من آيات السّورة يتبيّن أنّ أحد العوامل الأساسية للتفاخر و التكاثر و المباهات هو الجهل بجزاء الآخرة و عدم الإيمان بالمعاد. كما إنّ جهل الإنسان بضعفه و مسكنته ... ببدايته و نهايته ... من العوامل الاخری الباعثة علی الكبر و الغرور و التفاخر.
و لهذا فإنّ القرآن الكريم بهدف كسر روح التفاخر و التكاثر في الأفراد، يقصّ علينا في مواضع كثيرة مصير الأقوام السالفة، و كيف إنّها كانت تمتلك كلّ وسائل القوّة و المنعة، لكنّها أبيدت بوسائل بسيطة ... بالريح ... بالصاعقة ... بالزلزال ... بالسيل ... بعبارة اخری بالماء و الهواء و التراب .. و أحيانا بالسجّيل و بطير أبابيل!! فلم- و الحال هذه- كلّ هذا التفاخر و الغرور؟! ثمّ عامل آخر لهذه الظاهرة هو الإحساس بالضعف و عقدة الحقارة الناتجة عن الفشل. و الأفراد الفاشلون من أجل أن يغطوا علی فشلهم يلجأون إلی الفخر و المباهات و لذلك
ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال: «ما من رجل تكبر أو تجبّر إلّا لذلة وجدها في نفسه»
[اصول الكافي، ج ٢، ص ٢٣٦: باب الكبر، الحديث ١٧.].
وعن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال: «ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، و الطعن بالأحساب و الاستسقاء بالأنواء (طلب الماء بواسطة النجوم)»
[بحار الأنوار، ج ٧٣، ص ٢٩١.]
وعن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«أهلك النّاس اثنان: خوف الفقر، و طلب الفخر»
[بحار الأنوار، ج ٧٣، ص ٢٩٠، الحديث ١٢.]
و الحق أنّ أهم عوامل الحرص و البخل و الخلود إلی الدنيا و المنافسات المخربة، و كثير من المفاسد الاجتماعية هو هذا الخوف الوهمي من الفقر و التفاخر و التعالي بين الأفراد و الأمم و القبائل.
و لذا ورد عن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و سلّم قال: «ما أخشی عليكم الفقر و لكن أخشی عليكم التكاثر» [الدر المنثور، ج ٦، ص ٣٨٧.]
«التكاثر» كما أشرنا يعني في الأصل التفاخر، و لكنّه يعني أحيانا حبّ الاستزادة من المال و جمعه، كما ورد في الحديث عن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و سلّم قال: «التكاثر في الأموال: جمعها من غير حقّها، و منعها من حقها، و شدّها في الأوعية» [نور الثقلين، ج ٥، ص ٦٦٢، الحديث ٨.]
هذا البحث الموسّع نختمه بحديث عن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و سلّم في تفسير أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي؛ و ما لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»[صحيح مسلم، نقلا عن مجمع البيان، ج ١٠، ص ٥٣٤.]
نعم، حقّا لا يعود علی الإنسان شيء من ماله الذي جمعه و عدده، و تساهل- أحيانا- في حلاله و حرامه، إلّا ما يأكل و يشرب و يلبس، أو ما ينفقه في سبيل اللّه و ما ينفقه علی الاحتياجات الشخصية قليل، فما أفضل أن يزيد حظه من ماله بالإنفاق!
المصدر: تفسير الأمثل