للمفسرين آراء مختلفة في معنی روح القدس:
١- قالوا إنه جبرائيل، فيكون معنی الآية علی هذا إن اللّه أيّد عيسی بجبرائيل. و شاهدهم علی ذلك قوله تعالی: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ1 و وجه تسمية جبرائيل بروح القدس، هو أن جبرائيل ملك، و الجانب الروحي في الملائكة أمر واضح، و إطلاق كلمة «الروح» عليهم متناسب مع طبيعتهم، و إضافة الروح إلی «القدس» إشارة إلی طهر هذا الملك و قداسته الفائقة.
٢- و قيل إن «روح القدس» هو القوّة الغيبية التي أيّدت عيسی عليه السّلام، و بهذه القوة الخفية الإلهية كان عيسی يحيي الموتی. هذه القوّة الغيبية موجودة طبعا بشكل أضعف في جميع المؤمنين علی اختلاف درجة إيمانهم. و هذا الإمداد الإلهي هو الذي يعين الإنسان في أداء الطاعات و تحمل الصعاب، و يقيه من السقوط في الذنوب و الزلات. من هنا
ورد عن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و سلّم قوله لحسان: «لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا»
و قول بعض أئمة أهل البيت لشاعر قرأ أبياتا ملتزمة: «إنّما نفث روح القدس علی لسانك».
٣- و من المفسرين من قال إن روح القدس هو «الإنجيل»2 و يبدو أن التّفسيرين السابقين أقرب إلی المعنی.
٣- مفهوم «روح القدس» لدی المسيحيين
ورد في قاموس الكتاب المقدس: «إن روح القدس هو الأقنوم الثالث من الأقانيم الثلاثة الإلهية. و يقال له (الروح)، لأنه مبدع الحياة، و يسمی مقدسا لأن من أعماله تقديس قلوب المؤمنين، و لما له من علاقة باللّه و المسيح يسمی أيضا (روح اللّه) و (روح المسيح)».
و ورد أيضا في هذه القاموس تفسير آخر هو: «أما روح القدس الذي يؤنسنا فهو الذي يحثنا دوما إلی قبول و فهم الاستقامة و الإيمان و الطاعة، و يحيي الأشخاص الذين ماتوا في الذنوب و الخطايا، و يطهرهم و ينزههم و يجعلهم لائقين لتمجيد حضرة واجب الوجود».
و كما يلاحظ، إن عبارات قاموس الكتاب المقدس أشارات إلی معنيين لروح القدس: الأول، إن روح القدس أحد الأرباب الثلاثة، و هذه هي عقيدة التثليث، و هي عقيدة شرك باللّه و مرفوضة، و الثاني يشبه التّفسير الثاني المذكور أعلاه.
٤- قلوب غافلة محجوبة
كان اليهود في المدينة يقفون بوجه الدعوة، و يمتنعون عن قبولها، و يتذرعون لذلك بمختلف الحجج، و الآية التي نحن بصددها تشير إلی واحدة من ذرائعهم.
وَ قالُوا: قُلُوبُنا غُلْفٌ و لا ينفذ إليها قول!! كانوا يقولون ذلك عن استهزاء، غير أن القرآن أيّد مقالتهم، فبكفرهم و نفاقهم أسدل علی قلوبهم حجب من الظلمات و الذنوب، و ابتعدوا عن رحمة اللّه، فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ.
و هذه مسألة تطرحها آية اخری من قوله تعالی: وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ، بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا3.
الهوامش:
1 النحل، ١٠٢.
2 تفسير المنار، ذيل الآية المذكورة.
3 النساء، ١٥٥.
المصدر: الأمثل