لن يغيّبهم الموت: يبقى العلماء بدوراً في السماء!

شعيب العاملي
زيارات:1028
مشاركة
A+ A A-

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّمَا الْعُلَمَاءُ فِي النَّاسِ كَالْبَدْرِ فِي السَّمَاءِ، يُضِي‏ءُ نُورُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ!

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد 

كلماتٌ نَستَذكِرُها كُلَّما فَقَدنا عالماً من علماء الشيعة الأجلّاء، وفقهائهم الأتقياء.. جهابذة المذهب وأساطينه، وأسوار الإسلام وحصونه.

كلماتٌ قالها مولى الموحِّدين، وإمام المتّقين، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ونقلها الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده (ج1 ص230).

يعزُّ على المؤمن فَقدُ العُلماء، وهم الذين يُضيءُ نورُهم (للناس)، كما يضيءُ البَدرُ لسائر الكواكب.. وإن جحَدَ بعضُ الناس فضلَ القمر وضوءه في ليلة تمامه وكماله، لعمىً أصابهم، أو عَصَبيّة حطّت رحالها عندهم، أو حَسَدٍ استحكم فيهم.

يعرفُ المؤمن بهذا الحديثِ وأمثاله شيئاً من فضل العلماء، ويَتَنَبَّهُ لِمَعَانٍ (مِنها):

أولاً: بُكاء الملائكة لفقد العالِم!

تعرفُ الملائكةُ قَدرَ العِلمِ وأهله، فهي التي تعلَّمَت من معدن العلم، محمدٍ وآل محمدٍ التسبيح والتهليل لله تعالى، كما تعلَّموا منهم العبودية له عزّ وجل، وأدركَ الملائكةُ عظيم الدّور الذي يؤديه البَدرُ في السَّماء، بهداية الضالّين، وإرشاد المسترشدين، وهي الغاية القصوى والهدف العظيم، فبكت على (المؤمن الفقيه): الْمَلَائِكَةُ وَبِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ الَّتِي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِهِ (الكافي ج1 ص38).

فحقَّ أن يبكي المؤمنُ العُلماء، كما بكتهم ملائكة السَّماء.

ثانياً: تُفتَحُ أبواب الضلال.. بفقد العلماء!

عن أمير المؤمنين عليه السلام: إِنَّهُ لَا يَهْلِكُ‏ عَالِمٌ إِلَّا هَلَكَ مَعَهُ بَعْضُ عِلْمِهِ (الإرشاد ج1 ص230)

فمهما كان عَطَاء العالم عَظيماً، ومهما أجهدَ نفسَهُ في إيصال علوم آل محمدٍ لشيعتهم ومُحبِّيهم، إلا أن بعضَ هذه العلوم لا يجدُ لها محلاً في حياته، فتذهب بذهابه!

ثمَّ يأتي على الناس زمانٌ يحتاجون إليها بعدما استغنوا عنها، أو يطلبونها بعدما زهدوا فيها، فلا يجدونها!

فينفتح من ذلك أبوابٌ للضلال!

يُحرَّفُ فيها الكَلم عن موضعه، وقد قال الباقر عليه السلام:

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ، وَلَكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ، فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ (الكافي ج1 ص38).

أفلا يحزنِ المؤمن لفقد العلماء، وبِفَقدِهم يتمادى أهلُ الضلال في غَيِّهم، ويتبارون في إضلال عباد الله!

وقد أدركَ المؤمنُ أن كلَّ يومٍ يحزنُ فيه ملائكة الرحمان وعباد الله المؤمنون يكون يومَ فَرَحٍ وسرور لِعَدُوِّهِ إبليس، ففي الحديث الشريف: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ (الكافي ج1 ص38).

كيف لا وقد صَمَتَ لسانٌ ناطقٌ في الأرض، كان سَدَّاً أمام إبليس ومانعاً من إضلال العباد المؤمنين، والفقيهُ الواحدُ أشدُّ على إبليس من ألف عابد!

ثالثاً: الندامة عند فقد العالم!

يسعى المؤمنُ الصادقُ الكَيِّسُ الفَطِنُ للأخذ من العلماء ما أمكنه، ويبذلُ جهده ليرتوي من مَعين علومهم قبلَ أن تحلّ ساعة الندامة، لو قصَّرَ في أخذ العلم عنهم.

ويحذر أن يكون من الزاهدين في العلماء، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال:

أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالَمِ:

1. بَنُوهُ

2. ثُمَّ قَرَابَتُهُ‏

3. ثُمَّ جِيرَانُهُ

يَقُولُونَ: هُوَ عِنْدَنَا، مَتَى شِئْنَا تَنَاوَلْنَاهُ.

وَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ عَيْنِ مَاءٍ يَأْتِيهَا النَّاسُ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهَا، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ غَارَتْ فَذَهَبَتْ، فَنَدِمُوا (دعائم الإسلام ج‏1 ص82).

كَم فَقَدنا من عالِمٍ عامِلٍ كان يسترشدُ به المؤمنون، ويجهل قدره الكثيرون! كانوا يحوطونه ويرونه رأي العين ثمَّ لا ينهلون من علومه، ولا يرتوون من مائه.

وما لبثت يدُ الغيب أن ذَهَبَت به من بين ظهرانيهم، فحلَّت ساعةُ النَّدَم، ولعمري ماذا ينفع النَّدَمُ حينها ! وما السَّبيلُ إلى ما هَلَكَ من علوم ! كان فيها دَفعُ الأبالسة عن العباد المؤمنين!

رابعاً: العلماء باقون! بعد موتهم!

كلُّ ما تقدَّم، من بكاء الملائكة، إلى هلاك بعض العلم، وخطر الضلال بفقد العلماء، لا يعني أنَّ أبواب الهدى قد أغلقت، ولا أنَّ العالم قد انتهى دورُهُ وأثرُه بموته، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

يَا كُمَيْلُ: ..

1. الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ !

2. أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ.

2. وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ !

يفقدُ المؤمنُ العُلماءَ بأعيانهم، لكنَّ أمثالهم وآثارهم لا تُفارقُ قلوب المؤمنين!

لأنّ العالم يبقى حيَّاً بعد موته، لصدقه وإخلاصه وإرشاده لعباد الله.

أمّا مَن تَسمّى باسم أهل العلم وليس منهم، وأضلَّ عباد الله، فقد صار مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام: (وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاء)، وهو الذي: (اقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ)، فما ظلَّ منه غير صورته: (الصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ، وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ) !

والفيصلُ في ذلك أن الأوّل كان عالماً بدينه، فصار حياً بعد موته.

والثاني كان جاهلاً بأبواب الهداية في دينه، فصار قلبُه كقلب الحيوان، وقد ورد عنهم عليه السلام:

لَا حَيَاةَ إِلَّا بِالدِّينِ.. فَاشْرَبُوا الْعَذْبَ الْفُرَاتَ يُنَبِّهْكُمْ مِنْ نَوْمَةِ السُّبَاتِ (الإرشاد ج1 ص296).

الحياةُ إذاً هي حياةُ الدِّين الخالص، الذي لا تشوبه شوائب الشُّبهات ولا المبتدعات.

فما أعظَمَها مِن معانٍ لا يَقبَلُها إلا المؤمن الذي خُلقَ من طينة الأطهار عليهم السلام.

خامساً: في العالِمِ نَفحَةٌ مِن سيِّدِ الشُّهداء!

لقد وردت عن الصادق عليه السلام عبارةٌ عجيبةٌ بحق جَدِّه سيد الشهداء عليه السلام يقول فيها:

أَشْهَدُ أَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ!

بَلْ بِرَجَاءِ حَيَاتِكَ حَيِيَتْ [حَيَّتْ‏] قُلُوبُ شِيعَتِكَ!

وَبِضِيَاءِ نُورِكَ اهْتَدَى الطَّالبُونَ اليْكَ! (المصباح للكفعمي ص499).

ما أعظَمَ هذه العبارة، وما أبعَدَ غورَها عن عقول الجاهلين..

حياةُ قلوب الشيعة مقرونةٌ (برجاء حياتك) يا سيِّدَ الشُّهداء! والهدايةُ لك تكون ب(ضياء نورك)!

أمّا العُلماء، فقَد صبَغتَهم يا نورَ الله في أرضه وسمائه بشيءٍ من نورك حتى صاروا (كَالْبَدْرِ فِي السَّمَاءِ، يُضِي‏ءُ نُورُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) !

لا عَجَبَ في ذلك.. فإنَّ موازين القيامة تكشفُ شيئاً من عظمة العالِمِ وعلومه، حينما: (يَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دِمَاءِ الشُّهَدَاء)! (الفقيه ج4 ص399).

لا يُقاسُ بكم يا آل محمدٍ أحدٌ، لكنَّ فضلَكم عميم، وهذه نَفحَةٌ من نَفحَاتِكُم جَعَلَت الحامِلَ لعلومكم في مقام التّجليل والتعظيم.

فسلامُ الله عليكم، وعلى مَن حَمَلَ علومكم من الفقهاء الأتقياء، وبثَّها في إخوانه.

رحمَ الله الماضين منهم، وحَفِظَ الباقين، وجَعَلنا لكم ولهم من المحبّين، وثبَّتَ أقدامنا على ولايتكم، إنَّه سميعٌ مجيب.

والحمد لله رب العالمين

مواضيع مختارة