من جملة المواقف التي يثيرها بعض المبغضين لأمير المؤمنين (عليه السلام) هو ما جرى في حادثة صلح الحديبية حيث يدعي هؤلاء أن الإمام (عليه السلام) قد خالف أمر النبي الواضح عند موافقته على طلب سهيل بن عمرو محو اسمه من الرسالة كشرط من شروط بنود العقد الذي أبرم بين الطرفين، فطلب النبي (صلى الله عليه واله) من الإمام علي (عليه السلام) أن يمحو عبارة محمد رسول الله ويكتب بدلها محمد بن عبد الله فرفض الإمام علي (عليه السلام) محو اسم النبي من الرسالة، وللرد على هذه الشبهة نذكر التالي:
1ـ هناك اختلاف في بعض النصوص في أن صاحب الموقف الرافض هل كان الإمام علي (عليه السلام) أو غيره؟ فقد دلت بعضها أن هناك بعض المسلمين هم من رفضوا فكرة محو اسم النبي (صلى الله عليه واله) وكثر لغطهم حول هذا الموضوع.
2ـ إن الإمام لم يكن يوماً ما شاكاً في النبي (صلى الله عليه واله) بل الشواهد كلها تدل على أنه كان على يقين بكل الخطوات التي يتخذها النبي (صلى الله عليه واله) ولم يسجل عليه أي اعتراض، لكن لما استعظم هذا الأمر توقف عنده ولم يقدم عليه، قال السيد المرتضى في رسائله ص443: "وقد بان بتوقفه الامر واتضح، وهو عليه السلام ما كان قط شاكا في أن الرسول لا يوجب قبيحا ولا يأمر بمفسدة، وانما لما تعلق ما ظهر من صورة الامر بفعل تنفر منه النفوس وتحيد عنه الطباع، جوز عليه السلام ألا يكون ذلك القول أمرا فتلاه بتوقفه، وذلك منه عليه السلام غاية الحكمة ونهاية الاحتياط للدين".
3 ـ إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أخبر النبي (صلى الله عليه واله) إن يده لا تطاوعه على هذا الفعل، لا أنه كان رافضاً لهذا الفعل، ولذا طلب من النبي أن يضع يده على يده جاء في الإرشاد للشيخ المفيد: "فقال له النبي صلى الله عليه وآله: امحها يا على فقال: يا رسول الله ان يدى لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة، قال له: فضع يدى عليها ففعل فمحاها رسول الله بيده، وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض، ثم تمم".
4ـ دلل بعض الأعلام أن ما فعله الإمام (عليه السلام) هو غاية التأدب في حضرة النبي (صلى الله عليه واله) وأن الرفض لا كما يبدو لأول وهلة أنه دال على العناد والعصيان بل هو أقصى غايات التأدب والتواضع، وخذ شاهداً على ذلك :
قال إبن بطال البكري القرطبي في شرح صحيح البخاري (وإباءة علي من محو «رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» أدب منه وإيمان وليس بعصيان فيما أمره به، والعصيان ها هنا أبر من الطاعة له وأجمل في التأدب والإكرام).
5ـ إن الأمر الذي فهمه أمير المؤمنين (عليه السلام) من كلام النبي (صلى الله عليه واله) ليس إلزامياً (مولوياً) بل هو أمر إرشادي بمعنى آخر إن هذا الفعل إذ لم يقم بفعله فإنه ليس آثماً، نظير ما لو قال لشخص ما إذا أردت أن تأكل فتوضأ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم:
(وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - مِنْ بَاب الْأَدَب الْمُسْتَحَبّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَم مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتِيم مَحْو عَلِيّ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِر وَلَوْ حَتَّمَ مَحْوه بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَلِيٍّ تَرْكه، وَلَمَا أَقَرَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُخَالَفَة).
ملاحظة أخيرة بعد أن ثبت أن ما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) على كل الأوجه المحتملة لا يلزم من أيٍ منها قدح أو ذم بل العكس الصحيح، لكن لم نر في الجانب المقابل من أدان بعض التصرفات التي قام بها على سبيل المثال عمر، حيث أنه كان من أشد المعارضين على كثير من تصرفات النبي (صلى الله عليه واله) وكان يجاهر بها بذلك على رؤوس الأشهاد.
فقد روى البخاري عما وقع من عمر في صلح الحديبية: أتيت النبي (ص) فقلت: ألست نبيّ الله؟ قال: بلى، فقلت: ألسنا على الحق، وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى فقلت: ففيم نعطي الدنيّة في ديننا ونرجع، ولما يحكم الله بيننا؟ فقال: يا بن الخطاب، إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أولست كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك انّك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فانّك آتيه ومطوف به، فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله…؟ (صحيح البخاري: 3/ 190)
وفي السيرة الحلبية: ان رسول الله (ص) قال لعمر لما عارضه في شأن الصلح (يا عمر انّي رضيت وتأبى).
فلماذا باء علي تجر وباء غيره لا تجر؟