يمكننا أن نعدّ أمثلةً للعلاج التجميلي لتكون مصاديق لهذا العنوان العام حتى إذا ما حكمنا على هذا العنوان العام بحكم شرعي يكون سارياً في المصاديق التي ذكرناها والتي لم نذكرها ممّا ينطبق عليها العنوان العام. فمن أمثلة العلاج التجميلي:
1 - الوشم: وهو النقش الأخضر أو الأزرق على الجسم بواسطة الإبر، فيتراءى بياض سائر البدن وصفاؤه أكثر ممّا كان يرى لولا هذا النقش.
2 - الوشر: وهو التحديد والتقصير، فوشر الأسنان هو تحديدها وتقصيرها.
3 - التفلّج: وهو الانفراج ما بين الأسنان.
4 - ترقيق الحواجب.
5 - تطويل الشعر بواسطة وصل الشعر بالشعر، أو وضع الشعر على الشعر (الباروكة).
6 - صبغ الشيب، أو صبغ الشعر.
7 - النمص: وهو الحف للمرأة التي تقلع شعر وجهها بواسطة الآلة.
8 - إنبات الشعر على الرأس لإزالة القرع، أو إنبات الشعر على الجسم لإزالة أثر الحرق.
والخلاصة: هو كل عمل في جسم الإنسان يُعدّ تجميلا له أو إزالة العيب عنه، ولا بدّ لنا من معرفة الحكم الشرعي للعلاج التجميلي، وذلك بمعرفة القاعدة الأولية أولا، ثم نعقب على ذلك بما ورد من النصوص الشرعية التي يظنّ أنّها واردة فيه.
القاعدة الأولية لعلاج التجميل
إنّ علاج التجميل إذا لم يقترن بأمر محرم - مثل نظر الرجل إلى المرأة أو مسها - ولم يكن القصد منه غش الآخرين المحرم الذي يُظهر المرأة التي يريد أن يخطبها الخاطب بمظهر الكمال عند خطبتها مع عدم وجود كمال فيها فهو حلال جائز، وذلك أنّ غاية ما يحصل من العلاج التجميلي عند عدم اقترانه مع الحرام هو الزينة واظهار الكمال واخفاء العيب، وهو أمر جائز، بل مرغوب فيه.
وحينئذ يكون الألم في سبيل الوصول إلى هذه الغاية المطلوبة هو أمر جائز إذا لم يصل إلى حد التهلكة في النفس، وما أكبر ما يحصل عليه الإنسان حينما يزيل الألم النفسي أو يجلب المتعة النفسية التي تحصل من بعض عمليات التجميل.
ومن أمثلة هذا العمل هو أن تفعل الزوجة هذه العلاجات لأجل زوجها، أو الذهاب إلى حفل نسائي، فهو وإن انطبق عليه عنوان الغش إلاّ أنّه غش حلال كمن يخفي عيوب داره ويخلط السمن الجيد بالردئ لأجل غذائه الخاص.
وأمّا إذا اقترن علاج التجميل بأمر محرم - كنظر الرجل إلى المرأة المحرمة أو مسها أو كان القصد من العلاج هو غش الآخرين المحرم كمن يعمل هذه العلاجات في جاريته ليبيعها بثمن أكبر حيث يظهرها بمظهر الكمال مع عدم وجود الكمال فيها، أو كانت تعمله المرأة الحرّة لأجل أن توقع الخاطِب في خطبتها - فهو أمر محرّم لحرمة النظر واللمس، ولإنطباق عنوان الغشّ المحرّم على هذه الأفعال، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليس منّا من غشّنا».
ما ورد من النصوص الشرعية التي يظن أنّها تمنع من العلاج التجميلي:
نقول: إنّ ما ورد من الروايات في منع بعض مصاديق العلاج التجميلي مثل :
1 - لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) «الواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة».
2 - لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) « المتفلّجات للحسن، والمغيرات خلق الله ».
3 - لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) « النامصة والمنتمصة ».
4 - لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) « الواصلة والمستوصلة » ([1]).
تحمل كلّها على اقتران هذه العلاجات بأمر محرّم مثل الغش المحرم أو ما شابه ذلك.
ودليلنا على ذلك: أنّ اللعن الوارد في الروايات ظاهر في الحرمة وليس صريحاً فيها، حيث إنّ اللعن لغةً من الإبعاد المطلق، وحينئذ إذا دلّت الأدلّة على جواز أو استحباب تزيين المرأة لزوجها، أو لأجل الذهاب إلى حفل نسائي مثلا، فيكون هذا قرينة على صرف الحرمة الظاهرة في الأحاديث إلى صورة الغش أو اقتران هذه الأعمال ببعض المحرّمات، أو نقول بكراهة التزيين في غير الموارد التي دلّ الجواز على استحبابها.
والذي دعانا إلى هذا الكلام ولم نقل: « إنّ التزيين إذا كان جائزاً بصورة مطلقة وقد ورد التحريم في بعض أفراده، فنخصّص الجواز بغير مورد التحريم » هو تذييل اللعن الوارد في المتفلّجات بقوله « المغيِّرات خلق الله » ونحن نعلم لما تقدّم: أنّ المراد من خلق الله في هذه الرواية هو دين الله، كما جاء في آية النساء (ولأضلنهم ولأُمنّينّهم ولآمرنهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ومن يتّخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً) ([2]). وقال تعالى: (فأقم وجهَك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ([3]).
إذن المراد بتغيير خلق الله هو الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف، وذلك بتحليل الحرام الذي حرمه الشارع المقدّس، وبما أن الحرام هو الغش وليس التزيين نفهم من الروايات المتقدّمة أن المراد بالمحرم هو الغش، والمراد باللعن هو خصوص حصول المحرم من هذه الأعمال، أمّا التزيين الذي يحصل من هذه الأعمال فهو ليس فيه تغيير لدين الله، حيث يكون جائزاً بأدلّته الكثيرة، فلا يكون مشمولا للروايات اللاعنة، كما أن الروايات اللاعنة لا تشمل التزيين.
ولو أصر إنسان على أن المراد من آية (ولآمرنّهم فليغيّرن خلق الله) هو حرمة تغيير ما خلق الله من أشياء، فلازم ذلك أن نحرّم حلق الرأس والشعر من الجسم، ونحرم فتح الجسور والطرقات وبناء الأسواق وشق الأنهار وما إلى ذلك، ويلزمنا أن نفتي بحرمة تعديل الشارب ولبس الثياب ; لأنّه تغيير لخلق الله سبحانه، وهذا ما لا يقول به أحد.
أضف إلى ذلك الروايات الواردة في تحسين الوجه وصبغ الشيب بالحنّاء والسواد، والحثّ عليه، وقد ورد « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها » ففي رواية سعد الإسكاف قال: « سئل أبو جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن ؟ قال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: فقلت بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن الواصلة والمستوصلة، فقال: ليس هنالك، إنّما لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواصلة التي تزني في شبابها، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة» ([4]).
ثم إنّ هذه الروايات الواردة في اللعن للواشمة والنامصة والواصلة والمفلّجة بين مرسل ومسند لم تثبت حجيته لضعف السند، وحينئذ نبقى على أصالة الإباحة عند الشك في الحرمة، وهي التي اقتضتها القاعدة الأوليّة.
الهوامش:[1] راجع وسائل الشيعة: ج 12، ب 19 ممّا يكتسب به، ح 7 وغيره .
[2] النساء: 119 .
[3] الروم: 30 .
[4] وسائل الشيعة: ج 12، ب 19 من أبواب ما يكتسب به، ح 3 .