كتب مهدي بيشوائي:
لم يكن باستطاعة الإمام السجاد أن يقدم ويوضح مفاهيمه الخاصة علانية وبصراحة، لأنه كان يعيش في جو من الرعب والإرهاب، لذلك استخدم اسلوب الوعظ والإرشاد، وعرف الناس من خلال الموعظة على الفكر الإسلامي الصحيح ذلك الفكر الذي تعرض إثر الإعلام المضلل الذي مارسه الطغاة على مر التاريخ للنسيان والتحريف، نهض من جديد وقدمه الإمام إلى الناس کا کان و بكل ما يتمتع به من أصالة، وكان لا يبين لهم التعاليم الإسلامية في حدود استطاعته.
وتوضح دراسة تلك المواعظ والتعاليم أن الإمام كان يلقي عليهم وضمن تقديمه النصح والموعظة ما كان يريده أن يرسخ في أذهانهم ويبقى بطريقة عقلانية وذكية جدا، وهذا من أفضل أنماط انتقال الفكر الإسلامي الصحيح في تلك الظروف، لأن هذه التعاليم لا تثير حفيظة الجهاز الحاكم على الرغم من أن لها آثار ونتائج سیاسية ضد ذلك الجهاز، وقد وضح وبين الإمام -ضمنيّاً- حقيقة الإمامة -أي نظام الحكم الإسلامي وقيادة المجتمع بقيادة الإمام المعصوم وبت الوعي بين الناس- وعرفهم حقيقة ما يجري في المجتمع الإسلامي لتلك الفترة -أي تسلط الحكام الطغاة وقادة الكفر والفسق والنفاق- وكان يفهمهم بأن الحكومة التي هي مثل حكومة عبد الملك ليست هي الحكومة التي يريدها.
إن أهمية هذا الأمر هي من ناحية أنه طالما لم تنتبه الأمة إلى هذه الحقيقة وتخرج من حالة الجمود والتخدير التي أصابتها على مر الأيام، فانه لن يكون هناك أمل و إمكانية في تغيير الأوضاع وتشكيل الحكم الإسلامي المراد، ومثال هذا النوع من التعاليم والمواعظ التي كان يقدمها الإمام السجاد، وهي خير شاهد على تلك الحقيقة المذكورة هو كلامه التفصيلي الذي كان يلقيه كل يوم جمعة في مسجد النبي على أصحابه والآخرین کا صرح بذلك المحدثون.
ونحن هنا نورد بعضا من ذلك الكلام على سبيل المثال.
«أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرة، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا... ألا و إن أول ما يسألانك - منكر ونكير- عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي تدين به، و عن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه».