(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) «سورة آل عمران 61»
الآية المباركة التي نزلت في يوم المباهلة لها عدة دلالات:
الدلالة الأولى: أن هؤلاء الخمسة الذين شكلوا طرف المباهلة هم أفضل الخلق، لأن المباهلة مع دين آخر - كدين النصارى - تتوقف على أن يحضر فيها أقرب الناس إلى الله عز وجل، ولذلك كما ذكر الزمخشري في كشافه، والرازي في تفسيره، والبضاوي والسيوطي وغيرهم، أنه لما باهل رسول الله نصارى نجران خرج بيده الحسن والحسين، وخلفه فاطمة، وخلف فاطمة علي، ولما وقف أمام نصارى نجران قال: إذا دعوتُ فأمّنوا، فلو كان هناك أناس أقرب من هؤلاء إلى الله، أو مثلهم في القرب من الله، لأخرجهم الرسول في هذا الموقف الخطير موقف المباهلة.
الدلالة الثانية: أن الرسول أراد أن يعلم الأمة درسًا، أن هؤلاء الصفوة هم وسائل الخلق إلى الله عز وجل، فالله عندما يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) فما هي الوسيلة؟! هذه الآية الثانية تحدد لنا الوسيلة التي يتخذها المؤمن في التقرب إلى الله عز وجل، الوسيلة هم الذين قال لهم النبي: إذا دعوتُ فأمنوا، مع أنه أشرف الخلق، ودعاؤه أقرب دعاء إلى الله تبارك وتعالى، فلماذا طلب من علي وفاطمة وحسن وحسين أن يؤمنوا على دعائه؟ أراد أن يقول للأمة: إن الوسيلة التي نادت بها الآية الأخرى - (وابتغوا إليه الوسيلة) - هم هؤلاء، فلا يصح التقرب إلى الله إلا بالتوسل بهؤلاء الصفوة المطهرة الذين قال لهم الرسول المصطفى: إذا دعوتُ فأمّنوا.
الدلالة الثالثة: أراد النبي أن يقول للأمة من خلال هذا الجمع أن هؤلاء الخمسة روّاد لحركة واحدة، حركة تعتمد على دعامتي النبوة والإمامة، هذه الحركة التي تعتمد على دعامتي النبوة والإمامة لكل واحد من الخمسة دورٌ فيها، فدور رسول الله دور تأسيس الكيان الإسلامي، ودور فاطمة الزهراء الدفاع عن حق الأمة في الخلافة الراشدة، حيث قالت: ”أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبن بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين“، ودور علي هو تطبيق وتفعيل أطروحة الدولة الإسلامية، فإن الدولة الإسلامية ما تجسدت بمرافقها من قضاء وشرطة وبيت المال واقتصاد إلا في زمن الإمام علي كما أجمع عليه سائر المسلمين، وكان دور الحسن الزكي التمهيد لثورة أخيه الحسين، وكان دور الخامس منهم - ألا وهو الحسين بن علي «صلوات الله وسلامه عليه» - أنه صار مجددًا لهذه الحركة، صائنًا لثغورها، موقظًا للأمة من سباتها، مجددًا إرادتها ويقظتها، في قوله: ”إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“.
*مقتطف من محاضرة لسماحة آية الله السيد منير الخباز