كتب السيد عبد الهادي العلوي:
إنّ البحث حول جمع القرآن الكريم وتأليفه مصحفاً بين دفّتين يكون في مرحلتين:
المرحلة الأولى: أنّ جمع الآيات وتنظيمها وترتيبها القائم ضمن السور في أعدادها الخاصّة، كما هو الموجود الآن، حصل على عهد الرسالة توقيفيّاً وبنصّ صاحب الشريعة، وهذا ممّا لا خلاف فيه.
المرحلة الثانية: جمع السور وترتيبها بصورة مصحف مؤلّف بين دفّتين كما هو الآن، هل حصل في عهد الرسالة توقيفاً أم حصل بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله؟ فيه خلاف بين علمائنا.
القول الأول: أنّه حصل بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله، فإنّ السور كانت مكتملة في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وآياتها وأسماؤها مرتّبة، غير أنّ جمعها بين دفّتين لم يكن قد حصل بعد؛ نظراً لترقّب نزول قرآن على عهده صلى الله عليه وآله، فما دام لم ينقطع الوحي لم يصحّ تأليف السور مصحفاً إلّا بعد الاكتمال وانقطاع الوحي.
وهذا القول ممّا ذهب إليه السيّد الطباطبائيّ، فأفاد: أنّ تأليف القرآن وجمعه مصحفاً واحداً إنّما كان بعدما قُبض النبيّ صلى الله عليه وآله، وأكّد على أنّ ترتيب السور على ما هو عليه الآن شيء حصل بفعل الصحابة وعن اجتهاد منهم، ولم يقبل دعوى التوقيف في ترتيب السور. ينظر: تفسير الميزان ج12 ص124، وج3 ص78.
وممّن ذهب لهذا القول أيضاً الشيخ محمّد هادي معرفة، وقد أفاض في الكلام حول المسألة مبرهناً على هذا القول. ينظر: التمهيد في علوم القرآن ج1 ص285.
القول الثاني: أنّ القرآن الكريم بنظمه القائم وترتيبه الحاضر كان قد حصل في حياة الرسول صلى الله عليه وآله. وممّن ذهب لهذا الرأي السيّد المرتضى علم الهدى، فأفاد: أنّ القرآن على عهده صلى الله عليه وآل كان مجموعاً مؤلَّفاً على ما هو عليه الآن، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يُدرَّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عيّن جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنّه كان يُعرض على النبيّ صلى الله عليه وآله ويُتلى عليه، وأنّ جماعة من الصحابة ـ مثل عبد الله بن مسعود وأُبي بن كعب وغيرهما ـ ختموا القرآن على النبيّ صلى الله عليه وآله عدّة ختمات. وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث. ينظر: مجمع البيان ج1 ص15.
وممّن ذهب لهذا القول أيضاً السيّد أبو القاسم الخوئيّ. ينظر: البيان في تفسير القرآن ص237 وما بعده.