الأخلاق
حقيقة أم خرافة: ما هو موقف أهل البيت (ع) من الجن؟!

السؤال: ماهو موقف أهل البيت (ع) من الجن؟ ومن الذين يقولون إنهم تلبسهم جن وهل هناك كتب فى الرد على هولاء؟

 [اشترك]

الجواب من السيد عادل العلوي (رض):

بسم الله الرحمن الرحیم

ما يتلبس بهؤلاء هو الأوهام و ما يسمى في المنطق بالعلم الوهمي فانه ربما يتغلّب على ضعاف النفوس متى يتصوّر له الأشباح فيتخيلها أنها الجن.

و هذا لا يعني أنا ننكر الجن فلقد  صرّح القرآن الكريم بحقيقتهم إلا أنهم لا قدرة لهم للتسلط على الإنسان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ...) ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ ).

راجع الكتب التالية :

1- مراتب و عجائب الجن كما يصوره القرآن و السنة : وجد الدين الشبلي من اعلام القرن الثامن

2- اللؤلؤ و المرجان في احكام الجان : لجلال الدين السيوطي

3- الجن بين الحقائق و الأساطير : علي الجندي

4- عالم الجن و الملائكة : عبد الرزاق النوفل

5- عالم الجن و الشياطين : عمر الأشهر ...

6- رسالة في ترجمان الجن : يوسف الخونساري

2024/10/21

منطقهم الصَّواب!

في خطبة المتّقين المعروفة والتي رواها الصَّدوق (ره) في الأمالي وصفات الشيعة، وغيرُه، وصف أمير المؤمنين (عليه السّلام) المتّقين بوصف لافت، قال فيه: «مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ». وهذا التوصيف للمتّقين بصوابيّة المنطق، وجعله أوّل فضائلهم دون الصّدق ملفت للنظر.

[اشترك]

وقد ذكروا أنّ الصّواب أخصُّ من الصّدق؛ لأنّ الصّواب هو أن لا يسكت عمّا ينبغي أن يقال، فلو سكت صار تفريطاً، وأن لا يقول ما ينبغي أن يسكت عنه فلو نطق كان إفراطاً، بل يضع الكلام في موضعه اللّائق به، ويكون السّكوتُ كذلك في موضعه المناسب واللّائق به. ولذا صار الصّوابُ أخصَ من الصّدق لأنَّ الصّدق هو مطابقة الخبر للواقع دون النظر إلى زوايا أخرى من اللّياقة وعدمها، فقد يصدق الإنسان بالحديث ولا يكون كاذباً لكن الصّدق منه في هذا الموضع لا ينبغي، بمعنى أن الصّواب هو النطق بالصّدق في موضعه المناسب له، فإذا لم يكن الموضع مناسباً لم يكن الإنسان مصيباً، وإن كان صادقاً في قوله.

 

وهذا معناه أن المتّقين لا يكتفون بإحراز مطابقة كلامهم للواقع (الصّدق)، بل يلاحظون ما يستوجبه الظرف والحال، والحيثيّات والزوايا المختلفة، والمصلحة والمفسدة، قبل إلقائهم الصّدق والنطق به، فرُبَّ صدقٍ لا مصلحة في الثرثرة به، فالمتّقون لا يتكلّمون إلّا في موضع يتطلّب الكلام، وفي موضع يكون إلقاء الصّدق فيه مناسباً له.

 

وربطاً بهذا فأولى فضائل المتّقين وصفاتهم ليست هي الصّدق (إذ من دون صدق الحديث لا تتحقّق التّقوى، فكيف يكون الإنسان متّقياً ولا يكون صادقاً!) بل فضيلتهم أكبر من الصّدق، وهي الصّواب.

 

لذلك يُفترض بأهل الإيمان قبل الكلام والحديث التأنّي والرويّة، وأن يفكّر الواحدُ منهم ويلاحظ سائر الحيثيّات والجهات قبل نطقه بالصّدق (لا أن ينطق بالكذب، أو بغير حجّة) ليكون منطقه الصّواب، ويكن من أهل الفضائل. أما لو اختار أن ينطق بالصّدق (على افتراض صدقه) دونما نظر إلى سائر الحيثيّات والظروف والأحوال، فوقتئذٍ يكون صادقاً لكنه مع ذلك يصير نزقاً طائشاً وخارجاً عن اللّائق!

2024/10/21

تزكية النفس عبر الدعاء.. خطوات عملية

يمكن أن نحصر القول في أمرين: الأول: الانشغال بجمال وجلال المولى جل وعلا: إن الدعاء هو عبارة عن استحضار للمدعو في نفس الإنسان، فهو لا يدعو فراغاً أو مجهولاً.. بل يدعو جهة معينة ثابتة مشخصة في الفؤاد، وهو يتوجه إلى الله تعالى.. وبالتالي، فإن رب العالمين يتوجه إليه أيضاً، فيكون قلبه مهبطا للتجليات الإلهية، فالذي يدعو سوف يرى بعد فترة من المواصلة شيئاً فشيئاً، من آثار هذا الجمال الإلهي المودع في هذا الوجود.
إن الله سبحانه وتعالى تجلى بشيء من جماله، فخلق الورد، وخلق هذه الصور الحسان في عالم الخلقة، التي يعبر عنها البعض -كما نعلم- بملكة جمال الكون في عالم الصحف وغيره. فهو بإرادته رسم تلك الصور الجميلة التي تذهل الألباب.. فكيف بمن رأى تلك اليد التي ترسم هذه الصور الجميلة في عالم الطبيعة!.. وكيف بمن يريد أن يتجلى بشيء من هذا الجمال في ذاته، لا في طبيعته، ولا في بره وبحره!..
فإذن، إن الدعاء هو الالتفات إلى المدعو بجلاله وجماله، فمن التفت إلى هذا الجمال؛ زهد في كل جمال يزاحمه ولا يطابقه.
الثاني: الدعاء من مصاديق تصفية الذات: لا شك في أن من طلبات المؤمن الكبرى في دعائه، هو أن يزكي ذاته، فبإمكانه أن يروض نفسه، ويصل إلى مبتغاه بالسبل المشروعة، لا كما يفعل المرتاض في الهند في صومعته المزعجة، حيث يقف على الزجاج والشوك وما شابه ذلك.. أو يضع بذرة في التراب، ويقف في الشمس حتى تنمو هذه البذرة!.. إن الإنسان المؤمن في مكان مريح؛ يحصل على ما يريد.. فهذا موسى(ع) {تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.. ويطلب من ربه شرح الصدر: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.
لو أن هذه الآية: -{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}- تحققت في حق مؤمن، لانتهت كل موجبات القلق في حياته، واندفع دفعاً لكل ما يحبه الله ويرضاه، بدون أدنى مجاهدة.. وأيضاً هو لا يرى ميلاً إلى الحرام، ولا غرابة في ذلك؛ لأنه قد حظي بعناية المولى جل وعلا، فحبب إليه الطاعة وكرهه في المعصية.
فمن المعلوم أن رب العالمين يوم القيامة، قبل أن يدخل المؤمنين الجنة، ينزع ما في قلوبهم من حقد وحسد.. كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}، فما المانع أن يسعى الإنسان إلى هذا الأمر وهو في الحياة الدنيا، فليس ذلك بعزيز على الله تعالى، أن يصفي قلب عبده المؤمن من كل الشوائب المانعة من الوصول إليه.

2024/10/12

زوجي مات.. هل يشعر بي إذا كلّمته؟!
بعد وفاة زوجي عفت الدنيا!.. فهل حرام أن أدعو بأن يلحقني به الله تعالى؟.. وهل حرام أن أدعو له دعاء كميل، وأكلمه كأنه معي؟.. وهل يشعر بي زوجي إذا كلمته؟ الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

أولا لا بد من أن نسجل هنا نقطة إكبار لهذا الإحساس والوفاء الزوجي!.. ولا شك أن هذه من بركات الإسلام الذي يربي أتباعه على المحبة والألفة والوفاء، حتى أن ذلك يمتد أثره للمراحل الأخرى من الحياة بما يشمل البرزخ أيضا.. ومن الواضح أن هذه الروحية في التعامل نفتقدها في الاتجاهات المادية، التي ترى انقطاع الحياة مطلقا بانتهاء هذه الأيام القصيرة. 

وأما بالنسبة إلى ما تعيشينه من المشاعر، فإنني أدعوكم إلى التوسط في مجمل حركة الحياة، فإن الإفراط والتفريط كلاهما طرفان مجانبان للحكمة في السلوك العملي والشعورى.. إنا لا ندعو إلى عدم الحزن على فقد الزوج، بل إن هذه الحركة حركة مأجورة عند الله تعالى، فإن المؤمن وجود عاطفي كما هو واضح.. ولكن لا بد من صب هذه الحركة العاطفية في قالب منطقي، فمن ناحية لا بد من الاعتبار بالموت، وكيف أن الإنسان سيفارق حبيبه يوما ما، وهذا بدورة مدعاة إلى التعلق القلبي بالحي الذي لا يموت.. 

ومن ناحية أخرى فإننا نعتقد أن إهداء الأعمال الصالحة للميت، مما سيصل إليه قطعا لو قام بها العبد بشرائطها، فإن الله تعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، وسواء كان العمل يراد به النفس أو الغير، فإن شرف العمل عند الله تعالى، يلازم وصول آثاره إلى العبد حيا كان أو ميتا.. ومن أفضل ما يسعد الميت في حياته البرزخية، هو القيام بصدقة جارية له من: بناء مسجد، أو طبع كتاب نافع، أو ما شابه ذلك. 

وأخيرا: ننصحكم بالابتعاد عن بعض الممارسات التي لم يرد بها أمر شرعي في زيارة الموتى.. وإن كنا نعتقد أنه لو ارتكب الحي خطأ في هذا المجال، فلا معنى للقول أن الميت يعذب بخطأ الحي، عملا بقاعدة: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.

2024/06/30

كيف نستعدّ لـ «يوم عرفة»؟
ينبغي للمؤمن أن ينظر إلى ليالي القدر على أنها محطة للتكامل والتغيير الباطني، لأن ثواب ليلة تُعادل ثواب العمل في أكثر من ألف شهر.

[اشترك]

إن الإنسان الذي ينفرد في قمة جبل ليتفرغ للعبادة ثم يعبد الله في تلك الحال أكثر من ثمانين سنة وهي ألف شهر؛ لبلغ مقاما شامخا. أليست هذه السنوات الثمانين قد اختصرها سبحانه لنا في ليلة واحدة؟ أكثر من ثمانين سنة من العبادة الخالثة؛ فلا يتخلل هذه السنوات أكل ولا شرب ولا نوم ولا ما شابه ذلك. فلو اغتنم المؤمن هذه الليالي، ألا يصل إلى المقامات العالية؟ وقد يسأل سائل فيقول: أيعقل أن ينال الرجل في ليلة ما يناله العابد في سفح جبل في أكثر من ثمانين سنة؟ وأقول: نعم، يُعقل هذا. لأن الأول يتكل على جهده وصاحب ليلة القدر يتعرض إلى الفضل الإلهي. فالذي يُعطيك بأقل الأعمال جنة عرضها السماوات والأرض، يُعطي العباد مقام ألف شهر في ليلة واحدة.

إن يوم عرفة يشبه ليلة القدر في تفضل الله فيه على العباد. فمن فاتته ليلة القدر أو لم يُحيها كما ينبغي، فعليه أن يغتنم يوم عرفة الذي لم يُرى الشيطان في يوم ذليلا حقيرا كمثله. ولا ينبغي أن يقول قائل: إنني بحمدالله أديت ما علي في ليلة القدر، فتفوته فرصة يوم عرفة. لا نجد مؤمنا لا يدعو الله عز وجل في ليلة القدر ومع ذلك نرى الكثير من المؤمنين يشعرون بأنهم مقصرون وأنهم لم يُعطوا ليالي القدر حقها، ولذلك أعينهم شاخصة نحو هذا اليوم.

كيف نستعد لاغتنام الفرصة في يوم عرفة؟

فمن أيقن بعظمة يوم عرفة استعد له قبل مجيئه. إن من يُريد السفر، يشتري التذكرة ويحجز مكانا ويجدول سفره ذهابا وإيابا وإلى آخر ذلك. إننا نتهيئ لاستقبال شهر رمضان المبارك من خلال ما نقوم به من الأعمال في شهري رجب وشعبان ونستعد لليالي القدر في الأيام التي تسبق هذه الليلة من شهر رمضان المبارك. وينبغي أن نتهيأ لهذا اليوم كما هيأ الله موسى (ع) حيث وعده ثلاثين ليلة وهي الليالي الثلاين من شهر ذي العقد وأتممها بعشر وهي الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة كما ذهب إلى ذلك الكثير من المفسرين. وينبغي أن يلتزم المؤمن بصلاة بين المغرب والعشاء في العشرة الأولى من شهر شي الحجة يقرأ فيها بالإضافة إلى سائر التفاصيل التي ذكرتها كتب الدعاء قوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)[١].

كان يتحسر على الحج، فقلت له: أين أنت عن زيارة الحسين (ع)؟!

لقد رأيت ذات يوم رجل في مشهد أمير المؤمنين (ع) يتحسر على الحج كثيرا وكان يحاول بشتى الطرق أن يجد للحج سبيلا. فقلت له: لماذا تتألم وباستطاعتك زيارة الحسين (ع)؟ هل الذي يزور الحسين (ع) مغبون أو خاسر؟ إن على المؤمن أن يسعى للحج الواجب بكل ما أوتي من مال وقوة حتى إن اضطر إلى أن يبيع بعض ما يملك إسقاطا للتكليف ولكن إن لم يُوفق لذلك فليكثر من الدعاء الذي نلهج فيه في شهر رمضان والذي نطلب فيه من الله حج بيته الحرام.

لقد كنا في مرات كثيرة في الحج يوم عرفة، وهو يوم تكتظ فيه الخيام ودرجة الحرارة عادة ما تكون مرتفعة ولا يوجد ظل أحيانا يُستظل به، ناهيك عن كثرة الضجيج والإزعجات والتقييد الذي يفرضه الإحرام وإلى آخر ذلك. ولكن الأمر يختلف عند الحسين (ع)؛ حيث الأجواء مهيئة وليس ثمة مزعج، ولا مزاحم، وهناك من يقرأ دعاء عرفة من أوله إلى آخره، وهو ملتصق بضريح الحسين (ع)  صاحب الدعاء. فهل تظن أن مقامك هذا مقام هين؟ إن هذا الإنسان جدير بأن يغبطه المؤمنون. فإذا فاتك الحج؛ لا تفتك زيارة الحسين (ع) في يوم عرفة. وقد تعطى عند الحسين (ع) ما لا تعطى عند غيره، لما روي عن الإمام الصادق (ع): (إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْدَأُ بِالنَّظَرِ إِلَى زُوَّارِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ)[٢].

هؤلاء يفضلهم الله على زوار بيته

وقد يعجب البعض من هذه الرواية ويعدها مبالغة وليس في الأمر مبالغة. تصور أنك دعوت أنا إلى منزلك ليلة، وهم ضيوفك، وأعزاء عليك، تُكرمهم وتُحسن وفادتهم. ولكن في الأثناء يُصاب ولدك بحادث سير فينزف دما وهو على وشك الهلاك؛ فيأتيه طبيب ويقف عليه ويأخذه إلى المستشفى ويهتم لك بعلاجه، ويرجعه لك حياً. في مثل هذه الحالة؛ هل تستقبل الطبيب أولا وبحرارة بالغة أم تستقبل زوارك؟ بالتأكيد تستقبل الطبيب، لأنه أنقذ ولدك. إن الحسين (ع) هو الذي نقرأ عنه في الزيارة: (اِسْتَنْقَذَ عِبَادَكَ مِنَ اَلْجَهَالَةِ وَحَيْرَةِ اَلضَّلاَلَةِ)[٣]. لقد خرج الحسين (ع) لطلب الإصلاح في أمة جده (ص)، ولولا الحسين (ع) لما بقي من الإسلام إلا اسمه. كيف لا وهو قد وقف أمام من كان يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل

أين أنت عن هذا الكتاب؟

وهناك أعمال كثيرة في ذي الحجة وفي يوم عرفة؛ يجدر بالمؤمن أن يراجع كتاب الإقبال للسيد ابن طاووس للوقف عليها، بغض النظر عن الأعمال التي وردت في كتب أخرى ككتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين. إنه كتاب قيم لصاحبه الذي عُرف عنه أنه كان ممن يتشرف بلقاء الإمام المهدي (عج). لو أحصينا في تاريخ الغيبة الكبرى الشخصيات المعدودة التي تشرفت بلقاء إمام زمانها؛ لكان هذا السيد الجليل أحدهم، وكان يُلقب بسيد المراقبين، وجمال السالكين.

ورد في الإقبال؛ أن من يريد يوم عرفة مميز، فلابد وأن يهيأ نفسه من أول النهار. إذا انشغل المؤمن أول النهار بالقيل والقال وبالسوق والعمل؛ كيف يُقبل في دعائه؟ يأخذ الكثير إجازة لأسبوع أو أسبوعين، من أجل الاصطياف في الجبال العالية  والوديان السحيقة، والأجدر بهؤلاء أن يُخصصوا بعض هذه الإجازات لأيام العبادة كالعشرة الأولى من شهر ذي الحجة. إن يد الشيطان مغلولة في شهر رمضان المبارك، والمؤمن في ضيافة الله سبحانه، أنفاسه تسبيح ونومه عبادة؛ ولكن الشيطان لا يدعه وهذا المكاسب وإنما يُحاول النتقام منه في أول أسبوع من شهر شوال، فإن فلت منه في تلك الأيام، تربص به في يوم عرفة ليرحمه الدعاء والمناجاة.

يا حذار من العقاب في يوم عرفة

ألسنا نقرأ في دعاء أبي حمزة: (اَللَّهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ وَتَعَبَّأْتُ وَقُمْتُ لِلصَّلاَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعَاساً إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ وَسَلَبْتَنِي مُنَاجَاتَكَ إِذَا أَنَا نَاجَيْتُ)[٤]. فقج تفتح في يوم عرفة كتاب المفاتيح؛ فيلقى عليك النعاس، وتبتلى بقسوة القلب. إن رجلا شكا إلى أمير المؤمنين (ع) أنه لا يقوم لصلاة الليل، فقال له (ع): (احدنا يشتري منبهة، ساعة، يوصي أهله ليوقظوه، لا ينفع الجثة الهامدة، الامام ذكر السبب؛ قال: (أَنْتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنُوبُكَ)[٥]. قد تشتري أفضل المنبهات وتوصي أهلك أن يوقظوك لصلاة الليل مثلا وقد تنام باكرا ومع كل ذلك لا تستيقظ، لأن الله سبحانه يريد أن يعاقبك.

فاحذر العقاب في يوم عرفة أيضا. إنني كنت أرى في بعض الخيام في الحج من الحجاج من جاء إلى الحج، ودفع الأموال، وهو ينتظر لسنوات، وفي يوم عرفة وقت الزوال، يصلي صلاة سريعة؛ لئلا يفوته طعام الغداء…! ثم يكثر من الطعام فيثقل ويستلقي في زاوية الخيمة، ثم يدعو وهو مستلق على الأرض أو يسمع دعاء الآخرين. ثم بعد ذلك يؤذن المؤذن ويذهب إلى مزدلفة. إن هذا الرجل لم يُكرمه الله عز وجل ولم يدعوه إلى بيته وإنما أتى إسقاطا للتكليف. فإذا أردنا ألا نُبتلى بذلك؛ فينبغي لنا الاستعداد ومراقبة القول والنظر فضول الكلام، والهذر، والنظرة المحرمة، وإلى آخر ذلك.

من أهم التهليلات في أيام ذي الحجة

وما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام؛ أيام عشرة ذي الحجة، وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي اَلْحِجَّةِ يَقُولُ هَذِهِ اَلْكَلِمَاتِ عَشْرَ مَرَّاتٍ عِنْدَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا: لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ اَللَّيَالِي وَاَلدُّهُورِ لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ أَمْوَاجِ اَلْبُحُورِ لاَ إله إلا اَللَّهُ رَحْمَتُهُ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ  لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ اَلشَّوْكِ وَاَلشَّجَرِ لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ اَلشَّعْرِ وَاَلْوَبَرِ لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ اَلْحَجَرِ وَاَلْمَدَرِ لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ لَمْحِ اَلْعُيُونِ لاَ إله إلا اَللَّهُ فِي اَللَّيْلِ إِذٰا عَسْعَسَ، وَفِي اَلصُّبْحِ إِذٰا تَنَفَّسَ، لاَ إله إلا اَللَّهُ عَدَدَ اَلرِّيَاحِ فِي اَلْبَرَارِي وَاَلصُّخُورِ لاَ إله إلا اَللَّهُ)[٦].

وهي تهليلات منعشة لو تأمل فيها الإنسان. وإن البعض ليعجب من الأعداد الهائلة النجومية، وعدد الشعر والوبر، ويقول: كم على الأرض من الدواب؟! وكم من الأمواج؟! وكم هي لمح العيون في كل يوم لمليارات البشر؟ لو جمعت هذه الأعداد لتجاوزت مليارات المليارات، فكيف يُعطي الله سبحانه هذا الأجر على هذه الكلمات البسيطة؟ نعم، يُمكن لرب العالمين في مجلس واحد أن يعطيني هذا الأجر العظيم.

لماذا تستغرب من عطاء الله؟

ولا تستغرب من عطاء الله هذا. لقد سبق أن عامل رب العالمين المؤمنين بهذه المعاملة. إن المؤمن يعبد الله ستين سنة ناقصا منها أيام البلوغ، وأيام الجاهلية وساعات الأكل والشرب والنوم؛ فيُعطيه الله سبحانه أبد الآبدين ويبقى في الجنان إلى ما شاء الله. إن الرب الذي يعطيك الخلود بعمر قصير؛ ما المانع من أن يعطيك هذا الأجر العظيم بهذه الكلمات؟ فكما يقول العلماء: لا فرق عند صاحب الإرادة الخلاقة؛ بين الصغير والكبير. قد تتمنى المرأة قطعة من الذهب صغيرة فيشتريها لها زوجها ولكنه إن أرادت صحنا ذهبيا قد لا يُمكنه ذلك. إنك تستطيع أن تقول لها: تخيلي صحنا من ذهب أو فضه وهي تتخيل ذلك؛ فالتخيل سهل ولكن الإرادة والشراء صعب. إلا أن الله سبحانه إرادته واقعية، فإذا أراد شيئا يكون، ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير. إن إرادتك خيالية، وإرادة رب العالمين إرادة واقعية.

إن قوام التسبيحات؛ التهليل، فما هو التهليل؟

لا إله إلا الله تعني: يا رب، لا إله غيرك ولا مؤثر في الوجود إلا أنت. لقد انتهى ذلك الزمن الذي تُعبد فيه اللات والعزى وانتهى زمن الأصنام. وإنما ينبغي ألا يعتقد المؤمن في قرارة نفسه؛ أنه لأحد غير الله تأثير في هذا العالم. اذهب إلى الطبيب، وليقم لك بالعملية المطلوبة؛ ولكن قبل أن تدخل غرفة العمليات، قل: يا رب، أنت الشافي، وأنت الكافي؛ فقد يخون هذا الطبيب العلاج. وتقدم لخطبة من تريد، ولكن قل: يا رب، إن قلوب العباد بيديك، وما علي إلا أن أتقدم؛ فلين قلبها لي. وإذا لم يلن قلبها، فاشكر الله عز وجل على أنه لم يُردها لك زوجة لأنها لا تناسبك. فبعض الشباب يصر على امرأة وهو لا يعلم صلاحه، والأجدر به أن يوكل الأمر إلى من يعلم مصالحه ويأخذ بيده إلى مراشده.

الهوامش: [١] سورة الأعراف: ١٤٢. [٢] كامل الزيارات  ج١ ص١٧٠. [٣] المزار الکبير  ج١ ص٤١٧. [٤] البلد الأمین  ج١ ص٢٠٥. [٥] الکافي  ج٣ ص٤٥٠. [٦] إقبال الأعمال ج١  ص٣٢٤.
2024/06/15

من هو الإنسان الموفّق؟
هناك جُمل وتعبيرات متداولة في يوميّات حياتنا، ولكن حين تُخضعها للفحص والتحليل، لا تجدها تتضمّن مفاهيم واضحةً، أو منضبطة.

[اشترك]

مثلاً سمع كلُّنا عبارة: "وراء كُلِّ رجلٍ عظيمٍ امرأةٌ عظيمةٌ"، ولا يُعلم ماذا يُقصد من العظمة التي جاءت وصفاً في هذه العبارة للرجل والمرأة! هي عظمة وفق أي مقياس؟ وفق منظور الدّين الذي لا نجد فيه توصيف الإنسان بالعظمة؟ أم وفق منظور آخر؟ وما هو المعيار في العظمة بحيث حتى لو افترضنا عدم توفّر أمور أُخرى فهو لا يؤثّر فيها؟ هل هو الإنسان الذي يستعمل الحِيل والمكر ويستغل الفرصة ولو بشكلٍ سيء لتحقيق أهدافه، فيكون عظيماً؟ هل هو الإنسان الذي تكون الغاية عنده مُبرِّرة للوسيلة مهما كانت دنيئة؟ وهل يمكننا أن نعكس العبارة ونقول: وراء كلّ امرأة عظيمة رجلٌ عظيم، أو كذلك امرأة عظيمة، لتكون المرأة العظيمة وراء كلّ رجل وامرأة عظيمين؟ وفي المحصّلة لن نُمسك بشيئ يُطمئن إليه ونقول في ضوئه بصحّة تلك العبارة!

وفي المقابل، نجد في منظومة تعاليم الدين مفاهيم وتعبيرات وصف بها الإنسان، وأحد تلك التوصيفات مفهوم: التوفيق.

ولا شك أن مفهوم التوفيق عام يشمل جوانب ومساحات مختلفة، بدءاً بالأمور الدينية والعبادية والتزام خط التقوى، وانتهاءً بالأمور الحياتية والماديّة. ومفهوم التوفيق يتضمّن النجاح، الذي هو الظّفر، وتحقيق نتيجة، فالإنسان المُوفّق هو إنسان ناجح.

وإذا صرفنا النظر عن جانب الأمور المادية والحياتية، فالمُوفّق هو المُلتزم خط التقوى، المُمتثل للواجبات، والمنتهي عن المُحرّمات. فالإنسان المُوفّق ملتزم بما يريده الله تعالى منه، ومن الطبيعي أن للنيّة دوراً كبيراً في قبول عمل الإنسان، فلا بُد أن يكون مُخلِصاً لله تعالى في عمله حتى يُقبل منه، وبقدر ما يكون الإنسان مخلصاً لله تعالى فهو يُوفّق لأداء الطاعات، والأفعال الخيّرة. لذلك يمكننا أن نقول: وراء كلّ إنسان ناجحٍ عملٌ بإخلاص وتوفيقٌ من الله تعالى.

روى الشيخ الصّدوق (ره) في كتاب التوحيد، روايةً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وممّا جاء فيها: «إذا فعل العبدُ ما أمره الله عزَّ وجل به من الطّاعة كان فعله وفقاً لأمر الله عزَّ وجل، وسُمّي العبد به موفّقاً»، [التوحيد، ص ٢٤٢، ح ١، باب ٣٥].

2024/06/10

الاستعداد للذبح.. دروس من إبراهيم وإسماعيل (ع)!
بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾[1].

[اشترك]

وهذا شيءٌ عجيب فلاحظوا كيف هو الأب وكيف هو الابن، فالأب يقول للابن أني أرى في المنام هذا الأمر فماذا تقول والابن يجيبه أيضاً بتمام الخضوع والخشوع ويقول له ﴿ يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾، فهذه الآية الكرية تعلمنا جملة من الدروس أحدها أنَّ المؤمن لابد وأن يكون خاضعاً للتكاليف الإلهية كتسليم إبراهيم وإسماعيل عليهما، فنلاحظ أنَّ الابن يشجع الأب على فعل ما يأمره الله به أبيه وهذا درس لنا فإنه يلزم أن نخضع دائماً للتعاليم الإلهية والامتثال لها.

وأقول شيئاً: - وهو أنَّ من جملة أدعيتي التي ادعو بها دائماً أن أقول: - (  اللهم لا تجعلني مورداً للامتحان والابتلاء فإني أخاف أن تكلفني بشيءٍ أو تبليني بابتلاءٍ لا أتمكن من الصبر عليه ).

ثم تكلم إسماعيل عليه السلام بكلمةٍ اعطانا فيها درساً فقال: - ﴿ ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾، ومع الأسف بعضنا لا يأتي بكلمة إن شاء الله تعالى في كلامه فمثلاً يقول سوف أجيئك يوم كذا ولا يربطها بمشيئة الله تعالى والمفروض أنه لابد وأن يجعل مشيئة الله تعالى على طرف لسانه دائماً.

كما تعلمنا هذه الآية أنَّ المؤمن عليه أن يستعين بالله عزَّ وجلَّ في جميع أموره كما استعان به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، كما يلزم أن ندعوا بهذا الدعاء دائماً ونقول: - ( اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً واحفظنا من جميع الاسواء والبلايا وارزقنا خير الدنيا وخير الآخرة وبارك لنا في جميع أمورنا بحق محمد وأهل بيته الطيبين الاطهار ).

الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الأربعاء:- 27 / ذو العقدة / 1445هـ ق  الموافق 05 / 06 / 2024م الهوامش: [1] سورة الصافات، الآية102.
2024/06/05

لهو ولعب.. هذه الحياة ليست حقيقية!
قال تعالى: ﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾[1].

[اشترك]

تقارن هذه الآية المباركة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة وتقول إنَّ الحياة الدنيا ليست بحياة وإنما الحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة، ولماذا هذه الحياة ليست بحياة وتلك هي الحياة الحقيقية؟ إنَّ هذا واضح لأنَّه ما هي أقصى مدة يمكن أن نعيشها في حياتنا الدنيا فهل هي مائة سنة أو ألف سنة أو مليون سنة ولكن هذا بالقياس إلى الحياة الآخرة لا يعد شيئاً فإنه لا حدود للحياة في الآخر وإنما ﴿ هم فيها خالدون ﴾، وهذه قضية يلزم أن يتصورها المؤمن فإنَّ تلك الحياة فيها خلود وأما هذه الدنيا فهي عدَّة سنوات وسوف تنقضي، وعليه هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية وإنما الحياة الحقيقية هي تلك الحياة وأما هذه الحياة فهي لعب ولهو بأن نبني دارا أو نشتري سيّارة ثم تنقضي ولذلك يعبر عنها القرآن الكريم يقول: ﴿ وما هذه الحيوات الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾ أيَّ أن الآخرة هي الحياة الحقيقية لأنها مستمرة وائمة، ومن الواضح أنَّ حياتنا الدنيا قد بأمور تافهة ولكن الآية الكريمة تقول لنا اشتغل فيها بالأمور التي تنفعك في تلك الحياة ومنها أن نجعل تدريسنا ودرسنا ومنبرنا وتأليفنا لله عزَّ وجل حتى ننتفع بها في تلك الحياة الحقيقية، لكن البعض تراه يهتم بأن يؤلف كتاباً هنا ويكتب اسمه عليه ويذكر ألقاباً فهذا ليس بصحيح بل الآية الكريمة تقول إنه هذا سينتهي وعليك أن تصنع شيئاً لا ينتهي وهو أن يكون العمل لله عزَّ وجل فإنه و الذي يبقى خالداً.

فتعالوا اخوتي واعزتي أن نجعل جميع اعمالنا لله عزَّ وجل وليس لأجل اهداف دنيوية فإنَّ الانسان لابد وأن يكون على حذر، وهذا الأمر ليس بالسهل وإنما يحتاج إلى استعانة بالله عزَّ وجل، ولذلك علينا أن نكثر من هذه الجملة فنقول: - رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وخذ بيدي في جميع أموري لمرضاتك بحق محمد وآله الطاهرين.

الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الأربعاء: 20 / ذو العقدة / 1445هـ ق  الموافق 29 / 05 / 2024م [1]  سورة العنكبوت، الآية64.
2024/05/29

تذكّر القبر والحساب قبل أن تُذنب!
قال تعالى: - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾[1]. تدل هذه الآية الكريمة على أنَّ المتقين يمر عليهم الشيطان احياناً ويصنع ما يصنع ولكن الفارق بين المتقي وغيره أن غير المتقي يبقى مع الشيطان ويتماشى معه، أما المتقي فسرعان ما يلتفت ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويندم على ما صنع، وهذا هو الفارق بين المتقين وغيرهم.

لاحظ قوله تعالى:- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ أي يبصرون طريق الحق وطريق الهداية والطريق الصحيح، فإنَّ المؤمن يتذكر أنه وراءه وقبر وسؤال فيفكر بماذا يجيب عما صنعه من محرمات فإذا كان هذا موجوداً في باله فسوف يدعوه إلى التوبة عمّا صنعه من محرمات وهذا هو الفرق بين المتقي وغيره فإنَّ غير المتقي يتمادى في ارتكاب المحرمات وأما المتقي فسرعات ما يعود إلى الله تعالى ويتذكر بالتالي أنه سوف يدفن في تلك الحفرة الضيقة التي لو اوسعت يدا حفارها لأضغطها الحجر والمدر ولسدَّ فرجها التراب المتراكم، فالمتقي عليه أن يجعل تلك الحفرة المظلمة أمامه فإذا فعل ذلك ارتدع عن فعل المنكر.

كما أنَّ المؤمن بحاجة إلى مجموعة من الأمور كي تخفف عنه وساوس الشيطان والنفس الامارة بالسوء، منها التصميم، فينبغي للمؤمن أن يندم من الآن على ما فعله فإنَّ الندم عمّا فعله هو بنفسه تصميم على أن لا يفعل هذا المحرم أو غيره مرة أخرى، ومنها الابتعاد عن المجالس التي قد يرتكب فيها الحرام كمجالس الغيبة أو النميمة ولا يحضرها، ومنها الاستعانة بالله عزَّ وجل دائماً وأن يدعو الله تعالى دائماً يقول يا ربّ أنا ضعيف فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وخذ بيدي في جميع أموري فإنَّ هذا شيء مهم، ومنها أنه يتذكر تلك الحفرة الضيقة - القبر - فإنه سوف يوضع فيها في نهاية المطاف فليرى فماذا يصنع وماذا يجيب هناك.

إلهي لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً بحرمة محمد وألة الطاهرين

الموعظة الاسبوعية لسماحة آية الله الشيخ باقر الإرواني ليوم الأربعاء:- 13 / ذو العقدة / 1445هـ ق  الموافق 22 / 05 / 2024م
[1]  سورة الأعراف، الآية201.
2024/05/25

وصفة لـ «ترك المعاصي».. من آية الله السيد محمد صادق الروحاني (قدس)
السؤال: كيف يوفّق الإنسان إلى ترك المعاصي حتّى تسمو روحه معنويّاً ؟

[اشترك]

الجواب من سماحة السيد محمد صادق الروحاني [طاب ثراه]:

باسمهِ جلّت أسماؤه : ترك المعاصي يحتاج إلى قوّة الإرادة ، والإصرار على تحصيل رضى اللَّه سبحانه ، والابتعاد عن أسباب التفكير في المعصية كمشاهدة الأفلام أو محادثة النساء ونحو ذلك ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والمعاصي ، وكلّ شخص أبصر بالأسباب التي تثيره نحو المعصية المُبتلى بها .

المصدر: أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق ، ج ٢ - نقلاً عن رياض العلماء
2024/05/12

ما هو العمل الصالح؟
بسم الله الرحمن الرحيم قال عزَّ من قائل:- ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾[1].

هذه الآية الكريمة تقول في حق المؤمنين إنَّ الذين يعملون الصالحات طوبى لهم يعني لهم أطيب العيش فإنهم في الجنَّة، ومعنى ( حسن مآب ) أي حُسْنَ المرجِع، فإنَّ المرجع هو الجنَّة مع الصلحاء وهم فيها خالدون لا أنهم يبقون فيها ألف سنة أو مليون سنة أو غير ذلك بل يبقون فيها خالدين، ثم قالت الآية الكريمة ﴿ وعملوا الصالحات ﴾ فما هو العمل الصالح حتى يصنعه المؤمن كي يكون مشمولاً للآية الكريمة فهل يبني مسجداً أو حسينية أو يدرّس أو يؤلف الكتب أو ماذا؟ الجواب:- العمل الصالح هو كل عملٍ حسنٍ يؤتى به لوجه الله تعالى، وعليه فلابد وأن يجتمع أمران في العمل حتى يكون صالحاً، الأول أن يكون حسناً، والثاني أن يكون لوجه الله تعالى، والله تعالى يعلم بالنوايا فلابد وأن تكون النية هي قصد وجهه الكريم، وعلى هذا الأساس يكون حضور مجلس التعزية من الصالحات والتدريس من الصالحات والمشي للزيارة من الصالحات ... وهكذا، فالمدار على النوايا فإن كانت النية هي الله تعالى فالعمل يكون صالحاً وإلا فلا فهو لا شيء، والقرآن الكريم يؤكد هذه القضية ولكنها مسألة صعبة فإنَّ الشيء المهم واحدٌ وهو أن تكون نية العبد لله عزَّ وجل، فإذا كانت النية لله عزَّ جل فهذا العمل يكون صالحاً وحينئذٍ تكون له الجنة خالداً فيها، وأما إذا كانت بعض النوايا موجودة في البين فهذا العمل لا يكون صالحاً مهما بلغ، فتعالوا نحاول أن نجعل اعمالنا لله عزَّ وجل في الدرس وفي المشي إلى كربلاء وفي غير ذلك من الاعمال، وإذا قلت:- هذا صحيح ولكن ليس هو بالأمر السهل فهل يوجد ما يعين على أن تكون النية طيبة وصالحة؟ قلنا: - إنَّ المعين هو الدعاء، فعلينا أن نتوجه إلى الله عزَّ وجل وندعوه بأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه ونقول أيضاً اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ أبداً واجعل اعمالنا خالصةً لوجهك الكريم ويكون دعاؤنا مستمراً في كل موضع فإنَّ الطلب من الله عزَّ وجل هو العين في كل مجال.

نسأل الله عزَّ وجل أن يجعل جميع اعمالنا خالصة لوجهه الكريم بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

=========

الهوامش: الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الأربعاء:- 29 / شوال / 1445هـ ق  الموافق 08 / 05 / 2024م [1]  سورة الرعد، الآية29.
2024/05/11

هل تبيع حياتك الأبديّة بربع ساعة؟!
بسم الله الرحمن الرحيم قال عز من قائل:- ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾.

 

 تقول هذه الآية الكريمة أنَّ الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الآخرة هي كالمتاع، فمثلاً المتاع الذي نأكله الآن فترته قصيرة جداً كما لو أراد الانشان أن يتناول الغداء فإن فترة الغداء هي بمقدار ربع ساعة مثلاً، فنسبة الحياة الدينا إلى الحياة الآخرة هي بمثل هذه النسبة يعني كنسبة ربع ساعة إلى تلك الحياة، فإن تلك الحياة الثانية لا نهاية لها، فصحيح أن للحياة الاخروية بداية بعد الحشر والنشر والحساب ولكن ليس لها نهاية وإنما ﴿ هم فهيا خالدون ﴾فهي ليست مليون سنة ولا مليار سنة ولا أكثر وإنما هي أبدية لا نهاية لها، بخلاف الحياة الدنيا فإن نسبتها إلى الحياة الأخرى كالمتاع الذي هو كنسبة ربع ساعة مثلاً، هكذا هي الحياة الدنيا بالنسبة إلى الآخرة، وإذا كان الامر كذلك فيترتب عليه أنه هل يكون عملنا لأجل هذه الربع ساعة المنتهية أو يكون عملنا لأجل إلى تلك الحياة الأبدية؟ إنه ينبغي للمؤمن أن يعتني بتلك الحياة الأبدية وأما هذه الحياة فلا يعير لها أهمية فيعمل الاعمال الصالحة النافعة له في تلك الحياة ولا يعمل الاعمال التي تضره فيها كالغيبة والنميمة والكذب وما شاكل ذلك فإن مثل هذه الأفعال لا تنفعنا هناك، فتعالوا أعزتي وأحبتي لنصمم على فعلالاعمال الصالحة التي ننتفع بها في تلك الحياة التي لا نهاية لها ونهجر ما يضرنا فيها، ولكن هذا ليس بالأمر السهل ولكن توجد عوامل مساعدة في هذا المجال تساعدناعلى فعل الأعمال الصالحة وهي اثنان الأول التصميم على فعل الصالحات، فأنت تأمَّل في هذا الواقع الذي نعرفه فإذا تأملنا فيه خصوصاً مع ملاحظة روايات أهل البيت عليهم السلام ومع ملاحظة ما يقوله القرآن الكريم نجد يساعدنا على فعل الصالحات، والثاني هو طلب المعونة من الله عز وجل فمن دون الاستعانة به يصعب الحصول على هذه النتيجة الطيبة، فتعالوا لنكثر من الاعمال الصالحة ومنها أن نتوجه إلى الله تعالى في كل أمورنا ونقول رب لا تكلني إلى نفسي طرف عينٍ أبدًا وخذ بيدي في جميع أموري بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الأربعاء 22 / شوال / 1445هـ ق الموافق 01 / 05 / 2024م
2024/05/04

الإصرار على الذنوب.. كيف نتخلّص منه؟!
إعلم أن الطريق إلى تحصيل التوبة، والعلاج لحل عقدة الإصرار على الذنوب: أن يتذكر ما ورد في فصلها - كما مر - وتذكر قبيح الذنوب وشدة العقوبة عليها، وما ورد في الكتاب والسنة من ذنب المذنبين والعاصين، ويتأمل في حكايات الأنبياء وأكابر العباد، وما جرى عليهم من المصائب الدنيوية، بسبب تركهم الأولى وارتكابهم بعض صغائر المعاصي، وأن يعلم أن كل ما يصيب العبد في الدنيا من العقوبة والمصائب فهو بسبب معصيته كما دل عليه الأخبار الكثيرة ويتذكر ما ورد من العقوبات على أحاد الذنوب:

كالخمر، والزنا، والسرقة، والقتل، والكبر، والحسد، والكذب، والغيبة وأخذ المال الحرام... وغير ذلك من آحاد المعاصي مما لا يمكن حصره، ثم يتذكر ضعف نفسه وعجزها عن احتمال عذاب الآخرة وعقوبة الدنيا، ويتذكر خساسة الدنيا وشرف الآخرة، وقرب الموت ولذة المناجاة مع ترك الذنوب، ولا يغتر بعدم الأخذ الحالي، إذ لعله كان من الإملاء والاستدراج.

فمن تأمل في جميع ذلك وعلم ذلك على سبيل التحقيق انبعثت نفسه للتوبة البتة، إذ لو لم ينزعج إلى التوبة بعد ذلك، فهو أما معتوه أحمق أو غير معتقد بالمعاد، وينبغي أن يجتهد في قلع أسباب الإصرار من قلبه: أعني الغرور، وحب الدنيا، وحب الجاه، وطول الأمل... وغير ذلك.

المصدر: كتاب جامع السعادات
2024/04/23

ماهو علاج «هواجس النفس»؟
المسألة: أحياناً تنتابني أفكار مسيئة للعقيدة فهل أكون بذلك عاصياً أو كافراً؟ وما هو علاج هذه المشكلة؟

الجواب:

هذه الهواجس والوساوس لا أثر لها على دين المؤمن مالم يرتِّب عليها أثراً, وهي من الأمور التى رُفع فيها القلم كما ورد عن النبي (ص) "رُفع عن امتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان .. والتفكير في الوسوسة في الخلق مالم ينطقوا بشفة"(1).

ويحسن بالمؤمن إذا انتابته مثل هذه الهواجس ان يُغفلها ويتشاغل عنها فإنها تزول بذلك، كما يحسن منه تكرار هذا الذكر "لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 293.
2024/04/16

إحذر.. الشيطان يعرف نقاط ضعفك!
تنتابني حالة من الخوف من الشيطان، فإني أخاف من انتقامه مني، وخاصة بعدما أتقدم في طريق الطاعة إلى الله تعالى.. فبماذا تنصحني في هذا المجال؟.. الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

الخوف في محله!.. وأما بحسب الأذكار فعليكم الإكثار من المعوذات، أي القلاقل الأربعة: (المعوذتين والتوحيد والكافرون) أضف إلى أية الكرسي صباحا ومساء. وأما بحسب العمل فإن سلاح الشيطان في إغواء بني آدم هي: المعصية صغيرها وكبيرها، فحاول الابتعاد عن كل صورها؛ لئلا يجد الشيطان موضع قدم له في حياتكم. 

واعلم أنه قد حُذرنا من عدم تعويد الخبيث، بمعنى أن لا نجعل الشيطان يتعود الدخول إلينا من منفذ من المنافذ، فلكل إنسان نقطة ضعف في حياته، والشيطان خبير بتلك النقاط، إذ أنه يعاشر الإنسان منذ ولادته، فلا تخفى عليه تقلباته والمنافذ التي يمكن أن ينفذ من خلالها إلى قلب العبد. واعلم أخيرا هذه الحقيقة المخيفة، وهي: أنه لولا فضل الله تعالى علينا ما زكى منا من أحد أبدا، ولكن من أين نحرز هذا الفضل الذي يحقق لنا هذه الحصانة الإلهية؟!.

2024/04/06

2024/03/28

نصائح آية الله الشيخ الإيرواني لطلبة العلم في شهر رمضان
الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الاربعاء:- 24 / شعبان / 1445هـ ق  الموافق 06 / 03 / 2024م

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عزَّ من قائل:- ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1].

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لإدراك شهر رمضان وصومه وأداء حقه بالخير والعافية والسلامة.

إنَّ هذا الشهر هو شهر الطاعة والانشغال بطاعة الله عزَّ وجل، والطاعة يجمعها عنوان واحد وهو كون المأتي به لوجه الله تعالى، فكل عملٍ تؤتى به لوجه الله تعالى فسوف يصير طاعة، فلنحاول تحويل اعمالنا طاعة الله عزَّ وجل، وأنحاء الطاعة كثيرة وسوف أذكر لكم بعض الأمثلة، فأنا حينما كنت في مدينة قم المقدسة - في ذلك الوقت المظلم - طلبوا مني إلقاء محاضرات في حسينية فاستعداداً لذلك قمت بمراجعة القرآن الكريم مرة ومراجعة نهج البلاغة أخرى ومراجعة روايات أهل البيت عليهم السلام ثالثـة، ففي القرآن الكريم لاحظت الآيات التي فيها فائدة وموعظة لعامة الناس فسجلتها وألقيت على ضوئها محاضرات، كما لاحظت كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في هذا المجال وسجلته وألقيت محاضرات ترتبط به، كما لاحظت أحاديث بقية الأئمة عليهم السلام وألقيت محاضرات على ضوئها، وهذه محاولة جيدة ونافعة للإخوة الذين يذهبون إلى أماكن تبليغهم ولعل أكثرهم صنع ذلك ولكن غير الملتفت سوف تنفعه هذه الطريقة، فليسجل ما يرتبط بنهج البلاغة إذا رأى أن فيه موعظة وفائدة يستوعبها عامة الناس - لا أن يأخذ مضموناً صعباً ويتكلم عنه - وهذا شيء نافع قربة إلى الله عزَّ وجل، فأصحاب المنبر الذين يذهبون للتبليغ يتمكنون أن يستفيدوا من هذه الطريقة، وإذا فرض أنه لم يكن من الذين يذهبون للتبليغ في أماكن أخرى وإنما هو باق في النجف الأشرف ففي مثل هذه الحالة ليحاول أن تستفيد في هذا الشهر بمراجعة الكتب، كأن يراجع الكتب الأربعة - التهذيبين والكافي ومن لا يحضره الفقيه - إذا لعل بعض الطلبة لا توجد عندهم صورة واضحة عن هذه الكتب، فعليك أن تراجع الكتب الأربعة وكل ما تشاهده من ملاحظات تستدعي التسجيل عليك تسجيلها، وليراجع المشيخة وبعض الأمور الأخرى التي ترتبط بذلك أيضاً، وهذا أمر مهم فإنَّ طالب العلم لابد وأن تكون له معرفة بالكتب الأربعة بشكلٍ واضح، ولو كنت مراجعاً للكتب الأربعة فتوجد كتب أخرى في هذا المجال ينبغي مراجعتها ككتب الرجال مثل رجال النجاشي ورجال الكشي وغيرهما فإنه لابد وأن يتكوّن لديك انطباع واضح عنها كما ينبغي أن تسجل كل شيء تستفيده منها، ولو كنت مراجعاً لهذه الكتب أيضاً فعليك أن يراجع كتب التفاسير كيف هي حتى تصير عنده صورة واضحة عن التفاسير وأن هذا التفسير كيف هو وذاك التفسير كيف هو،  فمثلاً تفسير التبيان كيف هو وتفسير الميزان كيف هو فتصير عنده صورة واضحة عن التفاسير بحيث تعرف ما يرتبط بهذا التفسير وما يرتبط بذاك، وأنا لا أريد أن أقول عليك أن تطالعها بالتفصيل بل عليك أن تعرف خصوصيات كل تفسير وتسجل كل الملاحظات، وأما بالنسبة إلى كتب التاريخ كتاريخ الطبري وابن الاثير وغيرهما فينبغي أن يكون عندك انطباع ومعرفة واضحة عنها فلا يصح أن يصير عمري سبعين سنة ولم أطلع على هذه الكتب، وأنا أتذكر في السنين الأولى لم تكن هذه الكتب موجود ولكن كنت أذهب إلى مدرسة اليزدي حيث كانت توجد فيها مكتبة فأراجع هذه الكتب وقد استفدت منها الكثير.

وأما بالنسبة إلى الشخص الذي يقوم بالتدريس كأن يدرس الكفاية أو المكاسب أو الرسائل فيمكنه أن يستفيد من تجربتي في هذا المجال - إذا رآها جيدة - حيث كنت أقوم بتدريس أربعة دروس الرسائل والكفاية والمكاسب كما قمت بتدريس الحلقة في قم ولم ادرّسها في النجف، فمثلاً كتاب المكاسب لا يمكن تحضير درسه كل يوم بيومه فكنت أجلس في المكتبة - إما مكتبة مدرسة القزويني أو مكتبة مدرسة السيد اليزدي - واستخرج الحواشي وأراجع ما قاله المحشّون وأسجله في دفتري بحيث يصير الدرس عندي واضحاً، كما كنت أراجع تقريرات السيد الخوئي (قده) المطبوعة وأراجع تقريراته المخطوطة - غير المطبوعة – أيضاً وحاولت استنساخها لأستفيد منها، وأتذكر أني ذهبت إلى السيد محمد الهاشمي(قده) في النجف الأشرف وطلبت منه أن يعطيني تقريرات والده - المخطوطة - على المكاسب والتي طبع منها جزء واحد فقط فأعطاها لي فاستنسختها وأرجعتها له، فالمقصود أني في كل أسبوع كنت أجلس وأقوم بالتحضير لأنَّ تحضير درس الكاسب مثلاً في نفس اليوم صعبٌ مستصعب، وهكذا كنت أتبع هذه الطريقة في الرسائل والكفاية، وحينما هاجرت إلى إيران حملت معي هذه الدفاتر وبمجرد أن وصلت هناك شرعت في التدريس اعتماداً على هذه الدفاتر، فأنت يا أخي العزيز تحتاج إلى هذه القضية أيضاً فإنه لا يمكن تحضير درس المكاسب كل يوم في يومه خصوصاً إذا كان عندك درس ثانٍ من كفاية أو رسائل أو تجريد أو غير ذلك، فعليك أن تبذل جهداً خصوصاً وأنت في عمر الشباب فإنَّ الانسان إذا كبر فسوف تضعف قواه ولا يتمكن من ذلك فانتهز الفرصة واطلب من الله التوفيق واجعل عملك قربة له تعالى فنحن نريد فضلاء جيدين يعرفون تدريس المكاسب والكفاية وما شاكل ذلك، فعليك أن تكوّن نفسك كفاضلٍ قربة لله عزَّ وجل لتنتفع منه الحوزة.

اللهم اجعل اعمالنا جميعاً لوجه الكريم وتقبل منا ذلك بحق محمد وأهل بيته الطاهرين.

الهوامش: [1]  سورة البقرة، الآية 158.
2024/03/16

لماذا التأكيد على زيارة الإمام الحسين (ع)؟
يقول السيد علي الميلاني [حفظه الله]: وبما ذكرنا يظهر الجواب عمّا لو طرح السؤال فيما يخصّ زيارة النبي والأئمّة الأطهار ، وخاصّة الإمام الحسين عليه السّلام ، بأنه لماذا هذا التأكيد على زيارته عليه السّلام في المراسم والمناسبات المختلفة وفي كلّ ليلة جمعة ؟

وما هو السرّ في الحثّ على تكرار ذلك ؟

وما الهدف من الذهاب إلى كربلاء ؟

لأنه إذا زار الإمام مرّة حصل له التوجه والارتباط به والعدول عن غيره بقدرها ، فإذا ما تكررت الزيارة فستنشأ في الزائر ملكة نفسانية وتتأصّل في قرارة نفسه حقيقة واقعية - شاء أم أبى - تجعله مريداً للَّه‌ولحججه الأئمّة الأطهار معرضاً عن غيرهم بالكليّة .

بعبارة أخرى ، تنمو في الزائر - بفعل الزيارة - سلوكية الانقطاع عن الغير ، وتتكرّس هذه السلوكيّة بتكرار الزيارة حتى يتمحّض محضاً ، ليصل إلى درجةٍ لا يلهيه فيها أيمالٍ ولا يشغله أيجاهٍ ولا تخيفه أيّة قوة مهما بلغت .

أجل، فالإنسان بحاجةٍ إلى هذه الدرجة من الإيمان ؛ نظراً لما يحيط به من مخاطر تهدّده بالعدول - ولو عدول وقتي - قد يعتريه حيال أدنى خوفٍ من أحدٍ ، أو طمع بمغريات الحياة أو تبهره هيبة الوجاهات فتقلّل من ارتباطه وميله لإمامه ووليّه .

إذن ، فتكرار الزيارة والمداومة عليها والحضور عند النبيّ والأئمّة المعصومين - عليهم السّلام - سيوجد في الزائر حالة من الانقطاع إلى المولى المعصوم ، والانقطاع عن غيره ، وقد عرفنا أن هذه الحالة مع الإمام هي في الحقيقة مع اللَّه ورسوله ، وإذا ما صار هذا الانقطاع مستقرّاً في نفسه ، فستحلّ فيه حالة الاطمئنان وما أعظمها من درجة ! حيث سيكون من شأن هذا الاطمئنان أن يمنحه مناعة قويّة تحول بينه وبين العدول عن اللَّه ورسوله وأئمّته الطاهرين والانحراف عن ولايتهم .

مع الأئمة الهداة «عليهم السلام» - نقلاً عن رياض العلماء

 

2024/03/09

السيد محمد باقر السيستاني: نحن بحاجة تغيير أنفسنا وأحوالنا.. وهذا شهرُ رمضان أمامنا
مُقتطفاتٌ تربويّةٌ مِن كلمةِ سماحة السيِّد الأُستاذ محمّد باقر السيستاني (دامت بركاته) بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك.

1: ينبغي لنا العناية بأمرِ استحضار اللهِ سبحانه والدّار الأخرة، ولا بُدّ أن تكون البيئة النفسية لنا والهموم العميقة والهواجس، هو هذا المعنى أي نحن للهِ تعالى وصائرون إليه، وهذه حقيقةُ حالٍ آمنّا به.

2: إنَّ المُتبصّرين في هذه الحياة همّهم السير إلى الله تعالى، ويعيشون معه بشعور أنّهم مملوكون له سبحانه ويرجون لقائه، ويشعرون بهذا السير آناً فآناً وخطوةً فخطوة، ونهاراً فنهارا، وليلاً فليلاً، وفي تقلّباتهم الطبيعية من حولهم ، وفي مختلف آنات زمان حياتهم  - يشعرون باقتراب أجلهم واقتراب لقاء الله، وتحصيلهم لدرجتهم التي سعوا إليها.

3: ما سيحصل عليه الإنسان في الآخرة هو نتاج سعيه، لأنَّّ الأمور عند الله سبحانه كلّها بمقدارٍ، فكم أتيتَ وقدّمتَ وسعيتَ؟ ،{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}سورة النساء، { وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}سورة الإسراء.

4: يجب أن تكون للإنسان في هذه الحياة استراتيجية ورؤية عميقة وبصيرة ، بتهذيب النفس والخصال، فلنحبّ الخيرَ للآخرين ، ولتكون أنفسنا كبيرةً ، ونترقّى في أفق التأمّل .

5:  نحن بحاجةٍ حقيقيّةٍ إلى أن نُغيِّرَ أنفسنا وأحوالنا ، ونترقّى في أفق التفكير بالله سبحانه وعبادته والدّار الآخرة ، لنيل قبوله ورضاه ، وبعد أيّامٍ نُحمَلُ إلى قبورنا وتَتَفتّت أعضاؤنا وجوارحنا، وتبقى أرواحنا بتقديرها عند الله ، وكرامتها عنده سبحانه لا تخضع للقرابة من أحدٍ، ولا للأماني ، بل تقديرها يأتي من العمل الصالح والسعي الخالص وعدم الغفلة.

6: أكثر النّاس يرجون السلامةَ في الدّين بالأماني والآمال الزائفة،{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)} سورة البقرة, وبعض النّاس يجعل الدّينَ واجهةً للدنيا بغرورٍ وأماني مغلوطة، ويبرّرون بالدّين تصرفاتهم .

7: وهذا شهرُ رمضان أمامنا ، شهرُ العطاء والفرص المعنوية الفريدة ، والتي لا تتوفّر في شهرٍ آخر غيره  – فعلينا أن نستغلَ هذه الفرصَ بتربية أنفسنا باستحضار ذكر الله تعالى بروح التعبّد له ، وترك التكاسل والتثاقل .

الثلاثاء  23 شعبان / 1445 هجريّة. تدوين: مرتضى علي الحلّي – النجف الأشرف
2024/03/06

في كلمة جديدة.. السيد محمد رضا السيستاني يستبق شهر رمضان بتوصيات مهمّة
بعد توقف دروسه الفقهية بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك تلا سماحة السيد محمد رضا السيستاني دامت بركاته كلمة على مسامع تلامذته تضمنت توجيهات دينية ورؤى ثاقبة تختص بالحوزة العلمية في النجف الاشرف. وخصوصيتها واهمية الحفاظ على رصانتها ومتانتها ومناهجها الصارمة.

نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

نحن على أبواب شهر رمضان المبارك، ولا حاجة إلى التذكير بأنّ هذا الشهر الفضيل أهمّ فرصة تتاح للمؤمن للاستزادة فيه من الخيرات والمثوبات، فينبغي له ـــ ولا سيّما مَن كان في سلك طلاب الحوزة العلمية ـــ استغلال جميع أوقاته لتقوية إيمانه وتزكية نفسه، بالقيام بمزيد من الأعمال الصالحة ومذاكرة العلوم النافعة والتعبّد لله تعالى بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن الكريم ونحوها.

وبالنظر إلى أنّه من أهمّ مواسم التبليغ الديني ينبغي للأعزة الذين يتمكنون من القيام بهذا العمل الرسالي أن لا يتوانوا في ذلك، كلّ حسب ما يتيسّر له، ولا بدّ أن نتذكر جميعاً بأنّ الوظيفة الأساس لأمثالنا هي أن نقرّب الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله الكريم وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) ونثبّتهم على العقائد الحقة والالتزام بأحكام الشريعة المطهّرة، ولا يتيسّر ذلك إلا بأن تصدّق أعمالنا أقوالَنا ونطبّق ما ندعو الآخرين إليه على أنفسنا وأهلينا أولاً، نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لذلك ويُسعدنا بأداء حقّ شهر رمضان العظيم ويوفقنا لصيامه وقيامه ويجعلنا من عتقائه من النار.

وهناك أمر مهمّ أجد من الضروري التذكيرَ به، وهو أنّ الوزن العلمي لحوزة النجف الأشرف أمانة في رقاب الجميع، بدءاً من المراجع ومروراً بالعلماء والفضلاء وانتهاءً بالطلاب على اختلاف مراحلهم الدراسية.

ومما ينبغي أن يلاحظ بهذا الصدد أمور:

أولاً: أنّ مَن يمتلك المؤهلات الكافية للوصول إلى مرتبة سامية في العلوم الحوزوية ـــ ولا سيّما الفقه والأصول والحديث والرجال على أيدي أساتذة أكفاء ـــ يلزمه صرف وقته في هذا المجال مهما وسعه ذلك، وليس له أن يصرفه في مجالات أخرى حتى لو كانت نافعة في حدّ ذاتها.

ومن المؤسف ما يلاحظ من توجّه غير واحد من النابهين الذين يؤمّل لهم مستقبل زاهر في الحوزة العلمية إلى العمل في المراكز والمؤسسات الثقافية والتحقيقية أو الانشغال التامّ بالعمل التبليغي أو التوجّه إلى الدراسة الاكاديمية ونحو ذلك ممّا يعيقهم عن مواصلة مسيرتهم العلمية الحوزوية.

نعم مَن ليست لديه مؤهلات كافية لبلوغ درجة عالية في العلوم الحوزوية حتى يصبح أستاذاً مرموقاً أو مؤلفاً بارعاً فيها ينبغي له التوجّه إلى العمل التبليغي أو التحقيقي إن كان قادراً على القيام به، وأمّا مَن وهب الله له من قوة الفكر والاستعداد والذكاء وفراغ البال ما يمنحه فرصة الوصول إلى مرتبة عالية من علمي الفقه والأصول ونحوهما فمن الضروري أن يصرف أوقاته في ذلك.

إنّ الحوزة العلمية بحاجة ماسة في مستقبلها إلى فقهاء عظام وفضلاء كبار بعد جيل الموجودين (أطال الله في أعمارهم) ولا يمكن تأمين هذه الحاجة الضرورية إلا بأن يبذل مَن لديهم مؤهلات كافية غاية جهدهم في تحصيل أعلى المراتب العلمية مقروناً بالصلاح والسداد.

ثانياً: الحذر التامّ من ادّعاء الوصول إلى المراتب العلمية السامية ولا سيّما الاجتهاد والفقاهة من دون توفر شواهد وافية على ذلك بشهادة أهل الخبرة من المتصفين بالورع والدقة في شهاداتهم، التي تكون بطبيعة الحال مستندة إلى الاطلاع على الآثار العلمية للشخص كالكتب الاستدلالية والمقالات العلمية والدروس العالية ونحوها، ممّا هو من نتاج فكره وجهده لا مقتبساً من أفكار وكتابات الآخرين.

وحذارِ من تعويل الشخص على نفسه في تشخيص اجتهاده فإنّ النفس خدّاعة، وكثيراً ما تعتقد بأنّ لصاحبها امكانات عقلية وعلمية تتفق مع رغبتها وهواها ولكن لا تطابق الواقع.

وكذلك حذارِ من التعويل على شهادة بعض الطلبة الذين لم يثبت بلوغهم مرحلة كافية من العلم تؤهّلهم لتشخيص المجتهد عن غيره.

كتب أستاذ الفقهاء والمجتهدين المحقق النائيني (قدّس سرّه) بخطّه الشريف في بعض أجوبة استفتاءاته: ((لا يخفى أنّ غير المجتهد إذا ادّعى الاجتهاد كان ذلك فسقاً لا يقاس بسائر الفسوق، وكان موجباً لأن يندرج مرتكبه في أتباع الغاصبين الأوّلين، فلو فرض أنّه كان معتقداً اجتهاد نفسه ومعذوراً في خطئه بأنْ عَرَض نفسه على عدلين من أهل الخبرة بالاجتهاد المطلق وهما أخطآ في اجتهاده وصدّقا اجتهاده خطأً منهما وهو اعتمد على تصديقهما وقام بما لا يجوز صدوره من غير المجتهد، ففي خصوص هذه الصورة لا يكون دعوى الاجتهاد وتصدي ما لا يجوز صدوره عن غير المجتهد قادحاً بعدالته وإلا كان من أعظم الفسوق وأعظم المعاصي وقد غصب مقام النيابة عن صاحبه أرواحناه فداه وصلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين فاندرج في أتباع الظالمين الاوّلين)).

وبذلك يُعرف أنّه لا ينبغي أن يغترّ المرء بحضور عدد ولو غير قليل من الطلاب مجلس درسه وإن كان فيهم بعض الأذكياء فيتوهّم أنّه بلغ رتبة عالية من العلم، ولا سيّما أنّ دواعي الحضور متنوعة ولا تنحصر في الاعتقاد بأهلية المدرّس كما هو واضح.

ثالثاً: تجنّب الترويج لمَن يتصدّى لموقع علمي من تدريس أو غيره إلا بعد التأكد من أهليته لذلك، وإلا فلا مسوّغ له وأكتفي بذكر نحوين منه:

النحو الأول: إطلاق ألقاب علمية عالية كعنوان (آية الله) على جملة ممّن لديهم حلقات بحث الخارج، كما يُشاهد ذلك في العديد من قنوات الحوزويين على شبكة الانترنيت، مع أنّ هذا العنوان إنما ينبغي أن يطلق على مَن هو مسلّم الاجتهاد والفقاهة عند أهل الخبرة، وهو قليل جداً في هذه الأزمنة، ولا يصحّ أن يطلق على غيره وإن كان فاضلاً محترماً ومبلّغاً بارعاً، نعم للضرورة أحكامها ولكنّها لا تتمثّل في شيء من الموارد المشار إليها.

وبتعبير آخر لا ينبغي الخلط بين مقامين :

الأول: مقام العالم الفقيه القادر على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المعروفة، بتمكّنه التامّ من أدواته وهي متنوعة ولا تنال بسهولة ـــ ومن أهمها علم الأصول والحديث والدراية والعلوم الأدبية ونحوها ـــ مع ممارسة معمّقة في هذا المجال والتحلّي باستقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول.

الثاني: مقام غيره من أهل الفضل، وقد يمتلك براعة في مخاطبة الجمهور وتثقيفهم وتوعيتهم، وهو عمل في غاية الأهمية ولكن لا يصح أن يسند المقام الأول إلى صاحبها إن لم تكن له مقوماته ولو كان له بعض الإلمام بها.

وبالجملة: لا يكفي أن تكون للشخص حلقة للبحث الخارج لكي يُتعامل معه معاملة المجتهد الفقيه ويطلق عليه لقب (آية الله)، ولا سيّما مع ما هو المعلوم من أنّه وفقاً للنظام التعليمي الحرّ والمتوارث للحوزات العلمية لا توجد جهة فاعلة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف تقوم بالتحكّم في إقامة دروس الخارج، ولذلك يلاحظ أنّ العديد من غير الكفوئين يتصدّون لها من دون رادعٍ أو مانع، فلا بدّ من الحذر التامّ بهذا الشأن.

ومن المؤسف ما نطلع عليه في الوسط الحوزوي من كتب مؤلّفة ودروس منشورة لأشخاص يلقبون بهذا اللقب (آية الله) مع أنّ تلك الكتب أو الدروس فاقدة لنصاب الاجتهاد بوضوح، بل فيها ما هو خارج الموازين العلمية تماماً، والسبيل الأنجع لعلاج مثل هذه من الظواهر غير الصحيحة هو الارتقاء بالمستوى العلمي للطلاب بصورة عامة حتى لا يجد مَن لا تحصيل له مجالاً للبروز في أوساطهم ولا أقلّ من أن يكونوا قادرين على تشخيص من ينبغي الاعتماد عليه من الفضلاء والطلاب النابهين في تمييز العالم الحقيقي عن غيره.

حكى لي سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) عن أستاذه المحقق الشيخ حسين الحلّي (رضوان الله عليه) أنّه كان يقول: ((من مزايا حوزة النجف أنها تُجلس كلّ شخص في المكان الذي يليق به))، وكان مقصوده (قدس سره) أنّه ربّما يحاول البعض أن يتقدّم ويحتل موقعاً من المواقع الحوزوية كالمرجعية والتدريس وإمامة الجماعة ونحوها وهو ليس أهلاً له فإنّ الحوزة لا تسمح له بذلك بل تُرجعه إلى حيث يناسبه، وكان هذا في أيام تزخر الحوزة بعشرات المجتهدين ومئات الفضلاء الذين لا يمكن مع وجودهم أن ينخدع أحد ببعض المظاهر الزائفة، وأصبحنا وللأسف في زمن يُطلق فيه العديد ممّن لا تحصيل لهم دعاوى فارغة وينخدع بهم البعض قلّوا أو كثروا.

النحو الثاني: الحضور في دروس غير المؤهلين فإنّه يعدّ ضرباً من الترويج لهم، ولا مبرّر له شرعاً حتى مع افتراض عدم خلوّه من بعض الاستفادة منهم، ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر، ولو كان المدرّس يجهل عدم أهليته للتدريس فإنّ في الحضور لديه مسؤولية مضاعفة من حيث إغراؤه بالجهل.

ومن أسوأ الأمور وأقبحها وأضرّها ما إذا كان الحضور لنيل بعض المزايا المادية من مالية أو غيرها تُمنح للحضور، ولا تبرّره الحاجة في حال من الأحوال، وكان هذا الأمر في عُرف الحوزة العلمية في النجف الأشرف في أيام مجدها منقصةً شديدةً للدافِع وللآخِذ ويُسقط كليهما عن الاعتبار، وينبغي أن يكون كذلك.

إنّ الهدف من الحضور في أيّ درس يجب أن يتمحّض في الاستفادة منه، ومَن لا يستفيد من درس (ولو لسبب شخصي) لا ينبغي أن يحضر فيه، وتكثير السواد ليس مبرّراً لذلك.

نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونسأله تعالى أن يوفقنا لِما فيه خير دنيانا وآخرتنا إنّه ولي التوفيق، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.

المصدر: شفقنا العربي
2024/03/05

روايات في كراهة «ترك العشاء» لفئة من الناس!
الروايات في كراهة ترك المسن العشاء!! الأولى : صحيحة سعيد بن جناح

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إذا اكتهل الرجل ، فلا يدع أن يأكل بالليل شيئاً ؛ فإنّه أهدى للنوم وأطيب للنكهة.

الثانية : حسنة ذريح .

روى الكليني عن ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الشيخ لا يدع العشاء ، ولو بلقمة.

الثالثة : حسنة جميل بن صالح ..

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ترك العشاء مهرمة ، وينبغي للرجل إذا أسن ألّا يبيت إلّا وجوفه ممتلئ من الطعام.

كراهة أن يبيت المسن وفي جوفه دسم!!

الرواية الأولى : 

روى الكليني عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : 

(إذا بلغ الرجل خمسين سنة ، فلا يبيتن وفي جوفه شيء من السمن).

قلت: إسناده حسن صحيح باتفاق .

الرواية الثانية:

وفي صحيح حماد الآخر قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فكلمه شيخ من أهل العراق فقال له واجتنب السمن؛ فإنّه لا يلائم الشيخ.

الرواية الثالثة :

وروى الكليني ، عن أبي حفص الأبار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: 

السمن ما دخل جوفاً مثله ، وإنني لأكرهه للشيخ.

2024/03/04

كيف أحمي نفسي من جميع المعاصي؟
باسمهِ جلّت أسماؤه: عندما يفكّر المكلّف في أنّ اللَّه تعالى يراه في جميع أعماله وسيحاسبه عليها ، وأنّ مَن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ، ومَن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره ، فإنّ ذلك لا بدّ وأن يشكّل رادعاً عن ارتكاب المعاصي لكلّ عاقل.

كما أنّ عليه أن يجتنب عن الأسباب المؤدّية للمعصية، حتّى لا تنتهي به إليها، وقبل كلّ ذلك عليه أن يطلب المدد من اللَّه تبارك وتعالى والاستعانة الصادقة به.

أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق ، ج ٢ – نقلاً عن رياض العلماء
2024/03/02

للحصول على «المقام المحمود».. وصفة عمليّة من المرجع الوحيد الخراساني
يقول الشيخ الوحيد الخراساني [دام ظله]:استيقظوا آخر الليل على أي حال من الأحوال، تأمّلوا فيما أقول جيّداً وفكّروا فيه بدقّة، في أنّه ما هو أعلى مقام؟

إنّه المقام الذي حدّده الباري تعالى للشخص الأوّل في عالم الوجود، ولا يُعقل سوى ذلك عقلاً ونقلاً، لقد وعد الله نبيّه الكريم [صلى الله عليه وآله] بمثل هذا المقام، ولكن مع توفّر خصوصيّة فيه، حيث قال تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.

من هنا ينبغي أن نفهم كيف انقضى عمرنا دون أن نقطع الطريق الصحيح، ودون أن نحصل على هذا الشرف.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله: «أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ».

فإن حصل ذلك اتصلت النفس بمبدأ النور، واستمدّت منه، حينها سيفهم الإنسان الأثر التربوي لهذا الدين.

إنّ هذه الوصفة هي وصفة عملية، لا تتحقق بمجرد الكلام، بل لا بدّ من اقترانها بالعمل.

الحسين(ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة - نقلاً عن رياض العلماء
2024/02/27

ثمنها الجنّة: كيف نحصل على التقوى؟
بسم الله الرحمن الرحيم قال عزَّ من قائل:- ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾.

 تبشر الآية الكريمة المؤمنين بخير، وهي تقول أولاً ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ فإنَّ المؤمنين يوجد لهم سائق يسوقهم إلى الجنَّة، ولماذا هذا السوق فإنَّ المفروض أنهم يسيرون إلى الجنة بأنفسهم فلماذا يتلكأ البعض منهم في السير ويحتاجون إلى ملكٍ يسوقهم إلى الجنة؟ لعل السبب في ذلك هو أنَّ البعض ينتظر ابنه أو أخاه أو صديقه أو زوجته ولكنهم - مع الأسف - لم يكونوا من أهل الجنة، فلأجل هذا الأمر يسوقهم الملك إلى الجنة، ومن هم الذين يسوقهم الملائكة إلى الجنة؟ إنهم المتقون ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِلَى الْجَنَّةِ ﴾، وكيف يسوقونهم ؟ يسوقونهم زمراً ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ ومعنى الزمر هي جماعة، فهم يساقون جماعةً جماعة، فمثلاً الذين يحضرون مجالس الإمام الحسين عليه السلام هم زمرة والذين يطبخون الطعام لأجله زمرة أخرى ... وهكذا، فلابد إذاً من جود عاملٍ مشترك بين هذه الجماعة حتى يكونوا زمرة واحدة، ثم قالت الآية المباركة ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ أي قبل أن يصلون إلى الجنة تفتح لهم أبوابها احتراماً لهم ويقول لهم خزنتها ﴿ سلام عليكم ﴾ يعني السلام عليكم فإنكم سرتم سيراً مستقيماً في الدنيا فتعالوا الآن إلى الجنة، و﴿ طبتم ﴾ أي طبتم في الجنة تعيشون فيها فترة غير محددة بل خالدين فيها ﴿ فادخلوها خالدين ﴾ أي إلى ما لا نهاية، ومن الواضح أنَّ الإنسان يبقى في الجنة شاباً ولا يصير شيخاً وإلا فلا تنفعه الجنة، بل يبقى على روعته وشبابه وتلذذه، فهذا هو جزاء الذين اتقوا، فالمهم أن يكون الانسان المؤمن متقياً وهذه الآية الكريمة منبهة لنا بأن صيروا متقين واثبتوا على التقوى، وأهم شيء ينبغي المواظبة عليه هو التقوى، لأنك سوف تحصل على جنة الخلود بسبب هذه التقوى.

وكيف نحصل على التقوى؟

إنَّ الأمر ليس بالسهل ولكن أولاً ينبغي التصميم من داخل النفس على إرادة الجنة وطلبها، ومن أهم الأمور لأجل ذلك أولاً هو المواظبة على اللسان من الغيبة والنميمة وما شاكل ذلك وأيَّ تصرف محرم ، والأمر المهم الثاني هو أنَّ التصميم وحده لا ينفع بل لابد وأن يلوذ المؤمن بالله عزَّ وجل ويخاطبه الله دائماً وفي جميع أحواله بأنه يا رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وخذ بيدي في جميع أموري، فلندع بهذا الدعاء ولنعلم الناس عليه أيضاً فإنهم قد لا يكونوا ملفتين إلى ذلك وإنما هم ملتفتون إلى أشياء أخرى كأن يطلبون من الله تعالى أن يرزقهم الحج أو العمرة أو زيارة المعصومين عليهم السلام وهذا أمر جيد لكن الأهم هو أن يدعو الإنسان ربه في أن يأخذ بيده دائماً وهذا ما يعلمنا به القرآن الكريم كما في قصة يوسف عليه السلام حيث قال:- ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. اللهم اجعلنا نخشاك كأنّا نراك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ أبداً بحق محمد وأهل بيته الطبيبين الاطهار.

نص الموعظة الأسبوعية لسماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني دام عزّة ليوم الأربعاء :- 10/ شعبان / 1445هـ ق الموافق 21 / 02 / 2024م
2024/02/21

2024/02/21

آية الله الإيرواني: بعض الأحاديث لا تحتاج إلى البحث في سندها
الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الأربعاء :- 03/ شعبان / 1445هـ ق  الموافق 14 / 02 / 2024م

 

بسم الله االرحمن الرحيم

جاء في الحديث الشريف أنَّ رجلاً جاء إلى الامام الحسين عليه السلام وقال له:- ( إني رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة، فقال عليه السلام:- افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت، إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت، وإذا ادخلك مالك النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت، واطلب موضعاً لا يراك الله فيه واذنب ما شئت، ولا تأكل زرق الله واذنب ما شئت، واخرج من ولاية الله واذنب ما شئت ) .

وهنا نذكر قضية:- وهي أنه قد يناقش أحد في سند هذا الحديث وأنه تام أو ليس بتام؟

ولكن نقول:- إنَّ بعض الاحاديث لا تحتاج إلى البحث في سندها بل تكفي قوة المضمون إلى الاطمئنان بصدروها من معدن العصمة والطهارة فنأخذ به بغض النظر عن سنده، وهذا الحديث من أمثلتها.

وأما القسم الاول من الحديث الشريف - وهو قوله عليه السلام إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت ) - فهو يرشدنا إلى أنَّ سنَّة الموت هو سنَّة عامة، فالكل يموت ولا يبقى في هذه الدنيا أحد، فإذا كان الأمر كذلك فهل حصل منّا استعداد لما بعد الموت وعالم الآخر فإنه لا يوجد شك في الموت؟!! بل القرآن الكريم أكد هذه الحقيقةفي آيات عديدة فمرة يقول:- ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ ، وثانيةً يقول:- ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ ، وثالثةً يقول:- ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ، ورابعة يقول:- ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ .

فإذا سنَّة الموت سنَّة لا محال عنها، ومن الواضح أنَّه إذا رجعنا إلى حياة ما بعد الموت فهي حياة ابدية وغير محددة بمائة سنة أو مائتين أو مليون أو مليار سنة وإنما هي حياة أبدية - ﴿ هم فيها خالدون ﴾ - وهذه قضية لابد من الالتفات إليها، فتلك هي الحياة الحقيقية لا هذه الحياة فإنَّ هذه الحياة وراءها موت ونهاية وأما تلك الحياة فليس لها نهاية والله تعالى خلقنا لتلك الحياة، فهو يريد أن يعطينا جنة ونعيم ولكن وفق نظام وامتحان وكانت الدنيا هي دار الامتحان، فهو فخلقنا في الدنيا كي نعمل لنفوز وندخل بذلك في تلك الحياة الابدية، فالحياة الدنيوية ليست هي المقصود الاصيل بل المقصود الاصيل هو الحياة الآخرة والحياة الدينا هي مقدمة للحياة الاخرة حتى يأخذ العاصي جزاءه والمطيع جزاءه، ولأجل أن نفوز بتلك الحياة لابد وأن ننجح في الامتحان في دار الدنيا، ومن الواضح أنَّ هذا ليس بالأمر السهل، فأنا حينما أقف على قبر حبيب بن مظاهر والشهداء مع الحسين عليهم السلام وأقول لا يلتني كنت معكم لا أدري هل استطيع أن افعلها مثلهم، فحبيب ضحى بنفسه وآثر الحياة الآخرة على الدنيا بخلاف بعض أصحاب الحسين عليه السلام حيث قال للحسين عليه السلام أعطيك فرسي ولكني لا أستطيع أن أذهب معك.

اللهم ساعدنا في هذه الحياة كي نطيعك ولكي نحصل على تلك الحياة الابدية بحق محمد وآلة الطاهرين.

2024/02/14

هدية للصائم في شهر شعبان
اعلم أنّ شهر شعبان شهر شريف وهو منسوب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم هذا الشهر ويوصل صيامه بشهر رمضان 1، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : شعبان شهري من صام يوما من شهري وجبت له الجنة 2.


وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : كان السجاد عليه‌السلام إذا دخل شعبان جمع أصحابه وقال عليه‌السلام : يا أصحابي ، أتدرون ما هذا الشهر؟ هذا شهر شعبان. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : شعبان شهري فصوموا هذا الشهر حبا لنبيكم وتقربا إلى ربكم أُقسم بمن نفسي بيده ، لقد سمعت أبي الحسين عليه‌السلام يقول : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من صام شعبان حباً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقربا إلى الله أحبه الله وقربه إلى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنة 3.

وروى الشيخ عن صفوان الجمّال قال : قال لي الصادق عليه‌السلام : حثّ من في ناحيتك على صوم شعبان. فقلت : جعلت فداك ترى فيه شَيْئاً؟ فقال : نعم ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رأى هلال شعبان أمر مناديا ينادي في المدينة : يا أهل يثرب! إني رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليكم ، ألاّ إنّ شعبان شهري ، فرحم الله من أعانني على شهري ، ثم قال : إنّ أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) كان يقول : ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينادي في شعبان ، ولن يفوتني أيام حياتي صوم شعبان إن شاء الله تعالى ، ثم كان عليه‌السلام يقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله 4.
وروى إسماعيل بن عبد الخالق قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام فجرى ذكر صوم شعبان فقال الصادق عليه‌السلام إنّ في فضل صوم شعبان كذا وكذا حتى إنّ الرجل ليرتكب الدم الحرام فيغفر له 5.

الهوامش: 1. الاقبال 3 / 291 فصل 4.
2. وسائل الشيعة 4 / 376 ذيل الحديث 13975 ، ح 28 من باب 29 ، أبواب الصوم المندوب.
3. رواه المجلسي في زاد المعاد : 47 عن طريق ابن بابويه.
4. مصباح المتهجّد : 825.
5. مصباح المتهجّد : 826.
2024/02/12

أعمال لطلب الولد والذرّية الصالحة
هل تُوجد أدعيةً خاصة لطلب الولد والذرية الصالحة؟

نعم وردت في ذلك رواياتٌ عديد عن أهل البيت (عليهم السلام):

منها: ما رواه الصدوق في الفقيه عن الإمام زين العابدين (ع) انَّه قال لبعض أصحابه: قل لطلب الولد: (ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثين، واجعل لي من لدنك وليَّاً يرثني في حياتي ويستغفر لي بعد وفاتي، واجعله خلقاً سوِّياً ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً، اللهم إنِّي أستغفرك وأتوب إليك إنَّك أنت التواب الرحيم) سبعين مرة،1 فإنَّه مَن أكثر من هذا القول رزقه الله ما تمنَّى من مالٍ وولد ومن خير الدنيا والآخرة فإنَّه يقول:﴿ ... اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ 2.

ومنها: ما رواه الطبرسي عن الإمام الحسن (ع) انَّ أحدهم قال له: إنِّي رجلٌ ذو مال ولا يُولد لي، فعلِّمني شيئاً لعل الله يرزقني ولداً، فقال (ع): "عليك بالاستغفار"، فكان يُكثر من الاستغفار حتى ربَّما استغفر في اليوم سبعمائة مرة،3 فوُلد له عشر بنين. فسأله الرجل بعد انْ وُلد له مم ذلك؟ فقال (ع): ألم تسمع قول الله عزَّ اسمه في قصة هود: ﴿ ... وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ... ﴾ 4 وفي قصة نوح:﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ... ﴾ 5 ".

يشير الإمام (ع) بحسب الرواية إلى خطاب نبيِّ الله هود (ع) إلى قومه:﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ... ﴾ 4 فالآية المباركة قد رتَّبت على الإستغفار والتوبة تحقُّق الإدرار للسماء والذي هو كناية عن السعة في الرزق وازدياد القوة والتي منها الذرية.

ويُشير في المورد الثاني إلى خطاب نوح (ع) إلى قومه:﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ... ﴾ 2 فإنَّ مفاد الآية المباركة انَّ الله تعالى يمنح المستغفرين من عباده سعة الرزق وكثرة الأموال والبنين.

ومنها: مارواه الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "إذا أبطأ على أحدكم الولد فليقل: (اللهم لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين وحيداً وحشاً فيقصُر شكري عن تفكُّري بل هب لي عاقبةَ صدقٍ ذكوراً وإناثاً آنس بهم من الوحشة وأسكن إليهم من الوحدة، وأشكرك عند تمام النعمة، يا وهاب يا عظيم، ثم أعطني في كلِّ عافيةٍ شكراً حتى تُبلِّغني منها رضوانك في صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاءً بالعهد)"6.

ومنها: مارواه الكليني بسنده عن أبي بكر الحضرمي عن الحارث قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) إنِّي من أهل بيتٍ انقرضوا وليس لي ولد، قال (ع): "ادعُ وأنت ساجد (ربِّ هب لي من لدنك ولياً يرثني، ربِّ هب لي من لدنك ذريةً طيبِّة إنَّك سميع الدعاء، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)، قال: ففعلتُ فوُلد لي عليُّ والحسين"6.

ومنها: مارواه الكليني بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: "إذا أردتَ الولد فقل عند الجماع: (اللهم ارزقني ولداً واجعله تقيَّاً ليس في خلقه زيادةٌ ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير)"7.

ومنها: مارواه في طبِّ الأئمة بسنده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن ابي جعفر الاول محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام انَّ رجلا شكى اليه قلةَ الولد، وانَّه يطلب الولد من الإماء والحراير فلا يُرزق له وهو بن ستين سنة فقال (عليه السلام): قل ثلاثة أيام في دبر صلاتك المكتوبه صلاه العشاء الاخرة وفي دبر صلاه الفجر: سبحان الله سبعين مرة، وأستغفر الله سبعين مرة، وتختمه بقول الله عز وجل: ﴿ ... اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ 2 ثم واقع إمرأتك الليلة الثالثة فانَّك تُرزق باذن الله ذكراً سوياً، قال: ففعلتُ ذلك و لم يحل الحول حتي رُزقت قرة العين"8.

هذا وقد روي انَّ رفع الصوت بالأذان في البيت يُوجب كثرة الولد، فمن ذلك مارواه الكليني بسنده عن محمد بن راشد قال: حدثني هشام بن ابراهيم انه شكى الي أبي الحسن الرضا (ع) سقمه وانَّه لا يُولد له ولد فأمره انْ يرفع صوته بالاذان في منزله، قال: ففعلتُ فأذهب الله عنِّي سقمي، وكثر ولدي، قال محمد بن راشد: وكنتُ دائم العلة ما أنفكُّ منها في نفسي وجماعة خدمي وعيالي فلما سمعتُ ذلك من هشام عملتُ به فأذهب الله عنِّي وعن عيالي العلل"9.

وكذلك روي انَّ عقد العزم على تسمية المولود علياً يُسهم في التوفيق لسرعة الإنجاب بمشيئة الله جلَّ وعلا فمن ذلك مارواه الكليني بسنده عن محمد بن عمرو قال: لم يُولد لي شئ قط وخرجتُ الي مكة ومالي ولد، فلقيني إنسان فبشَّرني بغلام، فمضيتُ ودخلتُ على أبي الحسن الكاظم (ع) بالمدينة، فلمَّا صرتُ بين يديه قال لي: كيف انت وكيف ولدك؟ فقلت: جعلتُ فداك خرجتُ ومالي ولد فلقيني جارٌ لي فقال لي: قد ولد لك غلام، فتبسَّم ثم قال: سميته؟ قلتُ: لا، قال: سمِّه عليَّاً، فانَّ أبي كان اذا أبطات عليه جارية من جواريه قال لها: يا فلانة إنوي علياً، فلا تلبث أنْ تحمل فتلد غلاماً"7.

الصلاة لطلب الولد:

روى الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق عن أمير المؤمنين (ع) إذا أردت الولد فتوضأ وضوءً وصلِّ ركعتين وحسِّنها واسجد بعدهما سجدةً وقل: (استغفر الله) إحدى وسبعين مرة، ثم تغشى امرأتك، وقل: (اللهم ارزقني ولداً لأُسميه بإسم نبيِّك (ص) فإنَّ الله يفعل ذلك..)10.

وروى الكليني بسنده عن علي بن الحكم عن رجل عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) من أراد ان يُحبل له فليصلِّ ركعتين بعد الجمعة يُطيل فيها الركوع والسجود ثم يقول: (اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا إذ ناداك ربَّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين، اللهم فهب لي ذريةً طيِّبة إنَّك سميع الدعاء، اللهم بإسمك إستحللتُها، وهي أمانتك أخذتُها فإنْ قضيت في رحمها ولداً فاجعله غلاماً مباركاً زكيَّاً، ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً ولا شَرَكاً)11.

هذا بعض ما ورد في طلب الولد، وليس من شيئ أسرع لتحصيل هذه الغاية من الإستغفار والدعاء بما هو مأثور مع الوثوق بأنَّ الله عز وجل يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فإنَّ أخَّر الإجابة فلغايةٍ فيها صلاحٌ للعبد في الدنيا أو الآخرة ثم إنَّ الإلحاح على الله تعالى بالدعاء مستحسنٌ وراجح، وهو من مقتضات الإجابة.

الهوامش:

        1. من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج 3 ص 474.
        2. a. b. c. القران الكريم: سورة نوح (71)، الآيات: 10 - 12، الصفحة: 570.
        3. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 21 ص 372.
        4. a. b. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 52، الصفحة: 227.
        5. القران الكريم: سورة نوح (71)، الآية: 12، الصفحة: 571.
        6. a. b. الكافي -الشيخ الكليني- ج 6 ص 8.
        7. a. b. الكافي -الشيخ الكليني- ج 6 ص 10.
        8. طب الأئمة -ابن سابور الزيات- ص 130.
        9. الكافي -الشيخ الكليني- ج 3 ص 308.
        10. بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 88 ص 363.
        11. الكافي -الشيخ الكليني- ج 3 ص 482.

2024/01/25

الأيام البيض في شهر رجب.. إليك أهمّ الأعمال
إعلم أنه يستحب أن يصلّى في كل ليلة من الليالي البيض من هذه الأشهر الثلاثة : رجب وشعبان ورمضان الليلة الثالثة عشرة منها ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة يَّس وتبارك والملك والتوحيد، ويصلى مثلها أربع ركعات بسلامين في الليلة الرابعة عشرة ، ويأتي ستّ ركعات مثلها يسلّم بين كل ركعتين منهما في الليلة الخامسة عشرة. فعن الصادق عليه‌السلام : أنّه من فعل ذلك حاز فضل هذه الأشهر الثلاثة وغفر له كل ذنب سوى الشرك1. اليوم الثالث عشر

هو أول الأيام البيض ، وقد ورد للصيام في هذا اليوم واليومين بعده أجر جزيل 2، ومن أراد أن يدعو بدعاء أم داود فليبدأ بصيام هذا اليوم.

وكان في هذا اليوم على المشهور ولادة أمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ في الكعبة بعد ثلاثين سنة من عام الفيل 3.

الهوامش: 1. الاقبال ٣ / ٢٣٠ فصل ٥٠ مع اضافات واختلاف لفظي.
2. الاقبال ٣ / ٢٣٣ فصل ٥٦.
3. رواه الحلي في كشف اليقين : ٣١ ، فصل ٢.
2024/01/24

2024/01/11

الموعظة الأسبوعية: الدنيا مضمار سباق.. تزوّد منها بـ «العمل الصالح»
الموعظة الاسبوعية لسماحة الشيخ الايرواني ليوم الابعاء:- 27/ جمادي لااخرة / 1445هـ ق الموافق 10/ 01 / 2024م

بسم الله االرحمن الرحيم

جاء في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:- (ألا وإنَّ اليوم المضمار وغداً السباق والسَبَق الجنة والغاية النار)[1].

معنى المضمار هو أنَّ العرب كان يوجد عندهم سباق الخيل، والغرض من هذا السباق هو أنه حتى تكون الخيل سبّاقة ويستفيدون من ذلك في الحرب، فإذا ارادوا أن يجعلوها قادرة على السابق والفوز فيه فإنهم لا يطعمونها الطعام بكثرة حتى تضمر بطونها فإنَّ البطن إذا كانت كبيرةً فسوف يصعب عليها السباق وأما إذا كانت غير كبيرة فسوف تتمكن من السابق ، والامام عليه السلام يقول إنَّ الدنيا هي يوم السباق، فكما أنَّ العرب كما كانوا يستعدون قبل السباق بأيام لأجل الاستفادة من ذلك في الحرب نحن كذلك يلزم علينا أن نستعد لأجل الحياة الحقيقية فإنَّ ما بعد يوم القيامة هو الحياة الحقيقية وأما الحياة الدنيا فليست بحياة وإنما هي ايام تزوّد بالاعمال الصالحة، فالدينا اشبه بأيام المضمار، فالمتزود بالاعمال الصالحة - مثلكم وأمثالكم إن شاء الله تعالى - فسوف يتسابقون إلى الجنة، فإنَّ جائزة الفائزين هي الجنة وغاية الخاسرين - وهم اعداء أهل البيت عليهم السلام - هي النار.

فإذاً يا اخوتي واعزتي تعالوا لنصمّم على الاستفادة من دنيانا لآخرتنا فيوم المضمار هو هذه الحياة وذلك بالتزود بالاعمال الصالحة، ولا يكون العمل صالحاً إذا كان لله تعالى، فكل عمل جيد وكان الهدف منه هو الله عزَّ وجل فهو العمل الصالح، أما لم يكن لله عز وجل – كما لو خسر كل أمواله في بناءٍ للفقراء أو الزائرين ولكن الهدف لم يكن الله عزَّ وجل - فلا يعطى شيئاً لأنَّ هذا العمل ليس صالحاً فإنَّ الاساس في العمل الصالح هو النية.

ونحن طلبة العلم بحمد لله ندرس ونطالع فلنجعل اعمالنا لله عزّ وجل وننويها له وليس لأجل أن يقول الناس عنا كذا وكذا، فأدرّس لله عزَّ وجل، واكتب لله عزَّ وجل، واتباحث لله عزَّ وجل، ولكن مع الاسف أول ما دخلنا إلى الحوزة لم نتنبَّه إلى هذه القضية، نعم كنّا نحاول أن ندرس بشكلٍ جيد وهذا أمر جيد ولكن كان من المناسب أن نُنبَّه من البداية، فتعال ايها الطالب واجعل عملك خاصاً لله عزَّ وجل، ولكن القضية صعبة، فدائماً يلزم على طالب بالعلم أن يتوجه إلى الله عزَّ وجل ويدعوه أن تعينه في جميع أموره وحتى في نيته فإنَّ النية الخالصة لله عزَّ وجل ليست بالأمر السهل، فدائماً لابد وأن نطلب من الله عزَّ وجل الاعانة في جميع امورنا وأحدها مسألة النية بأن تكون جميع نوايانا له عزَّ وجل حتى يتحقق الفوز في ذلك اليوم إن شاء الله تعالى.

أسال اله تعالى أن يعيننا جميعاً على هذه القضية وأن يجعل دراستنا وتحضيرنا ومباحثتنا لوجهه الكريم بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

المصدر: مكتب سماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني

الهوامش: [1]  نهج البلاغة، خطبة28.
2024/01/10

لماذا نؤجّل التوبة؟!
إن من طبيعي أن يكون للشيطان والنفس الميالة إلى اللعب واللهو، الدور في التسويف بالتوبة، وذلك بتحلية المعصية في عين العاصي.

[اشترك]

والحل الأساسي هو: الوصول إلى درجة من كره المعصية؛ لئلا يبقى معه ميل إلى الحرام أصلا، وإلا فإن المسالة تبقى تتردد بين الفعل والترك.

 إن الذي يرى الغيبة على أنها: أكل للميتة مثلا، ولأكل الطعام الحرام على أنه: جيفة منتنة، ولأكل مال اليتيم على أنه: أكل للنار، وللربا على أنه: مس من الشيطان، وللمرأة العارية أو شبة العارية-كالحيوانات السائمة- على أنها: موجودة منزوعة الحياء، والتي هي من أهم عناصر مقومات شخصيتها.. إن الذي يعيش هذه الأحاسيس وما يشابهها في كل حرام، فسوف لن يرى كثير معاناة في ترك الحرام-وإن كان مغريا بظاهره- ما دامت عينه إلى باطن ذلك الحرام.
استعن بالله تعالى في أن يريك ملكوت المعصية، فإنها صورة لا تطاق من القبح!.. وهذا هو الذي يفعله بالصالحين من عباده حيث يقول: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ فيا ترى ما هو حال من يرى شيئا مكروها، غير التقزز والنفور؟!

2023/12/23