الإسلام له عقائد واصول كما له أحكام وفروع، فمن اعتقد بعقائده خالصة من الهوى وسالمة من التحريف وعمل بأحكامه وتشريعاته مخلصاً لله تعالى كان على دين الإسلام حقاً، ومن ثم يبقى امام المسلم باب الترقي في درجات الإيمان مفتوحاً بمقدار معرفته واخلاصه.
وعليه فان ضوابط الإسلام ومبادئه واضحة وليس على المسلم إلا التفقه في الدين حتى يكون على بصيرة من أمره، ومن هنا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم، وقد اتفقت الامة على أن العلم الواجب على جميع المكلفين هو معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وكل ما يتعلق بأصول الدين والاعتقاد، مضافاً إلى العلم بالأحكام التي يلتزم بها المكلف في عباداته ومعاملاته والتي يصطلح عليها بفروع الدين، وكلٌ منهما ينقسم إلى فرض عينٍ وفرض كفاية، فهذه أربعة أقسام وبيانها بنحو الاختصار كما يلي:
1- الواجب العيني من أصول الدين: معرفة الله وصفاته وأفعاله بنحو يحصل له الاطمئنان بها وتسكن نفسه لصحتها وإن لم يتمكن من ردّ الشبهات والإشكالات لعدم معرفته باصطلاحات العلماء.
2- الواجب الكفائي من أصول الدين: معرفة ذلك بمستوى ردّ الشبهات وحلّ الإشكالات ودفع المغالطات
3- الواجب العيني من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل -من العبادات والمعاملات- التي يكون في معرض الابتلاء بها والحاجة لها.
4- الواجب الكفائي من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل بأدلتها التفصيلية وهو المصطلح عليه بالاجتهاد.
وقد اشارت رواية الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى ما يجب على المكلف العلم به، فعن الأربلي قال ابن حمدون في تذكرته: قال موسى بن جعفر (عليه السلام): (وجدت علم الناس في أربع:
أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف.
وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة.
وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب.
ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه) ( كشف الغمة، 2، ص255)
وقد وردت بعض الروايات التي تحمل الناس على طلب العلم بحيث لا يكون لهم من الامر سعة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: (لا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى يَسْأَلُوا، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ...) (الكافي، ج1، ص97) بمعنى لا يسع الناس نسبة اعتقاداتهم وأعمالهم إلى الدين إلا إذا تفقهوا وتعلّموا. وفي حديث آخر سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: (لا) (الكافي ج1، ص73). وغير ذلك من الروايات التي جعلت حصول الاطمئنان معلق بطلب العلم والتفقه في الدين.
ومن المفيد للسائل أن نورد له كيف عرض عبد العظيم الحسني دينه على الامام الهادي (عليه السلام)، فقد روى الصدوق عن عبد العظيم الحسني قوله: دخلت على سيّدي علي بن محمد (عليهما السلام) فلما بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً، فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّاً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عز وجل، فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: أني أقول: أن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء خارج من الحدّين حدَّ الأبطال وحدَّ التشبيه، وانه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل مُجسّم الأجسام، ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدِّثه وأن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأقول: أنَّ الإمامة والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي.
فقال (ع): ومن بعد الحسن ابني؟ فكيف للناس بالخلف من بعده؟
فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟
قال (ع): لأنه لا يرى شخصه ولا يحلُّ ذكره حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
فقلت: أقررت وأقول: أنَّ وليهم ولي الله، وعدوّهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: أنّ المعراج حقّ والمسألة في القبر حق وأنّ الجنة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأقول: انّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمد (ع): يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. (أمالي الصدوق، ص 419 ــ 420)
"