كتب عدنان مرشد:
الثغرة الأولى: التّركيز على فرص التعلّم وإهمال نقاط القوّة الداخليّة (إهمال شغف الدراسة والرغبة المشتعلة للتعلّم).
ينبغي أن يكون غرس ثقافة حُبّ القراءة لدى المتعلّمين من الروضة وحتى شهادة البكالوريوس، وإيقاظ شغف الدراسة وحبهم للمدرسة والمعلّم والكتاب هدفًا رئيسيًّا للوزارات التعليميّة والمدارس والمعاهد الفنّيّة والتقنيّة والجامعات، كما يجب أن يكون تفعيل وتجديد الرغبة المُشتعلة للتعلّم لدى المُتعلّم هدفًا رئيسيًّا للمُعلّم والمدرب وأستاذ الجامعة في كل لقاءٍ دراسيّ، فهذا الشغف والحبّ والرغبة المشتعلة هي نقطة القوّة الداخليّة للتعلُّم ذو المعنى (روح التعلّم)، وبدونها يصبح التعليم والتعلّم إسقاط واجب ليس إلّا.
الثغرة الثانية: سيادة مفهوم التعلّم لأجل التعلّم والاختبار على المفهوم العصريّ للتعلّم
ينبغي بل يجب على المعلّم والمدرّب والأستاذ الانتقال من مفهوم التعلّم لأجل التعلّم وحلّ الاختبارات، إلى مفهوم التعلُّم للإنتاج، التعلُّم للعمل، التعلُّم للمهنةِ والحياة، التعلُّم لتوظيف الخبرات بما يلبّي احتياجات الجيل، واحتياجات المُجتمع، واحتياجات قطاعات التنمية، واحتياجات سوق العمل.
والمثال على ذلك، لو أنّ ثلاثة ملايّين شابّ عربيّ يدرسون قوانين كيرتشوف الفيزيائيّة، لو سألناهم: ماذا يعني لكم دراسة قوانين كيرتشوف؟ سيردّ مُعظمهم: لقد فهمنا الشرح وحفظنا القوانين وطبّقنا بحلّ مسائل، وسوف نُجيب على أيّ سؤال من الدرس قد يأتي ضمن الاختبار. وهذا مفهوم تقليديّ، بينما يفترض على المُعلّم بهذا الدرس: غرس فكرة في عقل المتعلّم أنه بعد دراسة قوانين كيرتشوف يمكنه تحليل الدّوائر الكهربائيّة في أي جهاز على الواقع، ومعرفة كيف تتوزع التيارات والجهود في تفرّعات دائرة الجهاز، وكيف يحصل كل عنصر إلكترونيّ داخل الجهاز على التيّار والجهد، وكيف يُحسب التيّار والجهد لكلّ فرع ولكلّ عنصر وكيف يقيس ويتدرب المتعلّم حتى يصبح بإمكانه تكوين دوائر كهربائيّة في المعمل، وإذا تعمق أكثر وأكثر يصبح بإمكانه اختراع دوائر كهربائيّة، التعلُّم بالمشروع- المعامل، فدراسة قوانين كيرتشوف بناءً على هذا المفهوم العصريّ سيفتح في عقول ملايين المتعلّمين آفاقًا خصبة للإنتاج والإبداع والابتكار والاختراع.
هذا التعلّم يُشبع حاجات المتعلّم وميوله الفطريّة، الأمر الذي يضيف للمتعلّم شغفًا دراسيًّا غير عاديّ ورغبة مشتعلة غير عاديّة للتعلّم وحبّ كبير للدراسة والمدرسة والمعلّم، وهكذا في أيّ درس سواء في الفيزياء أو المقرّرات الأخرى.
الثغرة الثالثة: التقويم التقليديّ- أداة لإحباط معنويات المُتعلّم
الهدف من التعليم هو "التحصيل الممتاز"، والهدف من التقويم هو قياس التحصيل والقيام بتغذية راجعة تعالج نقاط الضعف وتعزّز نقاط القوة، لكن في مؤسّساتنا التعليميّة، تعامُلنا مع التقويم كواحد من مناسك التدريس نمارسه كعادة وليس كتوجّه هادف خلّاق، على سبيل المثال:
نختبر المتعلّم في الامتحان الشهريّ ويحصل على درجة (5/20) وهو تحصيل متدني. السّؤال هو ما يحصل بعد هذا الاختبار، وفي الغالب لا يحصل شيء، لا تغذية راجعة ولا معالجة نقاط الضّعف، ويبدأ معظم المُعلّمين الحصّة التّالية بدرسٍ جديدٍ. وهي صيرورة تستمرّ إذ لم يشعر الطّالب باهتمامٍ ولم تتمّ مُعالجة نقاط ضعفه وتقديم تغذية راجعة له، فيزيد في اهمالهِ وتبقى درجاته متدنّية. وبعد صراع الطّالب الطّويل مع الإحباط يتحمّل المسؤوليّة بنفسهِ فيجتهد ويذاكر ويبحث عن شخص يساعده، ويقدّم إجابةً نموذجيّة. رغم النّهاية الجيّدة للطّالب إلّا أنّ مواجهته لكلّ هذا الإحباط وعدم حصوله على تغذية راجعة قد ساهم في إضعاف معنويّاته وثقتهِ بنفسه.
إنّ غياب التقويم البديل أو ما يسمى بالتقويم الحقيقيّ لدى السواد الأعظم من المعلّمين، يأتي على حساب أهمّ فئة طلابية يجب رعايتهم وتشجيعهم وتمكينهم وهم، الموهوبون والمبدعون، فعادة هذه الفئة ليسوا من المتميّزين دراسيًّا، لكنهم مبدعين وموهوبين، ويتطلب الأمر تقويمًا ذكيًّا لا يعتمد على الاختبارات التحريريّة كمصدر رئيسي للتقويم، بل يشمل كل المهارات الحركيّة والعقليّة والتخيّليّة والصّوريّة، حتّى نوفّر لهم مساحةً يبدعون من خلالها.