسة، حتى جاء ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي مع مجموعة من اهالي كربلاء واقاموا صلاة الجماعة في باب قبلة الامام الحسين عليه السلام، حرصا على الحفاظ على العتبات المقدسة، وايضا في باب قبلة ابي الفضل العباس عليه السلام ، وتحرزا من احتمال وصول قوات الاحتلال الى هذه الاماكن ، واستمرت هذه الصلاة عدة ايام ، ثم بدأت مفاوضات مع السادن السابق لفتح الابواب ، فهو – السادن السابق- كان يخشى ان تسلم العتبات الى أي جهة، لكنه وثق بمعتمدي المرجعية في كربلاء كجهة موثوقة ليسلمها الامانة ، وصار الاتفاق ان يسلم العتبات المقدسة الى ممثل المرجعية واشترط عدم فتح الغرف في العتبات المقدسة الا غرفة واحدة والبقية تبنى، وبدأ العمل بتشكيل لجان اخذت على عاتقها ادارة العتبات المقدسة وخدمة الزائرين حتى تشكلت لجنة في بداية الشهر العاشر من عام 2003، شكلها القائم بأعمال وزير الاوقاف في مجلس الحكم في حينها الشيخ جلال الدين الصغير وهذه اللجنة في العتبة الحسينية والعتبة العباسية ، ايضا شكلت المرجعية منذ بداية 2003 لجنة ثلاثية مشتركة لإدارة العتبتين ضمت السيد احمد الصافي والشيخ الكربلائي والسيد محمد الطباطبائي وتحريك حساب العتبتين في المصارف، واستمر عملها حتى صدور قانون ادارة العتبات المقدسة عام 2005 ففصل ادارة العتبتين ونظم العمل فيهما ، واوجد مجلس ادارة يتكون من امين عام ونائب له واعضاء للمجلس ، وللمجلس حق في تشكيل اقسام ودمج اخرى وله صلاحيات محددة وواسعة تعطي حرية ومرونة في العمل والحركة، ومنذ ذلك اليوم سارت إدارة العتبات في اعمار المراقد المقدسة وخدمة الزائرين الى اليوم.

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

الائمة الاثنا عشر: من يحدد صلاحيات إدارة العتبة في صرف الأموال وتنفيذ المشاريع؟

الشامي: مجلس ادارة العتبات له صلاحيات منحها ايها القانون، من بينها تحريك الاموال وصرفها في ابواب محددة، هذه المحددات من الناحية القانونية، وأما من الناحية الشرعية فأيضا هناك محددات لصرف الأموال وهي ضرورة صرفها بما يخدم هذا الموقع وزواره، وكذلك في المشاريع الثقافية التي تخدم القضية الحسينية وتخدم الاسلام والمذهب. كل هذه المشاريع التي تخدم هذا الهدف نحن نسير باتجاهها وندعمها.

الائمة الاثنا عشر: الأموال التي توضع في الشباك المقدس كيف يتم التعامل معها؟ وإلى أين تذهب؟

الشامي : كما قدمنا ان إدارة العتبة تخضع في هذا الأمر بالإضافة الى القوانين النافذة الى الحكم الشرعي الخاص بالأموال التي توضع في الضريح، والذي ينص على ضرورة صرفها في خصوص منافع العتبة ولا يجوز صرفها في غيره، فهي تعتبر اموال عامة ، ويقصد منها صاحبها ان تصرف على هذا الضريح حصرا ولا يمكن التصرف فيها او نقلها الى عتبة اخرى ، وهي تصرف على كل ما يتعلق بهذا المكان من شراء السجاد او الادوات الكهربائية او للإعمار او لخدمة الزائرين او المضيف او رواتب للعاملين، اما فيما يخص الهدايا والنذور فسيجد الزائر بحدود 80 باب للصرف وهو من يقوم بتحديد الباب الذي يريد الصرف عليه، وايضا لا يجوز التصرف في ماله بنقله الى باب آخر، وهذا جانب شرعي لا يمكن التحكم به، وهذا الصرف موثق من اول خطوة الى اخر خطوة من عد العملات وتصريفها الى عملة عراقية ووضعها في الحساب المصرفي وتسحب بموافقات من المخولين بالصرف ويمكن الاطلاع على تفاصيلها بالكامل.

الائمة الاثنا عشر: ما هي وظيفة المتولي الشرعي؟ وهل هذا المسمى الوظيفي مستحدث أم أن هناك تجارب مماثلة في مراقد أخرى خارج العراق؟ وما هي المدة القانونية المحدد للبقاء في هذه الوظيفة؟

الشامي: المتولي الشرعي هو موقع شرعي من قبل المرجعية التي تعتبر الحاكم الشرعي والتي يعود لها امر العتبات المقدسة بحكم الشرع بصفتها من الاوقاف العامة والمسؤول عنها هو الحاكم الشرعي وهو المرجعية، والمرجعية رأت ان يكون لها ممثل واعطته تولية شرعية لها ضوابط واحكام محددة يحكمها الشرع وتوجيهات المرجعية بما يخدم المكان ويضمن السير بشكل مستقيم ولا يتناقض مع توجهات الشرع الحنيف، وهذه السيرة من جعل متولي خاص للعتبة ليس بدعاً من القول، فهناك العديد من العتبات في خارج العراق تدار بهذه الطريقة، كما في العتبة الرضوية على مشرفها السلام، واخته العلوية فاطمة المعصومة عليهما السلام وأربعة من المراقد الاخرى، والمتولي الموجود في جميع هذه المراقد الستة له صلاحيات وولاية شرعية كما الان في العراق.

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

الائمة الاثنا عشر: وفق الدستور.. هل هناك اعتراف بالممازجة القانونية الحاصلة الآن في قانون العتبات بين القوانين الوضعية وأحكام أخرى مرتبطة بالفقيه الجامع للشرائط؟

قانون ادارة العتبات هو قانون وضعي شرع من قبل الجمعية الوطنية وحل بديلا لقوانين سابقة تحكم العتبات واخذ من قوانين اخرى ، والقانون اشار الى وجود الامين العام الذي يرشحه وفق القانون رئيس ديوان الوقف الشيعي ويوافق عليه المرجع الاعلى للشيعة في العراق وعرفه بأنه المرجع الذي يعود اليه اغلب العراقيين بالتقليد من مراجع النجف الاشرف، وهذه الاجراءات لكل امين عام في العتبات المقدسة في العراق.

الائمة الاثنا عشر : كيف يتم التعامل مع واردات المشاريع الاستثمارية التي تشرف عليها العتبات؟

الشامي : المشاريع الاستثمارية بشكل عام هي لدعم اعمال ومشاريع العتبات المقدسة التي هي بحاجة الى تمويل, وقانون ادارة العتبات المقدسة اعطى صلاحيات لإدارة العتبات مساحة من الحرية في استثمار الاموال وادارة المشاريع بما يحقق الاهداف المرسومة في خدمة العتبات المقدسة وزائريها الكرام، ولذلك كل هذه المشاريع الاستثمارية يفترض ان تؤدي هذا الغرض وتساهم في خدمة المراقد المقدسة والزوار، ولهذا يفترض ان هذا الاستثمار ان يقدم خدمة للناس ضمن نطاق خدمة الزوار وبنفس الوقت يوفر اموال لدعم مشاريع اخرى، ولذلك هناك ضوابط واليات للاستفادة من هذه المشاريع بنفس الوقت هي مشاريع خدمية وهي مدرة للأموال ايضا.

الائمة الاثنا عشر : ما هي المشاريع التي لا تزال قيد الإنجاز في العتبة؟

اهم المشاريع التي هي قيد الانجاز صحن العقيلة زينب عليها السلام والذي سيوفر مساحات اضافية كبيرة جدا للزائرين الكرام، وكذلك مستشفى الأمراض السرطانية في كربلاء واخر مثله في البصرة ، فكما تعلمون ان الدولة لم تستطع ان تقدم ما يجب  عليها للمصابين بهذا المرض، وايضا هي مشاريع لدعم الدولة وجهودها في مكافحة الامراض التي بدأت تنتشر بكثرة خصوصا في محافظة البصرة، ولدينا ايضا مشروع سرداب القبلة الذي سيوفر مساحة واسعة ايضا داخل الصحن الشريف للزائرين، وايضا مشروع لإسكان الفقراء.

الائمة الاثنا عشر : هل اثرت الازمة المالية على مشاريع العتبة الحسينية؟

الشامي : بعد الازمة المالية قسمت المشاريع الى اقسام ، فالمشاريع التي نسبة انجازها 70 % يتم التعامل معها بشكل والاخرى بشكل اخر ، وايضا منحت الاولوية للمشاريع الخدمية التي تقدم الخدمات للناس، وجزء من اموال المشاريع الاستثمارية خصصت لدعم المشاريع خلال فترة الازمة المالي وحتى الان، فغالبية الخدمات التي تقدم للزائر الان هي خدمات مجانية من النقل والسكن في مدن الزائرين ومضيف الامام الحسين عليه السلام فلا يدفع مقابلها الزائر شيء ،سوى ما يريد شرائه ، لكن هذه الخدمات يحتاج توفيرها الى صرف والى عاملين واموال لتوفيرها واجهزة كهربائية كبيرة.

الائمة الاثنا عشر : يقول البعض أن العتبات بدأت تنافس الوزارات... ما هو ردكم؟

الشامي : من ينافس يريد الحصول على شيء من هذا التنافس ، وللتنافس اغراض فاذا قلت اتنافس مع فلان فانا اريد ان احل محله، لكن نحن عندما نبني ونعمل هل نريد ان نكون وزارة؟ هذا اشكال باطل ، القضية هو ان العراقيين يعترفون ونحن منهم بان الحكومة ومؤسساتها لقصور او تقصير غير قادرة على توفير بعض الخدمات للناس ، وعندما نجد ان جهة تعمل لتوفير الخدمات للناس فهل من المعقول ان نقول انها جاءت لتنافسها، فالإنصاف يقضي ان نقول انها جاءت لتنافسها وتعاونها وتساعدها، ونحن لا نفكر في يوم من الايام ان نكون بدائل عن الدولة بل نسندها ونساعدها للنهوض بالخدمات وهذا لخدمة الناس، ونعتقد ان أي جهة تستطيع تقديم المساعدة للناس عليها ان تبادر لمساعدة هذا المجتمع المظلوم الذي عانى كثيرا، وبالتالي نحن لا نسعى لدخول الانتخابات حتى ننافس حزبا او حكومة، ولاحظ ان كل مؤسسات العتبات تقدم كل ما بوسعها لخدمة المجتمع ، والناس تستحق ونحن جزء من هذا المجتمع ولا بد ان نضع امكانياتنا في خدمته بحسب الإمكانات المتوفرة، فنحن حينما نوفر سيارات لنقل الزائرين في مناطق القطع فنحن لا ننافس أحداً ، فهل جاءت وزارة او جهة لنقل الزوار مجانا واعترضنا على ذلك ؟؟!!، ونقول بشكل واضح نحن نعاون ولا ننافس.

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

الائمة الاثنا عشر : يثير بعض المغرضين الشكوك حول تكاليف مشروع صحن العقيلة وان التوقيع على عقد كهذا ليس من صلاحيات العتبة المقدسة.. فهل تدفع الحكومة جزءا من تكاليف المشروع؟

الشامي : صحن العقيلة متبرع به وبكل اجزائه من الاف الى الياء والعتبات المقدسة لم تدفع شيئا مقابله ، والعتبة المقدسة استملكت الارض فقط من امول خصصت للاستملاك، وكذلك الحكومة لم تدفع فلسا واحدا من المشروع، نعم نحن نساهم في توفير الاليات لنقل المواد من الحدود ونوفر سكن للعاملين فقط لا غير، وهذا مشروع لهذا الجيل وللأجيال اللاحقة وسيوفر مساحات تزيد على 25 ضعفا من مساحة الصحن الشريف، وكل ما اثير على قضية صلاحيات التوقيع وتكاليف المشروع ليس لها أي وجود، والالتزامات المالية تحملتها مؤسسة الكوثر الخيرية.

الائمة الاثنا عشر : تجرى في مستشفى السفير يومياً عشرات العمليات، فهل يعمل الأطباء فيها ضمن أجور تأتي من قبل الحكومة ام تساهم العتبة في توفيرها؟

الشامي : العتبات المقدسة تدفع للكادر الطبي مكافئات باعتبار ان الكادر الطبي منسب الى دائرة صحة كربلاء ، والعتبة المقدسة تمنح هؤلاء الاطباء والممرضين مكافئات مالية مقابل كل عملية يجرونها، نعم تصل هذه المكافئات الى ملايين الدنانير لأنه المستشفى يجري الاف العمليات المجانية لمرضى من مختلف المحافظات العراقية.

وهنا ايضاً نؤكد إننا لا ننافس دائرة صحة كربلاء بل نساعدهم ونشجعهم في عملهم.

الائمة الاثنا عشر : ما هي الضمانات التي تقدمها العتبة الحسينية لمنتسبيها؟

الشامي : العمل في العتبات يتعدى العامل المادي عند الكثيرين، فتراهم يفضلون العمل فيها لاعتقادهم ـ وهو كذلك ـ أنهم بذلك يخدمون صاحب المرقد الشريف، فترى الكثير منهم يبقى لساعات في العمل بعد انتهاء اوقات الدوام الرسمي، ولجهودهم في خدمة الزائرين الكرام تقدم لهم العتبة العديد من الحوافز كمكافأة الزواج وسلف خاصة ومكافأة لولادة الابناء، وقطع اراضي وغير ذلك.  

2019/01/06
موقع الأئمة الإثني عشر يكشف تفاصيل تخص حياة ويوميات «السيد السيستاني»
يستضيف موقع الأئمة الإثني عشر جملة من العلماء والفضلاء لعرض آرائهم في مجالات الدين والفكر والثقافة، ويسر أسرة تحرير "موقع الأئمة الإثني عشر" أن تحاور أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية سماحة العلامة السيد منير الخباز، للحديث عن شخصية أستاذه المرجع الأعلى للطائفة اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الشريف):

[اشترك]

الأئمة الإثنا عشر: نود أن نستعلم من سماحتكم بحكم تتلمذكم على يدي المرجع الأعلى للطائفة اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الشريف) ما هو شكل علاقته بالكتاب؟

لقد عرف سماحته (دام ظله العالي) ـ منذ طفولته ـ برغبته الشديدة في أن يقضي معظم أوقاته وحده والكتاب بيده، لا يعنى ولا يهتم بالأسفار الترفيهية والتلاحمات الاجتماعية، فهو قليل الأصدقاء وقليل الزيارة للمجالس المختلفة، وقليل المزاح، وهمه في أن يعمر مجلسه العلمي أو التحليلي دون أي شيء آخر، وهذا عاملاً مهماً في بناء شخصيته الثقافية، حتى أصبح موسوعة متنوعة المعارف، متعددة الثقافات، ومكتبة متجسدة في شخصه المبارك.

الأئمة الإثنا عشر: بعض المتصيدين بالماء العكر يحاولون توجيه الإتهام لشخص السيد المرجع (دام ظله) في أنه إبان فترة الإحتلال الأمريكي للعراق لم يفتِ بوجوب الجهاد لمحاربة الأمريكيين، فما هو سر عدم توجيهه للعراقيين لهذا الغرض؟

لقد كان بإمكان السيد المرجع (دام ظله) إستغلال ظرف الإحتلال الأمريكي للعراق في إصدار فتوى الجهاد والمقاومة المسلحة، ليحرز بذلك كبيراً في الأمة الإسلامية والعربية، ويكون بطلاً من أبطال العروبة، ولكنه تعامل مع الحدث بواقعية تامة، وركز على المصالح العامة للشعب العراقي، في إطار الممكن والميسور، فلم يفتِ بوجوب المقاومة المسلحة للإحتلال، ولكنه لم يحرمها ويمنع منها في نفس الوقت، وذلك لجهتين:

أ- فمن جهة، قد أدرك أن الشعب العراقي المظلوم على مدى خمس وثلاثين سنة قد نزف من الدماء والجراح عشرات الآلاف، وقدم من الضحايا والمآسي ما لا يحصى، فمقتضى حب القائد لشعبه وإخلاصه له، وحفظاً على دمائه وأعرضه وأمواله، أن لا يكلفه ويلزمه ببذل المزيد من الدماء، وتقديم الكثير من الضحايا، خصوصاً وأن قطاعاً كبيراً من هذا الشعب قد سئم كثرة الجراح والمآسي، وآثر أن يخلد الى الراحة وترميم الجراح.

ب- ومن جهة أخرى فإن التعامل مع الأمور بواقعية مجردة عن نداء العواطف والإنفعالات، أن تدرس المواقف ضمن قاعدة المهم والأهم، وقد رأس سماحته أن إخراج المحتل من العراق أمر مهم، ولكن إعطاء فرصة للشعب العراقي ليبني له كياناً سياسياً بإرادته واختياره أهم.

وقد شخص أنه لو أفتى بوجوب اخراج المحتل، وبذل الشعب العراقي آلاف الدماء والضحايا لمدة ثلاث سنوات فإن نتيجة المعركة وثمرتها لن يحصدها الشعب العراقي، حيث أن البعث الصدامي وتنظيم القاعدة كان في تلك الفترة قوة عسكرية واستخبارية، ممتدة في طول البلاد وعرضها، وبالتالي فهم قيادة جاهزة لركوب الموجة واغتنام الفرصة، بحيث متى ما خرج المحتل سيطروا على مقدرات البلاد من جديد، وحكموا بالحديد والنار وعاثوا في الأرض فساداً، ودونكم تجربة الشعب الجزائري وغيره من الشعوب التي بذلت آلاف الدماء في ثورات وحركات مستميتة، وكانت النتيجة أن حصد الثمرة فئة قليلة من المجتمع، وهي التي سيطرت على ادارته وقيادته.

فيتضح أن سماحة السيد (دام ظله الشريف) قدم ما هو أهم على المهم، وهذا التوجه وإن كان أمراً مراً وصعباً ومصادماً لغليان العواطف والمشاعر، إلا أنه هو المنسجم مع رشد القيادة وواقعيتها وإخلاصها.

مضافاً الى ذلك كله فإنه لم يحرم القيادة المسلحة، ولم يستقبل أي طرف يتعاون مع الإحتلال، أو يكون ممثلاً له، ولم يعبر عن الوجود الأمريكي والبريطاني في العراق إلا بالإحتلال، الى يومنا هذا، وأصر على اجراء الانتخابات، مع أن المخطط الأمريكي هو نصب حكومة موالية له بأساليب معينة، كما أصر على عدم عقد اتفاقية استراتيجية مع الجانب الأمريكي إلا إذا تضمنت عنصرين

ـ المحافظة على سيادة العراق واستقلاله.

ـ وتوفر الاجماع الوطني على قبولها والتفاعل معها.

الأئمة الإثنا عشر: مع أن سماحة السيد المرجع (دام ظله الشريف) هو المرجع الأعلى للطائفة، إلا أننا نرى أنه لا يمتلك أدنى مقومات الحياة المرفهة، فلم يلحظ عليه أنه عاش في بيت واسع أو ركب سيارة فارهة، فما السر في ذلك؟

لقد جاء على لسان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في بيان وصف معيشته أنه قال (ألا وان لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن أمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه) وقد جسد السيد المرجع (دام ظله العالي) هذا العبارة بأدق تفاصيلها، فهو ـ منذ عشرات السنين ـ يسكن كوخاً من أكواخ النجف القديمة، بأجرة يدفعها في موعدها كل شهر، ويعيش عيشة الزاهد في المظاهر الدنيوية، من دون أن يعبأ بلذة أو إغراء.

وحاله في لباسه وأثاثه ومائدة طعامه بعد المرجعية، هو حاله عندما كان طالب علم في الثلاثين من عمره، يعيش على راتب قليل يستلمه من بعض أساتذته.

ثم إنه منع على نفسه وابنائه أن يتملكوا داراً أو سيارة أو أي جهاز مهم، كما منع نفسه وأبنائه قبول أي هدية توجب إنحيازاً نفسياً لأحد على حساب آخرين، ولم يقبل أن تخصه الحكومة العراقية بطاقة من الكهرباء، أو بإقامة معينة دون غيره من أبناء شعبه، مستشهداً بكلمات مثله الأعلى امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) (إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ اَلْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ اَلنَّاسِ كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ) .

وإن البيئة التي عاشها في مشهد ـ منذ نعومة أظفاره، حيث كانت بيئة زهد وإنصراف عن زخارف الدنيا ومظاهرها ـ جعلته يأبى أن ينشغل بأي مظهر يشعر أن فيه زهواً وبروزاً دنيوياً، فذلك نأى بنفسه عن الظهور في الوسائل الاعلامية المختلفة، إلا بمقدار الضرورة القصوى، حفظاً لنفسه السامية برصيد التقوى والورع عن التلذذ بأي مظهر دنيوي أو مادي.

كما أبى على وكلائه ومقلديه رفع صوره، أو إبرازه دون غيره من مراجع التقليد، حرصاً على أن لا توسم القيادة العلوية الإمامية بسمة الإنشغال بالدعاية والإعلام المادح، فإن رأيته وجلست بين يديه وجدت أن المثل العلوي (يا دنيا.... غري غيري) هو مظهره العام والخاص.

الأئمة الإثنا عشر: ما هو السبب الرئيسي الذي يجعل المرجعية ترفض إنشاء قناة فضائية تشرح من خلالها مواقفها الدينية والسياسية للناس؟

ربما يرى بعض المحبين المخلصين، أن تعامل المرجعية مع الشعب والأمة، من خلال بيانات تصدر من بيت المرجع متضمن لنوع من الإحتقار والاستصغار للأمة، بينما لو إنشئت قناة تخص المرجعية، وتنهض بدور إبراز المرجع القائد، وهو يخاطب أبنائه بصوته وصورته واستعراض أخبار المرجعية بشكل يومي، وطرح بياناتها ورؤاها في جميع الظروف والمواقع، لكان ذلك مظهراً حضارياً للقيادة الأبوية، وعاملاً أساسياً في تعميق التواصل بين القائد وأمته.

إلا أن للسيد المرجع (دام ظله) نظرة أخرى تتضمن أموراً:

أ - إن المهم في احترام الأمة والإخلاص لها ليس في إنشاء القنوات والتحشيد الإعلامي، وإنشغال الناس بصور القائد وبياناته وكلماته، وإنما الإنجازات العملية على الأرض، فلذلك يرى (دام ظله) أن ما يقوم به المعتمدون من وكلائه، من إنشاء مراكز للعلوم العقائدية، ومراكز للتبليغ واعداد المبلغين ـ كما في مكتبه في قم ـ وما يقومون به من بذل آلاف الأموال على الفقراء لإنعاشهم وإنقاذهم، وإنشاء المستشفيات واعداد المؤسسات التنموية والمدنية العامة، ومن بعض الشواهد على ذلك:

ـ قناة هدهد للأطفال

ـ شبكة رافد للتنمية

ـ بناء المدن لطلبة العلم في النجف وقم

ونحو ذلك من الخدمات، مع كونه يعيش داخل بيته بنهج عيشة الفقراء، فهذا النهج هو المحقق لإحترام الأمة والإخلاص لها والمواساة لأوضاعها، وليس الإعلام.

ولذلك كان منهجه في كثير من الثورات والحركات تقديم خطوات عملية فاعلة، لا بإصدار البيانات النارية.

ب -  أنه لو تصدى لإنشاء قناة تخصه، لكان ذلك سبباً لظاهرة قنوات المراجع، فسنرى بعد ذلك أن كل مرجعية تتبنى قناة تخصها وتعنى بشؤونها، وهو منا يخلق ساحة للإختلاف والتنافس المحموم، وإشغال الأمة بأمور ثانوية عن القضايا الأولية.

ج - إن في اختيار الظروف المناسبة للظهور، وتعويد الأمة على أن المرجعية لا تتحدث إلا في القضايا المهمة الشائكة، يجعل لبيان المرجعية وقعاً في النفوس أكثر تأثيراً، وأبلغ تحريكاً من كثرة البيانات واستهلاك الطرح.

ونعود لنقول: إن العامل المتجذر في شخصيته، في الرغبة عن الظهور، والإنصراف النفسي عن كل ما يراه مظهراً دنيوياً زائلاً، هو بالحقيقة سبب مؤثر في امتناعه عن البروز في وسائل الاعلام.

الأئمة الإثنا عشر: يجهل الكثير من الناس تعلق السيد المرجع (دام ظله) وولعه بالعبادة، فهل لسماحتكم أن تحدثونا عن هذا الجانب من حياته المباركة؟

- كثير من علمائنا الربانيين قد ظهر مدى تعلقهم بالعبادة، حتى أن جمعاً منهم قد برز في ساحة العرفاء والمتعلقين بعالم الملكوت، ولكن سيدنا المرجع (دام ظله) يتمثل في حركته وسلوكه بالمقالة المشهورة للعارف المقدس السيد علي القاضي (أعلى الله مقامه) (من وصل لم يقل، ومن قال لم يصل).

فهو الذي يقضي الكثير من وقته في الخلوة مع نفسه، وفوق سطح بيته، ناظراً لقبة جده أمير المؤمنين (عليه السلام) متذكراً سيرته متأملاً حياته ومنهجه، فهو مصداق لما ورد في مدح أمير المؤمنين(عليه السلام) (يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى).

وهو الذي يعيش لذة خاصة بالذكر والنافلة، ومع ذلك كله فهو لم يظهر يوماً من الأيام انتسابه الى لعالم العرفاء، ولم يتشدق بكونه من أهل العبادة والذكر، بل كان ايام قدرته على الخروج من بيته يواظب على زيارة قبر جده أمير المؤمنين (عليه السلام) وزيارة مسجد الكوفة بالذات والسهلة، في أوقات لا يراه إلا القليل من الناس.

كما أن علاقاته بالعرفاء الصادقين في النجف الأشرف، لم يطلع عليها حتى بعض خواصه المقربين لديه، فالعبرة عنده بصدق اليقين بينه وبين ربه، لا بالصورة السائدة بين الناس.

ولكن خير شاهد يدلك على تجذر نفسه العبادي وروحه العرفانية، أنك إذا جلست عنده وجدته مصداقاً للحديث عن الصادق (عليه السلام) حين سئل عن قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) النظر في وجوه العلماء عبادة، قال (عليه السلام): العالم اذا نظرت اليه ذكرك الاخرة.

الأئمة الإثنا عشر: يتميز مراجع الطائفة بغزارة العلم وسعة الاطلاع، حتى عُد الكثير منهم أصحاب مدارس برأسها أمثال الشيخ الأعظم والمحقق صاحب الكفاية والشيخ النائيني والسيد الخوئي (قدست أسرارهم) وقد سار على خطاهم السيد المرجع (دامت بركاته) السؤال هنا: هل لكم أن تطلعونا على أهم ما تضمنته حركته الفكرية على مدى الثمانين عاماً التي قضاها في خدمة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؟

مما لا شك فيه أن مقام المرجعية هو الإحاطة بجميع العلوم الدخيلة في الاستنباط، وتحديد الحكم الشرعي ومنها: اللغة والتفسير وعلم الكلام، بل لا بد من كون الفقيه صاحب رأي ونظر ثاقب في هذه العلوم كلها، وجميع المراجع الأعلام أساتذة الحوزة العلمية على هذه الصفة، من دون أن تنحصر مهارتهم في الفقه والأصول، وهذا يقتضي عرضاً تفصيلياً على العنصر العلمي لشخصية السيد المرجع (دام ظله).

والحديث عن المنهج العلمي الذي تبناه السيد المرجع (دام ظله) في محاضراته في الحقول الحوزوية الثلاثة: الأصول والفقه والرجال.

الحقل الأصولي

إن للسيد الأستاذ في علم الأصول منهجاً متميزاً، ومساراً يختلف عن مسار كثير من أرباب علم الأصول وأساتذته، ويتبين ذلك باستعراض معالم مدرسته الأصولية:

أ - إن الأستاذ قبل أن يشرع في بحث أي مسالة أصولية، وعرض تفاصيلها، يقرأ المسالة قراءة شمولية، من أجل اقتناص النكات العامة المؤثرة في بناء المسالة قبولاً أو رفضاً، وفرزها عن النكات الثانوية والجزئية، مما يعطي بصيرة لكل باحث يتناول المسألة، وهذا يختلف عن منهج كثير من الأساتذة الذين يتناولون كل مسألة بمنهج تجزيئي، والانتقال من فقرة الى أخرى بنحو تختلط فيه النكات العامة بالنكات الخاصة.

ب - تنوع الثقافات:

إن السيد الأستاذ كما هو فقيه متضلع وأصولي بارع ورجالي ماهر، وصاحب نظر ثاقب في الفلسفة والتفسير، فانه متعدد الثقافات أيضاً، فقد دأب على قراءة بعض العلوم الإنسانية : كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم القانون، ودقق النظر في القانون المصري والعراقي والفرنسي: كما أن له اطلاعاً وافراً بالتاريخ، وخصوصاً التاريخ السياسي للدول العربية والإسلامية، وهذا التنوع الثقافي تجلى أثره في بحوثه الأصولية، فقد استفاد من الألسنيات في تقسيم الدلالة في باب المفاهيم، وتقسيم الحكومة وتنوع ألسنة التنزيل في النصوص، كما استعرض ذلك في بحثه في قاعدة لا ضرر .

الحقل الفقهي

إن بحوثه الفقهية تتميز بسمات تشبع نهم الباحث، وتروي غليله باستيعاب نكات المسائل، والوصول لأفضل الآراء دقة ومتانة وهي عديدة:

السمة الأولى: تاريخ المسألة

إن السيد الأستاذ يستعرض المسالة منذ بداية طرحها في أول كتاب فقهي وصل إلينا، من كتب الخاصة أو العامة، ولاشك أن قراءة سير المسألة ونموها دخيل في تحقيق الأقوال، ومعرفة مدى ارتباطها أو بعدها عن لب المسالة وكنهها.

السمة الثانية: كتب القدماء

إن التركيز في بحثه على مراجعة كتب القدماء في المسألة، والتدقيق في عباراتهم عند تناول المسألة، له صلة وثيقة باستكشاف القرائن الارتكازية المعاشة عندهم، والتي لم تصل الينا بلحاظ أنهم أول من تلقى النصوص، وهم أقرب لزمان النصوص، وهم أقرب لزمان صدورها، وأكثر احاطة بقرائنها الحالية والارتكازية.

كما أن ذلك دخيل في معرفة حجم الحكم، وأنه بدرجة الشهرة، أو الإجماع، أو التسالم، أو الضرورة.

السمة الثالثة: أجواء النصوص

من الركائز الأساسية في بحثه قراءة الكتب الفقهية والحديثية للعامة، في كل مسألة، بلحاظ أن كثيراً من الروايات ما هي إلا تعليق على رأي الجمهور، لتخطئة أو إضافة.

فقراءة كلمات العامة في المسألة كاشف عن الأجواء المعاصرة للرواية الصادرة عن المعصوم، وقرينة من قرائن مفادها، كما تعرض لذلك جمع من الأعلام في وجوب الخمس في الأرض المشتراة من الذمي.

السمة الرابعة: الخبرة بكتب الحديث

فبحثه الفقهي يشتمل على مخزون وافر من الخبرة بالنسخ الخطية للكتب الأربعة، وغيرها من كتب الحديث والدقة في التتبع والمقارنة بيتن موارد الاختلاف فيها، والقدرة البارعة على ترجيح بعض النسخ على الأخرى، وهذا ما لاتجده في كثير من البحوث الحوزوية.

ومن مصاديق ذلك ما أشتهر من أن الكافي أشد ضبطاً من التهذيبين، لترجيح مصادر الكافي على مصادر غيره، فذهب (دام ظله) الى أنه هو لا شاهد عليه، بل الشواهد المتوفرة على عدمه بحسب نظره الشريف.

الحقل الرجالي

من سمات الشخصية العلمية للسيد الأستاذ أنه فارس في ميدان علم الرجال، لوضوح مهارته وبراعته الفائقة في عدة جهات من هذا العلم:

أ - خبرته بمختلف الكتب الرجالية لدى الخاصة والعامة، وتحديده للغرض من تدوين كل كتاب منها، لدخالة ذلك في قيمة التوثيق والتضعيف فيها .

ب - تمييز السابق من اللاحق، لتحديد كون الجرح أو التعديل تأسيساً أو موروثاً.

ج - التركيز على ألسنة التوثيق المتنوعة، من المدح أو الترضي أو التوثيق الصريح، أو النعت بأنه صحيح الحديث، أو صالح الرواية، أو أن حديثه لا ينكر، فان اختلاف العبارات ليس مجرد تفنن، وإنما هو دخيل في تقويم درجة الوثوق بالراوي، وقيمة الاعتماد على الرواية وفي اثبات حكم مخالف للقواعد، بل أن لكل رجالي مصطلحات خاصة به لا تعرف إلا بالخبرة بكتابه.

د - لقد ذهب السيد الأستاذ (أمد الله في عمره المبارك) الى أن قول الرجالي توثيقاً أو تضعيفاً، ليس شهادة وإنما هو رأي حدسي، فكلمات الرجاليين إحدى قرائن الوثوق، ومقتضى ذلك جمع القرائن المختلفة المتصيدة من كتب الحديث والفقه وكتب الأدب، كشهرة الراوي، أو كونه من مشائخ الإجازة، أو استحسان العامة له، أو رفضهم إياه، فان كل ذلك دخيل في تحديد وثاقته لدى الخاصة.

هـ - فن الترجيح: إن تقديم كلمات النجاشي على الشيخ، أو تقديم كلمات الكشي عليهما، يتقوم بالخبرة الاستقرائية لكتب الثلاثة، ومعرفة مدى الدقة والمهارة لكل منهما في مقام الجرح والتعديل، ومدى قيمة المصادر المعتمدة لدى مؤلفي هذه الكتب.

و - ثقافة الراوي: من جملة قرائن الوثوق بالراوي، استقراء رواياته المختلفة، لشهادة مضامينها بثقافته، وتحديد أن المتعارف في رواياته رواية ما هو مخالف للقواعد، أو ما هو منكر في علم الكلام، أو أن سنخ أحاديثه موافق للمضامين العامة للدين الحنيف والشرع المطهر.

ز - صفة الراوي: كما أن تحديد صفة الراوي وتمييز كونه من المجتهدين أو من الرواة، دخيل أيضاً في قيمة الوثوق بالمتن المروي من قبله عن المعصوم (عليه السلام).

ولا ننسى أن نشير الى أن من المواهب التي حباها تعالى لسيدنا الأستاذ (دام ظله) أن رزقه الله ولدين فقيهين جليلين هما من علية أساتذة حوزة النجف الأشرف، ولهما من النتاج العلمي ما يستفيد منه أهل الفضل والتدقيق.

حاوره: سماحة الشيخ أحمد الشبلي
2018/10/09
في حوار له مع «البلاغ»... الحيدري يدعو إلى «عدم استخدام الكرامات في الاستدلال على مسائل الفكر والعقيدة»

تستضيف «مجلة البلاغ» الصادرة عن شعبة البحوث والدراسات، في باب "الحوار" جملة من العلماء والفضلاء لبيان آرائهم في مجالات الدين والفكر والثقافة، وفي العدد الثاني منها يسر أسرة "البلاغ" أن تستضيف رئيس قسم الشؤون الدينية التابع للعتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ رائد الحيدري للحديث عن «المعجرة والكرامة».

البلاغ: ما هو الفرق بين المعجزة والكرامة وهل لكرامات الأولياء أصل في تراثنا الديني؟

  • لا يوجد فرق بين المعجزة والكرامات من جهة كونها فعل خارق لنواميس الطبيعة الا من جهة الغرض والغاية من كل واحد منهما، فالمعجزة هي الفعل الخارق لنواميس الطبيعة والصادر من مدعي لمنصب إلهي كالنبوة والإمامة بقصد اثبات صدق دعواه. فلذلك نرى أن الأنبياء (عليهم السَّلام) إلى جانب ما أقاموه من الدلائل و البراهين على صدق دعواهم قد اظهروا معاجز تؤكد صدق ادعائهم ولا تدع مجالا للشك في حقانية نبوتهم.

بينما المراد من الكرامة ما يصدر من الولي من دون قصد التحدي، اي انه بفعله هذا لا يريد اثبات دعواه.

وبالتالي كثيرة هي الخوارق التي صدرت من النبي صلى الله عليه آله واهل بيته عليهم السلام لا بقصد اثبات صدق دعواهم حيث كانت موجهة لأشخاص مؤمنين بهم اصلاً.

ويمكن عد قوله تعالى: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»([1])، فذكر الحق تبارك وتعالى حادثتين لنبيين من انبيائه هما ابراهيم وعزير وكلاهما خارق للعادة لأنهما يتضمنان احياء الموتى لكن لا يتصور منه انه معجزة لكون النبي لا يريد اثبات صدق دعواه لنفسه.

وكنزول الطعام على مريم عليها السلام، كما في وله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»([2]).

وأما في الحديث والسنة فهي أكثر من أن تحصى، وقد جمعها وأحصاها علماء الحديث و دوّنوها في كتبهم و مؤلّفاتهم. ومن أراد الاطلاع فليراجع ما ألَّفه المُحدِّث الكبير الشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، في كتابه: " إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات " .

البلاغ: ذكرتم الغاية من المعجزة وهي البرهنة على صدق مدعي المنصب الإلهي كالنبوة او الإمامة، لكن ما هو الغرض والفائدة من الكرامة؟

  • ذكر المفسرون عدة غايات:

منها تنفع في رفع درجة الولي بزيادة يقينه، فكما هو واضح كتاباً وسنة إن للمناصب الإلهية شروط يجب تحققها كمنصب الإمامة حيث يشترط القرآن وصول الإنسان الى درجة اليقين في العلم والصبر في العمل كما في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»([3])، فتراه يشترط في جعل الانسان إماماً ان يكون في مقام العلم على درجة اليقين وفي مقام العمل على درجة الصابرين، لذا فتارة تكون فائدة الكرامة عائدة على نفس الولي كما في الآيات السابقة، فعلل ابراهيم طلبه من الله تعالى بقوله «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ.. » ([4])، وذلك من خلال التعرف على قدرة الله تبارك وتعالى.

ـومنها بيان كرامة ومنزلة صاحب الكرامة كما في قصة مريم عليها السلام المتقدمة حتى ان نبي الله زكريا لما رأى ذلك طلب من الله تعالى ان يرزقه ذرية، قال تعالى حكاية عنه: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» ([5]).

ولعل من هذا الباب الكرامات التي نراها ونسمع عنها لأهل البيت عليهم السلام وذريتهم.

البلاغ: كيف نتعرف على الكرامة الحقيقية وتمييزها عن الشعوذة والسحر؟

  • ذكر العلماء ضابطة مشتركة بين الكرامة والمعجزة هي ان لا يدعي صاحبها دعوة مستحيلة عقلاً او شرعاً، كما لو ادعى شخص الألوهية وجاء بفعل خارق للعادة، فنجيبه بأن هذا من السحر لأن دعواك مستحيلة عقلاً، لاستلزامه تعدد الآلهة، وكما لو ادعى شخص النبوة او الإمامة او السفارة عن الإمام وقد جاء بفعل خارق للعادة، فنجيبه بأن هذا من السحر لاستحالة هذه الدعوة شرعاً فقد نص القرآن على خاتمية النبوة «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»([6])، ونص الشرع على خاتمية الإمامة  بذكر اسماء الأئمة وعددهم، والسفارة ـ أي الارتباط المباشر مع الإمام عليه السلام ـ من خلال توقيع علي بن محمد السمري "ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مفتر" ([7])، او دعوى ان هذا الشخص قد نزلت فيه روح النبي الفلاني او الإمام الفلاني فهذه دعوة مستحيلة شرعاً، لأنه نوع من التناسخ الباطل عقلاً وشرعاً.

بالإضافة الى ان خرق العادة يعد كرامة إذا كان يحصل لشخص يعرف بالتقوى والصلاح، لأن الكرامة تكون للمؤمنين أولياء الله تعالى، وأولياء الله تعالى سمتهم الأساسية هي الإيمان والتقوى.

قال الله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ»([8]).

فمن لم يكن متقياً، فخرق العادة له لا يعتبر كرامة؛ بل قد يكون من عمل الشعوذة والسحر وعمل الشياطين .

ومن الألفاظ المأثورة: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء؛ فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة.

هذه أهم المعالم التي تُمَيَّز بها الكرامة.

البلاغ: هل للحسين عليه السلام خصوصية تقتضي ظهور الكرامات عند قبره الشريف عن سائر مراقد العصومين عليهم السلام؟

  •  الحسين عليه السلام كسائر الأئمة عليهم السلام في كونهم حجج الله على الخلق ووسيلتهم اليه، إلا ان لقربه وكونه من أصحاب الكساء خصوصية ولمقتله خصوصية اخرى جعلت من التوسل به ادعى لاستجابة الدعاء، فقد ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الله خص ولدي الحسين 8 بثلاث: الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته"([9]). فكان التوسل به اجدى، حتى ممن هو افضل منه، فإن للتفاوت في الفضيلة مقام، وللخصائص مقام آخر، يقول الشيخ جعفر التستري في الخصائص الحسينية: أني أمعنت النظر في الوسائل المتعلقة بالأئمة (عليهم السلام) فرأيت اجلّها فائدة وأعظمها مثوبة وأعمها نفعا وارفعها درجة وأسهلها حصولا وأكثرها طرقا وأيسرها شروطا وأخفها مؤونة وأعمها معونة ما يتعلق بسيد شباب أهل الجنة، ووالد الأئمة السيد المظلوم أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فرأيت له خصوصية في التوسل إلى الله قد تفرد بها، وامتاز في ذلك حتى عمن هو أفضل منه.

فان للتفاوت في الفضيلة مقاما ولوحدتهم مقاما، نورهم وطينتهم مقام، والخصوصيات مقام آخر، فرأيت في الحسين (عليه السلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتصف بسببها بأنه بالخصوص - باب من أبواب الجنة وسفينة للنجاة ومصباح للهدى. فالنبي والأئمة (عليهم السلام) كلهم أبواب الجنان، لكن باب الحسين مسلكه أوسع، وكلهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين مجراها على اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السواحل المنجية أيسر، وكلهم مصابيح الهدى، لكن محال الاستضاءة بنور الحسين أوسع دائرة، وكلهم الكهف الحصين، لكن منهاج كهف الحسين اسمح وأسهل([10]).

ويقول ايضا: وذلك أني وجدت في وسائله (عليه السلام) ما يبعث على كمال الإيمان وتقويته واستقراره مثل: "إن من زاره كان كمن زار الله تعالى في عرشه" فان زيارة الله تعالى كناية عن نهاية القرب إليه، وهذا لا يكون للإيمان المستودع، والقلب الذي يعلم الله منه الزيغ بعد الهداية.

ومثل أنه ورد أن الزائر يجيئه ملك ويقول له: "إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى "، فإذا كان الشخص ممن يسلم الله عليه فلا يمكن أن لا يسلمه من أعظم المصائب وهو ذهاب الإيمان ولا أقل من ذلك ، فاطمأننت بذلك([11]).

البلاغ: هل ترون في نشر كرامات أهل البيت عليهم السلام فائدة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهل فيها من محاذير؟

  • لا يخفى ما فيه من فائدة بعد ما اتضح ان من الغايات بيان فضل صاحب الكرامة، فإذا عرضت فائدة للإمام الحسين عليه السلام مثلاً او احد اولاد الأئمة ففي نشرها بيان لفضل صاحبها، لكن ينبغي ان يكون التداول بالنحو الذي لا يثير الشبه والاشكالات عند الغير، وذلك من خلال التثبت عن مصدر النقل وكونه موثوقاً، وعدم استخدام الكرامات في الاستدلال على مسائل الفكر والعقيدة.

* حاوره: الشيخ صلاح الخاقاني

 

 


([1] ) سورة البقرة: 160.

([2] ) سورة آل عمران: 37.

([3] ) سورة السجدة: 24.

([4] ) سورة البقرة: 260.

([5] ) سورة آل عمران: 38.

([6] ) سورة الأحزاب: 40.

([7] )  كمال الدين: 516.

([8] ) سورة يونس : 62 – 64 .

([9] ) بحار الأنوار: ج36، ص 286.

([10] ) الخصائص الحسينية: ص10.

([11] ) الخصائص الحسينية: ص14.

 

2018/08/20