لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا
قد عكفت حكومات الخلافة المنحرفة بدءا من حكومة السقيفة على تمييع وإخفاء الحقيقة المتعلقة بشأن المعصومين عليهم السلام وتمييزهم اللامحدود عن المستوى الانساني، أي بما حباهم الله من صفات ومميزات استثنائية كالعلم والحكمة والشجاعة وغيرها.
وسعت تلك الحكومات في جهود استثنائية على إظهارهم مظهر الاناس العاديين ولكنهم كانوا في هذا كما قال جل وعلا (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32التوبة) فلم تفلح تلك الجهود وبقي نور الائمة المعصومين ع وهاجا وذلك عن طريقين:
أـ ما كان عليه المعصومين عليهم السلام من مكانة إلهية سامية تفرض نفسها على الواقع، رغم كل المحاولات المبذولة في التعتيم عليها.. فهذا الامام السجاد عليه السلام الذي عانى من الأمويين التضييق والتشديد بعد الطف، حتى أنه لم يكن قادرا على التصريح بدروسه الفقهية والعلمية والاخلاقية ـ وقد كان ذلك ممكنا أيام معاوية نفسه بالنسبة الى الامامين الحسن والحسين عليهما السلام، حيث كانا عليهما يجلسان للدرس والارشاد في مسجد النبي الاكرم صلى الله عليه وآله ـ فاضطر الامام السجاد الى استخدام اسلوب الدعاء لتمرير تلك الدروس. رغم هذا نجد له عليه السلام تلك المهابة الالهية التي فرضت نفسها على الناس كما عبرت عن ذلك حادثة الحج المعروفة حين عجز هشام بن عبد الملك الامير الاموي المحاط بالحرس والسلطان عن اختراق الحجيج حول الكعبة، ولما جاء الامام السجاد عليه السلام انفرج له الناس سماطين هيبة واحتراما حتى وصل الى الحجر الاسود، كما دفعت تلك المهابة الالهية التي تحلى بها الامام عليه السلام بالشاعر الفرزدق الى تحدي الامير الاموي عالما بما سيلحق به من اذى وقرا على مسمع الجميع قصيدته التي تتغنى بمكانة الامام السجاد ع ومنزلته العالية.
كما أثبت المعصومون عليهم السلام أفضليتهم في كل مجال، بدءا بالبطولة الخارقة التي ابداها الامام علي عليه السلام في معارك الاسلام الى الشجاعة الاسطورية التي سطرها الامام الحسين عليه السلام في الطف الى التفوق الفكري والعلمي الذي نجده واضحا في تراثهم عليهم ومناظراتهم مع ارباب الجهات المناوئة.. وكشاهد على هذا ما سجله الامام الجواد عليه السلام من مقدرة علمية وفقهية كما في مناظرته المشهورة مع يحيى بن اكثم، فأثبت الامام الجواد عليه السلام بشكل جلي أن الامامة هي منصب الهي لا دخل للإنسان فيه. حتى لنجد الحكام الامويين والعباسيين وقد عجزوا عن تلافي ذلك الخطر البالغ على سلطانهم القائم على الافتراء والادعاءات المزيفة، قد عمدوا الى معالجة الامر.. إما عن طريق دعم جهات فكرية وفقهية في مواجهة خط الائمة عليهم السلام كما هو حال العباسيين في دعم المدارس الفقهية والمذاهب الكلامية الخارجة عن خط الامامة، بما تحوي تلك المدارس والمذاهب من اسماء وشخصيات تثني لهم الخلافة العباسية الوسادة وتسيدهم على الموقف الفقهي والفكري.. ولما يخفق كل هذا عمدوا الى الارهاب والعنف ضد اتباع اهل البيت عليهم السلام.. فما تعني تلك الصفحات السوداء التي سجلها التاريخ في القتل والبطش بحق اتباع اهل البيت عليهم السلام.. بدءا برموز الارهاب الذي اطلق الامويون لهم العنان يقتلون ويذبحون كزياد وابنه عبيد الله والحجاج وبسر بن ارطأة.. ولعل في وصية الخزانة ـ حين اعطى المنصور لولده المهدي مفاتيح خزانة لا يفتحها الابعد موته، وحين هلك المنصور وقام المهدي بفتحها وجدها مملوءة بجماجم العلويين ـ لعل في هذه الحادثة إشارة وافية على ماكان عليه بنو العباس من تجاوز لما وصل اليه الامويون في هذا المضمار.
يتبع...